تايوان..الجبهة الثانية للمواجهة بين القوى النووية الكبرى.. جهود واشنطن لمنع تبدل النظام العالمي تسرع انهياره

ثلاثاء, 2022-08-09 16:53

في 16 أغسطس 2021 وبعد ساعات قليلة من اكتمال الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان كتبت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية: إن الغرب لحقته فضيحة ولديه نقص في الموثوقية والأخلاق. وتابعت: "الولايات المتحدة والغرب لحقتهم الفضيحة لأنهم أرادوا فرض قيمهم وسيطرتهم في واحدة من أصعب مناطق العالم، لقد فشلوا بسبب الفرضيات الخاطئة ونقص القدرة على التحمل. وأخيرا، في حالة كابول، اكتمل ما كان يلوح في الأفق منذ عقد بالتمام والكمال، وهو أن: أمريكا، بعد أن بدأت الألفية الجديدة متحمسة بشدة كمصمم لشكل العالم تريد فقط الآن العودة إلى ديارها، وربما ستبقى هناك لفترة أطول".

أما صحيفة "تايمز" اللندنية، فقالت إنه "يجب الدفاع عن النموذج الغربي"، غير أن السؤال الأهم هو: ما هي العواقب التي ستترتب على هذه الهزيمة بالنسبة لآمال الغرب في البقاء في عصر التنافس بين القوى العظمى. قد يشير المعلقون الصينيون بشغف إلى أن أفغانستان عرفت منذ فترة طويلة كمقبرة للإمبراطوريات وأن انسحاب الجيش الأحمر في عام 1989 أعقبه انهيار الاتحاد السوفيتي. ومن ناحية أخرى، يمكن للغرب أن يشعر بالارتياح لأنه لم ينجو من كارثة فيتنام فحسب، بل وانتصر أيضا في الحرب الباردة".

وتابعت تايمز تعليقها قائلة: المؤكد هو: إذا أراد الغرب فرض نفسه خلال منافسته مع الصين، الخصم الأقوى بكثير، فعليه إقناع حلفائه وشركائه المحتملين بأن نموذجه الاقتصادي والسياسي لا يستحق الدفاع عنه فحسب، بل إنه "الغرب" مستعد أيضا للدفاع عنه.

لخص تعليق الصحيفتين الغربيتين الشعور بالانكسار الذي ساد الأنظمة الغربية وهي تشاهد تسارع مؤشرات هزيمتها وانحسار هيمنتها وإن ظلت تتوهم بأنه يمكن عكس حركة التاريخ وأن ما حدث في كابل وهانوي وغيرهما يمكن أن يصنف كحوادث عابرة يمكن تخطي سلبياتها بإتباع الأساليب والتكتيكات المناسبة. 

ظن قادة المحافظين الجدد خاصة في واشنطن ولندن وباريس أن نجاح واشنطن في احتلال العراق وتدميره سنة 2003 وليبيا في سنة 2011 بجيوش حلف الناتو ونشر الفوضى في المنطقة العربية وشن حرب شبه دولية في بلاد الشام تحت الشعار الزائف عن نشر الديمقراطية، ظنوا أن ذلك يمحوا تبعات وآثار هزائمهم الأخرى. وبإستعمال علوم الاجتماع الحديثة و أدوات تشكيل الرأي العام كالصحافة والاذاعة والتلفزيون وأدوات التواصل الاجتماعي التابعة لهم والسيطرة على مناهج التعليم قدروا أنه أصبح بالإمكان بناء القواعد لاستمرار هيمنتهم ووقف حركة التاريخ.

كان والتر ليبمان من النخبة المؤثرة في دائرة الرئيس الأمريكي ويلسون، وقد كتب سنة 1921 كتابا بعنوان “the Manufacture of Consent” اي كترجمة حرفية “صناعة القبول ” أما الترجمة الأكثر تعبيرا فهي “صناعة الرأي العام. "اعتبر ليبمان كتابه ثورة في تطبيقات الديمقراطية. ملخص ما جاء في الكتاب هو "أن الصالح العام هو فوق مدارك الجماهير الغوغائية الجاهلة و يجب أن يكونوا تحت سيطرة طبقة النخبة والتي عليها تَكوين الرأي العام لتلك الجماهير لصالح طبقة اصحاب الأعمال مع إخفاء هذه الحقيقة لعدم إثارة حساسية الجماهير الجاهلة". جاء من بعده "Reinhold Niebuhr" والذي شارك ليبمان أطروحته وقال أنه بالنسبة إلى جهل بل وغباء الرجل العادي فهو لا يتبع العقل وإنما العقيدة. وهذه العقيدة بحاجة إلى خيال وتبسيط عاطفي كبير من طبقة النخبة القادرة على صناعة الأوهام.

 

من أوكرانيا إلى تايوان

 

نهاية شهر يوليو وبداية شهر أغسطس 2022 تركز اهتمام أغلب وسائل الإعلام الدولية وفي الكثير من الأحيان المحلية في بعض البلدان على ما يحدث في أقصى شرق آسيا حيث تصاعد التوتر بين واشنطن وبكين وبلغ مشارف هاوية مواجهة عسكرية قد تكون نووية حول جزيرة تايوان وذلك بسبب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للجزيرة، وما اعتبرته بكين جزء من مخطط أمريكي قديم ومتجدد لفصل الجزيرة عن الوطن الأم والعمل على تفتيت الصين إلى دويلات وحصارها ومنعها من القيام بالدور الذي تؤهله لها قوتها على الصعيد الدولي.

يوم الجمعة 5 أغسطس أدان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، المناورات العسكرية الصينية في محيط تايوان، معتبرا أنها "تصعيد كبير". وفي تصريح بعد لقائه وزراء خارجية دول في جنوب شرق آسيا في بنوم بنه، لفت بلينكن إلى "عدم وجود مبرر" للتدريبات التي أطلقتها بكين ردا على زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان.

ورأى في تحركات الصين محاولة لتغيير الوضع القائم الهش المرتبط بتايوان، وقال: "توقعنا بأن تتخذ الصين خطوات من هذا القبيل، وفي الواقع وصفنا هذا السيناريو بالضبط". وأضاف: "الحقيقة هي أن زيارة رئيسة مجلس النواب كانت سلمية. لا يوجد مبرر لهذا الرد العسكري المتشدد والمبالغ فيه والتصعيدي"، مشددا على أن موقف الولايات المتحدة حيال قضية تايوان لم يتغير ولن يخضع "للاستفزازات" الصينية.

يختلف المحللون حول تفسير دواعي المواجهة على الساحل الغربي للمحيط الهادئ. يرى فريق أنه وبعد أن استشعرت واشنطن وحلفاؤها مؤشرات هزيمتهم في الحرب الأوكرانية أراد البيت الأبيض وفي محاولة لإثبات تفوقه فرض ضغوط على بكين وربما ابتزازها لتتراجع عن تحالفها مع الكرملين. وتقول مصادر رصد في برلين أنه في بداية شهر يوليو شرع ساسة البيت الأبيض في مساومة بكين لتخفف من متانة علاقاتها مع موسكو وتقبل فكرة فرض سقف لتسعير النفط الروسي مقابل مكاسب صينية في تايوان.

مصادر أخرى في لندن وواشنطن ذكرت أن الرئيس بايدن اختار المخاطرة بمواجهة عسكرية محدودة مع الصين في تايوان على أمل استنزافها ووقف تقدم بكين الاقتصادي وتحولها بلا منازع إلى القوة الاقتصادية الأولى في العالم ونجاح مشاريعها لإزالة الدولار الأمريكي كالعملة الرئيسية في المبادلات التجارية الدولية.

 

دليل مبسط للتاريخ

 

نشرت صحيفة التايمز البريطانية يوم 5 أغسطس نبذة عن تاريخ التوترات حول الجزيرة: في نهاية الحرب الأهلية الصينية، عندما اجتاح شيوعيو ماو تسي تونغ الحزب القومي الصيني "الكومينتانغ"، وهو الحزب الحاكم في تايوان الذي كان يترأسه شيانغ كاي شيك، فر القادة المهزومون إلى تايوان آخر الأراضي المتبقية تحت سيطرتهم.

وفي أكتوبر عام 1949 أعلن ماو تأسيس الجمهورية الشعبية. ولكن عندما كان يستعد للهجوم على تايوان في العام التالي اندلعت الحرب الكورية وتحول بدلا من ذلك للدفاع عن حليفه الشيوعي في الشمال الشرقي.

واحتفظ الكومينتانغ باسم جمهورية الصين، التي لا تزال الهوية الرسمية لتايوان، وهو ما اعترفت به الولايات المتحدة على أنها الحكومة الوطنية حتى عام 1979. ثم حولت واشنطن الاعتراف بها إلى بكين عام 1979، قاطعة بذلك العلاقات رسميا مع "جمهورية الصين" (ROC)، على الرغم من أنها تحتفظ بمكتب تمثيلي هناك.

ولفتت الصحيفة إلى محاولة بكين وتايبيه وواشنطن لعقود الإبقاء على الوضع الراهن في مضيق تايوان، مع امتناع الصين عن مهاجمة تايوان وعدم إعلان استقلالها. وفي عام 2015، عقد الرئيس الصيني شي ورئيس تايوان آنذاك ما بينغ جيو، اجتماعا تاريخيا في سنغافورة.

لكن انتخاب تساي إنغ ون في عام 2016 أثار غضب بكين لأنها تأتي من الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يعارض التوحيد وتوضح أنها تفضل إعلان الاستقلال، على الرغم من أنها لم تفعل ذلك. وبعد أن تولت منصبها، رفضت تساي الاعتراف بمبدأ الصين الواحدة الذي تطالب بكين بموجبه بالسيادة على الجزيرة.

وأضافت الصحيفة أنه منذ ذلك الحين سعت بكين إلى معاقبة الجزيرة من خلال استمالة حلفاء تايوان وعزل الجزيرة دوليا. وفي سبتمبر 2020 بدأت بكين في تحليق الطائرات الحربية بشكل روتيني إلى منقطة تحديد الدفاع الجوي بالجزيرة، وهي خطوة تهدف إلى ممارسة ضغوط عسكرية على حكومة تساي.

وعن الاعتراف بتايوان، أشارت التايمز إلى أن 13 دولة صغيرة فقط تعترف بها رسميا هي بليز وغواتيمالا وهاييتي وهندوراس وجزر مارشال وناورو وبالاو وباراغواي و"سانت كيتس ونيفيس" وسانت لوسي وسانت فينسنت والغرينادين وتوفالو والفاتيكان.

لكن تايوان تقيم علاقات غير رسمية مع عشرات الدول، وأكبر حليف لها هي الولايات المتحدة، التي عززت دعمها في مواجهة تهديدات بكين المتزايدة، وتعمل العديد من الدول الأوروبية على تعزيز العلاقات مع حكوم تايبيه بعد أن أرغمتها واشنطن على الانضمام إلى إستراتيجيتها لإقامة طوق الحصار على الصين والعمل على تجميد نموها الاقتصادي والعلمي والعسكري.

 

منعطفات خطرة

 

كتب مدير معهد "الصين وآسيا المعاصرة" التابع لأكاديمية العلوم الروسية، كيريل بابايف، في "إزفيستيا" يوم 3 أغسطس 2022، عن الوضع حول تايوان وعواقب زيارة بيلوسي للجزيرة:

لم يعد مهما أن تزور بيلوسي تايوان أم لا.. فقد ارتفعت الرهانات إلى مستوى غير مسبوق، وسيكون من الصعب الآن على كلتا القوتين العظميين تخفيف درجة الانفعالات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

بتخليها عن الزيارة، كانت واشنطن ستضع نفسها في موقف الخاسر وتعطي سببا لمليار ونصف المليار صيني، ومعهم العالم كله، ليرى بفرح أن أمريكا خضعت للضغط، وسوف تخضع له في المستقبل وتستمر في التراجع على جميع الجبهات. في الوقت نفسه، بوضع قدمها على أرض الجزيرة المتمردة، تخاطر بيلوسي بإثارة تصعيد كبير، قد لا يصل إلى حرب، ولكن إلى تكثيف حاد للاستعدادات العسكرية والإجراءات الصارمة من جانب جمهورية الصين الشعبية.

بالنسبة لروسيا، يبدو حدوث تفاقم عسكري في هذه المنطقة للوهلة الأولى مفيدا. فقد سارع عدد من الخبراء إلى الابتهاج باحتمال نشوب نزاع بين الصين والولايات المتحدة كونه "يفتح جبهة ثانية" في الصراع بين روسيا والغرب. ولكن، من شأن بؤرة التوتر الرئيسية هذه، بالقرب من الحدود الشرقية لروسيا، أن تخلق تحديات جديدة لموسكو تتعلق بضرورة الاستجابة للوضع في جميع الأحوال، بما في ذلك العودة إلى الموضوع المثير للجدل المتمثل في التحالف العسكري مع الصين. 

في هذه الحالة، تتعرض هياكل منظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس، والعلاقات مع الهند والصين، لاختبارات جديدة: لموسكو مصلحة فيها، لكن عددا من البلدان الأخرى، وفي المقام الأول الهند، وهو أمر مهم بالنسبة لنا، قد تتبنى "موقفا خاصا بها". بالإضافة إلى ذلك، فإن خطر إطالة أمد الأحداث العسكرية حول تايوان سيعني، موضوعيا، نجاح المحاولات الأمريكية طويلة الأمد "لاحتواء جمهورية الصين الشعبية". بالنسبة لروسيا، قد يعني مثل هذا السيناريو إضعاف الدعم "الحقيقي والمتوقع" من الصين، الغارقة في مشاكلها الخاصة.

 

رد عميق وبعيد المدى

 

جاء في تحليل نشرته وكالة الأنباء الفرنسية يوم 7 أغسطس 2022: الرد الصيني السياسي والعسكري على زيارة بيلوسي إلى تايوان يظهر أن الأزمة في العلاقات بين القوتين قد تكون عميقة وبعيدة المدى.

وبعد ما بدا أنه حرص من البيت الأبيض على أن تكون ردود فعله معتدلة نسبيا بمواجهة الموقف الصيني منذ زيارة بيلوسي إلى تايوان، نددت الرئاسة الأمريكية بسلوك بكين "غير المسؤول" وبعرض القوة الذي قامت به في محيط الجزيرة.

زيارة بيلوسي كانت سببا في تعليق الصين أي تعاون مع الولايات المتحدة في موضوع التغير المناخي وغيره، وسلطت الضوء على مفهوم "الالتباس الإستراتيجي" الذي يحكم السياسة الأمريكية حيال الجزيرة منذ عقود والقائم على غموض متعمد.

أشار محللون إلى أن "توقيت" الزيارة كان غير مناسب في ظل التوتر الحالي المخيم على العالم، وحذروا من تصعيد خطير في وقت تخوض فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون نزاعا غير مباشر مع موسكو منذ الحرب الروسية على أوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.

وقالت بوني غليزر من مركز جيرمان مارشال فاند الأمريكي للأبحاث في واشنطن "لا أعتقد أننا نتجه نحو نزاع مسلح، لكن العلاقة الأمريكية الصينية في مرحلة صعبة جدا حاليا".

وأشارت الباحثة المتخصصة في الشؤون الصينية إلى تعليق اتفاقات تعاون أساسية للاستقرار في المنطقة، مثل اتفاق التعاون العسكري البحري الرامي تحديدا إلى منع حصول تصعيد.

ورأت غليزر أن الولايات المتحدة "أساءت تقدير" غضب الرأي العام الصيني بلا شك، ورد فعل الرئيس الصيني شي جين بينغ مع اقتراب مؤتمر الحزب الشيوعي هذا الخريف، الذي يتوقع أن يمنحه ولاية ثالثة كأمين عام.

ويعتقد الخبير روبرت سوتر، الأستاذ في جامعة جورج واشنطن، أن "عواقب إطلاق الصواريخ وغيرها من الأعمال العسكريةستظهر في الأيام وربما الأسابيع المقبلة إلى جانب إجراءات صينية أخرى".

وقال إن "مدى الإجراءات الانتقامية الصينية الهادفة إلى إظهار عدم الموافقة على زيارة بيلوسي قد لا يعرف قبل مرور بعض الوقت".

ورأى الصحفي توماس فريدمان أن الولايات المتحدة جازفت "بالانجرار إلى صراعات غير مباشرة مع القوتين النوويتين، روسيا والصين".

وكتب قبيل زيارة بيلوسي إلى تايوان -في عمود نشر في صحيفة "نيويورك تايمز" "إنه المبدأ الأساسي لأي درس في الشؤون الجيوسياسية: عدم فتح جبهتين في الوقت نفسه مع القوتين العظميين الأخريين".

لكن خبراء آخرين بدوا أقل قلقا، إذ أكدوا أن السلطات الصينية لا تريد الحرب. وقال تيموثي هيث من مؤسسة راند "من الواضح أننا دخلنا مرحلة طويلة من التوتر".

لكنه أضاف "لا أرى أي مؤشر على أن القادة الصينيين أو جهاز الحزب الحاكم يحضرون الشعب لحرب مفتوحة فقط بهدف استعادة تايوان. شي جين بينغ لا يريد حقا الحرب معنا".

 

سيناريوهات

 

أفادت صحيفة "تلغراف" البريطانية يوم 7 أغسطس 2022 -نقلا عن مصادر دبلوماسية- أن الصين تنوي الاستيلاء على تايوان بهجوم عسكري "خاطف" لا يستغرق أكثر من 48 ساعة. ورسمت 4 سيناريوهات قالت إنها قد تحدث بالتدرج أو على نحو متزامن.

وذكرت الصحيفة أنه نما إلى علمها أن بكين استشفت من مراجعتها للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أن الأمر استغرق من القادة الغربيين يومين على الأقل للرد.

وبحسب "تلغراف"، فإن إعادة تايوان إلى البر الرئيسي للصين تعد جزءا من إستراتيجية الرئيس شي جين بينغ "لإحياء" الأمة الصينية بحلول عام 2050، بيد أن بعض الحكومات الغربية تبني افتراضها على أن الهجوم الصيني على تايوان سيأتي قبل ذلك الموعد بكثير.

وتقول مصادر دبلوماسية -نقلت عنها الصحيفة- إن الزعيم الصيني يريد تجنب خوض حرب طويلة الأمد قد تأتي بنتائج عكسية.

ورغم ما يقال عن جيش التحرير الشعبي الصيني بأنه الأكبر في العالم، فإنه لم يختبر في قتال، وقد يؤدي فشله في ذلك إلى تقويض قبضة الرئيس الصيني على السلطة قبل انعقاد مؤتمر مهم للحزب. ويخلص تقرير "تلغراف" إلى رسم 4 سيناريوهات عامة يمكن أن تحدث على نحو متدرج أو متزامن، وهي على النحو التالي:

1- محاصرة تايوان:

قد تستغل الصين مناوراتها العسكرية الجارية حاليا في إنهاك تايوان ماليا واقتصاديا وعملياتيا، واستنزاف القوات المسلحة التايوانية بحملها على أن تكون على أهبة الاستعداد فترة طويلة. كما ستجعل تلك المناورات الصين قادرة على نشر عتادها العسكري في أفضل المواقع الممكنة لكي تستطيع شن هجمات بسرعة.

2- هجوم صيني لتحرير جزيرتي ماتسو وكينمين:

لطالما نظرت بكين إلى الجزر الصغيرة المتناثرة في مقاطعة فوجيان -التي يقع بعضها على بعد أقل من 10 كيلومترات من البر الرئيسي للصين- على أنها جزء من أراضيها.

وتشمل هذه جزر ماتسو (شمال غربي تايوان)، وكينمين التي هي عبارة عن سلسلة من الجزر في الشرق قبالة ساحل مدينة شيامن في الصين.

ولاستعراض قوتها واختبار عزيمة الغرب، يمكن لبكين أن تغزو بعض أو كل الجزر التي يقطنها نحو 20 ألف شخص، وبأقل تكلفة.

3- هجوم جوي وصاروخي صيني على أراضي تايوان:

قد تلجأ بكين إلى شن هجمات "تأديبية" محدودة من الجو بهدف إضعاف تايوان مع تقليل المخاطر التي ينطوي عليها أي هجوم شامل.

وستكون الدفاعات الساحلية ومواقع الرادار والمطارات الأهداف المحتملة. ومن المرجح أن تتجنب الصين استهداف المراكز السكانية الكبيرة، في محاولة لدفع تايوان إلى طاولة المفاوضات من دون التسبب في خسائر من شأنها أن تعزز الإرادة الشعبية لإقامة دفاع منسق.

وفي هذا السيناريو، من المحتمل أن ترفع الولايات المتحدة مستوى جاهزية قواتها في المنطقة، لا سيما تلك المتمركزة في اليابان، كما قد تضع طوكيو جيشها أيضا في حالة تأهب، خاصة أن قواتها قادرة على استهداف الصواريخ الباليستية الصينية.

4- هجوم أرضي صيني شامل:

وفي حالة وقوع هجوم شامل، ستسعى الصين إلى إنزال قواتها في نقاط إستراتيجية وعبور مضيق تايوان -البالغ عرضه 70 ميلا- بسرعة تحت غطاء وابل من القصف بالصواريخ والطائرات المقاتلة لإلهاء أي مدافعين. ومن المرجح أن يتم استخدام الحرب الإلكترونية على نطاق واسع لتعطيل اتصالات تايوان وبث الذعر بين عامة الناس. وسيكون الهدف اجتياح دفاعات تايوان، وتحطيم قوة إرادتها على المقاومة.

 

تحالف

 

علي عكس ما رغب فيه البيت الأبيض، لم تنجح المساومة بزيارة بليوسي لتايبيه في اضعاف تحالف بكين وموسكو. جاء ذلك في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الروسي لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره في ميانمار وونا ماونغ لوين يوم الأربعاء 3 أغسطس 2022: "لا أريد إطلاق أحكام بشأن دوافعهم "الأمريكيين"، لكن ليس لدي أدى شك في أن ذلك يعكس نفس الخط الذي شاهدناه فيما يتعلق بالوضع الأوكراني، وهي رغبة في الإثبات للجميع أنهم فوق أي محاسبة وأن لا محظورات بالنسبة لهم".

وشدد لافروف على أنه "لا يرى سببا آخر لخلق مثل هذه التوترات من فراغ، مع علمهم التام بما يعنيه ذلك لجمهورية الصين الشعبية".

وفي وقت سابق وصفت الخارجية الروسية زيارة بيلوسي بأنها "استفزاز سافر يأتي في سياق النهج العدواني الأمريكي الرامي إلى ردع الصين".

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن الشراكة الاستراتيجية بين موسكو وبكين أحد أسس الحركة من أجل سيادة القانون في العلاقات الدولية، ومبادئ الميثاق الأممي في المقام الأول. 

وأشار لافروف أثناء لقائه نظيره الصيني، وانغ يي، على هامش فعاليات منظمة آسيان في كمبوديا: "أعتقد أن شراكتنا الإستراتيجية تعد واحدا من أسس الحركة من أجل سيادة القانون الدولي... وقبل كل شيء ميثاق الأمم المتحدة الذي أعلن المبدأ الأساسي للمساواة في السيادة بين الدول. وتنتهك الولايات المتحدة هذا المبدأ كل يوم وفي كل مكان، ويجب بالطبع الرد على ذلك. ونشارك بالتعاون مع الصين في مجموعة الأصدقاء لحماية الميثاق الأممي، والتي تم تأسيسها مؤخرا. وأعتقد أن هذه فكرة واعدة تستحق التوسع فيها، ونعتقد أن أعضاء جددا سينضمون إلى عملها".

وشدد الوزير الروسي أن محاولات الولايات المتحدة الأمريكية لنشر هيمنتها على المزيد من المناطق في العالم لا آفاق لها.

وأوضح: "قررت الولايات المتحدة تحويل أوكرانيا إلى تهديد بالنسبة لروسيا، وكانت تتجاهل خلال سنوات طويلة السياسة العنصرية لنظام كييف الذي كان يقوم بإزالة كل شيء متعلق بروسيا. مثلما كان عليه الأمر مع زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان عندما تجاهلت كل مبادئها الخاصة التي كانت تعلنها علنا وتقنع الجميع بتمسكها بها، خادعة بذلك نفسها. وبشكل مماثل انتهت مبادئ الأمن غير القابل للتجزئة التي صادقت عليها أمريكا على أعلى مستوى وداستها فيما بعد".

 

من ربح أو خسر

 

كتب المحلل السياسي ألكسندر نازاروف يوم 3 أغسطس 2022: للوهلة الأولى، وحتى الثانية، تعرضت الصين لهزيمة مذلة، بعد كل الوعيد برد صارم وإجراءات جذرية. فلم تفعل الصين شيئا على الإطلاق لوقف الزيارة، وتضررت سمعة الصين بشدة.

لكن، وفي الوقت نفسه، فإن هذا هو نصر مكلّف للولايات المتحدة الأمريكية.

فالصين، وخاصة النخبة الصينية، منقسمة على نفسها. وعلى الرغم من نمو الطموح والوطنية في المجتمع الصيني، إلا أن جزءا كبيرا من النخبة يؤيد الحفاظ على الوضع الراهن، أي مكانة الشريك الأصغر في العلاقات مع واشنطن، ما يسمح لكثيرين بكسب أموال جيدة من التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية. 

وتجربة الإذلال الشديد تدفع الصين، بشكل كبير، نحو إجماع وطني على ضرورة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتضامن المجتمع الصيني، وتسريع انخراط الصين في عدد من الأنشطة المعادية للولايات المتحدة في العالم.

من ناحية أخرى، فقد كان استفزاز بيلوسي فوضويا إلى حد ما، غير معد وغير محسوب. وكان لرحلتها العديد من الدوافع الشخصية، والمغامرة، والتهور، وهي سمة تتنامى في السياسة الخارجية الأمريكية. ومع ذلك، فإن الزيارة تنسجم تماما مع الخط الاستراتيجي للمؤسسة الأمريكية، لتدمير المنافس الاستراتيجي متمثلا في الصين. ولا عجب أن مايك بومبيو والجمهوريين الآخرين أيدوا الزيارة بالكامل، بمعنى أنه لا يمكن القول إن كل ما حدث ما كان ينبغي أن يحدث.

وكما أسلفت مرارا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والدولار الأمريكي يخسران موقعهما الريادي في العالم، وهو ما يهدد الولايات المتحدة بزعزعة الاستقرار والتفكك الداخليين. والفرصة الوحيدة لنجاة الولايات المتحدة الأمريكية هي بتدمير منافسيها عمليا باستخدام الوسائل العسكرية، حيث أصبح من رابع المستحيلات تحقيق ذلك بأي وسيلة أخرى. وكلما أسرعت الولايات المتحدة في القيام بذلك، كلما زادت فرص النجاح.

وكل من الحرب في أوكرانيا، وزيارة بيلوسي إلى تايوان هما خطوتان في هذا الاتجاه، حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية إثارة الحرب، ويفضل أن تكون بالوكالة، إلا أنها لن تتوقف إذا ما تطورت الحرب إلى المشاركة المباشرة. وعلى العكس من ذلك، فكلما طال تأجيل المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وروسيا والصين على الجانب الآخر، كلما زاد احتمال فوزهما، حيث تضعف الولايات المتحدة كل يوم، وقد بدأ اقتصادها بالفعل في الانزلاق نحو الهاوية.

 

تجميد عسكري

 

عقب الانقلاب الأمريكي في أوكرانيا، عام 2014، عانت روسيا زهاء 8 سنوات من القصف المدفعي الأوكراني اليومي على دونباس، وجرائم الخطف على الأراضي الروسية، والاستفزازات على الحدود من قبل أجهزة الأمن الأوكرانية. لكن واشنطن تمكنت في النهاية من إشراك روسيا في الصراع، وعلى خلفية الهجوم الوشيك للقوات الأوكرانية على دونباس، اضطر بوتين إلى اتخاذ تدابير لتقليل القدرة الأوكرانية على القتال، ومنع الاستيلاء على دونيتسك. في الوقت نفسه، وكما نرى أمامنا، وعلى الرغم من الاضطرار لشن عملية عسكرية في أوكرانيا، فقد جمد بوتين الصراع عمليا، حتى عاد تقريبا إلى نفس مستواه من حيث الأعمال العسكرية التي استمرت 8 سنوات في دونباس. فهو يلعب على الوقت، ما يسمح للغرب أن يزداد ضعفا.

بناء على ذلك، فإن زيارة بيلوسي إلى تايوان هي الجولة الأولى من الصراع حول من له الحق في تحديد أين ومتى تبدأ الحرب الأمريكية الصينية، وبشكل مباشر أو بالوكالة.

على هذا المستوى، فإن الصين لم تخسر، بل انتصرت في تجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الرغم من أن خسارة السمعة هو أمر غير سار قطعا، إلا أن النصر في الحرب نفسها أكثر أهمية، وكلما تأخرت الصين في دخول هذه الحرب، كلما كان أفضل. 

بالنسبة للولايات المتحدة، لم تجلب زيارة بيلوسي أي فوائد طويلة الأمد، بل إن العكس صحيح: الخسائر واضحة.

فبالإضافة إلى تضامن وتعبئة الصين ضد الولايات المتحدة كما أسلفت، فإن هناك، في رأيي المتواضع، نوعا من السيناريوهات التي ستتحقق ذاتيا في المستقبل، عندما تبدأ أوساط الأعمال التجارية من كلا الجانبين، انتظارا للعقوبات المتبادلة، في تقليص حجم العلاقات التجارية الأمريكية الصينية. وانخفاض الإمدادات الصينية لن يؤدي سوى إلى تسريع نمو التضخم في الغرب أكثر مما هو عليه بالفعل. كما سيسرع ذلك من خروج الأموال الصينية من السندات الأمريكية، ومن المحتمل أن تتسارع وتيرة بسط السيطرة الصينية على تايوان، على الرغم من أنني لا أميل إلى الاعتقاد بأن هذا سيحدث خلال العام الجاري. إلا أنه، وبطبيعة الحال، فإن تصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين يصب في مصلحة روسيا.

باختصار، يسير كل شيء حتى الآن في إطار توقعاتي، بينما تقترب الحرب الصينية الأمريكية تدريجيا. ومع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الاقتصاد الأمريكي سيتعرض لصدمات هائلة عام 2023، أعتقد أن الاستفزازات الأمريكية ستزداد، فلم يعد لدى واشنطن وقت للانتظار، يجب عليها الإسراع. ومن المحتمل أن نشهد محاولة للاعتراف باستقلال تايوان بدعم من واشنطن في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل.

حينها سوف تتسارع الأحداث...

 

صراعات ومنبع أساسي

 

يشهد العالم تكاثر الصراعات في مختلف القارات وفي الغالب نشهد في خلفيتها يد البيت الأبيض أو بعض حلفائه الأقرب. لكل صراع من تلك الصراعات خلفيته الخاصة، وربما أكثر من سبب للتصعيد. ومع ذلك، فكل تلك النقاط الساخنة ليست سوى تفاصيل، وجزء من العملية الشاملة لزعزعة استقرار الكوكب، التي تنفذها الولايات المتحدة الأمريكية عن عمد.

لماذا يحدث ذلك؟ من الواضح، بعد كل شيء، أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت المستفيد الرئيسي من النظام الذي بنته في إطار العولمة المتمحورة حولها. لذلك، ومن الناحية النظرية، ستكون الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من انهيار ذلك النظام.

الحقيقة أن هذا النظام قد تحول، ولم يعد مربحا بالنسبة لواشنطن، وأصبح أمامها مهمة تدمير هذا النظام باعتباره السبب في الخسائر، ولكن القيام بذلك على نحو يجعل الدول الأخرى تخسر أكثر من الولايات المتحدة نفسها، بغرض تدمير هذه الدول، بينما تظل الولايات المتحدة على حالها، كما حدث في الحرب العالمية الثانية، التي أصبحت أساسا للهيمنة الأمريكية في العالم على مدار السبعين عاما التالية.

وقد رأينا الخطوة الأولى في هذا الاتجاه متمثلة في رغبة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترمب، في فرض رسوم إضافية، ووضع حد للعولمة، وإعادة الشركات إلى الأراضي الأمريكية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تستهلك أكثر مما تنتج، وعجزها التجاري الخارجي آخذ في الازدياد، حيث بدأت دول أخرى في إطعام وكساء الولايات المتحدة الأمريكية وتزويد السيارات الأمريكية بالوقود.

في ذلك الوقت، قام البنك المركزي الأمريكي بفك ربط الدولار بالذهب، وبدأ في طباعة الدولارات الورقية، لشراء السلع والمواد الخام من الدول الأخرى حول العالم.

لكن طباعة النقود الورقية غير المغطاة، كانت مصدرا واحدا فقط للثروة الأمريكية، بينما كان الدين هو المصدر الثاني، وفي المرحلة الأولى كان المصدر الرئيسي. ونرى كيف أنه، ومنذ نفس الوقت، من منتصف سبعينيات القرن الماضي، بدأ الدين الأمريكي في النمو، والذي وصل اليوم إلى ما يقرب من 30.6 تريليون دولار.

مع نمو هرم الديون، أصبح من الصعب الحفاظ على بقائه، لذلك نما دور طباعة النقود الورقية غير المغطاة أكثر فأكثر، منذ أزمة عام 2008.

 

انهيار الاقتصاد العالمي

 

ذلك أدى إلى تأخير الانهيار، وزيادة الاختلالات، وعندما شن ترمب حربا تجارية مع الصين، كان العجز التجاري الأمريكي مع الصين 250 مليار دولار، وهو يساوي الآن 450 مليار دولار. لقد تجاوز النظام نفسه، ولم تعد طباعة النقود الفدرالية تحفز الولايات المتحدة الأمريكية بقدر ما تحفز الصين، وهكذا دواليك.

علاوة على ذلك، فقد بدأت طباعة النقود الورقية غير المغطاة منذ صيف عام 2020 في تسريع التضخم العالمي، وبدأت أسعار المواد الغذائية والبنزين ترتفع أسرع وأسرع.

ولإبطاء نمو التضخم، من الضروري وقف طباعة النقود. إلا أن ذلك لن ينجح، فالاقتصاد الغربي بالفعل في حالة ركود، وللخروج منها، من الضروري طباعة ليس فقط مزيدا من النقود، وإنما عشرة أو مئة ضعف من كم النقود التي تتم طباعتها الآن، ما يعني أن التضخم هو الآخر سيبدأ في النمو بجنون، وبأضعاف الأضعاف.

باختصار، لم يعد هذا المصدر "طباعة النقود الورقية غير المغطاة" موجودا.

في الوقت نفسه، لم يعد المصدر الثاني، نمو الديون، هو الآخر موجودا.

فأولا، كان المانح الرئيسي لاقتراض الولايات المتحدة الأمريكية هو حلفاؤها والأعضاء المتميزون في نظام العولمة الأمريكي: أوروبا واليابان، وحتى وقت قريب، الصين. وقد اشتروا معظم سندات الخزانة الأمريكية. إلا أنه، وبسبب التضخم، وارتفاع أسعار المواد الخام، فقدت هذه البلدان، وخاصة أوروبا، الميزان الإيجابي للتجارة الخارجية، فقد فقدوا الأموال الزائدة، التي كانوا يستخدمونها في الاستثمار في السندات الأمريكية.

وبعد أن كان لدى السندات الأمريكية مشتر واحد متبقي، وهو البنوك المركزية في الغرب، التي تطبع الدولارات "اليورو والين"وتقرضها للحكومات، اختفى هذا المصدر كما أشرنا سابقا.

وثانيا، بعد السطو على فنزويلا، ونهب الغرب لروسيا، لم يعد الدولار والسندات الأمريكية أداة استثمار موثوقة، وبدأت معظم دول العالم في سحب احتياطياتها تدريجيا من الولايات المتحدة الأمريكية.

وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من عجز هائل في الموازنة، وعجز تجاري هائل، ولا توجد أموال لتغطيتها. كما لم يعد من الممكن الحفاظ على مستوى معيشي مرتفع، وبدأ الاقتصاد الأمريكي في التفكك، ولن يتوقف الركود ولا التضخم، بل سيواصلان الازدياد.

علاوة على ذلك، ومن أجل مكافحة التضخم، تضطر البنوك المركزية الغربية إلى رفع أسعار الفائدة، وهو ما يؤدي إلى زيادة تكاليف خدمة الدين، دون أن يكون هناك ما يغطي كل هذه النفقات. وأصبحت قضية إفلاس الحكومات والشركات الغربية والمستهلكين الغربيين مسألة عدة أشهر لا أكثر.

في ظل هذه الظروف، تحولت الولايات المتحدة الأمريكية إلى آكلةللحوم البشر، تأكل حلفاءها، كطريقة وحيدة لتأجيل الانهيار لفترةأطول قليلا، بإغراق العالم المحيط في فوضى دموية، بحيث تهربرؤوس الأموال من جميع أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة، والتيلا يزال كثيرون يعتبرونها "ملاذا آمنا".

لكن هذا هو الآخر مجرد تأجيل، فالولايات المتحدة الأمريكيةمحكوم عليها بالانهيار، واقتصادها غير قابل للحياة. ومع ذلك، لايعني ذلك أن الأمر سيكون سهلا على بقية العالم، فالحديث يدورحول انهيار اقتصادي عالمي.

إلا أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية فرصة للنجاة بتدمير كلمراكز القوة البديلة والاقتصادات الكبيرة، لربما تمنحها هذهالمحاولة فرصة لبدء الدورة مرة أخرى.

وهذا ما نراه الآن: تريد الولايات المتحدة الأمريكية إجبار أوروباعلى القتال مع روسيا واليابان وكوريا الجنوبية والأنغلو ساكسونالأصغر عمرا مع الصين. ليكون انهيارها بعد ذلك أقل وطأة.

حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت بنشاط، وبشكلمتزامن، في زعزعة استقرار جميع منافسيها، أبلغ دليل على أنانهيار الاقتصاد العالمي قد أصبح على بعد عدة أشهر، ولم يعدمن الممكن تأجيل ذلك.

الولايات المتحدة الأمريكية كلب مسعور، يتعين إطلاق النار عليه،قبل أن يقتل العالم كله.

عمر نجيب

[email protected]