لازلت أعتقد أن الحديث عن الناتو العربي بمشاركة اسرائيل مجرد وهم واحلام اسرائيلية لن تتحقق على المدى القريب على أقل تقدير، وقد بيّنت في آخر مقال تكرمت بنشره رأي اليوم الأسباب التي دفعتني الى هذا الاعتقاد.
هذا قبل أن ينفي وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن يكون هناك اي تحالف عسكري بين الدول العربية واسرائيل، وقبل أن يأتي رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى طهران ليؤكد لها أن العراق لن ينضم الى تحالف عسكري ضد ايران تشارك فيه اسرائيل، وقبل أن تبدد صحف مصرية قلق ايران بهذا الشأن.
اسرائيل تقف بالدرجة الأولى وراء الضجة المفتعلة والبالونات الاعلامية التي أطلقت حول ما يسمى بالناتو العربي، واذا كانت تقف اليوم وراء هذا الضجيج، فهي ايضا وقفت بالأمس وراء ضجيج صفقة القرن التي تبناها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالتنسيق مع رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، ولكن رحل ترامب ونتنياهو ورحلت معهما صفقة القرن ولم نسمع بعدهما بها.
كان الهدف الاساسي من اثارة الضجيج حول صفقة القرن والتي ترافقت مع زيارة ترامب للمنطقة، ضخ جرعة من الثقة بالنفس للكيان الاسرائيلي وغاية ما تمخض عن الصفقة علاقات رسمية بين اسرائيل وبعض الدول التي لم تكن في الاساس معادية للكيان بل كانت لديها علاقات سرية معه، وهذا بالتحديد ما سيحدث من بعد الضجيج حول الناتو العربي.
فالهدف الرئيس هو اقامة علاقات رسمية بين الكيان وبعض الدول العربية بتشجيع أميركي، ولكن لكي يسبغوا الشرعية لهذه الخيانة أطلقوا عليها اسم الناتو العربي لمواجهة ايران، واسرائيل لا تكف عن الترويج لنفسها على أنها ستحمي الدول العربية التي تنضم لما يسمى بالناتو، ولكن نعود ونقول ان اسرائيل التي تعجز عن حماية نفسها من صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وفي المستقبل القريب السورية، فهل ستكون قادرة على الدفاع عن الدول العربية التي تريد حمايتها؟
وما يؤكد أن الناتو العربي مجرد كذبة كبيرة، هو أن أي تحالف عسكري بين الدول يجب أن يسبقه علاقات رسمية ودبلوماسية ونوع من التعاون والتعاطي بين تلك الدول، فيا ترى أين مثل هذه العلاقات بين اسرائيل والدول التي تعتزم الانضمام للناتو وتشكيله؟
أحد أهداف زيارة بايدن للمنطقة وتشكيل ما يسمى بالناتو العربي هو حل جانب من العقدة الأبدية والمزمنة للكيان الاسرائيلي، وهي الشعور بأنه منبوذ في المنطقة وليس جزء منها وبالتالي فليست عضوا فيها، غير أن هذا الشعور لا يمكن القضاء عليه باقامة العلاقات الدبلوماسية مع حكومات المنطقة، وانما ينبغي أن تتقبلها شعوب المنطقة، وهناك العشرات من الأدلة والبراهين التي تؤكد أن شعوب المنطقة لن تتقبل وجود الاسرائيليين بينهم.
ولكن لو سايرنا الضجيج وقلنا أن دول المنطقة ذاهبة للتحالف مع اسرائيل وقامت بتشكيل التحالف العسكري معها والذي أطلق عليه اسم الناتو، فماذا سوف يحدث لو قررت شن الحرب مع اسرائيل ضد ايران؟
بمجرد أن تقرر اسرائيل شن الحرب على ايران ستنهال عليها آلاف الصواريخ، وهذه المرة لن تسقط الصواريخ على الاماكن العامة وانما على المواقع الاستراتيجية الاسرائيلية وتحدث اضرارا مدمرة في الكيان، كما سيتم استهداف المواقع التي تنطلق منها الطائرات التي تضرب ايران في دول المنطقة.
ولن يقتصر الأمر على ذلك وانما ستعلن، ما يسميها البعض بخلايا ايران النائمة في دول المنطقة، واسميها بالجماعات العاشقة لايران؛ الكفاح المسلح وستبدأ بتنفيذ العمليات العسكرية سواء ضد القواعد التي تعتزم مهاجمة ايران أو عموم المقرات والمراكز الحساسة والاستراتيجية في تلك البلدان.
دول المنطقة تدرك ذلك جيدا، لذلك فانها لن تجازف بالسماح لاسرائيل بالقيام بأي عمل عدواني ضد ايران، واذا كانت تلتزم الصمت تجاه ما تعلنه اسرائيل من انها تريد تشكيل ناتو مع الدول العربية، فيمكن تفسير ذلك بأنها تريد توريط اسرائيل مع ايران دون أن يكون لها اي دور في أي عمل عسكري ضد ايران.
وليس بالضرورة أن تصدر طهران قرارا لعشاقها في دول المنطقة بتنفيذ عمليات عسكرية ضد المواقع التي تهاجم ايران، بل ان هؤلاء العشاق سيرون أن من مسؤوليتهم القيام بذلك.
ويقال في هذا الصدد أن بعض البحرينيين قرروا شن هجمات عسكرية ضد الاسطول الأميركي الخامس الذي ترسو سفنه في شواطئ بلادهم، بعد تنفيذ واشنطن جريمتها ضد الشهيد قاسم سليماني، إلا أن تدخل طهران أو أطراف محسوبة على ايران حال دون ذلك.
صالح القزويني باحث في الشأن الايراني