يبدو أن أقطار العرب كلها محل استخدام وتغيير للأسوأ نحو الإنقراض بالذوبان، فالنظام العربي الذي لا يسيره البسطار الأمريكي، فعلى هديه يسير. وكأننا أمة طارئة على التاريخ لتذهب مع الريح. فليس من الطبيعي أن تتحول بلدان عربية من إمبراطوريات ضاربة جذورها في عمق المكان والزمان بأساً وعلماً وحضارة إلى إقطاعيات سياسية بوكلاء يُدارون من هذه الدولة أو تلك، ولا أن تتحول معها كل الدول العربية الى محميات بنواطير يدارون بجهاز المخابرات الأمريكي يسمونهم ملوكاً ورؤساء وأمراء وهم ليسوا بأكثر من عبيد تُملى عليهم أدوار قذرة لطمس تاريخنا وصنع تاريخ جديد لنا تساق فيه شعوبنا لحتفها “نَوَراً زطاً” على أطراف حواضر الدول يتسولون طعامهم بكل دنية. أكاد أجزم بأن العلة في شعوبنا، وبأن هذا المشهد الذي ينتظرها دون تحريك ساكن لم يعد صعباً عليها ولا جديداً ما دامت تعيشه اليوم في أقطارها بكل رضوخ دون القفز عنه والتعامل مع الحالة الإستعمارية التي تعيشها. ولا مؤشر لذلك قبل أن يشدها مكمن جرحها في فلسطين ونراها تحس به وتهب في عواصمها لنصرة شعب منها هو الأكثر فقراً ومعاناة ولكنه يُسطر على مدار الساعة ملحمة وقودها أرواح ودماء تذهب وتخلف وراءها معجزات وعبراً انتصاراً لحقه وكرامته الوطنية في مواجهة الغزاة. وإن تكلمت عن الأردن هنا فلا أخرج عن مكمن الجرح، بل أتلمس تحور دور هذا القطر الأمني وهو يهرول نحو شكل رهيب يتجاوز الحدود، ومن شأنه أن يحيل أمنه واستقراره الهش على مدى قرن إلى قرن معكوف بقبضة الأمريكي يغور في بطن الأردنيين وجسد القضية والأمة.
وبهذا فإن المؤسسة المخابراتية الأمريكية Cia التي تطبق اليوم قبضتها على موقع القرار السياسي الأمريكي وتجعل من الرئيس الأمريكي ناطقاً رسمياً وشاهد زور يسير على الكاتلوج، باتت تمتلك اليوم ناصية القرار والفعل في الأردن، ويبدو أن الأردنيين يواكبون الألعاب النارية التي يطلقها النظام الأردني على شكل بيانات وبالونات وتصريحات إيذانا بالإفصاح عن مجيء الدور على الأردن الذي لا تدانيه دولة في هشاشة أمنه واستقراره المصطنعين. والبوادر هي في أنصاف القصص التي تلقى علينا وعلى الإعلام الدولي لبناء الملاحم عليها. وأخرها قصة مهربي المخدرات من سورية التي أخذت تتضخم حتى أصبحت بقدرة قادر تشكل خطراً وجودياً على الأردن وتأخذ شكل أم القضايا الأردنية خطورة على سيادة ووحدة الأراضي الأردنية وعلى أمن النظام وأمن الشعب الأردني… ما شاء الله.. أهو الاستغباء أم الإستحمار أم الصلف
يتساءل الأردنيون هل قصة تهريب المخدرات هذه قصة حقيقية في الحجم والصعوبة والخطورة التي تُطرح فيها. وهل المهربون عصابة أم أفراداً أم دولة وانعدمت وسائل الحماية والوقاية. أم وراؤها دولة وانعدم الحل عبر القنوات السياسية والدبلوماسية، وما هو نوع وحجم هذه المخدرات وهل هي عابرة سيما وأن الحديث وصل لحد الطائرات المسيرة أم مستقرة، وفي هذه الحالة من هم وسطاؤها في الأردن؟ وما التفصيلات ومن هم أبطالها المشتبه بهم؟ فهناك على الأرض السورية روسيا وأمريكا وإيران وتركيا، فهل تم التواصل وبحث الموضوع سياسيا ودبلوماسياً مع هذا الأطراف جميعها وما هي ردودهم مثلاً؟ وما هو موقف ودور أمريكا المتواجدة أيضاً بثقلها النوعي في الأردن بموجب اتفاقية دفاع مشترك ومختبئة لتاريخه وراء تصريحات النظام. وهل انعدمت الوسيلة وأغلقت الأبواب ليستقر الحل في الحرب.
فنحن نتكلم عن مؤامرة قاتلة لتوريط الأردن في حرب على الأرض السورية بالوكالة الأمريكية والصهيونية. وهي بالمحصلة حرب بين دولتين شقيقتين ستنال من كليهما وتُدخل الأردن في دوامة الإرهاب وتجعله طرفاً مباشراً ينضم بالأصالة والنيابة لقائمة غزاة سوريا الوطن وشعبها. وتثار هنا أسئلة منطقية كثيرة. فقصة التهريب يجري تضخيمها لتكون ذريعة حرب لكنها معدومة الطريق للعقول مما يضعنا أمام تلمس الغاية منها. فهذه الحرب إن وقعت فلن تكون إلا بإذن وسيناريو أمريكا المتمركزة بالأردن تحت عنوان الدفاع المشترك ومحاربة الإرهاب، وستكون غاية هذه الحرب من رحم طبيعة الذريعة المُعدة، ومن واقع سيناريو أمريكي. بمعنى لن تكون مجرد عملية عسكرية تقتصر على هجوم ومُطاردة وقصف وعودة. فهذا ما قد كان لثلاثة أعوام مضت ويُحسب على أنه قد استُنفذ أمام عظم العدو المُفترض والموهوم والذي لم يحدد بالإسم. فالغاية واضحة من ذريعتها، فهي لا تحتمل أقل من احتلال للجنوب السوري بدعم أمريكي يكون الأردن فيه هذه المرة هو الغطاء لتمركز إسرائيل في جنوب سوريا الذي سيصبح ضمن الأردن الكبير لحساب النفوذ الصهيوني، والعسكريين يعلمون ماذا يعني هذا.
وللربط أو للتذكير هنا فإن الإحتلال التركي لشمال سوريا جاء بعلم وبموافقة روسيا وأمريكا وترحيب إسرائيل. والذريعة كانت تقريبا ذاتها وهي تأمين الأمن لتركيا من الإرهاب وتطورت لإعادة اللاجئين السوريين لأراضيهم. لكن الواقع تتكلم عنه النتيجة، وهي ما نشهده من ترسيخ لاحتلال واغتصاب تركي لأراضي سورية توطئة لفكفكتها وإقامة أمر واقع على طاولة العملية السياسية المنتظرة مهما طال أمد الإنتظار. ولذلك فإن إسرائيل التي تتطلع الى مثلث الجنوب السوري كموقع استراتيجي فشلت في تحقيقه سابقاً، تنظر لتحقيقه وليكون أمراً واقعاً وله في العملية التركية سابقة. حيث لا أمريكا بحاجة لقواعد في الجنوب السوري ولا الأردن المعاني يطمع بأراضي سورية. إنما اسرائيل هي التي تطمع بتواجدها في المثلث بدعم أمريكي وغطاء أردني ولن تكون هناك ردة فعل حقيقية لروسيا طالما مصالحها قائمة ومصانة في سورية.
إنها لعبة كبيرة ومكشوفة تحاك خيوطها منذ بدايات الحرب في سوريا في إطار مخطط الشرق الأوسط الجديد. وربما أن الحرب في أكرانيا تسرعها. وهي اللعبة التي تقف وراء تعمد وإصرار أمريكا على عدم السماح للنظام الأردني بوقف الخصومة مع سوريا كغيره من الأقطار العربية، وعلى استمرارها رغم الصعوبات الاجتماعية والخسائر الإقتصادية التي يتكبدها الأردن والأردنيون بالمجان، كما أنها التي تقف وراء رفض التنسيق مع الحكومة السورية لإعادة اللاجئين السوريين لوطنهم. ولا شك بأن الأردن وطناً وشعباً سيكون الخاسر الأكبر والمستهدف الأول من هذه الورطة إن وقعت، لأنها ستكون الذريعة والمقدمة لإدخال الإرهاب الموجه أمريكياً للأردن وإحكام القبضة الإسرائيلية عليه. ودلائل وقوعها ستكون من خلال التصعيد الإعلامي والشحن الشعبي في قادم الأيام لحشد الأردنيين وراء فكرة الحرب بذريعة دفع الإرهاب الداعشي ودرء الغزو الإيراني وكله هراء. فليس هناك من مستهدف للأردن سوى إسرائيل برعاية النظام لتاريخه. لك الله وحده اليوم يا أردن، ولك الويل يا شعب الأردن إن لم تكن على مستوى المسؤولية والوعي المطلوب في مواجه ورفض دخول جيشنا في حرب الشيطان الصهيوني على الشقيقة سوريا والتي سترتد على كل بيت أردني.
فؤاد البطاينة كاتب وباحث عربي