بأدوات بعضها لبناني مرتبط بقانون الانتخاب وتفاصيله، ومعظمها سوري مرتبط بتصور دمشق للعلاقات مع بيروت، تقرأ سوريا نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية.
وعلى اعتبار أن البلدين يتأثران تلقائياً بما يجري فيهما، لا بد وأن تولي دمشق حيزاً من اهتمامها، بحدود واقعية، للحدث اللبناني الذي "شهد تحولات ملحوظة لكن غير جذرية ولا تستدعي القلق"، وفق ما يؤكد مصدر سوري رفيع للميادين.
وفق قانون الانتخابات اللبناني، تثبت الأرقام أن حلفاء سوريا، وفي طليعتهم حزب الله، حصدوا أكثرية شعبية. هو عنصر يطمئن دمشق إلى ثبات الحالة الشعبية الداعمة للعلاقات اللبنانية السورية، بعيدا عن عناصر التشويش الغربية.
وهنا، يحضر المعيار الأبرز الذي على أساسه ينطلق المصدر الرفيع في قراءته للحدث اللبناني قائلاً: "ما يضر سوريا هو أن يتغير لبنان الرسمي والشعبي على نحو واسع ووازن ضدها، وهذا لم يحصل، وبالتالي ليست الانتخابات مهمة كما الحالة الشعبية الأوسع".
لم تحضر سوريا بكثافة في الحملات الانتخابية اللبنانية هذا العام، خلافاً لانتخابات سابقة. وقد تكثّف ذكرها مع خسارة شخصيات مصنفة حليفة لها منذ عقود، عبر التركيز الإعلامي على التسويق لفكرة "خسارة حلفاء سوريا". لا يعير المصدر الرفيع هذا المعطى أهميّة شديدة، ويوضح للميادينأن "الموقف السوري من هذه الشخصيات وحيثيتها يتكّون من ثلاثة عناصر: موقفهم من سوريا بمعزل عن موقعهم الرسمي في لبنان، وحضورهم الشعبي بمعزل عن تفاصيل يفرضها قانون الانتخابات، والأهم، ديمومة مواقفه. وعليه، فإن خسارتهم الانتخابية لم تؤثر في موقف سوريا تجاههم".
وبالقياس بين حصاد "حزب الله" شعبياً وانتخابياً، وتقدّم "القوات اللبنانية" شعبياً وانتخابياً، يبدي المصدر الرفيع للميادين اطمئنانه بناء على خلاصاتٍ صلبة أبرزها:
-ثبات موقع حزب الله على قاعدته الشعبية العريضة والمتزايدة.
-ثبات موازين القوى على الأرض، إذ أن تحديدها في لبنان ليس مقتصراً فقط على نتائج الانتخابات، وفي الحالتين يبدو موقع حليف سوريا متيناً جداً.
أما عن القوات اللبنانية، فوفق تقديرات المصدر السوري الرفيع تلعب عوامل عديدة دورها في التقدّم الانتخابي الذي عزّز حضورها اللبناني، ومن هذه العوامل:
-تدخل خارجي واضح في لبنان تمكّن من تأمين موارد حشد بيئة شعبية داعمة للقوات اللبنانية، على أن هذه الفئة الرمادية من الناخبين دائمة التأرجح في هواها السياسي، إذ تكون لسنوات هنا ثم تبدّل موقفها تبعا لأسباب معينة.
-الأموال الطائلة التي دفعها حزب القوات اللبنانية، وهي ليست من خزائنه بطبيعة الحال، فعلت فعلها في الصراع الانتخابي في بلد غارق بأزماته الاقتصادية العميقة.
-حصول خصوم القوات ولا سيما التيار الوطني الحر على كتلة نيابية وازنة، تأكيد على أن المزاج المسيحي في لبنان لم ينقلب ضد سوريا بالمعنى الاستراتيجي للكلمة، وهو ما يمكن أن يخفف منسوب القلق الذي قد يبدو مطلوباً فيما لو استأثرت القوات اللبنانية بالتمثيل النيابي المسيحي، وهذا ما لم يحصل.
لا تنتظر دمشق شيئاً أفضل مما كان في السنوات الأخيرة، ولكنّها أيضاً لا تتوقع الأسوأ. فما يحدّد نموذج العلاقات اللبنانية السورية ليس نتائج الانتخابات، بل هي، تاريخياً، توازنات إقليمية ترخي بظلالها الثقيلة على الداخل المشهد اللبناني. ومن هنا، يدعو المصدر السوري الرفيع إلى عدم الاستعجال في تقييم دلالات وصول عدد من مرشحي لوائح مجموعات حراك السابع عشر من تشرين: " من المبكر تقييم الأمر، بانتظار توضيح مواقف هؤلاء النواب من قضايا جوهرية تهم سوريا وهي المقاومة والعداء لـ "إسرائيل". بعض الشخصيات موقفها الوطني معروف وبعضها الآخر أيضاً، وهناك قسم ما زال موقفه غير واضح"، وفق قوله.
بهدوء تترقّب دمشق مسار المشهد السياسي اللبناني. يريحها تريّث حزب الله بعد الانتخابات، ولا يقلقها الخطاب التصعيدي للقوات اللبنانية. وإذا كان من تسويةٍ إقليمية تضبط المشهد اللبناني داخلياً وإقليمياً، فإن دمشق تدرك أن ذلك لن يكون على حسابها لسببين:
-الأول، مسار العلاقات السورية العربية الذي بدأ ينشط، والسورية الإيرانية الثابت، بما يعنيه هذان المساران من حضور في أي تسوية مقبلة لبنانياً.
-الثاني، القوة الشعبية والميدانية لحلفاء دمشق في لبنان، وهي قوة كفيلة بمنع أي مشروع لبناني ضد سوريا، على افتراض أن شيئاً في لبنان سيتغير بسبب الانتخابات سلباً أو إيجاباً.
ديمة ناصيف كاتبة إعلامية ومديرة مكتب الميادين في دمشق