من مشاكل التحضر: استباحة المجال العام

سبت, 2022-04-23 21:04

تَخَرجُ في شأنٍ لك يحملك إلى كرفور الرابع والعشرين. ثم لما تنهيه والوقت في حدود السابعة صباحا، تقرر أخذ قسط من رياضة المشي، وتتوجه سيرا على الأقدام إلى كرفور مدريد. 

هذا الشارع الفسيح العريض والذي يمتد حتى الخروج من العاصمة فيما يعرف بطريق الأمل تحول هو أيضا إلى فوضى عارمة غير خلاّقة. الورشات (اللحامين واكواريج، ووكالات السفر... )تحتل الطريق من جانبيه، وأصحاب الدكاكين أيضا ينثرون بضاعتهم مما يلي واجهاتهم، ثم تكمل الصورة الفوضوية الشاحبة العبوسة بالعربات المحمولة ولبناطر المتناثرة والسيارات المتآكلة المهجورة والنفايات الملقاة في كل ركن وزاوية.

من الرابع والعشرين إلى ما يعرف (أنخيله) لم يصل بعد الترصيف بالحجارة، وكذلك الحال بين لكبيد وكرفور مدريد، لا فرق ذي بال بين الجزء المرصوف من الشارع والجزء الذي مازال على فطريته من تراب وأتربة ونفايات. وفي أجزاء من الطريق طمرت الأتربة جزءا من رصيف الحجارة. والقاسم المشترك في كل هذا: فوضى وتسيب ونفايات متناثرة وقمامة واحتلال فظيع للمجال العمومي. ولا تعرف حقا إن كنت في مدينة أو في غابة مهجورة، لا قانون، لا نظام، لا احترام!

تحدث السيد الرئيس الشيخ الغزواني في خطابه القيم يوم ٢٤ مارس الماضي عن ضرورة أن تكون السلطة المحلية فاعلة وأن لا تقف مكتوفة الأيدي وعلى الحياد فيما يخص مشاكل المواطن وأن تجد حلولا لمشاكله وأن تفض النزاعات. وفي نفس السياق تقريبا ليس من المقبول اليوم أن تواصل السلطات المحلية (إدارية أو بلدية) تجاهل مشاكل استباحة المجال العام والتغاضي عنها. 

استباحة المجال العام يعطي صورة قاتمة وفظيعة لصورة المدينة ولصورة البلد بشكل عام؛ فالزائر ومن أول وهلة سيأخذ انطباعا سيئا عن البلد. فما يرى هو ما يحدد تقييمه لا ما يسمع. فرؤيته للفوضى في الشارع تعطيه فكرة مصغرة كما يعتمل في هذه المدينة؛ وسيكون حذرا ومحبطا ومتشائما. وفي المقابل، لو رأى صورة منظمة؛ المجال العمومي محترم، والأنشطة التجارية في أمكنتها لا تتعداها، والشارع نظيف ومرتب، سيُكوِّن انطباعه جيدا، ويشجعه هذا على أن يكون مطمئنا وإيجابيا ومتفائلا.

وتنظيم المجال العمومي أمر سهل، إذا وجدت الإرادة  والصرامة. ولا تستطيع المدينة-أي مدينة- ترك الحبل على الغارب وتجاهل تمايز المجال الخاص من المجال العمومي وتركه دون تحديد وضبط، فالمدينة الحديثة اليوم مدينة مخططة ومنظمة ونظيفة، محددة المجال، ومتعددة الوظائف، وليست فقط سلسلة من البنيان والدكاكين الفوضوية المتلاصقة من غير تنظيم وتناسق وساحات ومساحات خضراء. من الرابع والعشرين إلى مدريد، لا تلحظ عينك ساحة عمومية أو مشجرة أو حتى مسيجة، هناك ساحة لكبيد الحزينة والمهملة، وقد امتلأت قمامة وشاحنات وأخبية ونفايات. 

أيعقل أن تستمر حياتنا في المدينة بهذا الشكل ونواصل عمهين غير مبالين؟ تركنا البادية وعفويتها وروحها البريئة الرحبة غير المتكلفة، ونزلنا المدينة بفوضى وتدافع وشجع. فلم نعد بروح البداوة وسموها ونقائها، ولم نبلغ بعد مرتبة الحضارة والتمدن وما يحمل من رقي وعمران وآداب، وها نحن في هذا البرزخ أو المنزل بين المنزلتين، وصراع البداوة والحضارة ويوميّاته السمجة المملة. فإلى متى هذا الصراع الطويل التعيس والتائه!!؟؟
———————
#المجال_العمومي

#رَمضَان_1443

الكاتب الصحفي سيدأحمد أعْمَرْ محم