
كان يصوم الشهر وهو تلميذ في ثانوية كيفه أواخر التسعينيّات من القرن المنصرم.وأخذته حمى شديدة ، وكانت تشتد ليلا بكوابيس ورعشة، وحاول الصبر على الأمر وانتظار أن تخف رويدا من تلقاء نفسها. وفي عصر يوم وهو صائم لم يعد باستطاعته المزيد. فحُمل إلى الطبيب ولما فحصه وكانت الحمى شديدة قال له: يلزم أن تأخذ جرعة من (فانسدار) وفي الحال. فسأله التلميذ إن كان هذا يعني أن باستطاعته أن يشرب ويفطر، فرد الطبيب المداوي: لا أعرف، ولكن من المحتم عليك أن تتلقى الجرعة الآن.
كان هذا التلميذ يلزم نفسه بالسهر مع الأقران في أيام الإعدادية بباركيول، وكان لهؤلاء عذرهم في أن لا أحد يوقظهم للسحور، أما هو فكانت خالته التي يسكن معها تكفيه مئونة هذا وتوقظه في وقت السحر . ولكن بصعوبة بسبب الوقت الطويل الذي يسهره. وفي ليلة شديدة سحّر وشرب، ولكن لم يفطن لشيء من هذا. واحتج ضحى على تفويت السحور، لكن الشهادات المتطابقة من الخالة والذين ساعدوها في السحور أكدت له أنه سحّر من غير أن يدرك هذا أو يتذكره.
هذان التلميذان متحابان ويسكنان عند أسرة طيبة وفاضلة في كرو. وكان أحدهما بارعا في المناورة والمثاقفة، والآخر مستقيما مسالما لا يحب التدليس ولا المكر (أعل باب من غير مساحيق). اشتركا مرة في جلسة إفطار مع والد الأسرة المستضيفة، وكان الإفطار عجينة تمر مهروسة وسائغة، وفي طرفة عين تلقفها المشاكس وابتلعها. ولما أرجع الوالد النظر إذا هو الصحن خال وفارغ، فأسرها في نفسه ولم يبدها لهم. وكان الصاحب المخادع في كل فعلة يفعلها أو تهاون يقترفه، يضاحك به أقرانه ويصوره كما لو أنه من فعل صاحبه المنضبط الجاد. وكان هذا ديدنه في هذه الحادثة وفي غيرها، فيسوقها على أنها من فعل صاحبه وأنه دائما يعظه وينهاه، لكنه للأسف لا يتعظ ولا ينته. فسبحان الله من الألسن ومن تحويرها وتزويقها.
—————————-
#طرائف_من_الصّيام
#رَمضَان_1443
الكاتب الصحفي سيدأحمد أعْمَرْ محم