رمضان منتصف التسعينيّات في كرو

اثنين, 2022-04-04 23:43

قابلت غرة رمضان للعام 1995 فاتح فبراير لهذا العام. وكنا ثلة تلاميذ قذفت بها سهول آفطوط وقيعانه إلى كثبان لمنيحر وتلاله، فاستضافنا أهل المدينة (كرو) باسطين أكفهم وأيديهم، وباذلين بشرهم وقراهم وبعفوية ومن غير رياء ولا منّ، فشكرا جزيلا وامتنانا عظيما لكل الأسر الكريمة الفاضلة التي نعرفها وتعرفنا ولا ننسى ما أحفونا به من رعاية وحسن ضيافة ووفادة.

كانت المائدة الرمضانية في تلك الأيام بسيطة ولم تصل بعد إلى التعقيد والتنوع الذي نعرفه اليوم، تمر وحساء وشاي، وماء بارد. كانت أيام رمضان في فصل الشتاء، لكن لم تكن تخلو من أيام حارة وبعض اللفح والقيظ الشديد. وكان المسار إلى الإعدادية طويلا إلى حد ما، كنا اثنين في ضيافة هذه الأسرة الفاضلة عند التقاء السيف بلمسيله (جنوب ملكه طليان) ونقطع المسافة مرتين في اليوم جيئة وذهابا، فكانت الدراسة في الصباح وبعد الظهر إلى العصر، وكان هذا يسبب الكثير من التعب والإرهاق.

ليل رمضان كرو في التسعينيّات به بعض المرح الخفيف وشيء من التسلية، فكنا  نخرج أولا إلى ملكه طليان، فنمضي بعض الوقت، وقد تكون محظوظا فتصادف بعض الحلوى أو الكعك العادي (كتوات)، فتسر بهذا وكأنك فزت بشيء كثير، ثم في أحايين كثيرة تكتفي بأن تلوك خبزا ساخنا خرج لتوه من الفرن الكهربائي الوحيد حينئذ في المدينة.

وفي بعض الليالي نخرج إلى السوق الجنوبي أو بعض الكثبان الغربية وهناك  تصادف بعض أقرانك من المدينة يتحلقون عند هذا الدكان أو ذلك، فتمضي بعض الوقت في المسامرة والحديث، ثم تنقلب إلى مكان ضيافتك مسرورا وقد أمضيت وقتا لا بأس فيه في نقاش أو جدال ولكن في حدود مقبولة من غير تنابز أو تهارش أو عراك.

كنت أسير قبل أيام قليلة في الساحة التي بين الرئاسة والبرلمان ، وفجأة إذا صوت يناديني وباسمي، وحين انتبهت لم ألحظ شيئا. وواصلت المسير، لكن الصوت زادت وتيرته وتوقفت ثانية، فإذا رجل يلقي السلام، فرددت عليه السلام، وسألني أأنت فلان؟ فأجبت أن نعم. وسألني عن رفاقي الذين كانوا معي في كرو وماذا كان من أمرهم؟ وإلى أين حملتهم الأقدار؟ وحسبت أن معرفتنا كانت في مراحل متأخرة، وكان يعتمر لثاما لحظة اللقاء، ولما كشف عنه إذا هو من أقراننا الذين تشاركنا معهم الدرس والمقاعد في أيام مرورنا بهذه المدينة الفاضلة المعتصرة بين الكثبان والمتفجرة كرما ومروءة وعلما،  فسلام لك يا كرو لك في القلوب منازل وهن دوما منك أواهل.
——————————
#رَمضَان_في_كرو

#رَمضَان_1443

الكاتب الصحفي سيدأحمد أعْمَرْ محم