الموقف الشعبى المصرى من (اسرائيل) -المفكر القومي محمد سيف الدولة

أربعاء, 2022-03-23 17:43

قام "نفتالى بينيت" رئيس وزراء دولة الاحتلال بزيارة رسمية الى شرم الشيخ فى 22 مارس 2022، ولم تصدر، فى حدود علمي، أى بيانات من الشخصيات والقوى الوطنية ضد هذه الزيارة، وهو أمر نادر الحدوث. ربما كان ذلك بسبب القيود السياسية المفروضة على نشاط المعارضة السياسية والعواقب القانونية المترتبة على كسرها ومخالفتها، ولذا تتضاعف الحاجة اليوم للتأكيد على الموقف من (اسرائيل) المستقر فى وجدان الشعب المصري، بصرف النظر عن قدرته أو عجزه عن التعبير عنه صراحة فى القنوات السياسية او المنابر الاعلامية.
***
لقد تربى كل مصرى فى بيته أو مدرسته على ان الأرض الواقعة شرق الحدود المصرية هى فلسطين وليست (اسرائيل)، وعلى ان فلسطين هى الصديق و(إسرائيل) هى العدو، وعلى ان مصر وفلسطين تنتميان الى امة عربية واحدة، وهوية حضارية واحدة، وان حلمنا الأكبر هى توحدنا جميعا كما كنا دائما على مر التاريخ، فى ظل دولة عربية واحدة، تجمعنا وإياهم وباقى الشعوب العربية، بل أن كل دساتيرنا نصت فى مادتها الاولى على هذا الهدف.
كما تربينا على ان المشروع الصهيونى يستهدف الجميع، فهو يستهدف مصر بقدر استهدافه لفلسطين، بل ان هدفه الأصلى هو فصل مصر والمغرب العربى عن مشرقها، للحيلولة دون وحدتهما. وأن مأساة فلسطين الحقيقية تتمثل فى موقعها الجغرافى الذى يمثل أضيق نقطة فى الارض العربية لوقوعه بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط.
ويدرس أولادنا فى مدارسهم ايضا ان اهم انتصاراتنا التاريخية هى تلك التى خضناها لتحرير القدس وفلسطين وكل ساحل الشام من الإمارات الصليبية، وأن أعظم معاركنا كانت على أرض فلسطين فى حطين وعين جالوت.
ولا يزال صلاح الدين الايوبى يحتل مرتبة القائد والبطل التاريخى الأعظم لدى كل المصريين والعرب رغم مرور أكثر من ثمانية قرون على انتصاراته، ولا نزال نفتخر حتى يومنا هذا بهذه الحقبة من تاريخنا، ونستلهمها فى أحلامنا عن المستقبل.
ويعلم شبابنا جيدا أن هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين 1948، كانت هى السبب الرئيسى فى سقوط الأنظمة العربية الحاكمة حينذاك، وتفجر حركات التحرر الوطنى بقيادة مصر.
ويعلمون ان الهدف الرئيس لعدوان 1967 كان هو اخراج مصر من المعركة ضد (اسرائيل) وعزلها داخل حدودها. وان الشعوب العربية لم تستسلم فاجتمع قادتها فى الخرطوم ليتعاهدوا على مواصلة المعركة، وعلى رفع شعارات لا للصلح أو التفاوض مع (اسرائيل) ولا للاعتراف بها.
ولا نزال نفتخر كل عام بحرب اكتوبر ونحيي ذكرى انتصارنا على عدونا المشترك الذى لا يزال يحتل فلسطين الحبيبة. ولا نزال نحنق ونغضب على سرقة هذا النصر الذى حدث فى اتفاقيات السلام حين اعترفت مصر الرسمية بدولة (اسرائيل) وتنازلت لها عن فلسطين 1948.
وهو السلام الذى رفضت غالبية الشعب المصرى قبوله والتعايش معه، حتى ان قادة (اسرائيل) يشتكون و كل يوم بان السلام مع مصر هو سلام بارد بين الحكومات فقط، و يعترفون بان الشعب المصرى يرفض التطبيع معهم ويقاومه. وبالفعل لا يستطيع اى (اسرائيلى) حتى اليوم ان يعلن عن هويته الحقيقية حين يتجول فى شوارع القاهرة.
وكانت معارك الشعب الفلسطين ومقاومته، لها بالغ الأثر فى تكوين الحركة الوطنية المصرية عبر أجيالها المتعاقبة، فكانت صابرا وشاتيلا 1982، وانتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الاقصى 2000، والعمليات الاستشهادية فى التسعينات، وحرب تموز 2006، والرصاص المصبوب 2008، وعامود السحاب2012، والعدوان الأخير على غزة 2014 .. كانت كلها محطات تحول كبيرة فى الحياة السياسية المصرية بما كانت تضخه كل مرة من آلاف الشباب المصرى البسيط الذى قرر ان يقتحم مجال العمل الوطنى والسياسى لأول مرة فى حياته متأثرا بوحشية الجرائم الصهيونية وبصلابة الصمود الفلسطينى. ومصدوما من الصمت أو التواطؤ الرسمى العربى.
واهم المفكرين والشخصيات السياسية فى مصر، بَنًّت تاريخها ومكانتها بين الناس استنادا الى مواقفها الصلبة فى مواجهة (اسرائيل) وكامب ديفيد والتطبيع.
ان الشعب المصرى وكل الشعوب العربية كانت ولا تزال تعتبر ان الانحياز لفلسطين والعداء للصهيونية ولإسرائيل من أهم الثوابت الوطنية والقومية والعقائدية.
بل ان الموقف من قضية فلسطين ورفض الاعتراف باسرائيل والموقف من الصراع العربى الصهيونى هو باب ثابت فى برامج غالبية الاحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية فى مصر. كما أن احد المطالب الرئيسية التى تَجمِع عليها كل القوى الوطنية فى مصر هو الغاء كامب ديفيد، واسترداد مصر العربية المعادية لاسرائيل ورأس الحربة فى مواجهة للمشروع الصهيونى.
ولا تزال القضية الفلسطينية ومناهضة الكيان الصهيونى، هى القضية الوحيدة القادرة على توحيد الجميع.
وتشهد ساحات القضاء الادارى على الدعاوى والقضايا الفردية أو الجماعية المرفوعة من مواطنين مصريين ضد الحكومة المصرية، لإسقاط كامب ديفيد، أو لمنعها قوافل الدعم والإغاثة او لتصدير الغاز المصرى للعدو الاسرائيلى.
وتشهد شوارع القاهرة وميادينها على حرق أعلام (اسرائيل). ويشهد ميدان التحرير على رفع أعلام فلسطين جنبا الى جنب مع الاعلام المصرية فى الأيام الأولى لثورة يناير.
وتشهد ساحات الجامعات والقاعات العامة فى النقابات والأحزاب على مئات التظاهرات والوقفات والمؤتمرات والمحاضرات الداعمة لفلسطين والمقاومة والرافضة لاسرائيل وكامب ديفيد.
ان مئات من النشطاء السياسيين كانوا ضيوفا على السجون والمعتقلات المصرية على امتداد 40 عاما بتهمة العداء لاسرائيل وكامب ديفيد ونصرة فلسطين.
وقبل الثورة المصرية لم يكن لنا شهداء سوى أولئك الذين سقطوا على أيدى العدو الصهيونى فى الحروب المتعاقبة.
ان شبابنا بعد الثورة لم يحاصر أو يقتحم سوى سفارة واحدة هى سفارة (اسرائيل)، وكان اول حصار لها يوم 8 ابريل 2011 بعد اول عدوان صهيونى على غزة بعد الثورة المصرية.
وكانت مصر عامرة على الدوام باللجان الأهلية للإغاثة ودعم الانتفاضة والمقاومة والقدس والاقصى. 
والى يومنا هذا تشكل أقصى تهمة أو سبة يمكن أن يتراشق بها الخصوم السياسيين فى مصر، هى الاتهام بالصهيونية.
وفى مصر تمت أكبر عملية تجريس وعزل وطنى وسياسى وثقافى واجتماعى لكاتب وأديب مرموق لأنه تجرأ ومارس التطبيع الشعبى وزار الكيان الصهيونى وكتب كتابا بعنوان (رحلتى الى إسرائيل).
ان كثيرا من الشباب فى مصر يستبدل صورته الشخصية على حسابه فى مواقع التواصل الاجتماعي بصورة القدس او فلسطين او احد الشهداء الفلسطينيين، لأنه يجدها أكثر تعبيرا عن هويته ومبادئه وقيمه.
الى آخر آلاف المواقف والأحداث والفاعليات والمعارك الأخرى الدالة والمؤكدة على الرفض الشعبى الثابت والقاطع للاحتلال ودولته وللتطبيع معه.
 
لكل ذلك وأكثر، وجب التنويه والتأكيد.
القاهرة فى 23 مارس 2022