تصدرت وسائل الاعلام خلال الأيام القليلة الماضية عناوين محددة على خلفية ارتفاع وتيرة الحشود العسكرية الروسية على الحدود الاوكرانية أو ما سمي بالأزمة الأوكرانية، فجاءت تلك العناوين متوازية مع الاحداث المتصاعدة هناك ودخول عدة أطراف دولية على مسرح الأزمة، وتفاعل المتابعون للاحداث مع عناوين كبيرة مثل الحرب العالمية الثالثة، وبروز نظام عالمي جديد، كما برزت عناوين فرعية أخرى مثل الأمن لا يمكن تجزئته وغيرها من العناوين اللافته على مسرح الاحداث الجارية على الحدود الاوكرانية ومناورات الجيش الروسي بالتوازي مع تحذيرات دولية من اجتياح اوكرانيا .
الازمة في أوكرانيا لها أبعاد متعددة منها ما هو مرتبط بقضية الامن الروسي الذي عبر عنه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن الامن لا يمكن تجزئته اسقاطا على رغبة أوكرانيا الانضمام الى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وهو ما تعتبره روسيا خطا أحمر ويمثل تهديدا لأمنها القومي، ورغم الحديث عن وجود مرونة أوكرانية في موضوع الانضمام للناتو كما عبر عنه السفير الاوكراني في بريطانيا إلا أن المتحدث باسم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أكد: “إن تطلعات أوكرانيا إلى الانضمام إلى الناتو والاتحاد الأوروبي منصوص عليها في دستورها وستظل الأولوية المطلقة للبلاد” وأضاف سيرغي نيكيفوروف في مقابلة مع وكالة رويترز للأنباء “هذا المسار لا ينعكس فقط في الدستور، بل يحظى أيضا بموافقة السلطات والمجتمع الكاملة” هذا التوجه الاوكراني يصطدم بموقف روسي أكثر تشددا على خلفية الاحداث منذ نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي في العام ١٩٩١م وتناثر عقد الاتحاد السوفيتي السابق مع بروز النزعات الانفصالية وانضمام العديد من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق الى حلف الناتو في تسعينيات القرن الماضي وانضمام بعضها في عام ٢٠٠٤ واستمرار تمدد الحلف شرقا بانضمام الجبل الاسود عام ٢٠١٧م وآخيرا انضمام جمهورية مقدونيا عام ٢٠٢٠م ما يمثل حصارا عسكريا يستهدف روسيا، إلا أن التهديد الاخطر في تمدد حلف الناتو وصوله الى جمهورية أوكرانيا في خاصرة روسيا وهو ما تعتبره روسيا تهديدا مباشرا وخطيرا للامن القومي الروسي، ويشار الى أن المسئولين الروس كانوا يتحدثون عن ضمانات امريكية اوروبية سابقة حول تمدد الحلف نحو دول المعسكر الشرقي لكنها لم تتحقق لا سيما مع تطور الامر بوجود منظومة صواريخ للناتو في دول شرق أوروبا، يضاف الى ذلك قيام عدد من دول الحلف (السوفيتية) بامداد السلاح لاوكرانيا مؤخرا، اضافة الى احتمالية الدخول في صراع محاور دولية مفتوحة في حال تطورت الأحداث هناك .
حتى هذه اللحظة فإن الازمة في أوكرانيا لم تتضح نهايتها في ظل وجود تحديدات روسية لا يمكن تجزئتها تتعلق بمسألة الامن القومي الروسي وحالة من عدم الثقة سادت العلاقة بين روسيا ودول الناتو على خلفية توسع الحلف شرقا وبناء منظومات صاروخية في نطاق نفوذ روسيا، اضافة الى رغبة روسيا اثبات وجودها في مناطق نفوذها، وهو ما بدأ منذ بداية العهد الروسي الجديد بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين عام ٢٠٠٠م حينما حدث التدخل الروسي في الشيشان مرورا باجتياح جورجيا عام ٢٠٠٨م لدعم انفصال اوستيا، تبعها الهجوم على جزيرة القرم وضمها لروسيا عام ٢٠١٤م، وأخيرا برز التمدد العسكري الروسي خارج مناطق نفوذها في الشرق الاوسط بمساندة الدولة السورية ثم تعزيز تواجدها العسكري هناك، كل تلك الاحداث تثبت قوة الحضور العسكري والسياسي الروسي في مناطق نفوذها وبروز شخصية روسيا على المسرح الدولي .
الحقبة الروسية الجديدة التي بدأت مع الرئيس فلاديمير بوتير تنبىء بمتغيرات جيو سياسية استراتيجية يمكن أن تعيد صياغة نظام دولي جديد بتحالف شرقي روسي – صيني وحلفائهما في مواجهة الحلف الغربي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وحلفائها وذلك في مرحلة فاصلة من تاريخ صراع الامم لن يتوقف على حدود أوكرانيا بل له ما بعده .
خميس بن عبيد القطيطي كاتب عُماني