يمكن القول أن العد العكسي لبدء التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا قد انطلق يوم الأربعاء 26 يناير 2022 وذلك بعد أن سلمت الولايات المتحدة عن طريق سفيرها في موسكو جون ساليفا ردها الكتابي على مقترحات روسيا الأمنية بخصوص أوكرانيا، وقد تم ذلك بشكل موازي مع حلف "الناتو" الذي سلم وثيقة رد الحلف للسفير الروسي في بروكسل حيث مقر الحلف. ولم تكشف موسكو عن فحوى الرد الأمريكي، لكن وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن أكد أن الرسالة حددت لموسكو ما سماه "مسارا دبلوماسيا جادا" لحل النزاع بشأن أوكرانيا، مشددا على أن أوكرانيا حرة في اختيار حلفائها.
ورفضت واشنطن في ردها الخطي التعهد بإغلاق باب حلف شمال الأطلسي أمام أوكرانيا، ضاربة بذلك عرض الحائط بأحد الشروط الأساسية لروسيا لتخفيف التوتر مع جارتها أوكرانيا، إذ رأى بلينكن أن الرسالة أوضحت لموسكو أنه بإمكان كييف اختيار حلفائها.
وأضاف: "نوضح بأن هناك مبادئ جوهرية نحن ملتزمون بالمحافظة عليها والدفاع عنها، تشمل سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها وحق الدول في اختيار الترتيبات الأمنية والتحالفات الخاصة بها". وذكر بلينكن للصحافيين إن الرسالة لن تنشر "لأننا نعتقد أن الدبلوماسية لها أفضل حظوظ النجاح".
وكانت موسكو قد فاجأت دول الغرب بنشر مشروعي معاهدتين مع كل من الولايات المتحدة والناتو في ديسمبر 2021، ينصان على خفض النفوذ العسكري الغربي في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وفي شرق أوروبا ووقف تمدد الناتو شرقا.
وفي محاولة لتهدئة التوتر، أكد مستشارون لقادة روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا، الذين اجتمعوا الأربعاء 26 يناير في باريس، في بيان مشترك التزامهم بوقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه فيما سمي باتفاقات مينسك. وأوضح المستشارون في البيان الذي نشر على الموقع الإلكتروني للرئاسة الفرنسية إنهم "يدعمون الالتزام غير المشروط بوقف إطلاق النار بغض النظر عن الخلافات في قضايا أخرى تتصل بتنفيذ اتفاقات مينسك".
عدد كبير من المراقبين السياسيين أشاروا إلى الموقف الأمريكي تجاه موسكو مضطرب والرئيس بايدن حائر في خياراته فمن جانب يتوعد روسيا بأشد العقوبات الاقتصادية والسياسية إذا غزت أوكرانيا ولكنه يؤكد أن واشنطن لن تتدخل عسكريا لحماية أوكرانيا ثم يقوم بإرسال الأسلحة لجيش كييف، ومن جانب آخر يربط رد الفعل الأمريكي بحجم التدخل الروسي. وبخصوص مد روسيا لأوروبا الغربية بالغاز يحذر البيت الأبيض من استخدام موسكو للغاز كسلاح ضغط وفي نفس الوقت ينذر بوقف ضخ الغاز ويبحث عن بدائل مثل قطر رغم أن تحقيق ذلك يحتاج لتوفير آليات يستلزم إنجازها فترات زمنية ليست بالقصيرة. زيادة على ذلك يسود الانقسام في صفوف حلفاء واشنطن بشأن شكل الرد على غزو روسي. بريطانيا تريد حشد قوات أكبر للحلف قرب حدود روسيا وترسل الأسلحة إلى أوكرانيا، وألمانيا ترفض عمليات إرسال السلاح وتتبادل برلين وكييف الانتقادات.
رئيس الوزراء البولندي ماتيوز موراويكي انتقد بشدة موقف برلين، متهما إياها بأنها تعلي "مصالحها الاقتصادية والطاقوية" على المصلحة الأوروبية المشتركة في نفس الوقت منعت برلين إستونيا من أن ترسل إلى أوكرانيا مدافع هاوتزر ألمانية الصنع.
بغض النظر عن الشكل الذي سيأخذه التدخل الروسي سواء كان توغلا شاملا أو السيطرة على أجزاء هامة من شرق أوكرانيا حيث توجد كثافة عالية لسكان روس، أو تمرد من جانب وحدات من الجيش الأوكراني لإعادة لحمة الوحدة مع موسكو وغير ذلك من السيناريوهات، فإن تصدي الغرب للجيش الروسي بالقوة العسكرية مستبعد في المرحلة الحالية سوى إذا وقعت أخطاء كبيرة في تقديرات الأطراف المتصارعة، ولهذا فإن نقطة الارتكاز في المواجهة ستكون هي تأثير ما تلوح به واشنطن وحلفاء الناتو من عقوبات.
سلاح العقوبات
تستخدم العديد من الحكومات العقوبات الاقتصادية كأداة للسياسة الخارجية، وعادة ما تفرض دولة أكبر العقوبات الاقتصادية على دولة أصغر لسبب من سببين: إما أن هذه الأخيرة تمثل تهديدا لمصالح الدولة الأولي أو أنها تنتهك ما تعتبره الدولة الأكبر توافقا دوليا.
حاليا يقدر في الأوساط السياسية المهيمنة داخل البيت الأبيض أن أقوى سلاح غربي لردع موسكو هو العقوبات، ويؤمن عدد من مستشاري الرئيس الأمريكي بايدن أن فرض عقوبات على روسيا سيكون مدمرا وخطيرا على سلطة الكرملين، في حين يخالفهم بعض الخبراء والساسة.
عدد من الأوساط الاقتصادية في الغرب تشير إلى تقلص فعالية العقوبات خاصة عندما تطبقها مجموعة محدودة من الدول.
تواجه العقوبات خاصة الغربية بقيادة واشنطن والتي توصف جزافا بالدولية اتهامات بالفشل والعجز عن تحقيق أهدافها رغم تزايد توظيفها في العلاقات الدولية. ولا يقتصر الأمر على انتقاد العقوبات الغربية الراهنة وعجزها عن تحقيق الإكراه وتغيير الوضع السياسي، إنما عمدت العديد من الدراسات إلى تحليل مئات العقوبات للوقوف على نسب ومقومات نجاح هذه الآلية. وخلصت دراسة شاملة لـ170 من حالات العقوبات في القرن العشرين إلى نجاح ثلثها فقط في تحقيق الأهداف المرجوة منها. وتقدر دراسة أخرى أن معدل نجاح أنظمة العقوبات يقل عن 5 في المائة. فيما حددت دراسة شملت 115 من حالات العقوبات الاقتصادية في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1990 نسبة النجاح بـ35 في المائة. ووفقا لجاري هوفباور الأكاديمي الأمريكي وأحد مسئولي وزارة الخزانة الأمريكية فإن تأثير جميع العقوبات الاقتصادية في العقود الخمسة الماضية على الناتج المحلي الإجمالي للبلد المستهدف كان أقل من 2 في المائة.
وفي إشارة سريعة لتاريخ العقوبات الأمريكية علي الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا لاحقا يقول "هوفباور" أن دولة بحجم روسيا التي تمتلك السلاح المتطور لم تتأثر فعليا في أي وقت من الأوقات بهذه العقوبات، بالتأكيد فرضت هذه العقوبات العراقيل لكنها لم تتمكن يوما من إحداث أي اضطراب في الداخل الروسي.
ويضيف "هوفباور" أن العقوبات التي فرضتها أمريكا في فترة رئاسة دونالد ترمب، كانت الأقل فعالية علي الإطلاق. وهو هنا يشير إلى عدم فعالية العقوبات التي توقع من قبل طرف واحد، ففي حالة أن تكون العقوبات مفروضة حصريا من قبل الجانب الأمريكي، فهي غالبا ما تكون غير مؤثرة سياسيا بالقدر الكافي الذي يضمن التغيير المنشود في النظام السياسي.
يستقر هوفباور علي أن وجود نظام سياسي متماسك في الدولة الموقع عليها العقوبة هو العامل الرئيسي في مواجهة العقوبات وتخفيض أثرها، ثم يشير إلي عامل آخر مهم في تجاوز العقوبات وهو مقدار اعتماد كل دولة علي الاقتصاد العالمي في توفير احتياجاتها، فكلما زاد اعتماد الدولة علي الاقتصاد العالمي من خلال استهلاك السلع والخدمات الأجنبية زاد تضررها من العقوبات المفروضة.
ثم يذهب إلي أن ظهور قوي اقتصادية كبيرة أخري بجانب الولايات المتحدة، توفر البدائل للدول الموقع عليها العقوبات لتفادي أثار العقوبات، فبعد أن فرض حظر بيع و شراء النفط الفنزويلي علي الأشخاص والشركات، قامت كل من الصين وروسيا وإيران بشراء النفط الفنزويلي بكميات كبيرة وهو ما مكن فنزويلا من الاستمرار صامدة في ظل العقوبات. وهذا العامل هو عامل مهم يؤدي لعدم فاعلية العقوبات الأمريكية.
وعلاوة علي ذلك فالعقوبات لا تفلح في تغيير النظم السياسية في معظم الحالات، بل تخلق كراهية وجدانية للولايات المتحدة و بعض الأحيان تقوي النظام السياسي المستهدف إسقاطه.
الدعم الواسع
جاء في بحث وضعه مايكل سينغ المدير الإداري لمعهد واشنطن ونشر في "وول ستريت جورنال":
في خطاب ألقاه بشأن العقوبات الاقتصادية، وما تعلمته إدارة أوباما من استخدامها، أكد وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو سنة 2016 على أهمية الدعم الواسع متعدد الأطراف لأي ترتيب للعقوبات وقيمة التخفيف عنها بصورة موثوقة عندما تحقق أهدافها. وطالب ليو بتخصيص موارد كافية لتنفيذ العقوبات، في إشارة منه إلى أن الاستخدام المتزايد للعقوبات - بل وربما الجديد بصورة أكثر - وما يصاحب ذلك من متطلبات رفع التقارير المصاحبة قد شكل عبئا كبيرا على قدرات وزارة الخزانة الأمريكية.
وتحظى العقوبات بأهمية كبيرة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أنها ليست جديدة. وتنتهج واشنطن سياسة العقوبات التجارية، وحظر السفر، وتجميد الأصول، بينما يواصل الاقتصاد العالمي والنظام المالي اللذان يشهدان تكاملا متزايدا، فتح آفاق جديدة لاستخدام العقوبات أو التغلب عليها.
وحذر ليو أيضا من عواقب الإفراط باستخدام العقوبات معللا ذلك بما تنطوي عليه من مخاطر قائلا "إن فرط استخدام العقوبات قد يؤدي في النهاية إلى مغادرة النشاط التجاري للنظام المالي الأمريكي" وأن تطبيق "العقوبات الثانوية" - الموجهة إلى الأشخاص الأجانب الذين يتعاملون تجاريا مع دولة مستهدفة أو كيان مستهدف - من شأنه تعزيز هذا التهديد.
وهذا لا يعني بالضرورة أن العقوبات غير فعالة، لكن تبقى طرق استخدامها مهمة للغاية. يجب على صانعي السياسات أن يضعوا في اعتبارهم ثلاثة عوامل على وجه الخصوص:
• يحظى فرض العقوبات بأكبر قدر من الاهتمام لكن التنفيذ أكثر أساسية. فالتنفيذ يحتاج إلى ما هو أكثر من موارد التطبيق. والأهم من ذلك هو الإرادة السياسية.
• لأن الهدف من فرض العقوبات يكون طموحا بصورة متزايدة، فإن الخسائر التي تفرضها على الكيان المستهدف يجب أن تكون ملائمة في الحجم. ووفقا لذلك، يجب أن تكون الخسائر مهمة ليس فقط للدولة المستهدفة أو للكيان المستهدف بصورة عامة، بل أيضا لأولئك الأفراد التي تسعى الحكومة الأمريكية التأثير على قراراتهم.
• الأهم من ذلك، تعمل العقوبات بصورة أفضل إذا كانت جزءا من إستراتيجية أكبر وليس بديلا لها. وتتضح هذه النقطة بقوة في كل من سوريا وأوكرانيا حيث ربما كانت العقوبات وسيلة "للقيام بشيء ما" وأثبتت قيمتها في تحقيق ما فرضت من أجله، إلا أنها لم تلق الدعم من الاستغلال الفعال لعناصر أخرى من قوة الولايات المتحدة لتحقيق أهداف سياسة البيت الأبيض. وتعمل العقوبات بصورة أفضل حين تدعمها استخبارات قوية ودبلوماسية نشطة، والتهديد باللجوء للقوة عند الضرورة أو استخدامها بالفعل.
تناقضات
جاء في بحث نشرته "الإقتصادية" يوم الأحد 30 يناير 2022:
مع تصاعد التوتر بين روسيا من ناحية والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة من ناحية أخرى والحديث عن غزو روسي محتمل لأوكرانيا وعقوبات غربية صارمة منتظرة على موسكو يفرض ملف الاقتصاد نفسه على مائدة أي نقاش في هذا السياق.
فالدول الغربية تراهن دائما على سلاح العقوبات الاقتصادية لردع أي تحرك روسي غير مرغوب، لأن هذه الدول لا تستطيع بالقطع اللجوء إلى القوة العسكرية في مواجهة روسيا.
في المقابل، أمضى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأعوام الماضية ليستعد للأسوأ على حد قول المحللة الاقتصادية كلارا فيريرا ماركيز.
فمنذ 2014 على الأقل، عندما تعرضت روسيا لضربة مزدوجة من انهيار أسعار النفط والعقوبات الغربية ضدها بسبب النزاع في أوكرانيا، بدأ الكرملين بناء تحصينات مالية وضبط أوضاع الاقتصاد الكلي وقلص الاعتماد على الدولار الأمريكي، ودعم الإنتاج المحلي البديل للواردات.
وحتى عندما تفشت جائحة فيروس كورونا المستجد ووصلت تداعياتها الاقتصادية إلى الأسر الروسية، لم تتخل الحكومة عن القيود على الإنفاق العام لمساعدة هذه الأسر.
ونتيجة لذلك، تدخل روسيا الأزمة الحالية بأسس اقتصادية تبدو أفضل من أي وقت مضي، مع عبء دين عام منخفض نسبيا، واحتياطي نقدي من العملات الأجنبية يقترب من 640 مليار دولار وغطاء مالي يعادل نحو 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، في صورة صندوق الثروة الوطني، الذي استفاد بشدة من انتعاش عائدات تصدير النفط والغاز الطبيعي بعد طفرة الأسعار خلال عام 2021. كما أصبحت روسيا في 2020 ولأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي مصدرا صافيا للمنتجات الزراعية.
مجموعة واسعة من الخيارات
ومع ذلك تقول كلارا ماركيز في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء أنه "ما زال من غير المعروف ما إذا كانت هذه الأرقام كافية لحماية روسيا في حال تعرضها لعقوبات اقتصادية شديدة. فنحن لا نعرف المدى الذي يمكن أن تمضي إليه روسيا في التعامل مع ما تسميه تهديدا لحدودها الغربية. ولا نعرف مدى شدة العقوبات، التي سيرد بها الغرب على أي هجوم أو غزو عسكري روسي لأوكرانيا، في حال حدوثه".
فهناك مجموعة واسعة من الخيارات المتاحة لدى كل جانب، لكن من السهل المبالغة في تقدير استفادة بوتين من وضع اقتصاده القوي. هذه القوة موجودة بالفعل، لكنها توفر حماية قصيرة المدى، مع تكلفة عالية على المدى الطويل، نظرا للتضحية بالإنتاجية والنمو من أجل الاستقرار والمحافظة على نظام الحكم. كما أن استمرار اعتماد الاقتصاد الروسي على صادرات النفط والغاز، وتدهور الأوضاع السكانية أصبحت نقاط الضعف في الموقف الروسي أشد وضوحا.
وتقول ماركيز إنه يمكن تلخيص المشكلة، التي يواجهها بوتين بكلمة واحدة هي "السبات".
فبناء هيكل اقتصادي دفاعي يعني المركزية، وزيادة الادخار، وبالتالي تقليص الاستثمار في احتياجات المستقبل. إلى جانب ذلك ينطوي على دعم للشركات الحكومية الكبيرة التي تساند الدولة لكنها تقلص مستوى المنافسة في السوق وتشجع على إساءة توظيف الموارد. كما أن الصادرات الروسية تعتمد على عدد محدود للغاية من الصناعات وهي النفط والغاز الطبيعي والتكنولوجيا النووية والأسلحة والحبوب، وتعد الاستثمارات الأجنبية المباشرة الحقيقية في روسيا عند حدودها الدنيا.
ويصف ريتشارد كونوللي، مدير مؤسسة "إيسترن أدفايوري غروب" والمراقب المخضرم للسياسة الاقتصادية الروسية الاقتصاد الروسي بأنه "اقتصاد الكلاشينكوف"، حيث كانت الاستمرارية هي الأولوية له وليس الأداء. كما أن الدولة لا تلعب دور المحفز لهذا الاقتصاد وإنما تلعب دور المعوق له.
فالإنفاق الروسي على الأبحاث والتطوير يعادل 1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يمثل نحو نصف وربما ثلث معدل الإنفاق في اقتصاديات السوق. ويقول كونوللي إن نحو ثلثي الإنفاق على الأبحاث والتطوير يأتي من المؤسسة العسكرية، وأغلب الباقي يأتي من قطاع النفط والغاز.
كما أن التحصينات الاقتصادية التي أقامها بوتين قد تحمي الكيانات الكبرى في الدولة، لكنها تضر بالأسر والشركات الصغيرة التي تعاني بشدة.
كما أن متوسط دخل الفرد الحقيقي في روسيا الآن أقل منه قبل استرجاع شبه جزيرة القرم 2014. وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من ضعف المستوى الذي يستهدفه البنك المركزي، مع انخفاض قيمة الروبل أمام الدولار، ما يضاعف معاناة الروس.
علاوة على ذلك، فإنه رغم كل التضحيات، التي تحملها الروس العاديون باسم تحقيق الاكتفاء الذاتي، ما زال الاقتصاد الروسي يعتمد بشدة على قطاع النفط والغاز الذي شكل خلال الأعوام الأخيرة نحو 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ونحو 40 في المائة من الإيرادات الاتحادية وجزءا كبيرا من الصادرات. ورغم أن أوروبا تعتمد بشدة على استيراد الغاز الروسي الذي يمثل نحو 40 في المائة من واردات الغاز في أوروبا، فإن روسيا أيضا تعتمد بشدة على السوق الأوروبية لتصدير الغاز بشكل خاص.
وتقول ماريا شاجينا خبيرة العقوبات الاقتصادية والباحثة الزائرة في المعهد الفنلندي للشؤون الدولية إن أوروبا ترتكب خطأ بالتركيز فقط على نقاط ضعفها في العلاقة مع روسيا دون النظر إلى نقاط الضعف لدى الطرف الآخر. فإذا كانت أوروبا تحتاج إلى إمدادات الطاقة القادمة من روسيا، فإن الأخيرة تحتاج إلى السوق الأوروبية لأنها لن تستطيع بسهولة إيجاد أسواق بديلة لسلعتها الحيوية.
كما أن الصين على سبيل المثال التي تعمل بجد على تنويع مصادر إمداداتها بالطاقة، ستكون لها اليد العليا في أي علاقة مع روسيا في هذا الملف. كما أن الشركات الصينية وبخاصة البنوك تبدو غير متحمسة للعودة إلى روسيا خوفا من أي عقوبات أمريكية.
ويستبعد إيكا كورهونين، الباحث في معهد بنك فنلندا للاقتصاديات الصاعدة والمتخصص في دراسة آثار العقوبات، أن تكون الصعوبات الاقتصادية المنتظرة كافية، لكي يتراجع بوتين عن سياساته، لأنه يركز غالبا على الأهداف قصيرة المدى، فالاعتبارات الاقتصادية لم تمنع بوتين من ضم شبه جزيرة القرم سنة 2014.
الآثار الاقتصادية
يرى خبراء غربيون أن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا والرد الغربي عليه ستظهر في جميع أنحاء العالم وليس فقط على الحدود المشتركة بين البلدين.
ويخشى الخبراء من أن ذلك قد يفتح الباب أمام حقبة جديدة من عدم اليقين في أوروبا الشرقية، ويعطل سلاسل التوريد والاقتصاد العالمي، ويفرض تحولا كبيرا في التأثير الجيوسياسي الذي يضر بمصداقية الغرب، بحسب شبكة "سي إن إن".
كما يتفق المحللون أن أي تحرك روسي سوف يحمل اختبارا لعزيمة الدول الغربية ويطرح سلسلة من حالات عدم اليقين الاقتصادية والأمنية.
نايغل جولد ديفيز، السفير البريطاني السابق في بيلاروسيا قال: "هذه أخطر أزمة أمنية في أوروبا منذ الثمانينيات".
وأضاف جيمس نيكسي، مدير برنامج روسيا - أوراسيا في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن: "لقد اختلفت روسيا والغرب بشكل جذري حول النظرة إلى العالم، وظل الخلاف الأساسي تحت السجادة لسنوات". وتابع: "قررت روسيا الآن أن تكشف عن هذا الخلاف. إنها مشكلة حقيقية لها آثار عالمية."
ويتفق المحللون أن عواقب هذا الغزو ستكون كبيرة على دول أوروبا الشرقية والبلطيق التي ستجد روسيا بسياسة عدوانية على حدودها.
وذكر جولد ديفيز: "تقع أوكرانيا على حدود العديد من دول الناتو. سيكون هناك قدر كبير من القلق لهذه الدول لأن أمنها سيكون مهددا".
يوم الاثنين 24 يناير 2022، أعلن المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، أنه تم وضع ما يصل إلى 8500 جندي أمريكي في حالة تأهب قصوى تحسبا لانتشار محتمل في شرق أوروبا.
كما قال ثلاثة مسئولين أمريكيين مطلعين على المناقشات لشبكة "سي إن إن" إن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يرسلون قوات إضافية إلى رومانيا وبلغاريا والمجر في الأيام المقبلة.
أوكرانيا ليست عضوا في الناتو، ومن المحتمل ألا يرسل الحلف جنودا إلى البلاد. لكن في أعقاب التوغل، من المرجح أن يظل الوجود الكثيف للقوات على طول الحافة الشرقية لأوروبا طالما كانت روسيا تحتفظ بالأرض الأوكرانية، وهو احتمال من شأنه أن يعيد إحياء ذكريات الحرب الباردة.
التداعيات الاقتصادية للغزو مصحوبة بأمور مجهولة، لكن يمكن أن يؤدي الغزو إلى تعطيل الإنتاج الزراعي في أوكرانيا مما سيكون له تأثير مباشر على الإمدادات الغذائية في العالم.
تعد كييف واحدة من أكبر أربع دول مصدرة للحبوب في العالم، ومن المتوقع أن تستحوذ على حوالي سدس واردات الذرة في العالم في السنوات الخمس المقبلة، وفقا لتوقعات مجلس الحبوب الدولي، وبالتالي فإن اندلاع الحرب سيكون له تأثير مباشر على إنتاجها، مما قد يؤثر على المعروض من بعض المواد الغذائية.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التأثير المحتمل الأوسع نطاقا على إمدادات الطاقة، وعواقب العقوبات الغربية القاسية على روسيا في حال غزت كييف.
وقال ديفيز: "إذا كنت تتحدث عن صراع كبير يشمل أحد أكبر موردي الطاقة في العالم ودولة عبور رئيسية إلى بقية أوروبا فلابد أن تكون هناك تأثيرات كبيرة على أسواق الطاقة".
توفر روسيا حوالي 30 في المأئة من الغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي، وتلعب إمداداتها دور حيويا في توليد الطاقة والتدفئة المنزلية في وسط وشرق أوروبا.
وقد سبق أن اتهمت باستغلال هذا الاعتماد، حيث قالت وكالة الطاقة الدولية، يوم الأربعاء 26 يناير، إن روسيا ساهمت في نقص المعروض من الغاز في أوروبا من خلال خفض صادراتها.
وأفاد مسئولون كبار في الإدارة الأمريكية، الثلاثاء، إن إدارة بايدن تجري خطط طوارئ لدعم إمدادات الطاقة في أوروبا في حالة أقدمت موسكو على غزو كييف.
في غضون ذلك، يعمل الاتحاد الأوروبي على "مجموعة واسعة من العقوبات القطاعية والفردية"، وفقا لبيان المفوضية الأوروبية.
ويتوقع المحللون عموما حزمة واسعة النطاق من العقوبات يمكن أن تلحق الضرر بالبنوك الروسية الكبرى وقطاع النفط والغاز وواردات التكنولوجيا، وبالتالي سيكون لها تأثيرات على اقتصاديات العالم بسبب العلاقات الاستثمارية بين موسكو والدول الأخرى.
العالم يراقب
كما يخشى بعض المراقبين من أن أي تحرك روسي يمكن اعتباره انتصارا قد يشجع الدول الأخرى المنخرطة في نزاعات حدودية أو اقليمية.
وقال جولد ديفيز: "ستراقب الصين بعناية الدروس التي يمكن أن تستخلصها بشأن التصميم الغربي".
وتصر بكين على ضم تايوان، التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ أكثر من 70 عاما بعد انفصالها عنها بدعم أمريكي، مما يهد باندلاع حرب بين أكثر من طرفين.
وذكر منسق مكافحة الإرهاب، المبعوث الخاص للتحالف الدولي ضد داعش في وزارة الخارجية الأمريكية سابقا، ناثان سيلز: "ستسمر التأثيرات غير المباشرة للغزو لسنوات وربما عقود قادمة".
وأشار إلى أنه إذا حققت موسكو خطوات ناجحة في هذا الغزو سيدفع ذلك بعض الأنظمة مثل كوريا الشمالية وإيران للاستفادة من مثل هذه النتيجة.
لكن سيلز أكد أيضا أن الولايات المتحدة والناتو يمكن أن يعززا مصداقيتهما وقوتهما في العالم إذا تعاملتا بنجاح مع هذه الأزمة.
تهديد النظام المالي العالمي
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن حزمة العقوبات التي يهدد الغرب بفرضها على روسيا يمكن أن تؤثر على اقتصاديات دول أخرى وتسبب لها مشاكل عميقة سياسية واقتصادية، الأمر سيؤثر على اقتصاديات كبرى لاسيما تلك الموجودة في أوروبا، أو حتى بما يعكر استقرار النظام المالي العالمي.
ويحذر محللون من "دوامة تصعيدية" محتملة، إذ قد تنتقم روسيا بقطع شحنات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، أو عن طريق شن هجمات إلكترونية ضد البنية التحتية الأمريكية والأوروبية.
ويقول مسئولون في إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن إنه في الوقت الحالي "لن يكون هناك استهداف لصادرات النفط والغاز الروسية"، والذي إن حصل قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة ويدمر شعبية الحزب الديمقراطي.
إدوارد فيشمان، الذي شغل منصب رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية خلال إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، قال للصحيفة "إنه إذا واصلت إدارة بايدن تهديدها بفرض عقوبات على البنوك الروسية، سيتردد صداها عبر الاقتصاد الروسي بأكمله.. وستؤثر بالتأكيد على الحياة اليومية في روسيا".
وأضاف أنها "ستخلق اضطرابات داخلية، إذ لن يكون الناس سعداء".
وأوضح أن "النفط هو شريان الحياة لاقتصادهم، وقدرة الكرملين على استعراض القوة".
ويتوقع أن تتسبب العقوبات في حال فرضها بتقليل النمو الاقتصادي السنوي لروسيا بنسبة كبيرة، أكبر مما حصل بعد فرض عقوبات 2014 والتي قللت النمو بنسبة 3 في المائة.
وحذر البنك المركزي الأوروبي البنوك المقرضة لروسيا من المخاطر إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات.
ماريا سنيغوفايا، باحثة في جامعة جورج واشنطن قالت "في مرحلة ما سيتعين على الغرب التضحية قليلا من رفاهيته إذا كان الهدف هو ردع بوتين".
وأضافت "أن التضخم غير مسبوق بالفعل. أي إجراء دراماتيكي ضد روسيا إلى تغييرات في أسعار النفط والغاز".
وكشف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، أن حزمة العقوبات التي قد تفرضها إدارة الرئيس بايدن، على روسيا، ستستهدف البنوك الروسية والشركات الحكومية وواردات أساسية للبلاد.
ويؤكد مسئولون أن "الإجراءات التي يتم بحثها لم يسبق لها مثيل في العقود الأخيرة ضد روسيا".
رؤية أمريكية للانتصار
جاء في بحث نشر في لندن يوم 31 يناير 2022:
يعتقد أغلب الروس أن الأزمة الحالية في أوكرانيا سببها الغرببقيادة الولايات المتحدة، وهو ما يشير إلى نجاح الرئيس فلاديميربوتين في وضع قواعد الاشتباك هذه المرة، عكس نهاية الحربالباردة.
ويرى كثير من المحللين أن جذور الأزمة الحالية في أوكرانيا تكمنفي الكيفية التي انتهت بها الحرب الباردة وما خلفته في نفوسالأمريكيين من جهة والروس من جهة أخرى. فعلى الرغم من أنتلك الحرب انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه، فإن الروسلا يرون أن ذلك يعني هزيمتهم وانتصار الأمريكيين.
لكن على الجانب الآخر، يتصرف الأمريكيون كما لو أنهم حققواالانتصار في الحرب الباردة وينتظرون من الروس أن يتصرفواكما يتصرف المهزومون، ويدلل على ذلك الكيفية التي توسع بهاحلف الناتو في أوروبا الشرقية، عكس ما كان يفترض أن يحدثطبقاً لوعد قدمته الولايات المتحدة لروسيا قبل ثلاثة عقود.
العقود الثلاثة الماضية شهدت تطورين مهمين للغاية في هذهالقصة: التطور الأول هو أن حلف الناتو بدأ في ضم أعضاء جددحتى ارتفع العدد من 16 دولة إلى 30، وانضمت دول من الكتلةالشرقية أو الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى عضوية الحلفالعسكري الغربي، ليتمدد الحلف بنحو 965 كم أقرب نحو الحدودالروسية، رغم الوعد الأمريكي بعدم التوسع شرقا بوصة واحدة.
أما التطور الثاني فهو سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية علىالنظام العالمي الجديد وليس فقط على حلف الناتو، وفي المقابلحاولت روسيا بقيادة بوتين، خلال العقدين الماضيين، استعادةبعض من قوة ونفوذ الاتحاد السوفييتي السابق، لتصبح أوكرانياساحة إثبات الذات الأخيرة لروسيا وبوتين، خصوصا بعد الإطاحةبالرئيس يانوكوفيتش الموالي لبوتين عام 2014.
وتعتبر أحداث عام 2014 بداية الأزمة الأوكرانية، أو بمعنى أكثرتحديداً بداية العودة لأجواء الحرب الباردة من جانب الرئيسالروسي بوتين، لأنه اعتبر الإطاحة بيانوكوفيتش "الرئيسالأوكراني" هزيمة سياسية شخصية في معركته للاستحواذ علىالنفوذ في أوكرانيا، وهو ما غير معادلة التصرفات الروسية منذذلك الوقت.
ويرى بوتين أن الغرب ساعد مسلحين وسمح لهم بتوجيه الأحداثفي العاصمة الأوكرانية كييف في ذلك الوقت، وهو ما أدى إلىالإطاحة بالرئيس المنتخب، وحمل بوتين الغرب مسؤولية تهييجالمشاعر في كييف وتشجيع المعارضة على خرق الاتفاقات الراميةلاستعادة السلام والسماح لمن تصفهم موسكو بأنهم "متطرفون" و"فاشيون" بإملاء التطورات السياسية في أوكرانيا.
ومن هذا المنطلق، قرر بوتين إرسال الجيش الروسي إلى أوكرانيا،تحت ذريعة حماية مصالح وطنية روسية ومصالح مواطنين روس،ومن المهم هنا ذكر أن روسيا في ذلك الوقت حشدت أكثر من 150 ألف جندي ووضعتهم في حالة في حالة تأهب قرب حدودأوكرانيا، بينما تتحدث التقارير الغربية عن عدد أقل من القواتالروسية حالياً على تلك الحدود.
وبالعودة إلى تسلسل الأحداث في تلك الأزمة والتي انتهت بضمروسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، نجد أن بوتين ظل ملتزماالصمت فيما يتعلق بأوكرانيا عندما تمت الإطاحة بالرئيسيانكوفيتش، ودفع ذلك الصمت وقتها التكهنات بشأن غزو روسيوشيك لأوكرانيا لتصدر التوقعات، وسط تهديدات أمريكية- منجانب الرئيس الأسبق باراك أوباما- بفرض عقوبات على روسياإذا ما أقدمت على غزو أوكرانيا فعلا.
وقتها بنى بوتين حساباته على أساس أن أوباما ليس لديه أدواتضغط تذكر وليس مستعدا لخوض حرب بسبب شبه جزيرة نائيةفي البحر الأسود لها أهمية رمزية واستراتيجية لروسيا لأنها تضمقاعدة بحرية روسية وليس لها قيمة اقتصادية تذكر.
ووقتها أيضا تحدث الرئيسان بوتين وأوباما لمدة 90 دقيقة عبرالهاتف، وبدا أن تلك المكالمة كسرت بعضا من الجمود، وكان بوتينوقتها يريد الخروج بأي شيء من معركة أوكرانيا، لكن "الغرب قاللبوتين أن يغرب عن وجهه فيما يتعلق بأوكرانيا"، بحسب ما قالهلرويترز سيرجي ماركوف المحلل السياسي المؤيد لبوتين ومديرمعهد الدراسات السياسية في موسكو.
وقتها حقق بوتين شعبية ضخمة بين الناخبين وخاصة القوميينالروس، خصوصا أن القرم كانت أرضا روسية تنازل عنها الزعيمالسوفييتي الراحل نيكيتا خروشوف عام 1954 لأوكرانيا.
وارتفعت مكانة بوتين في الداخل الروسي في ظل موجة منالاستياء بين القوميين بسبب محاولات للحد من استخدام اللغةالروسية في أوكرانيا واضطهاد الروس في بلد يرى كثيرون أنهيمثل امتداداً لبلدهم.
ليست دولة مهزومة
في لقطات تذكر بما كان يحدث أيام الحرب الباردة، ينقلالتليفزيون الرسمي في روسيا لقطات من ميدان في كييفعاصمة أوكرانيا لمواطنين يقومون بتدمير تمثال يرجع تاريخه إلىالحقبة السوفييتية، بينما يعلق المذيعون والمذيعات على ذلك بالقولإن كل ما له علاقة بالحقبة السوفييتية يتم تدنيسه في أوكرانيا.
وما أشبه اليوم بالأمس، إذ كان التليفزيون الروسي يبث عام2014 لقطات من الدوما "البرلمان" يتهم فيها متحدثون واشنطنبتجاوز خط أحمر بتحذيرها من أن موسكو ستدفع "ثمن" تدخلهافي أوكرانيا، ولقطات متتالية للمحتجين المؤيدين للروس يرفعونالعلم الروسي فوق مبان إدارية في عدة مناطق بشرق أوكرانيا.
وتهدف هذه المواد الإعلامية إلى تأجيج المشاعر الوطنية بينالروس وتهيئتهم كي يروا الأزمة بعيون الرئيس بوتين. ويبدو أنتلك الاستراتيجية ناجحة إلى حد كبير حتى الآن، إذ يعتقد غالبيةالروس أن بوتين محق في موقفه من أوكرانيا وحلف الناتو والغرببشكل عام، بحسب تقرير لمجلة "بوليتكو" الأمريكية.
وليس واضحاً إذا ما كان هذا التأييد لوجهة نظر بوتين للأزمةالأوكرانية يعني بالضرورة تأييداً لخيار الحرب أو بمعنى أدقالغزو الروسي لأوكرانيا، لكن المؤكد أن تمتع بوتين بالدعم الشعبييقوي موقفه في مواجهة الغرب.
وعلى الرغم من تكرار التصريحات الغربية والأمريكية بأن الغزوالروسي لأوكرانيا على وشك أن يبدأ بالفعل، لا يزال الجانبالروسي مصمما على نفي وجود أية نوايا لشن الحرب فيأوكرانيا، ويتهم الكرملين الغرب بالتسبب في الأزمة من الأساسمن خلال تجاهل المطالب الأمنية الروسية.
إذ قال بوتين، يوم الجمعة 28 يناير 2022، إن الولايات المتحدةوحلف الناتو لم يتجاوبا مع المطالب الأمنية الرئيسية لروسيا فيالمواجهة حول أوكرانيا، لكنه أبدى الاستعداد لمواصلة الحوار. كماقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لمحطات إذاعةروسية: "إذا كان الأمر متوقفاً على روسيا فلن تكون هناك أيحرب. لا نريد حروبا. لكننا لن نسمح أيضا لأحد بأن يدوس علىمصالحنا بفظاظة أو يتجاهلها".
الخلاصة هنا أن غالبية الروس، من وجهة نظرهم، يرون الأزمةالأوكرانية بعيون الرئيس بوتين، الذي بدوره يراها فرصة سانحةلإعادة صياغة نهاية الحرب الباردة والتأكيد على أن روسيا ليستدولة مهزومة كي تخضع لإرادة الولايات المتحدة كطرف منتصر،ولا يعني هذا بالضرورة حتمية إقدام روسيا على غزو أوكرانيا.
الرد على جبهات أخرى
يشير خبراء في العاصمة الألمانية برلين أن ردود الفعل الروسية غير المباشرة سواء كانت منسقة أو غير ذلك، على التحديات الغربية قد تكثفت على عدة ساحات. فيوم الأحد 30 يناير وللمرة السابعة منذ بداية السنة أطلقت كوريا الشمالية "مقذوفا غير محدد" في البحر الشرقي المعروف أيضا باسم بحر اليابان، على ما نقلت وكالة "يونهاب" عن الجيش الكوري الجنوبي.
وتمثل عملية الإطلاق هذه تحديا لواشنطن، حيث يستعرض النظام الكوري الشمالي قدراته العسكرية ويواصل تجاهل عرض الولايات المتحدة لإجراء محادثات. وقبل أيام ألمحت بيونغ يانغ إلى أنها قد تستأنف تجارب الأسلحة النووية والبعيدة المدى التي تم تعليقها عام 2017. وجاء ذلك في نفس الوقت الذي حالت فيه بكين وموسكو من فرض واشنطن عقوبات جديدة على كوريا الشمالية عبر مجلس الأمن.
بعيدا إلى الغرب وفي منطقة بلاد الشام ويوم 24 يناير 2022 أقلعت ثلاث طائرات روسية من قاعدة حميميم واثنتان سوريتان من مطارين عسكريين بريف محافظة دمشق السورية، وفي خطوة هي الأولى من نوعها أجرت "دورية جوية مشتركة" على طول مرتفعات الجولان وأجواء المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا أي بمحاذاة تركيا وإسرائيل.
وبحسب بيان نشرته وزارة الدفاع الروسية فإن الدورية ستكرر في الأيام المقبلة "بشكل منتظم"، وقالت وفق وكالة "تاس" إن "الطيارين الروس والسوريين سيطروا من خلالها على الأجواء وقدموا غطاء مقاتلا، فيما مارست الأطقم الروسية هجمات على أهداف برية".
وتعتبر "حميميم" من كبرى وأبرز القواعد الروسية التي أنشأتها موسكو عقب تدخلها عسكريا لدعم الجيش العربي السوري، منذ عام 2015.
وانطلاقا من هذه القاعدة، وعلى مدى السنوات السبع الماضية، نفذت الطائرات الحربية الروسية مئات، بل ربما الآلاف من الطلعات الجوية، مستهدفة بها القوات المعادية في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، شمالا وشرقا وجنوبا.
لكن ومنذ دخول العام الجديد 2022 يبدو أن الصورة العسكرية العامة لـ"حميميم" قد تغيرت، حيث لم تعد ترتبط بالساحة السورية فقط والعمليات العسكرية التي دارت على رقعتها الجغرافية، لتتحول شيئا فشيئا إلى "نقطة ارتكاز وانطلاق" تتخطى الحدود، بحسب ما يقول مراقبون تحدثوا لموقع "الحرة".
وقبل أسبوع فقط من "الدورية الجوية الأولى" أعلن قائد القوات الجوية الروسية بعيدة المدى، سيرجي كوبيلاش أن القاذفات بعيدة المدى المتطورة التي نشرتها موسكو قبل أشهر في "حميميم"، من شأنها "تغطية البحر الأبيض المتوسط بأكمله".
تشير معظم القراءات التي استعرضتها الصحافة الإسرائيلية، إلى أن "إسرائيل تبدي قلقا وتخوفا من الدورية، التي أعلنت عنها روسيا فجأة ودون مقدمات".
صحيفة "يديعوت أحرنوت"، قالت أن إسرائيل تخشى من أن تؤثر هذه الخطوة على هامش حرية النشاط العسكري الإسرائيلي في الساحة السورية.
واعتبرت "يديعوت أحرنوت" أن المناورات هي "رسالة تريد موسكو إرسالها إلى الأمريكيين عبر فتح جبهة أخرى معهم بالتزامن مع التوترات الأوكرانية، الهدف منها الضغط على إسرائيل".
موقع "ديبكا" أشار إلى أن موسكو لم تخطر إسرائيل أو سلاح الجو الإسرائيلي مسبقا بهذا التطور. واستعرض الموقع نقلا عن مصادر لم يسمها عدة أهداف قد تقف وراء الإعلان عن "الدورية"، بينها أن "موسكو تريد تقليص حرية عمل القوات الجوية الأمريكية والإسرائيلية في الأجواء السورية".
ويعتقد أن الرسالة الروسية موجهة "لحلف الناتو"، ويشار إلى أن "الدورية التي أعلن عنها تتزامن مع مناورات روسية مع الصين بحرية وجوية، ومناورات أخرى لموسكو في بحر العرب الذي يتوسط شبه الجزيرة العربية والهندية، وأيضا مع المناورات المشتركة مع بيلاروسيا".
"هي رسالة عامة بأن روسيا جاهزة في كل الجبهات. سواء في البحر المتوسط أو غربا على الحدود البيلاروسية، وفي البحر الأسود وبحر العرب".
في غضون ذلك يقول المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن إن "دورية موسكو الجوية على مرتفعات الجولان بكل تأكيد إشارة سلبية جدا بالنسبة لإسرائيل، والتي تفضل ألا يكون هناك خط للتماس مباشر بينها وبين روسيا".
ويتابع شتيرن: "كأن روسيا تهدد بأن تغيير قواعد اللعبة تجاهها من قبل الناتو قد يؤدي إلى تغيير سياستها تجاه حلفاء الناتو في الشرق الأوسط، وعلى رأسهم إسرائيل".
عمر نجيب