كل ما يقوم به المرء يعود إليه، هذا من مبادئ الكارما. وهي لمن لا يعرفها منهج في الأديان الشرقية يعتبر كل ما هو حاضر نتيجة تراكمية لأسباب حصلت في الماضي؛ وكل ما هو مستقبلي هو نتيجة لسبب ما في الوقت الحالي.
وعنوان هذا النص من ملتنا الحنيفة، ومن أحاديث رسولنا الكريم، وما أوردنا الأمر إلا للتشاكل والتشابه وأيضا للإفادة والاستفاضة.
وبعد فأقول إنّ من كرم الله على عباده أن خلق لهم سبلا وفجاجا يسلكونها؛ فيلقون فيها بعض رزقهم وبعض أنسهم. فيمرحون ويتذكرون ويتفكرون. ولا تكاد تمر بأثر أو حجر وإلا وذكرك بحادث أو حديث أو قصة أو ذكرى. فيرتد بك الفكر إلى تلك الأيام والسويعات والأحاديث. وفجأة إذا أنت بحضرة ضحى هذا اليوم من هذا العام (١٩٩٩)، وقد بت عند منفذ كيبب من أعلى، لتباشر النزول في الغدوة، وكنت في معية هذه البهية في رحلة العودة من الكيطنة. إنك لا تذكر كيبب إلا وقفزت الذكرى حية ماثلة، فرحمات ورضوان ومغفرة عليك يا أم في ذكرى الفراق السابعة والتي تقابل هذا اليوم، وكانت هذه السنين السبعة سنين ألم وتوجع وأسى، ولا أخال السنين بعد غيابك يا ميّم إلا هكذا حالهن.
وخرجنا في يومنا عند صلاة الفجر. وكنا نروم المضي إلى إريجي كلّير، ومن ثم إلى إريجي كيبب. وهذا طريق طويل ومتعرج، لكن لا مفر منه، لمن لا يقبل النزول عن المعايير المثالية، مهما شحت الوسائل وقست الظروف. وحسبنا أننا أعددنا عدتنا وبشكل جيّد ومضينا.
ولقينا البقرة وخلصنا وليدها عند الممر الصخري (أزواز) المؤدي إلى إريجي كلّير. وزرنا الشلاّل وغادرنا في طريق طويل إلى اريجي كيبب.
ولما قطعنا حوالي نصف المسافة إلى كيبب، سألت رفيقي إن كان حمل معه مصدر نيران (عود ثقاب أو ولاّعة) فرد علي أنه حسب أنني سأفعل ذلك. وإذا نحن فجأة، أمام مشكلة كبيرة، كيف سنصنع الشاي؟ كيف نقوم إلى صناعة غذاء؟ وواصلنا المسير مع تردد ونظر في المواصلة. المكان الذي نقصد مهجور وليس هناك سيّارة أو قوافل على هذا الدرب. صعدنا إلى الربوة المؤدية إلى بطحت كيبب وواصلنا المسير.
وتذكرّت إنقاذنا للعجل من بين الصخور، وقلت لرفيقي إنني لا أستبعد أن ينقذنا أحد ما أيضا. وفي الأثناء، قال الرفيق إنه شاهد في الأفق راكبا على جمل، وأسرعنا الخطى، لكن لم ندركه، وأدركنا راحلته وجمله، لكن برغم صراخنا وبحثنا لم نهتد إليه.
وواصلنا صعودنا إلى شلاّل كيبب ولم نعرف بعد طريقة لايقاد النار. ولم نعثر على أحد. ولم نعثر على راكب الجمل. وأخذنا في الصعود عبر الممر الصخري المؤدي إلى اريجي. وفجأة إذا هذا الصوت ينادي من أعلى من الجانب الأيسر، ملقيا التحية، فألقينا عليه التحية بمثلها أو بأحسن منها. وعالجته بالسؤال إن كان معه مصدر نار؟ فرد أن أجل، فطلبت منه النزول ومرافقتنا إلى إريجي، فرد أن هذه أيضا بغيته. ولما قرب إذا هو أحد أبناء قريتنا وهو صاحب الجمل الذي كنا نبحث عنه. وكان يتابع مسارنا وظن أننا مسافرين إلى اظهر لعصابه، فلما رأى أننا توجهنا إلى إريجي، عرف أننا في بحث عن شيء، وألقى التحية.
ووصلنا معا إلى إريجي. وألقينا معا عصا الترحال، وصنعنا الشاي وابتدأنا الأحاديث وتناول الأخبار والمستجدات. وإلى غاية اللحظة، كنا نحسب أن مشكلتنا كانت مصدر نار فقط وقد حُلّت، إلا أننا حين تقدمنا لصناعة غذائنا، فطنا أيضا أننا نسينا الملح، فتبسم صاحبنا وقال: لا مشكلة، ها هو الملح وأخرجه من وعائه . وضحكنا معا وحدثناه بحديثنا السابق وانقاذنا للعجل، فيسر لنا الله هذا العصامي الفاضل فأنقذنا من دواخ ودوار وجوع، فشكر الله عمله وأحسن إليه.
الكاتب الصحفي سيدأحمد أعْمَرْ محم
#كلّير_القرية
#أيّام_البرِّيَّة