ما هي عوامل الإقصاء للغة العربية في مجتمعاتها العربية، رغم تخليدها في يومها؟

جمعة, 2021-12-24 09:55

لعل التفاعل مع مناسبة يوم اللغة العربية، استدعى منا  مراجعة تلك القراءات العديدة من الافكار الرائعة في المواقع الافتراضية التي، وشحت تلك المقالات بلوحات قزحية، تفنن الكتاب بتقديم زخرفاتها الأجمل من الفسيفسائيات، ومن" ثريات" الألوان الضوئية المتغامزة، المبهرة للناظرين، وللقلوب والعقول النيرة، كذلك، وهي في حالة انتشاء بتأثرها بالغنائيات الشعرية الملتاعة بجماليات اللغة العربية  في استحضار الابداع بكل ابعاده في ثنائية " هوميروس": في أن " الشعر رسم ناطق، والرسم شعر صامت"، والرسم الجمالي فيما كتب نثرا ايحائيا في المقالات المذكورة بدلالاتها الأقرب الى الأذهان، ولتقييم التظاهرة الفكرية، والإشادة بجمالها، والتنويه بكتابها في المواقع الافتراضية، وتثمين انتماءاتهم القومية الدالة  على النضج الفكري، والحضور المؤثر، وهي لعمري بادرة محمودة عبرت عن حضور الوعي القومي العربي في هذا المجال،، كما تنزلت بها شياطين الشعر في قصائدهم  الجميلة، بأرق التعبير، وابلغه عن منسوب الوعي، وضرورة استحضار الشخصية الثقافية، و الحضارية للأمة بسمو فكرها في الابداع الذي تناغمت الكتابة النثرية، والشعرية معا لهدف وحيد، هو الرفع من شأو اللغة العربية في ذكرى يومها المخلد، وهذا النشاط الفكري، أكثر من مشكور بكل معاني التقدير، والامتنان به..

 وسيبقى المطلوب من الباحثين في مجال الثقافة، التنبيه الى الأبعاد الأخرى التي تتعلق بتأثير العوامل التي جعلت اللغة العربية، حاضرة بمناسبتها "اليتيمة في العقدي" فقط، ومقصية، ومقصر في مجال وظائفها الاجتماعية، والابداعية في ثقافة مجتمعاتنا العربية، وخاصة مجتمعنا العربي الموريتاني، وهذا يطرح التساؤل التالي: لماذا تكون لغتنا مقصية في الإدارة، والمعاملات اليومية، والتعليم العام، والمفارقة المفجعة أن تحتل اللغة الفرنسية الدخيلة مكان اللغة الأم ؟!

ألا،  يشكل ذلك اغترابا عاما ممنهجا، أستهدف ـ ويستهدف ـ الأجيال المتعلمة، والحراكات الاجتماعية السياسية التي حل محلها غبش "الوعي الانهزامي  المرضي"، والوعي الاغترابي على حد سواء؟!

 وليس ذلك الاغتراب اختيارا  فرديا، وإنما هو عام  باستهدافه للنخبة المثقفة، وإن كانت فرضته معطيات الاستلاب الثقافي الناتج من الاحتلال الثقافي الذي  ترتبت عليه منفعة عامة لتلك النخبة المحظوظة التي تعلمت في ظروف، كان الوطن محتلا، وساعد وعي آبائها على تعليمها في النظام التربوي الحكومي، الأمر الذي مكنها من تبوئها مكانة قيادة في الوظيفة العمومية، أطر وطنية، كونها المحتل قبل واحد وستين عاما بهدف التسيير الإداري ـ وليس التغيير السياسي ـ  وتكوين جسم للنظم السياسية في دول " الاستعمار الجديد" على حد تعبير " جان بول سارتر"، وبقيت الوظيفة العمومية محتكرة على المتعلمين بلغة  المحتل الغائب ـ الحاضر الآن.! 

بينما  يعتبر الدارسون أن الاغتراب الفردي، هو حالات استثنائية، لا ترقى الى مستوى الظاهرة، كالنخبة، إنه  توصيف لوعي الأفراد الذين يصفهم البعض الواقعين تحت تأثير الانبهار بالمشروع الثقافي الغربي الناتج من التحولات الكبرى للأمم الغربية منذ أن بدأت نهضتها في القرن الخامس عشر الميلادي، وعلى أساس التصور الخاطئ، يتهيأ للمثقف الاغترابي إمكان تمثل،واستعارة مظاهر قيم التقدم الثقافي على أساس  استجلابها، من اجل حرق المراحل التي مرت بها المجتمعات الغربية، وهذا قياس مفارق بحكم تباين الظروف بين مجتمعاتنا العربية، وبين المجتمعات الغربية، مع استحالة انتقال التجارب الاجتماعية، والثقافية، والسياسية من بلد لآخر،، ولعل تصورا من هذا القبيل، يشكل وقوعا في الاسقاط الذي  يعمي البصائر عن التوعية المجتمعية، ويتجاهل  دور القيم الثقافية الوطنية، والقومية التي تستطيع أن تؤدي دورا وظيفيا على الأقل، لتمكين المجتمع من استرجاع وعيه بذاته، وإحياء تراثه النهضوي العظيم..

إن قيام نظام  حكم معاوية ولد سيدي احمد الطايع  بفرض اللغة الفرنسية في التعليم، شكل خطوات الى الوراء  للتحديث الذي رفعه النظام حينها، كشماعة للإضاءة، غير أنها  أعمت الأبصار عن معيقات هذا المخطط الاستعماري الذي دمر المشروعين التربوي، والتعليمي معا،، ولكن إرهاصات المشروع المطلوب للاصلاح التربوي المستقبلي، والمشاركة في تقريبه بنقاشات اللجان التعليمية الأخيرة، لم تواجه  رفضا، إلا من  اصوتين سياسيين، وهذا لا يشكل عقبة، ولا  حتى خطا  معارضا، موازيا للخط الوطني العام القومي، غير أن الأجمل في التظاهرة الاخيرة بمناسبة يوم اللغة العربية، أنها فرضت نفسها على بعض الكتاب ممن كانوا يطالبون ـ بالامس ـ لاقصاء اللغة العربية  في الصوتيات الدعائية لأغراض ذاتية ـ ربما ـ ، وللتذكير بأنهم لا زالوا يمثلون نتوءات، تعيق الحركة الى الامام في سبيل تجاوز المطبات التي تواجه الاصلاح التربوي، أو أنهم  متمسكون بالموقف المناهض للتعريب الذي سيفرض نخبته الطليعية في الثقافة، والسياسة، وقيادة  سفينة التحديث الواعي بقيمة الثقافة القومية التي تمكن الاصلاح التربوي من لعب دور فاعل لتجاوز المشروع الثقافي الدخيل الذي وضع عن قصد، لإقصاء أهم العوامل لاستنهاض المجتمع عبر الإصلاح التعليمي المنتظر، ولكن من المأسوف عليه في النتائج  المعطلة بالقرارات التعليمية المؤجلة الى غاية الآن، أن النقاشات السابقة، كانت بمثابة  فقاعة اختبار للنوايا الوطنية ليس إلا.!

ولذلك من اللازم أن نوضح للقارئ، أن من أهم العوامل المؤثرة في إقصاء اللغة العربية، هو غياب القرار السياسي السيادي، وطالما كان واقع الحال يفرض ذلك، فإن أي تظاهرة ثقافية ـ كالأخيرة ـ سيبقى دورها محدودا، ولا يقارن بالدور الذي تقوم به الانظمة العربية، والافريقية في القارة خدمة للمشروع الثقافي "الفرنكفوني" الذي يشارك الرؤساء فيه، وليس الخبراء المنتدبين من وزارة التعليم، كمشاركة الأخيرين في النقاشات السابقة التي تأمل المواطنون منها، اكثر من الذي انتهت اليها في النتائج المحجوبة على غرار نتائج الراسبين في الامتحانات الدورية  قبل النهائي.. !

 ونحن، نذكر بهذ الموقف الرسمي أملا في تغييره، بهدف التفاعل مع هذا التيار الوطني العريض الذي تجشم كتابه، وشعراؤه عناء التفاعل مع تظاهرة فكرية استثنائية في يوم اللغة العربية، استعرضوا خلالها  لوحات غنائية للجمال الأخاذ للغة الضاد، وعبروا عن خيالها الواسع، وذهنيتها المتقدة، ومجازها الإيحائي، ومعانيها العميقة، وقواميسها المزدانة بأصداف أجمل من الجواهر، والياقوت، كالتي يحار الفكرون فيها جميعا، كما يندهش التفكير إزاء تعداد مجالات علومها اللغوية الحاملة للمشروع الثقافي، القادر وحده على استنهاض الأمة، بتغيير منشود في حاضر المجتمعات العربية، ولتضع حدا للمتخلف به، وتؤسس للمستقبل بالتقدم الحتمي،، وما ذلك على الله بعزيز..

د ـ إشيب ولد أباتي