ستدخل القمّة الخليجيّة رقم 42 التي انعقدت في الرياض يوم أمس الثلاثاء، التّاريخ بأنّها الأقصر في تاريخ قمم مجلس التعاون، فلم تستغرق جلستها الافتتاحيّة التي تحوّلت إلى ختاميّة في الوقت نفسه، الا ساعة واحدة فقط، لم تُلقِ فيها إلا ثلاث كلمات وهرول بعدها رؤوساء الوفود إلى طائراتهم الرّابضة في المطار التي لم تبرد مُحرّكاتها بعد عائدين إلى بلادهم، حتى كأنّهم ارتكبوا إثمًا كبيرًا بحُضورهم.
غِياب الملك سلمان بن عبد العزيز العاهل السعودي، أو تغييبه، وللمرّة الأولى مُنذ تولّيه العرش خلفًا لشقيقه الملك عبد الله قبل ثماني سنوات تقريبًا، كان الحدث الأهم، وربّما الوحيد الذي يُمكن التوقّف عنده في هذه القمّة التي تزعّمها نجله الأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد، دون تقديم أيّ تفسيرات لهذا الغِياب، ليس لضُيوف القمٍة، وإنّما للشّعب السعودي أيضًا، وهذا هو الأهم.
***
المعلومات المُتداولة “همسًا” في الوقتِ الرّاهن، داخِل المملكة وخارجها تقول بأنّ العاهل السعودي مريض، وتحت إقامة جبريّة صحيّة في مدينة نيوم على ساحل البحر الأحمر الشمالي، بأمْرٍ من وليّ العهد الذي يتأهّب لإعلان نفسه ملكًا على البلاد في أيّ لحظة، وأن جولته قبل أسبوع وشملت خمس عواصم خليجيّة، كانت الكويت محطّتها الأخيرة، جاءت لتقديم نفسه كملك لبلاده إلى زعماء هذه الدّول، إلى جانب حرصه على كسْر عُزلته الخليجيّة وترميم العُلاقات معها في مُحاولةٍ لبناء الثّقة، خاصّةً مع دولتين لم تكن علاقات بلاده جيّدة معها، الأولى سلطنة عُمان التي أطلق عليها جُيوشه الإلكترونيّة لاتّهامها بالانحِياز إلى جانب حركة “أنصار الله” الحوثيّة، وتحويل أراضيها إلى منصّة لتهريب الأسلحة إليها، والثانية دولة قطر التي فرض حِصارًا عليها استمرّ ما يَقرُب الأربع سنوات، وهو الحِصار الفاشِل الذي لم تُطبّق أيّ من شُروطه الـ13 وأبرزها إغلاق قناة “الجزيرة”، وانتهى بطلبِ الغُفران.
إطاحة الأمير بن سلمان بوالده بسبب المرض، سواءً كان هذا السّبب جديًّا، أو مُفتَعلًا في حال اتّخاذ هذا القرار بالصّعود إلى العرش، بحاجةٍ إلى كسْر العُزلة الداخليّة أوّلًا، والإسلاميّة ثانيًا، والغربيّة ثالثًا، الأمر الذي ليس من السّهل تحقيقه مهما بلغ حجم المِليارات من قُوت الشّعب السعودي التي ستُرصَد في هذا الإطار.
مُعظم أُمراء الأسرة الحاكمة في السعوديّة الذين تعتبر بيعتهم للملك الجديد حتميّة وفق تقاليد الأُسرة الحاكمة، وميثاقها الدّاخلي، يقبعون إمّا في المُعتقلات، أو تحت الإقامة الجبريّة في قُصورهم، وممنوع عليهم السّفر، وهذا ينطبق على الصّغار قبل الكِبار، المليونيريّة، أو الترليونيّة منهم.
السياسات التي اتّبعها وليّ العهد السعودي طِوال السّنوات السّبع من حُكمه الفِعلي للبِلاد خلقت أعداء أكثر بكثير مما كسبت من أصدقاء في الدّاخل السعودي، أو في المُحيطين العربيّ والدوليّ، وكل الوعود التي وعد بها الشّباب السعودي بالرّخاء والوظائف، والعيش الكريم، انتهت بحفلات رقص وغناء، وأُمور أُخرى نتعفّف عن ذِكرها، في مُحاولةٍ يائسة لنقل نموذج دبي الانفتاحي إلى مهد الدّعوة الوهابيّة.
علاقات المملكة سيّئة مع الأردن، ومُتوتّرة مع مِصر، وباردة مع الإمارات رغم مُحاولات التكتّم وإظهار العكس، وسطحيّة مع قطر، وجامدة مع الجزائر ومُعظم دول الاتّحاد المغاربي، باستِثناء المغرب، وباردة مع سورية وشبه مقطوعة مع لبنان وفِلسطين، وجميع حركات المُقاومة، والإسلام السّياسي، وغير السّياسي، في المنطقة برمّتها، فهل هذه هي المملكة التي نعرفها ومن المُفترض أن تكون قُدوة لكل المُسلمين؟
الرئيس الأمريكي جو بايدن زعيم الدّولة الأعظم في العالم، والحليف الاستراتيجي للمملكة العربيّة السعوديّة، لم يكتف بعدم رفع سماعة الهاتف للاتّصال بوليّ العهد السعودي، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما سحب جميع منظومات صواريخ “باتريوت” و”ثاد” الأكثر تطوّرَا، وترك المملكة بلا حِماية في مُواجهة الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة الحوثيّة، التي ضربت قبل أسبوع فقط مُعظم المُدن السعوديّة شِمالًا وجنوبًا بِما في ذلك الرياض العاصمة، أين ذهبت الـ 460 مليار التي نهبها الرئيس السابق دونالد ترامب في زيارةٍ لم تستغرق إلا 30 ساعة؟
***
التورّط في حرب اليمن، كان أبرز “إنجازات” الأمير محمد بن سلمان، وذهب إلى بغداد ودِمشق ومسقط سعيَا للمُصالحة مع الإيرانيين المجوس عبَدة النّار اللذين هدّد بإسقاط نظامهم بتفجير الدّاخل، بحثًا عن مخرجٍ منها بعد أن استنزفت هذه الحرب وما زالت أرصدة المملكة المِلياريّة، وأوقعت أكثر من 370 ألف قتيل يمني وخمسة أضعاف هذا الرّقم من الجرحى، ولا نعتقد أن هذه الحرب ستتوقًف إلا في حالتين، الأولى بعد قُدوم قيادة سعوديّة جديدة غير مُلوّثة يديها بالدّماء اليمنيّة، والثّانية استِعادة اليمنيين لجيزان ونجران وعسير على الأقل.
السّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ وبإلحاجٍ هذه الأيّام هل سيرث الأمير بن سلمان لقب والده وأعمامه كخادم الحرمين الشّريفين في حال تتويج نفسه ملكًا على السعوديٍة، أم سيُلغي هذا اللّقب، وماذا سيكون اللّقب الجديد؟
نترك الإجابة للأيّام أو الأسابيع أو السّنوات المُقبلة.. وقولوا ما شئتم والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان