تبدأ في الرياض اليوم القمة الخليجية الثانية والاربعون، وسط ضبابية الملف النووي الايراني وتسارع التطورات في المنطقة على أكثر من صعيد، فأمس قال مسؤولون اوروبيون نقلت كلامهم وكالة الانباء الفرنسي AFP وهم من فرنسا وألمانيا وبريطانيا أنه يأسفون ” لعدم التمكن من الدخول في مفاوضات حقيقية حتى الآن” وقالوا إننا “نضيع وقتا ثمينا في مناقشة مواقف ايرانية جديدة لا تتماشى مع خطة العمل الشاملة المشتركة أو تتجاوز ما تنص عليه”.
هذا الموقف الأوروبي المعطوف على موقف واشنطن الذي يحمّل أيضا إيران مسؤولية عدم التقدم في آخر جولة تفاوض حصلت في فيينا، يُريح الدول الخليجية في قمتها اليوم، ذلك انها ورغم المفاوضات التي تعثرت بين الرياض وطهران، ورغم الزيارة الاخيرة التي قام بها مسؤول إماراتي رفيع الى العاصمة الايرانية، فإنها ما زالت تضع إيران في خانة الدولة المثيرة للقلق والخطر ليس فقط بسبب ملفها النووي ولكن أيضا بسبب ما تصفه دول الخليج ” بالنشاطات المُزعزعة للاستقرار في المنطقة” والصواريخ الباليستية، ومن المنتظر أن تجدد الدول الخليجية في كل مناسبة ضرورة اشراكها في هذه المفاوضات لانها معنية هي الأخرى بأمن منطقتها.
لا شك ان زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت أمس الى الامارات، حملت معلومات عسكرية وأمنية بشأن التحركات الايرانية الاخيرة خصوصا ما يتعلق منها بتطوير البرنامج النووي والاستعداد لاطلاق صاروخ جديد صوب الفضاء، وربما سيُعرض بعضها اليوم في القمة الخليجة ولو على نحو غير مباشر.
كما أن القمة تأتي في ظل أوضاع خليحية أكثر راحة من السابق، فقد سبقتها زيارة لافتة قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى قطر، وكانت الأولى منذ قمة المصالحة التي استضافتها مدينة العلا السعودية في كانون الثاني/ يناير الماضي ووضعت حدا للأزمة الخليجية القطرية ولحصار الدوحة. وكان الأمير محمد قام في الأيام الماضية بزيارة خليجية تمهيدا للقمة قادته الى سلطنة عُمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت،
أما السؤال الأكبر والذي قد لا يُطرح علانية فيتعلق بضبابية الموقف الأميركي، ومآلات الوجود العسكري الاميركي في المنطقة وما هي الاحتمالات الواجب الاستعداد لها لو حصل الانسحاب او تخفيف كبير لهذا الوجود. ومن المعروف ان دول الخليج طوّرت كثيرا في السنوات الماضية علاقاتها البينية مع الصين وروسيا والهند وغيرها، وذلك في إطار تنويع الشراكات الدولية وتعزيز الاقتصادي.
كان البيان الختامي لقمة العُلا اقرّ أن تبحث القمة اليوم في السعودية آفاق التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية وتذليل الصعوبات التي تواجه تطبيق الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة.اضافة الى بحث تحقيق المواطَنة الاقتصادية الكاملة، وبناء شبكة سكة الحديد الخليجية ومنظومة لتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتشجيع المشاريع المشتركة، وتوطين الاستثمار الخليجي للوصول إلى الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون بحلول عام 2025.
كان وزراء خارجية مجلس التعاون، عقدوا أيضا اجتماعا تحضيرا لملفات قمة اليوم برئاسة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ومشاركة الأمين العام للمجلس نايف الحجرف.وهم بحثوا جدول الأعمال وما يتعلق منه بتنفيذ رؤية ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز التي أقرها المجلس الأعلى عام 2015، وما تم تنفيذه بشأنها من قرارات وما تم إنجازه في إطار تحقيق التكامل والتعاون في مسيرة العمل الخليجي المشترك.كما استضافت الرياض اجتماعاً وزارياً مشتركاً لوزراء خارجية دول مجلس التعاون مع وزير الخارجية المصري سامح شكري وذلك بغية تطوير العلاقات الخليجية المصرية ومواكبة مرحلة النهوض الاقتصادي اللافتة هذه الفترة .
من المُفترض بعد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى كل من الامارات والسعودية وقطر، وحملِه ملف لبنان الى هذه الدول ومناشدتها تقديم مساعدات عاجلة، ان يذكر المجتمعون ملف لبنان بين الملفات الإقليمية الاخرى التي يستعرضونها على نحو دوري، لكن ليس متوقعا أبدا أن يصار الى رفع مستوى الكلام الإيجابي حيال الوضع اللبناني، ذلك أن السعودية ما زالت تعتبر لبنان خاضعا لهيمنة حزب الله ولم يأت بالتالي بعد زمن تغيير المعادلة في التعامل معه، ومعظم الدول الخليجية تتبعها في ذلك قناعة أو لمراعاتها، وكل ما يُمكن انتظاره وفق ما عُلم من زيارة ماكرون هي مساعدات لمشاريع مُحدّدة في لبنان لا تمر عبر الحكومة وانما مُباشرة أو من خلال منظمات مجتمع مدني أو عبر طرق دولية أخرى.
كذلك من المُفترض أن تنقل الإمارات العربية الى شركائها الخليجيين أجواء الزيارة الهامة التي قام بها وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد الى دمشق مؤخرا ولقائه بكبار المسؤولين وفي مقدمها الرئيس بشّار الأسد، وذلك وسط ارتفاع منسوب الانفتاح على دمشق، رغم التحفظ المُستمر من قبل قطر لأسباب معروفة، وهنا لا بُد من الاشارة الى مساعي حثيثة قامت بها روسيا في الآونة الأخيرة في هذا السياق، والى ضوء أخضر أميركي سمح بتمرير الغاز المصري والكهرباء الاردنية الى لبنان مع فتح معظم الحدود السورية مع العراق والاردن. فالانفتاح الخليجي على دمشق هو أحد آفاق الاستعدادات الخليجية المقبلة لتقليص الحضور الايراني في المنطقة.
ولا شك أن تغيير المناخات التركية الخليجية تُلقي بظلالها الايجابية على هذه القمة والتي تتزامن مع زيارة لافتة يقوم بها وزير الخارجية التركي الى الامارات، مباشرة بعد زيارة بينيت، وبعد تعدد وتنوع الاتصالات الاماراتية مع سورية وطهران وإسرائيل في الآونة الاخيرة ما يشي بالاستعداد لشيء ما على المستوى السياسي، أو توقّع تطورات عسكرية اسرائيلية إيرانية اذا ما تبين فعلا ان طهران تتقدم في برنامجها النووي صوب السلاح.
يبقى ان هذه القمة الخليجية الثانية في الرياض في أقل من عام، وجولة الأمير محمد الى الخليج، وزيارة الرئيس ماكرون، خطوات من شأنه تعزيز مكانة ولي العهد السعودي رغم كل الضغوط المُباشرة وغير المُباشرة التي تقوم بها إدارة الرئيس جو بايدن.
الخليج-لعبة الأمم
د/ سامي كليب إعلامي لبناني