عقدت قمة أمريكية صينية افتراضية ليلة يوم الاثنين الثلاثاء 15 و 16 نوفمبر 2021 بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ونظيره الصيني، شي جين بينغ حيث أكد الطرفان ضرورة تخفيف التوتر الشديد بين البلدين حول ملفات مختلفة وتجنب تطورها إلى نزاع.
في بداية القمة قال بايدن: "علينا أن نتأكد أن المنافسة بين بلدينا لا توصلنا إلى نزاع سواء مقصود أو غير مقصود، فقط منافسة مباشرة". وأضاف "يبدو أن علينا أن نكون واضحين وأمناء في المجالات التي نختلف عليها، خاصة في قضايا مثل التغير المناخي". وتابع "علاقاتنا الثنائية تتطور ويبدو أنها سيكون لها تأثير على دولتينا، كما نتحمل مسؤولية أمام العالم وأمام شعبينا".
من جانبه، أعرب شي عن سعادته باللقاء الافتراضي مع بايدن، مشيرا إلى أن البلدين "في فترة حرجة ونحاول مواجهة تحديات مشتركة". وعبر شي عن اتفاقه مع بايدن، وقال: "يجب على بلدينا أن يقويا اتصالهما ببعضهما البعض وأن نتعامل مع أمورنا الداخلية والقضايا الخارجية دعما للسلم عبر العالم، هذه هي رغبة شعبينا ورغبة العالم كله"، مضيفا أن "العلاقة الثابتة بين بلدينا أساسية لإيجاد بيئة مستقرة حول العالم".
هذا اللقاء الافتراضي كان هو الثالث منذ تنصيب الرئيس الأمريكي، في يناير2021، وجاء فيما تتراكم الخلافات بين واشنطن وبكين بشأن التبادل التجاري وحقوق الإنسان، إضافة إلى قضية تايون.
وتعد هذه المحادثات الأهم بين المحادثات السابقة التي أجراها الزعيمان منذ تولى بايدن منصبه كرئيس للولايات المتحدة في يناير.
تقرير لمجلة ناشونال إنترست كتبه دانيال ديبتريس، زميل في مؤسسة أولويات الدفاع، وهي منظمة للسياسة الخارجية ذكر: قد تكون القمة نقطة انطلاق لمرحلة من البناء والثقة بين الطرفين، رغم أن الطريق تبدو معقدة بسبب ما يختلف عليه الطرفان في ملفات التجارة والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، ومحاولات الصين تهديد تايوان حليفة الولايات المتحدة، وصولا إلى الاتهامات المتبادلة بين البلدين حين انتشر وباء كورونا في العالم وما خلفه من خسائر بشرية هائلة إلى جانب تضرر الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من توصيف قمة بايدن شي على أنها "صدام إرادات بين أعظم قوتين في العالم"، حسب تقرير المجلة، إلا أنها توفر فرصة نادرة لتحقيق الاستقرار في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. كاتب التقرير، يرى أن مهمة الرجلين "لن تكون سهلة"، حيث أصبحت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين "غير منتجة للغاية" على مدى السنوات العديدة الماضية حتى أن مجرد مظهر التعاون في قضية واحدة مثل تغير المناخ يمكن أن يتضخم بشكل هائل باعتباره إنجازا كبيرا.
الحرب العالمية الأولى
بصفته الدبلوماسي الذي فعل أكثر من غيره للاستفادة من الانقسام الصيني السوفياتي أثناء الحرب الباردة، حذر هنري كيسنجر من "المنافسة غير المقيدة" بين الولايات المتحدة والصين التي "ليس لها سابقة في التاريخ"، مشيرا إلى أن ما يجري اليوم أشبه بما جرى قبل الحرب العالمية الأولى.
وصرح في حديث لصحيفة "فاينانشيال تايمز" أنه بدلا من التفاوض بشأن الحد من التهديدات، كما فعلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، باتت أمريكا والصين بشكل جدي أكثر جهلا بقدرات ونيات بعضهما بعضا - على عكس الطريقة التي نشأت فيها الحرب الباردة الأولى. ويضيف كيسنجر "لقد تغير وجه العلاقة بين الولايات المتحدة والصين من الشراكة، إلى التعاون، إلى عدم اليقين، ومن ثم إلى ما يشبه المواجهة أو الفعلية"، "في غياب الحوار، علينا أن نتوقع من جميع الأطراف أن يتخذوا قرارات حكيمة إيمانا بالمستقبل لا أقبله".
فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، قال إن من يقود عجلة تطور الذكاء الاصطناعي سيكون بإمكانه السيطرة على العالم. ويقول كيسنجر الذي اشترك مع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، في تأليف كتاب جديد، إننا لم نبدأ بعد في فهم تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب في المستقبل والاستقرار الجيوسياسي ويضيف لا يبدو أن للولايات المتحدة أو الصين أي رغبة في سد فجوة الجهل الحاصلة بينهما. "نحن بحاجة إلى أن نتعرف على قدرات الذكاء الاصطناعي هذه بينما نحاول في الوقت نفسه أن نفهم أنها تتسبب في حالة من عدم اليقين في العالم يصعب معها الحفاظ على السلام الدائم وربما يكون ذلك مستحيلا".
نيكولا تشايلان، الرئيس السابق للذكاء الاصطناعي في البنتاغون، قال لـ"فاينانشيال تايمز" إنه استقال من منصبه لأنه لم يستطع الوقوف عاجزا ومشاهدة الصين تتفوق على الولايات المتحدة. "لقد انتهى الأمر بالفعل".
ووفقا لكيسنجر، الوضع قد يكون أسوأ من ذلك. فنحن لا نعرف بما فيه الكفاية عن الذكاء الاصطناعي عند أي من الجانبين حتى يكون بمقدورنا تحديد ما إذا كانت الصين متقدمة علينا، أو ما الذي يمكن أن تفعله إذا كانت كذلك.
احتفاظ العقل بفكرتين متناقضتين
يختلف كثيرون سواء من اليمين أو اليسار كما يصنف البعض السياسيين في واشنطن مع تصورات كيسنجر، غراهام آليسون الخبير الأمريكي في العلوم السياسية والشؤون الدولية والأستاذ السابق بكلية كينيدي للحكم بجامعة هارفارد يرى، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال انتريست" الأمريكية أنه إذا ما تمكن النظام الشيوعي بقيادة الرئيس شي جين بينغ، من تحقيق حلمه، ستزيح بكين واشنطن من العديد من مواقع القيادة التي اعتادت عليها الأخيرة خلال حقبة ما سمي ب "القرن الأمريكي".
صعود الصين يمثل التحدي العالمي الأكثر تعقيدا الذي يواجه صناع القرار في واشنطن، فهي الخصم الأكثر شراسة الذي يواجه الولايات المتحدة، كما أنها دولة سوف يتعين على أمريكا أن تجد سبلا للتعايش معها، بدلا من الدمار المتبادل.
وإذا لم يتم إقناع الصين بأن تكبح جماح نفسها، وأن تتعاون حقاً مع الولايات المتحدة، سيكون من قبيل المستحيل تحاشي اندلاع حرب كارثية، أو الحفاظ على مناخ تستطيع الدولتان العيش فيه. ومن أجل مواجهة هذا التحدي، يتعين على الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفريقه، صياغة استراتيجية تتجاوز ما وصفه الروائي الأمريكي، سكوت فيتزجيرالد، باختبار "عقل المستوى الأول"، أي "احتفاظ العقل بفكرتين متناقضتين في نفس الوقت، وهو لا يزال يؤدي وظيفته".
قدرة الغرب
كتب المحلل ليون برخو يوم الجمعة 19 نوفمبر 2021 مقالا تحت عنوان هل سيحد الغرب من تطور ونمو وتمدد الصين؟ جاء فيه:
تمر الصين حاليا بفترة عصيبة أو منعطف صعب في مسيرة الارتقاء لتربع عرش أقوى دولة في العالم، أو بالأحرى إزاحة الولايات المتحدة عن الصدارة.
هناك ما يشبه الهمهمة التي أصبح حتى الهمس بها مسموعا لدى غرمائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حيث يبدو أن الصين غادرت سياسة الانكفاء والانطواء حتى تحين الفرصة كي تزمجر وتطلق دويها الذي طال انتظاره، معلنة أنها أصبحت القوةالأعظم في العالم.
وهناك دول كثيرة في العام تنتظر، منها بفارغ الصبر ومنها بهلع، إعلان الصين ذاتها الأعظم في العالم.
مع كل هذا، وأيا كان موقفنا وأيا كانت توقعاتنا، فإن الصين تواجه حاليا بعض العقبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ربما لم تكن في الحسبان في طريقها كي تصبح القوى المهينة في العالم.
للصين محبون وللصين كارهون، شأنها شأن أي دولة تلعب دورا محوريا في العالم.
واليوم يخشى محبو الصين عدم تحقيق أحلامهم برؤية دولتهم المفضلة تزيح نير أمريكا والغرب عن كاهلهم لذا في قرارة أنفسهم ربما كانوا يتمنون أن تكون "الهمهمة" أمرا داخليا لا يتجاوز صداه أصحاب الشأن.
هؤلاء هالهم تراص الغرب وراء أمريكا للحد من الهيمنة الصينية على العالم. في دواخلهم ربما حسرة لأن الصين استعجلت أمرها وكشفت عن خططها قبل أن تبلغ القمة من حيث التأثير السياسي والمالي والاقتصادي.
كارهو الصين سعداء اليوم لأنهم، في قرارة أنفسهم، يشكرون القيادة الصينية الحالية التي، حسب رؤيتهم، "كشرت عن أنيابها" قبل أن تصبح القوى المهيمنة رقم واحد في العالم.
منافسو ومناوئو الصين كانوا في حاجة إلى إشارة وحسب عن النيات الكامنة للدولة الصينية كي يدرسوا بجدية ومن ثم يقررون كيفية مواجهة طموحها للاستحواذ على الصدارة في العالم. وهذا ما يقع حاليا، حيث يتهافت الغرب بقيادة أمريكا لمواجهة بروز الصين ورغبتها ليست المبيتة بل الظاهرة للقيادة.
وتسارعت الأحداث منذ تولي القيادة الحالية الحكم في الصين، حيث نلحظ تحالفات واتفاقات وإجراءات تتخذها الدول المناوئة للصين على رأسها الولايات المتحدة خشية أن يبتلعهم التنين الآسيوي.
الرئيس شي جين بينغ ليس دينغ شياو بينغ الزعيم الذي قاد الصين عام 1978 حتى عام 1989. دينغ شياو بينغ هو الذي دشن نهضة الصين الحديثة ونموها الخارق الذي لا يزال شاخصا، ولهذا يعده كثيرون مهندس الصين الحديثة حيث مزج النظام الرأسمالي والاستثمارات الغربية التي تدفقت مثل الطوفان مع نظام سياسي يعتمد الأيديولوجيا الشيوعية الماركسية اللينينية.
بمعنى آخر، الصين في مستهل العقد الثالث من القرن الـ 21 ليست الصين في الثمانينيات من القرن الماضي. في حينه، كان الرئيس دينغ شياو بينغ يطلب من شعبه التريث وعدم التشدق بالإنجازات والتستر على الإمكانات الهائلة للصين.
دولة الصين الحالية يبدو أنها على عجلة من أمرها، حيث تتبع سياسة وخطابا فيه تحد ونبرة الاستعداد للمواجهة، وأنه لم يعد متسع أو مكان لاستراتيجية عدم البوح بالإمكانات والإنجازات.
وظهرت هذه السياسة بصورة جلية في آخر لقاء افتراضي بين الرئيسين الأمريكي والصيني حيث حذر الولايات المتحدة من أن السعي لتحقيق استقلال تايوان "لعب بالنار".
كثيرون يرون أن القيادة الحالية في بكين ستعلن زعامة الصين للعالم، وهي حقا ترغب وتخطط لذلك ولم يعد ذلك خافيا.
وأصبحت الولايات المتحدة وحلفاؤها على دراية بأن الصين تميط اللثام دون خشية عن قوتها وهيمنتها سياسيا واقتصاديا مع اعتقاد صار يترسخ بمرور الزمن آن أوان احتواء الصين أو ردعها أو إيقافها قد فات.
أظن أن العالم دشن مع مقدم عقدنا هذا -العقد الثالث من القرن الـ 21- عالم ثنائي الأقطاب، وسيتحول بالتدريج، ربما في غضون عقدين كأقصى حد إلى عالم متعدد الأقطاب.
وأظن أيضا أن زمن تربع دولة واحدة على عرش الدنيا لعقود متتالية أو قرون قد ولى دون رجعة.
الشغل الشاغل لجنرالات أمريكا
كتب ديمتري سيفاستوبولو من واشنطن لصحيفة "فاينانشيال تايمز":
في 27 يوليو أصبحت الصين أول بلد يطير حول الأرض بمركبة انزلاقية سرعتها تفوق سرعة الصوت – مركبة قادرة على المناورة تسافر بسرعة تزيد على خمسة أضعاف سرعة الصوت.
تم دفع المركبة بصاروخ يمكنه الطيران فوق القطب الجنوبي، متجنبة بذلك خطوط الدفاع الصاروخية الأمريكية التي تركز على القطب الشمالي – ومانحة الصينيين طريقة أخرى لضرب أهداف في أمريكا.
كان هذا الاختبار هو الأحدث في سلسلة من التطورات المتكشفة بشأن نمو القدرات الصينية النووية التي أطلقت عدة أجراس إنذار في واشنطن. في وقت سابق من هذا شهر نوفمبر، قال البنتاغون إنه يعتقد أن الصين سرعت من خططها النووية وستضاعف ترسانتها أربع مرات لتصل إلى ألف رأس حربي على الأقل بحلول عام 2030.
على مدى العقدين الماضيين فاجأت الصين واشنطن بالوتيرة الحثيثة لتعاظم قوتها العسكرية التقليدية، بدءا من الطائرات المقاتلة والقاذفات إلى الغواصات والسفن الحربية. قواتها البحرية الآن إلى حد بعيد هي الأضخم في العالم.
لكن اجتماع عاملي اختبار المركبة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتحذير الرؤوس الحربية ركز الانتباه الآن على احتمال حدوث تحول كبير في الموقف النووي لبكين.
يواجه القادة العسكريون في واشنطن سؤالين مهمين. بعد عقود من الزيادات التدريجية في قوتها النووية، هل تميل الصين لنهج أقل دفاعية لديه القدرة على تغيير ميزان القوى بشكل كبير في شرق آسيا؟ وهل يمكن لهذا أن يمكن الصين من الفوز بصراع مع الولايات المتحدة على تايوان من خلال تحييد التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية الأمريكية؟.
وصف الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة، الاختبار الذي تم الكشف عنه لأول مرة من قبل "فاينانشيال تايمز"، بأنه قريب جدا من "لحظة سبوتنيك"، في إشارة إلى قيام الاتحاد السوفياتي بوضع قمر صناعي في الفضاء عام 1957. قال ميلي، "إننا نشهد أحد أكبر التحولات في القوة الجيوستراتيجية التي خبرها العالم على الإطلاق".
وأضاف، "يحدث هذا التحول إلى جانب التغيير الجذري في طبيعة الحرب. نحتاج للتصرف على عجل لتطوير القدرات في جميع المجالات – قواتنا البرية، البحرية، الجوية، الفضائية، وقواتنا النووية الاستراتيجية – لمواجهة هذا المشهد العالمي الآخذ في التطور. علينا التحرك الآن. وإلا فإننا نخاطر بفرض الفشل على أجيالنا المقبلة".
وبينما يراقب البنتاغون النطاق الكامل للتوسع العسكري الذي يقوم به جيش التحرير الشعبي، استحوذ التوسع النووي على اهتمام كبير لأنه حدث بسرعة كبيرة.
الأديميرال تشارلز ريتشارد، الذي يقود القوات النووية الأمريكية بوصفه رئيسا للقيادة الاستراتيجية، قال في أغسطس2021 إن كلمة "التقاط الأنفاس قد لا تكون كافية" لوصف هذا التوسع.
الجنرال جون هيتين، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة، أخيرا أضاف تحذيره الخاص حول الآثار المترتبة على ذلك. قال، "كل الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت التي يبنونها، وكل الأسلحة النووية التي يبنونها، ليست مخصصة لسكانهم. إنها مخصصة للولايات المتحدة (...) علينا أن نفترض ذلك، وعلينا التخطيط لذلك".
مع ذلك، التوسع الصيني يثير نقاشا في واشنطن حول الكيفية التي ينبغي للولايات المتحدة إعادة هيكلة قوتها النووية بها. قال جيفري لويس، خبير حظر الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، إن التعاظم الصيني كشف النتائج المدمرة للسياسة الأمريكية.
أضاف، "ادعت إدارتا بوش وأوباما أننا إذا احتفظنا بمخزون من الأسلحة النووية أكبر ثلاث أو أربع مرات من الصين، فسيتم ثني بكين عن محاولة مجاراة الولايات المتحدة. كيف يجري ذلك؟".
الضعف المتبادل
منذ أن أجرت الصين أول تجربة لقنبلتها الذرية في عام 1964، حافظت على الحد الأدنى من سياسة الردع التي تدعمها "قوة نووية ضئيلة وفعالة" تم تصميمها لضمان أن يكون لدى الصين، التي تتبع سياسة أنها "لن تكون البادئة باستخدام الأسلحة النووية"، ما يكفي من الأسلحة النووية للرد على أي ضربة أولى.
وفقا لتايلور فرافيل، مؤلف كتاب عن جيش التحرير الشعبي يحمل اسم "آكتيف ديفنس"، قال الرئيس ماو تسي تونغ في عام 1956 إن الصين بحاجة لقنابل ذرية للردع، حتى مع أنه وصفها بأنها مثل "نمور ورقية".
عن التوقعات الواردة في تقرير القوة العسكرية الصينية الصادر عن البنتاغون، قال فرافيل، "مهما كان الرقم النهائي للرؤوس الحربية، فإن هذا التوسيع هو أهم تغيير في برنامج الصين الأسلحة النووية منذ اختبار قنبلتها النووية الأولى".
في تقريره، قال البنتاغون إن القوة الصاروخية لجيش التحرير الشعبي قد تضاعف مخزونها أربع مرات إلى ما لا يقل عن ألف رأس نووي بحلول نهاية العقد – وهي زيادة كبيرة لتقديراته للعام 2020 فقط.
في تطور من شأنه أن يمثل علامة بارزة، قال البنتاغون إن الصين قد تملك الآن ثلاثي نووي "ناشئ" – بمعنى صواريخ تطلق من الأرض، ومن البحر، ومن الجو – بعد أن نشرت قاذفة ذات قدرة نووية عام 2020.
يعكف جيش التحرير الشعبي أيضا على تطوير صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات تحمل رؤوسا حربية متعددة، ويبني مئات القواعد تحت الأرض للصواريخ الباليستية العابرة للقارات. كما اختبر 250 صاروخا باليستيا في عام 2020 – أكثر من بقية العالم مجتمعا.
ذكر البنتاغون إن الصين قامت بتشغيل صاروخ دي إف - 17، وهو صاروخ متوسط المدى مزود بمركبة انزلاقية تفوق سرعتها سرعة الصوت، في عام 2020. ولم يذكر ما إذا كان اختبار يوليو هو صاروخ دي إف - 17 لأن تفاصيل الحدث لا تزال سرية.
ولإيضاح التوسع بشكل أكبر، أفاد البنتاغون إن الصين لديها الآن أكثر من 200 قمر صناعي للاستشعار والاستطلاع في الفضاء، مقارنة بعدد 120 قمرا قبل عامين. وقد بدأ جيش التحرير الشعبي أيضا بتنفيذ وضعية "الإطلاق عند الإنذار" الجزئية، التي من شأنها تمكين توجيه ضربات مضادة قبل أن يصل صاروخ أمريكي إلى هدفه، بدلا من الرد بعد أن تصيب ضربة أولى مواقع في الصين.
تقرير البنتاغون واختبار المركبة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت كثفا الجدل في واشنطن، وفي عواصم حلفاء الولايات المتحدة من اليابان إلى أستراليا، حول السبب الذي يجعل الصين تبدو وكأنها قررت التخلي عن موقفها "الضعيف" السابق.
بالنظر إلى التوسع السريع، يناقش الخبراء ما إذا كانت الصين تعتقد أنها بحاجة إلى "حد أدنى" أقوى من الردع بسبب القدرات الأمريكية المتزايدة، أو ما إذا كانت تتخلى عن موقف الردع بالحد الأدنى الذي استمر لعقود طويلة.
قال هيتن، "لست بحاجة لتطوير نوع القدرات التي يقومون بتطويرها من أجل الحد الأدنى من الردع".
يرى بعض الخبراء أن الصين تزيد من قدراتها على الرد لمواجهة تقدم الولايات المتحدة في مجالات مثل الدفاع الصاروخي. أصبحت الصين قلقلة بشكل متزايد بشأن هذا منذ 2002 عندما انسحبت إدارة بوش من معاهدة الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية، التي حدت من أنظمة الدفاع الصاروخي الأرضية.
بينما تجادل الولايات المتحدة بأن دفاعاتها موجودة لمواجهة تهديدات محدودة، مثل كوريا الشمالية، فقد تقلق الصين من أنه، في ظل حدوث صراع أوسع، فقد تدمر الضربة الأمريكية الأولى كثيرا من قواتها النووية وأن واشنطن ستستخدم بعدئذ دفاعاتها الصاروخية للقضاء على أي صواريخ صينية نجت من الضربة.
لكن آخرين يجادلون بأن الرئيس الصيني شي جين بينغ يريد زيادة المخاطر بالنسبة لواشنطن للتأكد من أن الولايات المتحدة لن تحاول استخدام الأسلحة النووية لمنع الصين من القيام بعمل عسكري ضد تايوان.
تقول كيتلين تالمادج، الخبيرة النووية في جامعة جورج تاون، "لا تطور الصين قوتها النووية من أجل هجوم فجائي على أمريكا. إنها تحاول وضع الولايات المتحدة والصين في مأزق عميق من ’الضعف المتبادل‘ حتى لا تتمكن الولايات المتحدة من لعب الورقة النووية في حرب تقليدية، مثلا على تايوان".
يأتي القلق داخل البنتاغون في الوقت الذي أصبحت فيه العلاقات الأمريكية - الصينية غارقة في حالة محفوفة بالمخاطر، تمزقها الخلافات حول التكنولوجيا والتعريفات الجمركية وحقوق الإنسان، فضلا عن التنافس العسكري.
من المتوقع أن تشكل المخاوف بشأن تسارع الصين النووي بندا في أي مناقشات بين البلدين. لكن بكين قاومت على مر الأعوام الدعوات لفتح محادثات للحد من التسلح مع واشنطن وشددت على أن الولايات المتحدة وروسيا لديهما ترسانات أكبر كثيرا مما لدى الصين.
إلى حد بعيد، أخطر موقع هو تايوان، حيث تقوم الصين بطلعات جوية قياسية بطائراتها الحربية ضمن منطقة الدفاع الجوي لتايوان، لاختبار دفاعاتها.
يعتقد فيبين نارانغ، خبير الأمن النووي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن الصين منخرطة في توسع نووي "لافت للنظر" لأنها تعتقد أن "خطر نشوب حرب تقليدية مع الولايات المتحدة أعلى الآن من أي وقت مضى".
وأوضح أن الخطر الأكبر ليس الحرب النووية، لكن "الحرب التقليدية العنيفة للغاية، حيث تفرغ الصين ترسانتها الضخمة من الصواريخ التقليدية في المسرح الآسيوي دون خوف من التصعيد النووي الأمريكي".
بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، قال المنتقدون إن الصين ستصبح أكثر حزما بشأن تايوان حيث أظهر بايدن القليل من الرغبة في الصراع، بينما جادل بايدن بأن الانسحاب سيسمح للولايات المتحدة بزيادة التركيز على الصين.
يعتقد روبرت أشلي، وهو جنرال متقاعد ترأس وكالة الاستخبارات الدفاعية حتى عام مضى، أن بكين ربما قررت توسيع قوتها النووية لأنها تتوقع أن الولايات المتحدة ستغير تركيزها.
ذكر أشلي، "رأت الصين في تقييد الولايات المتحدة وحلفائها في العراق وأفغانستان نافذة لفرصة استراتيجية". أضاف، "إذا اعتقدت أن هذه النافذة ستغلق لأن الولايات المتحدة تتخذ خطوة فيما يتعلق بنوع من استراتيجية الاحتواء، فربما تعمل على تسريع توسيع قواتها النووية بحيث لا يتم احتواؤها".
توسيع الخيارات النووية
بينما يتزايد الإجماع على أن الصين ستتخلى عن الحد الأدنى من الردع، فإن الافتقار إلى الشفافية يعني أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستصل إلى حد التخلي عن "عدم الاستخدام الأول". يشير فرافيل إلى أن قوة أكبر "ستمنح الصين مزيدا من الخيارات المحتملة".
ردا على تقرير صادر عن البنتاغون، اتهمت السفارة الصينية الولايات المتحدة بإنفاق تريليونات الدولارات لتحديث ترسانتها النووية، مرددة بذلك انتقادات صادرة عن دعاة الحد من التسلح الذين يقولون إن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى كثير من الأسلحة ـ تعمل الولايات المتحدة على تطوير أسلحة أسرع من الصوت، وكذلك روسيا. قالت السفارة، "إن العالم سيقرر من يقوم بهذا الجنون النووي".
ذكرت الصين أيضا إنها تقف وراء سياسة "عدم الاستخدام الأول"، لكن بعض الخبراء يشككون في صحة ذلك. وزارة الدفاع الأمريكية قالت إن بعض ضباط جيش التحرير الشعبي ناقشوا استخدام الأسلحة النووية أولا في حال هدد هجوم غير نووي بقاء القوة النووية لجيش التحرير الشعبي، أو بقاء الحزب الشيوعي الصيني.
يقول جيمس مولفينون، الخبير في شؤون جيش التحرير الشعبي في شركة سوسي، وهي شركة مقاولات دفاعية، إن جنرالا صينيا أبلغ خبراء أمريكيين ذات مرة أن الصين لا يمكنها التخلي عن سياسة "عدم الاستخدام الأول" لأسباب تتعلق بالسمعة، لكنها ستجد "حلولا عملية" لذلك.
شا زوكانغ، السفير الصيني السابق لشؤون نزع السلاح، قال في سبتمبر إن الصين قد تضطر إلى التفكير في عدم تطبيق سياسة "عدم الاستخدام الأول" مع الولايات المتحدة حتى تتوصل واشنطن وبكين إلى تفاهم متبادل بشأن "عدم الاستخدام الأول".
أما فيونا كننجهام، الخبيرة النووية في جامعة بنسلفانيا، فتقول إن الأسئلة لا تزال قائمة حول سبب بناء الصين قواعد جديدة تحت الأرض وكيف ستستخدمها. لكنها تضيف أن التوسع الإجمالي يعني أن الصين لديها الآن خيارات نووية أكثر ما كانت عليه عندما كانت تمتلك رادعا أكثر تواضعا.
وأضافت، "أن وجود ترسانة صينية أكبر وأكثر دقة وتنوعا في حالة تأهب قصوى ستكون منسجمة مع استراتيجية الرد فقط، لكنها أيضا تمنح الصين خيارات البدء في استخدام الأسلحة النووية التي لم تكن تمتلكها من قبل"، مضيفة أن هذا الأمر إلى جانب العلاقات السيئة بين الولايات المتحدة والصين يعني أن "التحديث النووي الصيني مزق ثقة الولايات المتحدة في الانضباط النووي لبكين".
ريتشارد، قائد القوات النووية الأمريكية، ذكر إن الصين "تبني قدرة على تنفيذ أي استراتيجية معقولة للاستخدام النووي" التي وصفها بأنها "اللبنة الأخيرة في جدار جيش قادر على الإجبار". لكنه شدد أيضا على أن لها تداعيات أوسع بكثير على الجيش الأمريكي.
وأضاف ريتشارد، "أن كل خطة عمليات في وزارة الدفاع وكل القدرات الأخرى التي لدينا تعتمد على افتراض أن الردع الاستراتيجي سيستمر إذا لم (...) يصمد الردع النووي، أو لن تنجح أي من خططنا الأخرى ولا أي من القدرات الأخرى التي نملكها".
بحسب ماثيو كرونيغ، مؤلف تقرير في المجلس الأطلسي عن القوات النووية الصينية، من الواضح أن الولايات المتحدة "معرضة للخطر" بشكل متزايد، ويجب ألا تتنازل عن هذه النقطة وأن تستمر في تحديث ترسانتها.
وأضااف، "هناك خطر يتمثل في أن يتخلى بعض صانعي السياسة والمشرعين الأمريكيين عن السعي وراء مزايا تفوق القوة الاستراتيجية الكمية والنوعية على الصين. كانوا ليرفعوا أيديهم ويقولون، ’لماذا يهم؟ نحن بالفعل ضعفاء‘، مضيفا أن الحلفاء سيشعرون بالقلق أيضا".
روبرت سوفر، كبير مسؤولي الدفاع عن السياسة النووية في إدارة ترمب، يعتقد أن الصين تريد تعزيز "الضعف المتبادل" لتقويض التحالفات الأمريكية. وهو يحذر من ظاهرة الـFinlandisation للحرب الباردة حين أجبرت فنلندا على دعم أهداف السياسة الخارجية السوفياتية بسبب التفوق العسكري الساحق لجارتها.
قال، "يمكن لليابان وكوريا الجنوبية وتايوان تطوير أسلحة نووية، أو يمكنها البدء في التكيف مع الصين". تتمثل استراتيجية الصين في توسيع هيمنتها الإقليمية ونفوذها ومحاولة عزل الحلفاء عن الولايات المتحدة. وكلما زاد توتر الحلفاء، زاد تكيفهم مع الصين".
نداء لليقظة
في الثلث الأول من شهر نوفمبر 2021 طلب مايكل مكول ومايك روجرز، وهما من كبار المشرعين الجمهوريين، من إدارة بايدن مشاركة المعلومات حول المخاوف التي أثارها الحلفاء أثناء إجرائها "مراجعة للوضع النووي".
جاءت رسالتهما ردا على تقرير في "فاينانشيال تايمز" يفيد بأن حلفاء أمريكا يحثون بايدن على عدم إجراء تحول كبير في السياسة النووية من خلال إعلان موقف "الغرض الوحيد" الذي من شأنه أن يحدد الحالات التي قد تستخدم الولايات المتحدة بموجبها الأسلحة النووية. قال منتقدون إن ذلك من شأنه أن يضعف المظلة النووية التي تزود الحلفاء بما يعرف بـ"الردع الموسع".
وفقا لفيليب ديفيدسون، قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي تقاعد أخيرا، وحذر في وقت سابق من عام 2021 من أن جيش التحرير الشعبي قد يقدم على إجراء عسكري ضد تايوان في غضون ستة أعوام، يجب على الناس أن يروا التوسع الصيني التقليدي والنووي على ما هو عليه – نداء صارخ لليقظة.
قال، "علينا أن ندرك أن الحزب الشيوعي الصيني يفعل كل ما قال إنه سيفعله لاستبدال قيادته بالقيادة الأمريكية العالمية. ازدهارنا في المستقبل وأمننا على المحك".
عمر نجيب