أتجول أحيانا في بعض مواقع التواصل الاجتماعي .. وألاحظ ظاهرة غريبة وهي طلب الشهرة بأي ثمن ، وأصبح موضوع المتابعة شيئا يشغل أصحاب الحسابات ..
وقد حكا لنا الاستاذ الراحل محمد الامين جابي أن شابا أمريكيا أراد قتل رئيس أمريكي أو قتله لإثبات أنه يستطيع فعل شيء يمكن أن يتحدث عنه العالم كل ذلك بسبب أن زوجته أخبرته يوما أنه ليس مشهورا كفلان أو علان ..
وصحيح أن الواحد يريد أن يتابعه الناس حتى في وسطنا ويعلقوا على ما يكتب أو ينشر ويشاركه في ما يطرح وخاصة إذا كان ما يطرح مفيدا للمجتمع والمتابعين .. إذ الشهرة ليست في حد ذاتها شيئا منبوذا إذا كانت في نشر الخير وإفادة الناس ..
بينما الذي ألاحظه عند المؤثرين في افريقيا في منصات إلكترونية مثل انستغرام ونيك وتوك وربما غيرها هو أن تكون شهرتهم على قضايا تافهة مثل القدرة على الرقص أو القيام بحركات بهلوانية ويتطور الأمر لإشراك الناس تفاصيل حياتهم اليوم كالطبخ واستعراض العضلات الظاهرة وغيرها … وقد يصل الأمر حتى لأمور تعتبر عندنا مثلا عيبا أو خروجا من الذوق …
وقد يلجأ البعض حتى لسؤال الناس في الشارع أو ما يسمى بكاميرا الشارع ثم يطرحون أسئلة غريبة ومحرجة كأن يسأل شخص كيف تعرفت على صديقك وما الذي حصل بينكما ..ثم ما رأيك في أهل هذا البلد ؟ ومن لا تريد أن تصبح معهم في علاقة معهم أبدا ثم تأتي التعليقات السلبية على الناس دون جريرة ..
وهنا في فرنسا قام شاب بسؤال الناس أيهما تفضل أن تتزوج جزائرية أم مغربية ويسال في الشارع والمشاركون يقدمون آراءهم …وأنتم تعرفون ماذا بين هذين الشعبين من مشاكل فرضتها خيارات سياسية فأصبح الكثير ينساق وراءها …. و لقد هاج الجميع ضد هذا الشاب من كلا الطرفين حتى تم الاعتداء عليه .. وأخيرا توارى الشاب عن الأنظار ولا أدري ما الذي حصل معه …
صحيح أن الناس احرار في تقديم آراءهم لكن كل هذا ضريبة الحرص على كثرة المتابعين وجني الأرباح على اليوتيوب …
وقد يخرج الناس حياتهم الخاصة جدا من أجل أنهم سعداء أو أصحاب نكت وطرائف ..
ونحن هنا نريد لسنا هنا من أجل أن نعترض على ما يقوم به الناس من أجل الترفيه واللهو المباح ..
بيد أن المبالغة منه وجلب الاعجابات والمشاركات بأي ثمن والحرص على عدد المشاهدات وتكثير المتابعات لدرجة الكذب على الناس …
تصور أن شخصا يخرج مقطعا موسيقيا يتم مشاهدته خلال اسبوع أكثر من مليون مرة وخلال شهر في أغان ماجنة فقط ويتم إخراج ذلك على أنه نجاح كبير يستحق صاحبه أن يعقد الصفقات مع الشركات الكبرى … ويلهث وراءه الناس أو وراءها وخاصة إذا كانت امرأة …ذات جمال وصوت وصخب …
هذا ما يهتم به الناس وتصدّر هذا النوع من المؤثرين على أنهم نجوم المجتمع وقد يكونون فوق كل شيء ويسعى الجميع لخطب ودهم وكسب تأييدهم ..
تصور أن شابا معروف أصبح من الشخصيات المؤثرة بمجرد أنهم يرفع يديه للدلالة على شيء ما . وشخصا آخر لأنه يقلد رقصات مايكل جاكسون .. وهكذا
وقد يلجأ البعض لطلب الشهرة عن طريق جميل ونبيل مثل قراءة القرآن وتقليد مشاهير القراء ولقد رأيت فتاة تحاكي قارئا حتى ظننت أنها بالفعل إنسانة ما شاء الله عليه وحين دخلت لحسابها وبدأت أشاهد بعض المقاطع لها.. أسرعت بالخروج منها.. لماذا تلجأ لهكذا تصرف.. والجواب معروف هو من أجل كسب المشاركين في هذا القطاع من الناس ..
ورأيت امرأة تتاجر بخلفيتها وتتلقى عروضا من كل مكان وحين دخلت حسابها وجدت أن الملايين يتابعونها وهكذا اصبحنا نعيش وحين تسمع لحواراتهم تكاد تقرف من تفاهة ما يطرح …
ويعتبر المذيعون الذين يستضيفونهم أن هؤلاء هم المؤثرين وأصحاب التطور أو ممن يعتبرون أنه علية القوم والمجتمع ..
والذي يشجع على ذلك ما وراءه من أموال ومغريات وخاصة مع اليوتيوب وتيك توك وانستغرام ..
نحن في زمن التفاهة كما هو عنوان كتاب وفي زمن التافهين … فعلا … تصور أن هناك مشاهير بسبب خلقتهم الغريبة وهم يتاجرون بذلك من أجل كسب الشهرة والمال …
وتجلس فتاة لتعليم الناس كيف تقوم بالماكياج ووضع الدهون والطلاء في وجهها .. وهناك من يخرج لكي يعلم الناس كيف تكون العلاقة بين رجل وامرأة وهكذا …
والمجتمع كله يهتم بهم ويتم استضافتهم في الفضائيات كأبطال وتهدى لهم كل أنواع الأموال ويعتبرونه هذه المسرحيات عملا يطورونه مع الوقت … وكأنهم يقدمون أشياء جيدة للمجتمع الذين يساهمون في نهضة أمتهم ..
ويا ليتهم يقدمون أشياء مفيدة للناس ولبلدانهم وخاصة في البلاد الفقيرة التي تحتاج إلى الكثير من الجدية والنشاط والتخطيط والعمل الجاد …
وهناك شباب خرجوا من كل قيود الاخلاق والدين بل ويسبون الله والدين ويتندرون على المشايخ والحمد لله أن هذه الظاهرة بدأت تقل في بلدٍ ك مالي منذ مجيء قاضي المحكمة الرابعة في باماكو والذي يؤدب الشباب بإدخالهم في السجون في مثل هذه التفاهات ..
والغريب أن نفتقد نحن – المستعربين وغيرهم – البوصلة ونساير المجتمع في هذا التوجه دون أن ضابط ولا وازع ونعتبر ذلك جيدا وتطورا وتعليم شأنهم كالآخرين تماما ممن لا علاقة لهم بالدين والخلق …
وأحيانا أشعر أن هذه المواقع أصبح تخلق فينا جانبا من جوانب الانسياب وعدم التقيّد بأي قيود دينية أو إسلامية ..
لا أريد أن أحكي أسماء فأنتم تعرفون كثيرا من التافهين والتافهات مؤثرين ومؤثرات …
ولا أنكر أن هناك من يقدمون موادا جيدة تستحق المتابعة وهناك صفحات رائعات لا يمكن الاستغناء بها ..
لكن قد كثر المؤثرون المزيّفون في زمننا هذا زمن التفاهة حقا..
ولا حول ولا قوة الا بالله.. وأكيد أنك تعرف كثيرين من نماذج الصور التي طرحناها وهي موجودة في كل مكان …
حمدي جوارا باريس فرنسا