أرسل لي الزملاء في وكالة نواذيبو شريطا من مجموعة "فيديوهات"، ينوون نشرها تباعا " بمناسبة الذكرى أل 61 لعيد الاستقلال الوطني ـ وفي الشريط الذي شاهدته حضورا حيا لواحد من القادة الذي خلده التاريخ ـ وعن المعارك التي خاضها رجال المقاومة الذين ضحوا بدمائهم في سبيل هذا اليوم الأغر " كما جاء في التقديم..
وفي ذكرى الاستقلال الوطني المجيدة،، ومهما كان مستوى التحرير الذي حصل منذ الاستقال، فستبقى المقاومة بشتى انواعها مطلبا متجددا في كل عصر، وذلك لنيل السيادة، والاستقلال، والتعبير عن الشخصية الحضارية، والهوية الوطنية في اللغة العربية، والثقافة، وإحقاق العدالة الاجتماعية لأبناء الوطن، واستبعاد النفوذ الفرنسي، والتعامل بندية معه بحساسية مرهفة، تستظهر المعاني الثأرية لشهداء المقاومة الذين جادوا بدمائهم الزكية في المواجهة التي سجلوا بها هذا التاريخ الوطني لمجتمعنا عبر كل الازمنة، وهي مقاومة تمثل واجهة مشرفة من حركات المقاومة العربية العامة ضد الاحتلال الغربي الهمجي..
إن احياء ذكرى الاستقلال في كل سنة، تنعش في نفوس الموريتانيين آمالا كبيرة، كما تحيي ذاكرتهم الحية، بقدر ما تذكرنا بالاسماء، والقصص البطولية لمن قدموا ارواحهم فداء للوطن، وتلك التضحيات الجسام، ستبقى بقيمها مرجعا للوعي المتنامي الذي تطوره الاجيال تلو الأخرى، حتى تحقق به المشروع التحرري،وتستخلص الدروس من محطاته التاريخية مهما كانت متقطعة الاوصال، لكنها بقيت منارات وضاءة منذ بدايتها، ولن تنطفئ في وعينا، مالم يضع مجتمعنا حدا للوجود الفرنسي، ويخرجه من وعينا الثقافي، والنفوذ السياسي، والاقتصادي، وذلك لتحرير الوعي الوطني لدى الاجيال الموريتانية من الاستلاب الثقافي الرديء، لأن تحرير الوعي السياسي، والثقافي، يمثل خيارا وطنيا عاما، أكثر من كونه وعي النخب المثقفة، والسياسية، وهو ما يجعنا مطالبين بإحياء المناسبات الوطنية، والاشادة خلالها بتاريخ حركة المقاومة ضد المحتل، وكذلك كتابة تاريخنا الذي لم نستلم مصادره الملهمة من فرنسا خلال حقبة الاحتلال المباشر، ولازالت تخفي عنا صفحاته المشرقة، ونضالات رموزه، وأماكن استشهادهم داخل الوطن، وفي المنافي واستعادة رفاتهم،، وعلى فرنسا الاستجابة لمطالبنا المحقة التي تشكل ارثا وطنيا لا تنازل عنه، ولا مهادنة معها حتى يتم استرجاعه، وهو من المطالب المحقة التي تلقى الاجماع الوطني، لأن تاريخ المقاومة، يشكل حلقة مفقودة في تربية الاجيال الموريتانية، وتغييبها يخدش الذاكرة الوطنية ، ويستدعي المغالطات في فهم التاريخ الوطني خلال حقبة الاحتلال، ويؤدي ذلك الى تطميس الوعي واستلابه، وتحييده خارج مجالات انتمائه الوطني، والقومي..
ولعل ذكرى عيد الاستقلال من المناسبات التي نحتفي بها، ونتذكر فيها تفاصيل المحطات الفاصلة التي مر بها الكفاح المشرف الذي كتب بالدماء الطاهرة لمن استشهدوا في سبيل الله، والوطن دفاعا عن العقيدة، والأرض، والنفس، وذلك صدا للغزاة الفرنسيين..
أجل إنها الذكرى التي تعبر عن حضورنا في التاريخ الحديث الذي طرقنا ابوابه بقيادة حركة المقاومة، والتحرير التي خاضت معارك الشرف منذ ان قطع الغزاة "نهر صنهاجة" الى بلادنا، وتم التصدي لهم بمختلف العتاد رغم تباين مستويات الردع، والمواجهة بين العدوالمعتدي، وبين صاحب الأرض المعتدى عليه، لكن الأخير عبر عن إرادة الرفض للخضوع، والاحتلال من دون مقاومة، تكبد المحتل خسائر جسيمة،، وهي الارادة الوطنية التي استجاب لها مختلف ابناء الوطن بكل اعراقهم، وشرائحهم الاجتماعية، والقبلية، وقادة المجتمع، ورجال الدين..
إن كتابة تاريخ الحركة الوطنية الموريتانية قبل الاستقلال، مطلب ملح الآن اكثر من أي وقت مضى، لأن تاريخ النضال هو الذي يعبر بحق عن روح مجتمعنا، وانتمائه الأصيل لأمتنا العربية العظيمة التي واجهت الهجمة الاستعمارية منذ بداية القرن التاسع عشر، ولا زالت تخوض معارك التحرير على مختلف الواجهات لصد الهجمة الامبريالية الأكثر توحشا منذ بداية الالفية الثالثة، بسبب افتقاد الأمة لقياداتها الوطنية، والقومية المؤهلة لمواجهة المشروع الاحتلالي الصهيو ـ غربي، وفي مقدمته فرنسا المجرمة بجيوشها التي تم اجلاؤهم إثر الضربات الموجعة من طرف حركات التحرير للمقاومة العربية خلال عهد الثورات العربية التي انتزعت للأمة الاستقلال الوطني في كل قطر من اقطارها، حتى التي لم تظهر فيها حركة المقاومة، فقد خرج الاستعمار منها استباقا، ودهاء معا، حتى يعود الكرة، كما حصل بعد أول تراجع المد الثوري العربي..
ولذلك يشهد الوعي الوطني ـ خلال الاحتلال الجديد ـ تراجعا رغم ما تحقق من مظاهر الاستقلال، وتنامي الحركات الثقافية، وتفريخ الوعي السياسي غير الموجه برؤى تحررية، وهو حاصل وعي الحركات التي ترفع الشعارات لا اكثر، و تعادي الوعي الوطني، والقومي، وهي ذاتها منخرطة في المشروع الامبريالي، واتجاهاته الأرتدادية، وخذلت بذلك المجتمعات العربية، كما الحكام الذين نصبهم الاستعمار وكلاء،، فعجزوا عن مطالب الفرد، والاسرة، ومجتمعات القرى، والمدن المتساوية بالكاد في تفاقم المشاكل الحياتية، كالماء، والكهرباء، والطبابة، والقوت اليومي، الأمر الذي خلق وعيا مشروطا، لا يتجاوز حده الادنى في المطالب الاستهلاكية، ولذلك فهو وعي متشيؤ، وتجزيئي لانعدام قدرته على الربط بين مطالب المجتمع في السيطرة على ثروات البلاد، وتحريرها من حيتان الفساد، وتوظيفها لصالح الحقوق المدنية.. وكذلك لعدم الربط بين الهوية الوطنية، والقيم الثقافية القومية التي تستحضر الشخصية الحضارية المؤهلة لمواجهة تحديات العصر العديدة، كالولاءات الضيقة القبلية، والجهوية، والشرائحية، والعرقية، والمصالح الشخصية..
والأكثر من ذلك تحديا للوطن، والمجتمع، وقيم الاستقلال الوطني في ذكراه الواحدة والستين،، هي تلك الحشرجة الصوتية المترددة من الطابور الخامس ممثلا في" أبالسة" الافرنكفونية، وتشبثهم باللغة الفرنسية، كجسر للتواصل مع المحتل،، وهم يدافعون عن المشروع الاستعماري، ورموزهم من أدوات" التطبيع" مع الكيان الصهيوني في العهد المعاوي،،
وهل هؤلاء يملكون الحجة للدفاع بالبراهين الاستدلالية.. خلا لغة المصالح المشتركة، وهي لغة رمادية من قبيل" أكلوني البراغيث".?!
د/ إشيب ولد أباتي