لماذا مجتمع البيضان أمام تحديات متعددة الهويات، وبعديد دعاتها؟(3) د/ إشيب ولد أباتي

خميس, 2021-11-11 22:47

إن هذا السؤال وغيره من الاسئلة اللاحقة، أثارها  في نفسي المقال الذي نشره الدكتور احمد هارون ولد الشيخ سيديا، وأعاد نشره منذ أسابيع في المواقع الافتراضية الموريتانية، وكأن قضية الكاتب التي ذاعت منذ إقالته، استدعت منه عرض آرائه  السابقة حول المشاكل الاجتماعية، والسياسية، ـ والوجودية  في تقديره ـ، وكان اهتمامه في عرضه الجميل  مقتصرا على تضخيم المشاكل الاجتماعية العالقة، دون أن يتخلى عن تلك التي كانت جزءا من الداء حين افترض أن لمجتمعنا " هوية" اجتماعية ذات خصوصية  تميزه عن غيره من المجتمعات المغاربية، والعربية، والإفريقية عموما، وكان الأحرى به إعادة النظر في الهويات الطريفة، والمستجدات المتكيفة مع بيئات  حاضنة  للتأقلم معها، كالهويتين الدستورية، والسياسية، بما يضمن التوجد الحضاري لمجتمعنا الحالي.

أما في علوم "المستقبليات"، فقد أكد منظروها من امثال المرحوم " المهدي المنجرة" أن عوامل التهديد في القرن الحالي، ستقضي على المجتمعات الأقل كثافة من مائة مليون نسمة، الأمر الذي يستحث الوطنيين من أصحاب الرأي الوطنى لتوجيه الرأي العام نحو المخاطر، والبحث مع الفريق الوطني الموحد، وتجاوز التبعية الانتفاعية للمسئولين في أقطار المغرب العربي من المتخاصمين، والواقفين خلف شريط السباق في انتظار سماع صفارة" ماما أمريكا" للأنطلاق نحو " التطبيع"،، وهم معروفون بتموقعهم السابق في المحافل الدولية، ومواقفهم " الزئبقية" التي لم تنطل على الرأي العام الوطني، والمغاربي، والقومي ،، بينما التحديات تتعاظم مخاطرها، ولعل ذلك من مبررات إعادة الكاتب لنشر مقاله بعد عشر سنوات، وكان المتوقع منه، تقديم إجابات على أسئلته القديمة حول "المشكلات الاجتماعية" التي يتماهى معها الكثير من كتاب الرأي، والدعاية للذات، وللآخر خارج الحدود في المواقع الافتراضية المحلية، كما تتماهى الصحة البدنية لمجتمعنا مع مكروبات البطن، والكثير من كتابنا ما بين مؤيد " لحلاح" ، و" معارض، وممتعض باستعطافه التسولي: تقبلوني معكم رحمكم الله،،" ! 

 فهل الدكتور احمد هارون، كان يغرد على "ربوته" بمعزل عن المحيطين به  من الذين اندفعوا بجاذبية التيارين الوظيفيين: الصباحي العاصف بجفافه، وغباره، وحرارته التي تتنزل على سكان العاصمة، الهارب معظمهم منه  في الجنوب، وهو يلاحقهم، حتى الى شاطئ البحر المطمئن  برسائله عبر نسائمه المحملة بالبرودة، والرطوبة، وقد عز عليه أن يبخل بالمحبة، والحنان، رغم عصاميته التي  يخفيها بعاطفته الجياشة على قوم ألف عشرتهم، وسكينتهم الآبدة،،

 ألذلك حباهم الله بجارهم البحر بعطائه من خيرات عجائبه التي كان أولها الاسماك ، ولن يكون الغاز آخرها،،؟ ألأن البحر مطيع لعلام الغيوب، والمستطلع بالبشائر من حين لآخر، كلما ضن بالوطن وأهله ،، واستعصر التشاؤم القرائح، لتتوارى في الأحداق "العدمية" بالكاد لدى معظم الكتاب الوطنيين، فانزووا تاركين خلفهم مستحضري الأرواح  بالطلاسم، والخرافات، والاستثمار بالحسنات اليومية بنسبة قارئي الصلوات المحمدية وتوزيعها في وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من التصورات التجسيمية عن الخير، والشر، وعن الجنة، والنار، وعن الغد، لتغييب اليوم، والتخفيف من شأن الموبقات المرتكبة، وتدثير أبالسة الاجرام  بالترهيب من ملائكة جهنم، وانتقاء قاموس لغوي فيه إقصاء متعمد لرحمة الله يوم الحساب، وما قبله؟! وكأنهم لم يسمعوا، ولا قرأوا يوما قوله تعالى

" وكان بالمؤمنين رحيما" صدق الله العظيم.

 وهل من مبرر موضوعي للتشاؤم  في الرؤية التي لن نجاريه فيها، لكونها لا تختلف عن "دعوات" سابقة عرفتها مجتمعاتنا العربية في الفترات السابقة عندما نادت احزاب اقليمية ب " سورية الطبيعية" وحمل فكرها" الحزب القومي السوري"، و"مصر الفتاة" في مصر، وغيرهما من مروجي النزعة "الامازيغية" في بعض اقطار المغرب العربي، وقد استمالت  الأخيرة هوى بعض كتابنا الموريتانيين خلال تواجدهم خارج وطنهم ، ومن حين لآخر يعبر احد المغمورين عن رأي منحرف، شائه  لتلك النزعة " العرقية"، ودوافعها، وأهدافها الملتبسة، وهي لا تختلف عن " السنوكية" و" الاستلابية" المتأخرة بلغة العنصريين في فرنسا، وإذا كانت الأولى تتعلل بالعمق الحضاري في الماضي، فإلاغترابية، هي الأخرى، يتعلل "الرطانيون" بها، ومبررهم  الاستحلاب  الشخصي المدرار للتفاعل مع "الآخر"، الحريص على خصوصية التحضر" الآري" منذ  قرنين، واتباعه،  يراوحون في مكانهم انتظارا للتقدم (الحضاري) الفرنسي الذي استوطن التخلف، والحيف بين ظهرانينا منذ الاحتلال الذي لازال، يلقي بأثقالها  صباح مساء، وهو مصدر التشاؤم المذكور اعلاه، ومضاعفاته التي زرعها اشواكا قاتلة في النفوس الأبية التي عبرت عنها الاقلام الوطنية، دون أن تتجرأ على الاشارة إلى  دور فرنسا الاجرامي؟!

 وهل كان أحمد هارون مستقل الرؤية، والخيار السياسي، أو موجه الفهم، ومندهشه أمام تلك التحديات الاجتماعية، والسياسية، والحضارية ؟ وما دلالة احيائه للطرح السابق حول مجتمعه ـ مجتمع البيضان ـ من جهة التساند، أو الحمل لموضوعه  بالمعنى المنطقي؟

ولماذا لم يتأثر بالمرحوم "محمد يحظيه ولد ابريد الليل"، ذلك الكاتب والمناضل القومي الذي تلمذ عليه من أراد أن يكون خليفته في العصامية، والمواجهة ـ المتكلفة على رأي البعض من المتحاملين عليه تزلفا ـ كما روج لذلك  الدكتور احمد في مقاله الأخير، دون أن يتأثر بالمفكر القومي وبفكره العروبي، ورؤيته لحل قضايا المجتمع العربي، ونضاله السياسي  التحرري المعاصر، بينما الملاحظ  هو التقليد، والمحاكاة  المظهرية التي أشار إليها أحد الكتاب في موقع" موريتانيا 13" ؟!

فكم تمنينا على الكاتب أن يعبر عن تفاعله مع استاذه رحمه الله  بدلا من التقوقع في الرؤية الاسترجاعية للمجال الاجتماعي الموزع  بجماعاته  الصغيرة على أطراف الخرائط  السياسية لمجتمعاتنا العربية، والافريقية  منذ استحداث بيئات سياسية، ودستورية لأربعة انظمة  سياسية، علاوة على مركز مجتمع البيضان  في موريتانيا،،؟

وكيف للدكتور أحمد، وهو دستوري التخصص، والناشط  الحقوقي أن يتجاهل هذه المعطيات الموضوعية، كما تجاهل تأثير النظم الاجتماعية واختلالاتها في مجتمع البيضان على نظامنا السياسي؟ ولماذا لم  يلتفت الى الدور الفرنسي في التطويع الترويض للحكم السياسي في موريتانيا لمطالب فرنسا قبل، وبعد ان خرجت ـ مع التحفظ على ذلك الخروج ـ ؟ وهل ـ  في نظر الدكتور ـ يمكن أن يحكم نظام  سياسي ما  بلادنا دون أن  يقتصر دوره على الجني بمناجله، ومعاوله، وتجريف الأرض من ثرواتنا الوطنية، ومصادرتها لفرنسا الاستعمارية، فتقابل هذا النهب، والتبعية، ومظاهرالدونية  وطنيا، ودوليا بالتوسط  لنا  إمدادنا بالقروض المالية العاجلة، والآجلة؟!

 ولهذا فكل مظاهر التحديات الداخلية، والخارجية، فراجعة الى علاقتنا بفرنسا، لأنها " السبب الكافي"  للفيروسات" المسببة  للمشاكل المجتمعية، ومصائب العرب، والأفارقة في قارتنا باعتبار فرنسا حاملة  لكل الأوزار طالما، لم تقع قطيعة مع وجودها الامبريالي في موريتانيا، وفي الوطن العربي، وفي افريقيا، وطالما تنعم هي بخيرات بلادنا، و"تجير" الوعي السياسي في الادارة، والتسيير الاقتصادي،،والثقافة، والتبعية الأمنية، والسياسية لدول الساحل التي تأبى  عليها ـ فرنسا ـ إلا أن تكون  بمثابة "علقا" في صبغياتها، ولا تقبل أن تتخلى عنه، أو ينفصل عن رحمها الميت، فتراوغ من حين لآخر، وتخرج من الباب الخلفي، لتدخل من الأبواب الأمامية، ومن النوافذ المفتوحة على مصراعيها، لتبقي مجتمعنا حبيس الموقع الجارح للكرامة الوطنية منذ القرن التاسع عشر الى الآن..

ولماذا غاب التساؤل  في مقال الدكتور احمد عن متى  ترحل فرنسا عن موريتانيا، ودول الساحل الإفريقي لتنتهي مشاكلنا، وتختفي نزاعاتنا، فلندفع البغضاء الفرنسية، والغبن الفرنسي، ولنضع حدا للنهم، و الجوع الفرنسي القادم من جبال" الغال"، وهو يصطرع البشر، ويكسر الحجر من غلال بلادنا، ف"فرنسا" هي الفاقة، ووباء الجوع، والأمراض،  وهي الجراد، والجراد فرنسا التي احرقت الأخضر، واليابس،، فسقط  الوطن بمن فيه في جوف طاحونة بين مخالب الجوارح؟!