لقد كتب كتابنا، العديد من المقالات في المواقع الافتراضية الموريتانية حول المشاورات التربوية التي تجرى خلال هذه الاسابيع، والأخيرة مقتصرة على المنخرطين في المجال التربوي، والكتابة في المواقع، كان الهدف منها التأثير على تلك المشاورات، و يلاحظ ذلك من خلال اقتراحاتهم التي لم تخلو من الجدية في الطرح، ويمكن تصنيفها الى قسمين:
أ ـ الكتابة الرغائبية:
هذا القسم، أصحابه يميلون الى التفائل، والرغبة في التغيير دون إدراك العوائق التي تقف دون تحقيق المطالب المحددة في"الإصلاح التربوي" وتفعيل الاهداف التربوية العامة، الغائبة الى حد كبير في هذه العينة من الكتابات التي يراوح اصحابها في تبني فرضية "التوافق المشترك" على هذا المشروع مع الفاعلين المسئولين عن التنمية العلمية في وزارة التعليم من الذين غابوا عن توجيه اللجان القائمة على التشاور، وحضر بدلا منهم فريق تربوي، واداري من الدرجة الثانية، والثالثة، حسب المعلومات المتداولة، لذلك غاب المخططون في وزارة التعليم، كما غاب علماء الاجتماع التربوي، الأمر الذي لا يمكن تفسيره، ويحتاج الى الاجابة على السؤال التالي: لماذا لم يحضر المخططون في الوزارة ، وعلماء الاجتماع التربويوي معا، إذا كان الأمر مطلوبا لفعل، أو حتى لإستكشاف الرؤى حول الموضوع، لفهم الإشكال التربوي فعلا، وهذه خطوة أولية، لتكون مدخلا للتعرف عن الظاهرة التربوية، وبناء المفاهيم، قبل انتقاء النظرية الانسب من السبع عشرة(17) نظرية، المركومة في كتب المناهج التربوية،،؟
ولعل هذا الإجراء الفعال، لم يكن واردا نظرا للامكانيات المادية المحدودة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة محليا، ودوليا، وكون الشركاء الدوليين، وأولهم فرنسا التي تراقب عن قرب هذه الحملة التربوية، لن يساعدوا في تمويل هذا المشروع السيادي، كاشتراك فرنسا في الإجراء التربوي في العام م1999 الذي تم بموافقتها، واستعادت به لغتها في بلد كان تحت احتلالها المباشر،،
ب ـ الكتابة المعرفية:
إن هذه العينة من الكتابات، تميزت بآراء المدرسين، والمفتشين الذين بذلوا جهودا مقدرة، تم من خلالها التعرف على المطالب، والعوائق معا، كما حاولوا، تقديم "وصفات"ميدانية بناء على الملاحظات في الحقل التربوي،، ولكنها كتابات حول الجزئيات التي تقدم خصائص الظواهر، مثل دراسة العينة المخبرية، او العشوائية الممثلة، أو التغيب المدرسي، أو تدني نسبة النجاح في الثانوية العامة لهذه السنة،، ولا أدري كيف غاب عن أذهان الزملاء، أن هذا المستوى من الكتابات، كثيرا ما يطلب بناء على الاستعداد المبدئي في التنفيذ الاجرائي للإصلاح التربوي، وهو غير معد الى حد الآن وربما سيأتي لا حقا ـ إن شاء الله تعالى ـ بمعنى أن جهودهم الفكرية التي قدموها سابقة على القناعة العامة لذوي الشأن العام بهذا المشروع ـ كما أشار الى ذلك بعض الكتاب ـ والاقتناع بمبادئ الفلسفة التربوية التي سيطرح من أجلها التساؤل حول أيهما أولى للتعليم في بلادنا: تغيير البنية التعليمية، أو الإصلاح التربوي الجزئي، والأخير بمثابة الترقيع، وسد الثغرات؟
فالذين يطرحون استبدال لغة التعليم الاجنبية المعمول بها حاليا، باللغة العربية، وإحياء اللغات الوطنية، والتدريس بها في وقت واحد، ودون مراعة الترتيب في زمن قياسي، وكل ذلك، لا يساعد على استبدال اللغة المتداولة، بغيرها، وإن كانوا في" لجنة التمكين الوطني للغة العربية "، يميلون الى ترسيم اللغة العربية في التعليم ، كما في الادارة، ولكن شتان بين هذه، وتلك، في التخاطب بالعربية، والحسانية، وغيرها من اللهجات في الادارة، تعد عملية سهلة، وفي مقدور الإداريين، بينما التدريس باللغة العربية، يعني تغيير البنية التعليمية، وطباعة الكتب المدرسية، وتنقيتها من القيم الغربية المشبعة بها لتكوين الميول النفسية، وتوجيه الاتجاهات لدى النشء في إطار تعزيز الاستلاب الثقافي، وتزييف الوعي الوطني،، وتعميم التعليم العام في مقابل الحد من التعليم الخصوصي،،
بينما "الاتجاه العملي" السابق، يعطي اصحابه الأولوية للاستجابة للمطالب المساعدة على الدفع بعجلة العملية التربوية على غرار ما كانت عليه، وهذا يعبر الى حد ما عن عدم اعطاء الاولوية للتغيير التربوي في بنيته العامة، لأن ذلك ربما يكون من الخطوط الحمراء التي تجعل بلادنا في مواجهة مع المستعمر الفرنسي، دون الاستعداد العام لذلك،،
ولا يغيب عن الوعي الوطني بأن التعليم في بلادنا، أقيم على أساس التصور الموازي للفكرة الاستعمارية التي برر بها المحتل الفرنسي احتلال بلادنا، وغيرها منذ القرن التاسع عشر، وهي طلب تحضر " استعمار"، المجتمعات المتخلفة، وغير المتحضرة، وبالتالي، فمجتمعنا يحتاج ـ في تقديرهم الاستعماري ـ الى تحديث خلال قرون عديدة، وليس في قرن واحد، مقارنة بالانتقال الأوروبي من تخلف مجتمعاته السابقة خلال عصر النهضة، إلى عصرالتحديث، إلى العصرنة، وإذا كان الأوربيون، قاموا بثورات منذ 1688، و1789، وإقامة الدول القومية التي قسمت الامبراطوريات الأوروبية الدينية الى دول وطنية لا دينية،،
فإن التعليم النظامي في بلادنا، اسندت فرنسا إليه التغيير الاجتماعي، وخططت لهما على مبدأ " التغيير الأفقي" البطيء، ومن يريد غير ذلك سيواجه بقوى محلية مسنودة من فرنسا،، لذلك اسأل كتابنا كالتالي: هل القائمون على الشأن العام، حصل اجماع معهم على ذلك أم لا؟
لعل هذه الكتابات، تراكم الوعي الوطني، وهذا مهم جدا، وإن كان الكثير منها، يعبر عن احلام اليقظة لدى كتابنا الوطنيين، فشكرا لهم من القلب والعقل معا..