ومن اجل الإستدلال على ذلك ، فيتطلب الأمرمنا الرجوع إلى ظروف استقلالنا عن فرنسا حيث اصبح لنا
إعلام شبه محود تابع للدولة ومن أهم ما تناوله ذلك الإعلام من أمور تلك المتعلقة منها بتاريخ مقاومتنا المجيدة ، وأبطالها العظماء الذين كبدوا الأستعمار الفرنسي الكثير من الأرواح والعدة والعتاد، رغم محدودية إمكانياتهم يومئذ، والذين عوضوا كل ذلك بإيمانهم الصلب وكذا تضامن مجتمعهم معهم طيلة فترة المقاومة .
كما سجل ذلك الإعلام ولو بطرق مختلفة بطولات مشكوك اصلا في قيمتها الأخلاقية كتلك التي قام بها زعماء قبليون ينقص المشروعية معظم ما قاموا به من أعمال ، لأنه كان إما بدافع الثأر من قبيلة معينة ، أومن أجل النهب من جهة ثانية ، ضد مسلمين آمنين أبرياء ذنبهم الوحيد عدم وجود امكانيات الدفاع الذاتي لديهم للأسف الشديد!
والغريب من وجهة نظري أن يتم كل ذلك في مجتمع يدعي الإسلام ، وفيه للأسف من يعتز باعتداءات أولئك الظالمين ، وربما يخلد أفعالهم بالملاحم الشعرية ( قصائدا ) ( وكرزا واتهيدنات ) وغير ذلك مماصار تراثا محفوظا لدى بعض القبائل والأسر ، تستدر به عواطف نخوتهم من أجل بذلهم الغالي والنفيس في غير مورد شرعي ، خصوصا أولئك الذين يمتهنون عواطف السذج الذين يعوضون بذلك السخاء عما يشعرون به من نقص يعانون منه اليوم !
ومن المؤكد أن محمد ولد أمسيكه لوكان من القبائل ذات الشوكة المسلحة ، أو تلك المسلحة بالكلمة لكان الآن متوجا كبطل وطني في الصفوف الأمامية بجانب كل من المرحوم سيدي ولد ملاي الزين والمرحوم محمد و لد الصفرة والمرحوم سيدي احمد ولد عيده ، وغيرهم ! وهو أيضا لو لم يكن رقيقا طارئ الحرية لكانت تمجده الأمة الآن ممثلة في الدولة الوطنية . وهو الذي صنع بطولاته بذاته دون سند يذكر . في حين ، غيره من الأمراء وشيوخ القبائل كانوا يصنعون تاريخ بطولاتهم بمساعدة الآخرين من قبائلهم ، ولكن للأسف تاريخ أولئك (المساعدون) ذهب في مهب ريح مرسي لمير (leprince mercy )
وبناء على مقتضيات ماذكرت ، فإن سبب تجاهل تاريخ ذلك البطل ، بحيث لم يبق منه سوى بعض الأحداث التاريخية العادية مثل حادثةاستدراجه للضابط السينغالي التابع للجيش الفرنسي المدعو ( موسى بيدي ) الذي قدم إلى ضواحي قرية بتلميت قصد أسر ولد امسيكه أو قتله . والذي اوهمه بطلنا بأنه سوف يدله على مكان مخبئه الشيئ الذي جعل غباء ذلك الجندي يسهل على بطلنا الأستلاء على راحلته وسلاحىه ويترك له مجرد حياته باعتباره مسلما ، ثم لليجرده لاحقا من ثيابه ويترك سوأته القبيحة مكشوفة أمام الجميع وهو يتدحرج في مهبط الكثيب الغربي لقرية بتلميت !
فهل فيه إهانة لفرنسا أكثر يومئذ من ذلك ! ثم قصته كذلك مع الفرنسي حاكم الاك الذي يتندر بها - وطنيا - حتى الآن لكل من أراد السخرية من حدث مامستقبلي ، وتتلخص تلك القصة في كونه لما أسروه مرة قال له حاكم ( ألاك ) متشفيا سوف تقضي فصل الخريف هذه السنة وانت هنا يقتات الباعوض والحشرات من دمك ، فما كان من ولد امسيك إلا أن قال له كلمته المشهورة وهومستهزئا ( قول ذاك للمخرف هون ) !
واعتقد أن أسباب عدم اعتراف الدولة رسميا ببطولات ولد امسيكه كمقاوم وطني للأستعمار يعود إلى أمور كثيرة منها أن الدولة كانت حديثة النشأة والتي تعتمد في كل شيئ تقريبا على فرنسا تلك الدولة المستعمرة والتي رغم قوتها قد أذلها ذلك المجاهد ، ولقرابة ربع قرن من الزمن ، و من غير المستساغ أن تمجد تلك الدولة التي تعتمد -كما ذكرت - على فرنسا حتى في أمنها وسداد رواتب موظفيها أن تكون- هي - الممجدة لعدوها اللدودالذي قلم أظافر جنودها وأذل أعوانها ، من الخونة والجواسيس !
ثم ورثت ذلك النظام الحركة الأفرنكفونية المنبوذة من طرف معظم المواطنين . وبالتالي فالذي يثبت نظامها وهي ( الموجودة في بئة ترفضها جملة وتفصيلا ) هو النظام الفرنسي المدعوم اصلا في مؤازرة تلك الحركة من طرف الغرب والصهيونية العالمية عدو ة العرب قوميا ودينيا !
ونفس الشيئ يسري على حركات ( افلام ) والكادحين والإخوان والحر ( بمسعودها وبرامها ومرزوقها وسعدها ومنصورهاوصارها وصنبها) لأن كل أولئك يستقوون بفرنسا على دولتهم ، وكذا مجموعة ( البظان ) الذين يبتزونها دائما بدعوى الأنشقاق والتمرد ذلك السلاح الفتاك الذي تتخذه فرنسا كسلاح استراتيجي يجب المحفاظة عليه وذلك لإستخدامه كلما دعت الحاجة إليه خصوصالما يكون هناك امتعاض ما من التبعية العميا ء للدولة الفرنسية تلك الدولة الإستعمارية الخبيثة !
كما أن النظام شبه العسكري المتوج معظم رؤسائه على بلادنا من طرف فرنسا والذين يشعرون دائما بانعدام مشروعية أنظمتهم الشيئ الذي جعلهم ليست لديهم القدرة أو الإرادة الكافية التي تمكنهم من اتخاذ قرارات وطنية جادة كالأعتراف مثلا ببطولة ولد اسيكه ، لأن ذلك ربما يزعج فرنسا كالذي كانت تفعل معها الجزائر وما زالت وباستمرار !
أما الحركات القومية فلايمكن تبرئتهم من ( قميص عثمان ) ! وأظن أن سبب عدم تبنيهم مظلومية تجاهل نضال المجاهد ولد امسيكه يعود إلى نقص وعيهم الوطني من جهة ، ومن جهة ثانية جهلهم للكثير من المعلومات التاريخية المتعلقة بنضاله المشرف . وربما أيضا نفس الشيئ حاصل لهم مع بقية أبطال المقاومة ولربما ذلك يعود إلى بعد الشقة التاريخية بينهم مع تاريخ المقاومة . وكذا با نشغالهم بما هو أقل أهمية من تاريخ أولئك الأبطال ، والذين من ضمنهم طبعا الشهيد المناضل محمد ولد امسيكه !
وأنا أيضا بصفتي من ذلك الرعيل الأول من تلك الحركات أشعر بالندم الشديد الناتج عن تقصيري في حق ذلك المناضل الفذ ، وأنا الذي سودت مائات الصحف في نقد واقعنا الإجتماعي والسياسي دون ذكر لذلك الشهيد المسمى محمد ولد امسيكه . واعتبر هذ المقال جزء ا من توبتي التي أتمنى قبولها من رب العزة، كما أطلب ذلك أيضا من تاريخ المقاومة الشريف ، و الذي لم يستوف حقه بعد من الدرس والتمحيص للأسف !
وفي الختام أقول أن علماءنا الذين عاصروا ولد امسيكه و أولئك الذين كانو ا قريبي عهد بتاريخه لم ينصفوه كما يجب ، مثل مافعل المرحوم العالم الجليل لمرابط ولد احمد زيدان مع واحد من جلدة ولد امسيكه لما ألحقه بأعيان قبيلته في الكفاءة الزوجية ، وذلك لمجرد أنه قام باحدى البطولات لصالح قبيلته ، بما يوحي أن ذلك العالم يحسب الشجاعة كقيمة أخلاقية تنضاف لمن يتصف بها . وربما تمكن من يتحلى بها الوصول إلى أسمى الرتب في سلم قبيلته أو محيطه الإجتماعي !
ذ / إسلمو ولد محمد المختار ولد مانا .