منذ 30 سبتمبر 2015 تاريخ بداية الدعم العسكري الروسي وعبر سلسلة طويلة من المعارك العسكرية والمواجهات السياسية والاقتصادية، سجلت دمشق والجيش العربي السوري مكاسب في حين لحقت الهزائم والنكسات بالمليشيات والتنظيمات العسكرية المختلفة المدعومة بعشرات آلاف المسلحين القادمين من أكثر من 80 دولة والمسنودين عسكريا وماديا وسياسيا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة من الدول الحليفة وفي مقدمتها إسرائيل وبريطانيا وتركيا.
بعد عشر سنوات من الصراع استعاد الجيش العربي السوري السيطرة على أكثر من 72 في المئة من مساحة البلاد، وأخذ يتبع مع حلفائه الروس وحزب الله اللبناني والإيرانيين تكتيك القضم التدريجي لاستعادة السيطرة على ما تبقى من الأراضي الخارجة عن سيطرته وذلك دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة واسعة النطاق مع القوات الأمريكية التي استقرت في شرق نهر الفرات وقواعد قرب حدود الأردن أو مع القوات التركية التي احتلت حوالي 4500 كيلومتر مربع من الأراضي السورية في حزام موازي للحدود الدولية بين البلدين.
موازاة من هذه التطورات الميدانية العسكرية تمكنت دمشق مع قرب انتهاء سنة 2021 من تخطي التأثير الخانق للحصار الأمريكي الغربي الذي سعي خصومها بواسطته إلى خلق اضطرابات اجتماعية داخلية في سوريا كفيلة بمحو المكاسب التي تم الحصول عليها خلال السنوات الست الأخيرة فيما أصبح يوصف بالحرب شبه الدولية على أرض بلاد الشام.
أنفقت واشنطن وحدها حسب بحث أجرته جامعة "براون" الأمريكية ونشرته صحيفة USA Today يوم 2 سبتمبر 2021 حوالي 2000 مليار دولار على الحرب في سوريا والعراق، في حين لا توجد تقديرات واضحة عن الإنفاق الذي قام به حلفاء واشنطن ضمن مساهمتهم في الحرب وإن كان بعض المراقبين يتحدثون عن 500 مليار دولار. وقدر الباحثون في جامعة براون أن الولايات المتحدة أنفقت 5.8 تريليون دولار على الحرب في أفغانستان والصراعات الأخرى. ويشمل ذلك الإنفاق المباشر وغير المباشر على كل شيء، من المعدات العسكرية إلى الأمن الداخلي، إلى مكافآت تعويض عائلات القتلى من أفراد الخدمة الأمريكية.
بعد الانتكاسة الأمريكية في افغانستان والتي كان فصلها الختامي عمليات الإجلاء الفوضوية من مطار كابل نهاية شهر أغسطس 2021، كثر الحديث عن ترجيح قيام واشنطن بسحب ما يتراوح ما بين 1000 و 2000 جندي من الأراضي السورية وبالتالي نهاية عملية لحرب العشر سنوات، وذلك بعد أن قدر جزء كبير من مخططي السياسات في الغرب أنها أصبحت عبثية لاستحالة تمكن الغرب على الأقل في الوقت الراهن من إرجاع عقارب المواجهة إلى الوراء.
الأمر الملفت هو أن القسم الأكبر من الآلة الإعلامية العالمية الموجهة من الغرب وعبر تصريحات لمسؤولين سياسيين ومحللين تسعى لتقديم التطورات على ساحة الحرب في بلاد الشام على أنها ليست انتكاسة ولكن خيارا، وفي نفس الوقت تطرح مقدمات لمناورات مستحدثة لتغطية الإخفاقات ونصب الفخاخ.
بيئة إقليمية ودولية متغيرة
جاء في تقرير نشر في موقع "الحرة" الأمريكي يوم 3 سبتمبر:
لا تعد سوريا استثناءً لإستراتيجية إدارة بايدن في الشرق الأوسط القائمة على "إطفاء الحرائق" و"إخماد الأزمات" دون حلها بالضرورة... في سوريا أيضا، ثمة رغبة أمريكية في تفادي الانفجارات الكبرى، واحتواء الأزمات القائمة، حتى لا تجد نفسها منصرفة عن أولوياتها البعيدة في المحيطين الهادي والهندي.
تدرك إدارة بايدن أن زمن المعارك الكبرى في سوريا قد ولى، وأن ثمة أطرافا دولية (روسيا) وإقليمية (إيران وتركيا)، تلعب أدواراأكثر أهمية من الدور الأمريكي في بلاد الشام، وهي وإن كانت تفتقر حتى الآن، لرؤية شاملة لمستقبل هذه الأزمة، وأدوات فاعلة للتعامل معها، إلا أنها ورثت عن الإدارة التي سبقتها "قانون قيصر" وسلاح العقوبات، ويمكن القول إنه السلاح الأمضى في يدها، حتى لا نقول سلاحها الوحيد.
رسميا، تعرف واشنطن مصالحها في سوريا في ثلاث: الحرب على الإرهاب، حماية الجيب الكردي في الشمال الشرقي للبلاد، وعملية سياسية تؤمن لأصدقاء واشنطن وحلفائها، بعضا من كعكة السلطة في إطار حل نهائي لهذه الأزمة الممتدة لأزيد من عشرة أعوام.
عمليا، ثمة هدف رابع، تبوح به الإدارة بين الحين والآخر: الاستمرار في استنزاف دمشق وطهران وموسكو، بأدوات عديدة، منها تسليح الوحدات العسكرية الكردية "قسد" حينا، وترك أمر مطاردة داعش لهذه الأطراف، طالما أنها لا تشكل خطرا على الوجود الأمريكي والحاضنة الكردية غرب الفرات...هنا أيضا، تمكن الإشارة إلى سعي واشنطن لعرقلة "الممر الإيراني" الواصل بين طهران وشرق المتوسط، عبر العراق وسوريا، بوصفه هدفا من أهداف السياسة الأمريكية (اقرأ الإسرائيلية)، أقله في المرحلة الممتدة حتى إحياء اتفاق فيينا النووي مع إيران.
تراجع واشنطن
منذ زمن، لم تعد واشنطن تتحدث عن "تغيير النظام" في سوريا، بل لا يكف موفدوها عن نفي نية بلادهم قلب نظام بشار الأسد، هم يتحدثون عن "تغيير سياساته"، ومؤخرا تكرست هذه القناعة بعد "الدرس الأفغاني" وباتت جزءا من "مبدأ بايدن" في السياسة الخارجية.
ومنذ زمن أيضا، بدا أن واشنطن بصدد رفع يدها عن سوريا، حتى أن الرئيس السابق دونالد ترمب حاول مراراً إقناع المستوى العسكري والأمني بسحب كافة القوات الأمريكية من شمال سوريا، وحين حل بايدن محله في البيت الأبيض، لم يتقدم خطوة واحدة على طريق بلورة رؤية وخريطة طريق للحل السياسي لسوريا، فكانت النتيجة: لا حل عسكريا في سوريا، ولا سياسيا كذلك.
في هذا السياق، جرى طرح "المقاربة الأردنية الجديدة" حيال سوريا، ويبدو أن الملك الاردني بمحاججاته النابعة من "واقع الحال"، نجح إلى "حد ما" في استحداث شروخ في جدران الكرة الأمريكية المصمتة.. وإذا كان من الصعب القول إن العاهل الأردني عاد إلى عمان بعد زيارته لواشنطن بضوء أخضر أمريكي لترجمة مبادرته الانفتاحية على سوريا، إلا أن أحدا في واشنطن لم يشهر في وجهه "راية حمراء"... ربما يكون الملك قد عاد بـ"ضوء برتقالي" من زيارته الأهم للولايات المتحدة، ويمكن فهم ما المقصود بذلك، من قراءة البيانات الأمريكية المرتبكة، بل والمتناقضة حول استئناف الخطوط الجوية الأردنية رحلاتها إلى دمشق، والتي راوحت ما بين الترحيب الفوري، والتحفظ و"إخضاع المسألة للمراجعة والدراسة" في اليوم التالي.
في سعيه لانتزاع زمام المبادرة في سوريا وحولها، بدا العاهل الأردني مطمئنا للتطورات الحاصلة في البيئة الإقليمية والدولية من حوله... لا أحد جديا في هذا العالم، يشهر مطلب "إسقاط النظام"... وباستثناء قطر، فإن معظم إن لم نقل جميع الدول العربية، منفتحة على فكرة عودة سوريا للجامعة العربية، بما فيها السعودية والإمارات ودول خليجية ومغاربية أخرى... والأردن إلى جانب مصر والعراق من ضمن مشروع "الشام الجديدة"، لا يمانع في إنجاز مثل هذه العودة، بل وربما يتجاوب في قادمات الأيام، مع فكرة انضمام سوريا، قلب الشام، إلى مشروع "الشام الجديدة"، إن لم يكن بدوافع سياسية، فتحت ضغط "الجيوبولتيك" الذي يضع سوريا في مكانة القلب من هذا المشروع، أيا كان نظام الحكم فيها.
للأردن مصالح كبرى في سوريا ومعها، منها: رفع مستوى وسوية التبادل الاقتصادي والتجاري والسياحي مع سوريا وعبرها لجوارها... ملف المياه وحوض اليرموك المشترك... ملف الحرب على الإرهاب... حاجة الأردن لإبعاد الميليشيات المقربة من إيران عن حدوده... الحرب على المخدرات، التي تشهد تجارتها وعمليات تهريبها تزايدا ملحوظا على حدوده الشمالية... ملفات الطاقة والغاز المصري والربط الكهربائي الذي يوفر للأردن فرصة لتسويق فائض إنتاجه منها إلى لبنان، وربما إلى سوريا.
لكن الأردن، وهو يسعى في تفكيك عقد قانون "قيصر" الأمريكي، لم يغب عن باله أن ثمة "قيصرا" آخر يتعين التعامل معه، يسكن الكرملين هذه المرة، وليس البيت الأبيض، وهذا ما يفسر الزيارة – من خارج جدول الأعمال – التي قام بها الملك إلى موسكو ولقاءاته فلاديمير بوتين، فهذه المنظومة من المصالح الأردنية، لا يمكن تحقيقها والسهر عليها، من دون تعاون لصيق مع روسيا، وهذا ما دللت عليه أحداث درعا الأخيرة، وعودة المحافظة برمتها لسلطة الدولة السورية، وبتدخل روسي هو الأرفع مستوى منذ العام 2015 (نائب وزير الدفاع الروسي أشرف شخصيا على إغلاق ملف درعا)، طالما أن مشروع نقل الغاز المصري واستجرار الكهرباء الأردنية سيمر حتما بهذه المحافظة السورية.
في مثل هذه البيئة الإقليمية والدولية، وجدت الدبلوماسية نفسها قادرة على القيام بدور ريادي مبادر في الأزمة السورية، سيما وأن عمان، بخلاف عواصم عربية وإقليمية أخرى، لم تقطع مع دمشق، وحافظت على ما هو أكثر من "شعرة معاوية" معها، وهي حتى حين كانت غرفة عمليات "الموك" كانت الأقل اندفاعا وحماسة لشعار تغيير النظام، من منطلق أن كثيرٍ من معارضي الأسد، أسوأ منه بكثير، وأشد خطر على مستقبل الأمن والاستقرار في الأردن والمنطقة، ولعل هذا ما يفسر التجاوب السوري السريع مع المقاربة الأردنية، وتحول عمان إلى قبلة للحجيج السوري رفيع المستوى.
المقاربة الأردنية الجديدة حيال سوريا، لا شك أنها ستصطدم بحضور كثيف ووازن للاعبين إقليميين آخرين في سوريا: إيران وتركيا... عمان تراهن على موسكو في احتواء أي تدخل إيراني ضار على خط علاقاتها مع دمشق، والأخيرة، تملك هامشاللمناور بين موسكو وطهران... أما تركيا، فإن نفوذها في سوريا وعموم الإقليم في تراجع، وسقف رهاناتها وتوقعاتها في انخفاض مستمر... وبوجود قنوات حوار خلفية، وإن ذات طبيعة أمنية، بين كل من الرياض وطهران، وأنقرة ودمشق، وأنقرة وكل من القاهرة والرياض، ومع بقاء مسار فيينا النووي حيا، فإن عمان، تراهن على أن قادمات الأيام، قد تكون محملة بأنباء جيدة، تحيط بمقاربتها الجديدة وتعظم فرص نجاحها.
ويوم الأحد 3 أكتوبر 2021 استضافت مدينة دبي محادثات بين وزيرين من حكومتي الإمارات وسوريا بشأن الملفات الاقتصادية والتجارية الأكثر إلحاحا المطروحة على الأجندة الثنائية. وأفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" بأن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، محمد سامر الخليل، ناقش مع وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله طوق خلال هذه المحادثات "أهم المواضيع الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك"، بما في ذلك الاتفاق على إعادة تشكيل وتفعيل مجلس رجال الأعمال السوري الإماراتي بهدف تشجيع التبادل التجاري والاستثمار والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين البلدين.
تخبط
في أواخر شهر يونيو 2021 استبعد مسؤول أمريكي رفيع المستوى، في حديثه لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، وجود خطة لسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا. مؤكداً أهمية الدور الذي تلعبه تلك القوات منذ تدخلها في الأزمة السورية عام 2014.
وأردف المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "لا أتوقع أي تغييرات طارئة في الوقت الحالي على المهمة أو الوجود الأمريكي في سوريا".
مراقبون استبعدوا أن تكون محاربة تنظيم "داعش" هي السبب الرئيسي وراء الوجود الأمريكي المستمر في سوريا، ففي خضم تعدد المصالح الأجنبية في سوريا، باتت للمهمة العسكرية الأمريكية هناك تداعيات واسعة تتجاوز بكثير ما يسمى قتال تنظيم داعش.
ويعتبر ويل تودمان، الزميل بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن وجود القوات الأمريكية يهدف في الأساس إلى منع النظام السوري "المدعوم من روسيا من الوصول إلى حقول النفط والموارد الزراعية في شمال شرق سوريا".
ولفت تودمان إلى أن ثمة هدفا حيويا آخر لواشنطن من خلال وجودها بسوريا، وهو إعاقة هدف إيران المتمثل في إنشاء ممر جغرافي يربط بين طهران ولبنان والبحر الأبيض المتوسط، وتابع: "الحفاظ على القدرة على عرقلة الجهود الإيرانية لنقل الأسلحة إلى سوريا هو جزء مهم من الوجود الأمريكي هناك"، مؤكدا أن "إيران تستفيد من عدم الاستقرار المستمر في سوريا".
ويشير متابعون للشأن الأمريكي أن هناك فارقا جوهريا بين إدارتي ترمب وبايدن في نظرتهم للوضع في سوريا، حيث سعى الأول إلى استبدال بشار الأسد ومن ثَم منع نظامه والفصائل الإيرانية من الاستيلاء على حقول النفط في المنطقة، أما فريق بايدن فيركز بشكل أكبر على الاستقرار وإدارة الصراع.
وبالنظر إلى البعد الجيوسياسي، يزداد الأمر تعقيدا وتشعبا في أعين إدارة بايدن، إذ يرى خبراء أن أي تغيير في الموقف العسكري الأمريكي في العراق، من المرجح أن يعقد الوضع في سوريا، لا سيما وأن الطريق الرئيسي للولايات المتحدة للوصول إلى قواتها في شرق سوريا يمر عبر الحدود العراقية.
الأمر الذي أقره ميك مولروي، المسؤول السابق في البنتاغون لشؤون سياسة الشرق الأوسط، حيث يرى أنه إذا سحبت "أصول الدعم" الأمريكية التي تأتي من العراق، بما في ذلك إمدادات المعدات والأفراد، "فقد يؤثر ذلك على المهمة بسوريا".
الأمر الذي يتجاهله غالبية المحللين في الغرب هو أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يكتسي أهمية كبيرة لإسرائيل التي ترى فيه تعزيزا لأمنها خاصة وأن فشل مخطط إسقاط دمشق وتمزيق سوريا إلى دويلات يشكل تهديدا خطيرا لها خاصة على أن عودة الاستقرار إلى سوريا سيقود إلى تحريك ملف تحرير هضبة الجولان التي تحتل إسرائيل ثلثيها.
العراق وسوريا
نشر موقع "نيوز ري" الروسي تقريرا، تحدث فيه عن قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن تقليص القوات الأمريكية في العراق بحلول نهاية عام 2021، وذلك على خلفية انسحاب الوحدات العسكرية الأمريكية من أفغانستان، وهو ما يشير إلى إمكانية إتباع نفس الإستراتيجية مع سوريا أيضا.
وقال الموقع، في تقريره، إن القوات الأمريكية محدودة العدد في العراق تواصل تقديم المساعدة للجماعات غير الحكومية الموالية للأكراد، والسيطرة على حقول النفط في شمال شرق البلاد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول إمكانية تخفيف الضغط الأمريكي على دمشق.
وذكر الموقع أنه بعد أن أصبحت مسألة الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي موضع جدل عام في بغداد، في ظل ممارسة سياسيين موالين لإيران ضغطا على الحكومة المركزية لـ"طرد" الأمريكيين، من المتوقع أن يتم إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الأجنبي بقيادة الولايات المتحدة في العراق. وفي ظل فشل السلطات العراقية في مقاومة منتقديها، اعتمد البرلمان العراقي في 2020 قرارا يقضي بضرورة سحب القوات الأجنبية.
واعتبر بعض المراقبين قرار وقف العمليات العسكرية، المعلن عنه بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي الكاظمي لواشنطن، محاولة لتخفيف ضغط القوات الموالية لإيران على بغداد. مع ذلك، لا يمكن اعتبار المبادرة الأمريكية المتعلقة بالملف العراقي انسحابا كاملا للقوات، إذ يستبعد المراقبون حدوث تحولات إستراتيجية في عدد القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وفي المنشآت العسكرية التي يستخدمها التحالف.
ووفقا لما أعلن عنه بايدن شخصيا، سيستمر دعم قوات الأمن المحلية، بما في ذلك من خلال التدريبات، ولا تنوي واشنطن التخلي عن التشكيلات شبه العسكرية التي تضم العراقيين الأكراد. في المقابل، يبرهن الإعلان عن نهاية المهمة القتالية التزام واشنطن بفكرة إنهاء الحروب غير المبررة في مختلف أنحاء العالم.
بين الموقع أن سلسلة قرارات إدارة واشنطن قد تؤثر على سوريا، وتقلق بشكل خاص الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في هذا الصراع، وهو قوات سوريا الديمقراطية. قدمت إدارة أوباما مساعدة نشطة لهذه الجماعات غير الحكومية، وقد ظهرت مؤخرا أنباء مفادها أن واشنطن تستعد لمساعدة الأكراد السوريين الذين يسيطرون على شمال شرق سوريا للحصول على استقلالهم.
كانت علاقة واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية محل انتقادات قبل وصول دونالد ترمب، الذي أبدى استعداده لتقليص القوات الأمريكية في سوريا بشكل قاطع. لكن بعد معارضة مستشاريه هذه الخطوة، قرر ترمب إبقاء عدد محدود من القوات في الشمال الشرقي. ولا يخفى على أحد أن الرغبة في السيطرة على حقول النفط المحلية هي المبرر الرئيسي لاستمرار التواجد الأمريكي في شمال سوريا.
وذكر الموقع أن شركة الطاقة "دلتا كريسنت إنرجي"، التي أسسها في سنة 2019 قدماء المحاربين الأمريكيين، أبرمت عقدا مع إدارة شمال شرق سوريا لتطوير الحقول، علما أن نظام العقوبات الأمريكية المسلط ضد سوريا لم يشملها. شركة دلتا تابعة عمليا للمخابرات المركزية.
ونقل الموقع عن المبعوث السابق الخاص إلى سوريا، فريد هوف، أن رغبة الإدارة الأمريكية في تركيز جهود السياسة الخارجية على منطقة المحيطين الهندي والهادئ ونصف الكرة الغربي، فضلا عن استعادة التحالفات الأمريكية مع الشركاء التقليديين، باتت جلية للعيان. مع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تواجه تحديات خاصة في سوريا من شأنها جعل الانسحاب صعبا عسكريا.
ويرى هوف أن تنفيذ قرار إدارة بايدن الممكن بشأن سحب القوات من سوريا لن يكون أسهل وأسرع إلا في حال التوصل إلى اتفاق ثابت بشأن الانتقال السياسي في سوريا، وهو أمر يبدو مستحيلا.
دمشق تكسب نقاطا
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 24 سبتمبر 2021:
انعطافات ومتغيرات إستراتيجية في النظرة للنظام السوري، انعكست في أعمال الجمعية العامة الـ76 للأمم المتحدة هذا الأسبوع، وتحديدا الموقف العربي.
الرئيس العراقي برهم صالح دعا من منبر مجلس العلاقات الخارجية ليل الأربعاء 22 سبتمبر الدول العربية إلى أن تحذو حذو بغداد في انفتاحها على حكومة دمشق. "يجب أن تكون لدينا الشجاعة للإقرار بأن السياسة حيال سوريا منذ 2011 فشلت"، قال صالح، مشيرا إلى أن الأولوية هي محاربة التطرف المسلح والاتعاظ من دروس أفغانستان.
قبل ساعات من خطاب الرئيس العراقي، أكد وزير الخارجية الأردني، أيمن صفدي، أن الدواعي الأمنية والحدودية تفترض على بلاده فتح العلاقة مع الأسد، بعد أن كانت استقبلت بلاده وزير الدفاع السوري علي أيوب الأسبوع الفائت.
الأردن يلعب أيضا دور وساطة في تقريب وجهات النظر الأمريكية الروسية، وهو نجح نسبيا في الشهرين الأخيرين ومنذ لقاء الملك عبدالله الثاني بالرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض. مصادر موثوقة قالت إن العاهل الأردني كان واضحاً لجهة نقل رسالة للأمريكيين بأنه حان وقت تغيير سياستهم حول دمشق والرضوخ للأمر الواقع بأن الأسد باق في السلطة.
منذ ذلك الوقت والاتصالات الروسية الأمريكية سارية حول سوريا، يقودها مستشار البيت الأبيض، بريت ماغورك. هذا الأسبوع، جلس رئيس الأركان الأمريكي، مارك ميلي، لست ساعات مع نظيره الروسي، فاليري غيراسيموف، في العاصمة الفنلندية هيلسينكي. التقارب الروسي الأمريكي تراه الدول العربية ضرورة لتسوية في سوريا.
هذا الرهان قد يبدو منطقيا للوهلة الأولى، إنما لا تملك روسيا مفاتيح الحل على الأرض، ولو كانت تمتلك مفاتيح أبواب النظام.
من سينزع سلاح الميليشيات الموالية لإيران وغيرها الإسلامي اللون؟ تجربة حزب الله والميليشيات العراقية تثبت أن هذا الأمر غير ممكن من دون ضوء أخضر إيراني غير موجود اليوم.
طبعا يمكن إيجاد حل لميليشيات كردية أو تلك التي تدعمها واشنطن عبر ضغط روسي أمريكي، إنما هذا لا يقترب من الحل.
السؤال الآخر هو هل تعلم الأسد من تجربة ما قبل الثورة والحرب لوقف دعم التطرف؟ سوريا شرعت أبوابها ومطارها أمام الانتحاريين الذين قتلوا أبرياء في بغداد، ومدت ميليشيات موالية لإيران بالعتاد والسلاح وبموافقة الرئيس السوري بشار الأسد. الأسد الابن وعلى عكس الأب تحول إلى الطرف الدنيوي في العلاقة الإيرانية السورية وذلك قبل الأزمة بسنوات.
في عهد حافظ الأسد لم يكن متاحاً لأي مسؤول من حزب الله أن يزور القصر الرئاسي في دمشق. في ظل حكم بشار الأسد، يحل الأمين العام حسن نصرالله ضيف شرف في دمشق، وطهران هي من يحدد موعد الزيارات وليس العكس.
جهود أمريكا والسعودية لإبعاد الأسد الابن عن إيران انتهت بإنشاء طهران معسكرات في سوريا، فما الضامن بأن روسيا أو أي طرف غير إيران قادر على تغيير المعادلة؟.
بايدن الطامح بالخروج من الحروب وعقد الصفقات لم يعد يصر على رحيل الأسد. وذكره لسوريا في خطاب الجمعية العامة كان متلاصقا مع بيلاروسيا وبورما، وحيث رضخت واشنطن للأمر الواقع ببقاء لوكاشينكو وعدم العودة لما قبل الانقلاب.
ما يجري اليوم هو إعادة التطبيع مع نظام الأسد بغض النظر عن نوع وأفق الحل في سوريا. فالحد من الخسائر بالنسبة للدول الغربية والتقليل من الأعباء الشرق الأوسطية على البيت الأبيض هو كاف للدفع بهذه العربة.
أما الحديث عن تسوية شاملة في سوريا على مستوى "اتفاق الطائف" في لبنان أو "اتفاق الجمعة العظيمة" في إيرلندا فهذا غير ممكن وغير متوفر ضمن هذه السلة من اللاعبين، وطبقاً لمن يحكم على الأرض.
وضع جديد
في مقال له بمجلة "فورين بوليسي" نهاية شهر سبتمبر 2021، استعرض نيل كويليام، الخبير المتخصص بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المواقف العربية المنتظرة حيال احتمال سحب القوات الأمريكية من سوريا، وما ينبني عليه من وضع جديد للنظام السوري.
ويرى كويليام أن بعض الدول العربية بدأت بالفعل "في إخراج سوريا من عزلتها الدبلوماسية"، وذلك إبان تغير المقاربة الأمريكية إزاء الوضع، عقب وصول إدارة بايدن إلى الحكم في البيت الأبيض.
وفي الأشهر الأخيرة، عززت دول خليجية، ولا سيما الإمارات والبحرين والمملكة العربية السعودية، انخراطها مع النظام السوري بدرجات متفاوتة، كما قامت بعض الدول العربية بالضغط على أعلى المستويات في واشنطن في سبيل تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق، وفقاً للخبير ذاته.
ويعتبر كويليام أن في ذلك "محاولة لكسب النفوذ في سوريا وقيادة عملية إعادة الإعمار.
وتختلف دوافع كل دولة عربية في المبادرات التي اتخذتها تجاه دمشق، حيث يعتبر خبير الشرق الأوسط أنها تحركات "تموضع مسبق"، قبل تسوية سياسية وشيكة.
فمن خلال النظر إلى سياسة الرئيس جو بايدن تجاه أفغانستان، والتي تستند إلى شعار "أنجزت المهمة"، فمن المرجح أن العالم يستعد "لخروج أمريكي من سوريا على المنوال ذاته"، وعلى حد تعبير كويليام فإن: "من الصعب العثور على أي شخص في الإدارة الأمريكية يجادل علنا بأن للولايات المتحدة اليوم مصلحة حيوية في سوريا".
دور تركيا
بينما يسود وضع ضبابي الخيارات الأمريكية في سوريا، تتوجه الأنظار إلى تركيا التي لعبت حتى الآن دور شرطي واشنطن في بلاد الشام. السؤال الذي يطرح هو هل تقود خلافات أنقرة مع واشنطن بشأن طريقة تقاسم المكاسب في سوريا والعراق وتطلعات تركيا التوسعية إلى تبدل شكل التحالفات.
جاء في تحليل نشر في العاصمة الأمريكية يوم 30 سبتمبر: انعقدت قمة الرئيسين الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب إردوغان، وسط أحداث ومواقف متناقضة آخرها ما عبرت عنه أنقرة مؤخرا في شراء المزيد من أسلحة الدفاع الجوي من موسكو.
وفي حين صدرت إشارات من تركيا حول مساعي للتقارب مع روسيا، صعدت الأخيرة حملتها العسكرية في شمال غرب سوريا، في مناطق تقع تحت سيطرة ميليشيات تدعمها أنقرة، وحدث هذا التصعيد قبيل انعقاد القمة الأخيرة.
ولا ترى المحللة المختصة بالشأن الروسي، آنا بورشفسكايا، في تصريحات مع موقع "الحرة" أن إردوغان، يرغب في إقامة "تحالف" مع روسيا، مشيرة إلى أنه يسعى لحل المشكلات العالقة بين البلدين لكن من "موقف ضعف".
وفي اللقاء الذي جمعهما، الأربعاء 29 سبتمبر، دعا إردوغان بوتين إلى وقف عملياته العسكرية "خوفا من تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى تركيا"، وقال، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء التركية الرسمية. إن "الخطوات التي نتخذها معا بشأن سوريا لها أهمية قصوى... السلام هناك يعتمد أيضا على العلاقات بين تركيا وروسيا".
ويعيش في محافظة إدلب، في شمال غرب سوريا، آخر معاقل المعارضة ضد النظام السوري المدعوم من موسكو، حاليا حوالي 3.4 مليون شخص، بما في ذلك العديد ممن فروا من أجزاء أخرى من البلاد ويعيشون الآن في مخيمات مؤقتة مقابل الحدود التركية.
وتشعر تركيا، التي تستضيف بالفعل 3.6 مليون سوري، بالقلق من حدوث موجة أخرى من اللاجئين عبر الحدود.
وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن القمة الأخيرة "هي الأحدث في شراكة ملحوظة بين الزعيمين تقاربا من خلالها في بعض القضايا الدفاعية والاقتصادية، على الرغم من التنافس في ليبيا وأوكرانيا ومنطقة القوقاز في السنوات الأخيرة".
ورغم هذه الخلافات، أعرب إردوغان ، في مقابلة يوم الأحد، عن استعداده لشراء أنظمة دفاع جوي روسية إضافية، على الرغم من أن هذه الخطوة قد تزيد التوتر في العلاقات مع واشنطن، التي فرضت عقوبات على أنقرة لشرائها أنظمة "أس-400" الروسية.
موقف ضعيف
وترى المحللة الروسية آنا بورشفسكايا أنه يجب تقييم العلاقة بين البلدين باعتبارها علاقة "غير متوازنة" لصالح روسيا، فبوتين "لديه نفوذ كبير" على إردوغان، وهو ما ينعكس على العديد من الملفات.
وتؤكد المحللة وجود هذا التناقض بين التعاون في بعض المجالات والخلاف في مجالات أخرى، لكن الصورة الأكبر هي أن "بوتين بنى منذ فترة طويلة علاقة مع تركيا تجعل خيارات إردوغان محدودة، وتجعله أكثر اعتمادا على روسيا".
وما يؤكد ذلك أنه قبيل عقد هذا اللقاء "ازداد القصف الروسي، وتلك كانت رسالة لإردوغان مفادها أننا سنفعل ما نريد"، وفق بورشفسكايا.
وتشير إلى أنه خلال اللقاء، ذكر بوتين نظيره التركي بأن بلاده استطاعت النجاة من أزمة الوقود في أوروبا بفضل خط أنابيب الغاز الروسي الذي يمدها باحتياجاتها، أي أنه ألمح إلى الاعتماد التركي على روسيا.
وتشير صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقريرها إلى أن التصعيد السابق بين تركيا وروسيا، قبل عدة أشهر، جعل البلدين على شفا صراع مباشر بعد أن قتلت غارة جوية 33 جنديا تركيا داخل سوريا.
وانتهى هذا الهجوم بوقف لإطلاق النار تفاوض عليه بوتين وإردوغان، في مارس 2020، لكن الهدوء النسبي الناتج عن الاتفاق انهار، في الأشهر الأخيرة، حيث كثفت الطائرات الحربية الروسية وقوات الجيش السوري هجماتها على الشمال الغربي.
ووصلت الموجة الجديدة من الهجمات إلى ذروتها، يوم الأحد، بمقتل ستة مسلحين من المعارضة بنيران روسية وإصابة أكثر من 20 آخرين في هجوم استهدف أحد أكبر الفصائل السورية المدعومة من تركيا بالقرب من بلدة عفرين، والتي لا تستهدفها عادة روسيا، وفق جماعات معارضة.
وقال مصطفى سجاري، القيادي بجماعة معارضة مدعومة من تركيا: "كانت هذه هي المرة الأولى التي يقصف فيها الغزاة الروس مناطق غصن الزيتون والمرة الأولى التي يقصفون فيها القوات المدعومة من تركيا" في إشارة إلى عفرين.
وجاء الهجوم الأخير بعد أشهر من حملة عسكرية تقوم بها موسكو وحليفا السوري استهدفت أهدافا في الشمال الغربي.
ويقول محللون إن تركيا لديها ما يصل إلى 10 آلاف جندي على الأرض في شمال غرب البلاد، الأمر الذي قد يردع هجوما روسيا أوسع نطاقا، لكنه لا يفعل الكثير لوقف الهجمات الفردية.
ولا تتوقع المحللة الروسية حدوث مواجهة مباشرة بين القوات الروسية التركية، مشيرة إلى أن الديناميكية التي سوف تستمر بين الطرفين هي إبرام التسويات في الملفات الأمنية، في حين سوف يستمر نفوذ بوتين على إردوغان، الذي ساءت علاقته بالناتو والولايات المتحدة.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن استياء إردوغان من الولايات المتحدة يمنح بوتين "فرصة لزيادة دق إسفين بين واشنطن وتركيا" الذي تقرب من موسكو في السنوات الأخيرة.
وأفاد ياسر ياكيس، وزير الخارجية التركي السابق للصحيفة: "عندما تنفصل تركيا عن الولايات المتحدة، فإن النتيجة الطبيعية هي الاقتراب من روسيا، لكن العلاقات التركية الروسية ليست حديقة ورود بدون أشواك أيضا".
ولا تتوقع المحللة الروسية حدوث تغييرات كبيرة في علاقة إردوغان بالناتو الذي يواجه حالة داخلية من التوتر بسبب الرئيس التركيوقضايا أخرى، وتشير إلى أن هذه العلاقة السيئة "ما يريده بوتين، الذي يرغب في حدوث مشكلات وصدع داخل الناتو، ويفيد أيضا إردوغان، فهو يخلق قضية يتم مناقشتها دائما، وهي ما إذا كانت تركيا ستغادر الحلف".
عمر نجيب