ان الحصول على منصب رئيس الدولة بالطرق الشرعية ليس بالامر السهل خصوصا لدى بعض الدول التي تجعله في مرتبة سامية و ليس طريقة الوصول اليه مفتوحة امام كل من هب و دب. بل هو محصور لديهم في مستوى معين من الاشخاص الذين يتوفرون على درجات عالية من العلم و المعرفة، و كذا الخلق الرفيع !
و عليه فذلك المنصب يصبح مفتوحا فقط امام من توفرت لديهم تلك المعطيات، على ان ينتخبوا من طرف كافة المواطنين البالغين بمختلف مستوياتهم الاجتماعية و الثقافية و الاخلاقية، اذا ما لم يكن هناك مانع قانوني يحول بينهم مع الاقتراع في الانتخابات الوطنية.
و شروط الترشح لذلك المنصب على هذا الاساس او قريبا منه فقد قال بها معظم فلاسفة اليونان امثال ارسطو و افلاطون، و قد نادى بها ايضا و بتلك المعطيات و الشروط المرحوم الشيخ العالم الورع آبه ولد اخطور، مستدلا على ذلك بكون كل مهنة يشترط اصحابها ان يكون رئيسهم منهم، و هم وحدهم من يحق لهم انتخابه حفاظا على مهنتهم ، و لكون اهم المناصب في الدولة هو منصب الرئاسة الذي يجب الا يشغله الا صاحب علم و ورع و معارف جمة و اخلاق رفيعة.
و تلك الحيثيات قد استفادت منها جمهورية اران الاسلامية التي انتخبت مجلسًا دستوريا مختصا بالاشراف على اختيار ملفات من يتقدمون كمرشحين لمنصب رئاسة الدولة ، على ان تتوفر فيهم تلك المؤهلات و القيم الاخلاقية المشار اليها اعلاه.
و عندما نحاول تنزيل تلك الشروط المتعلقة بمنصب الرئاسة كما اشرنا، فلا نجد من رؤسائنا السابقين من يقترب منها او تتوفر لديه كاملة سوى الرئيس المؤسس للدولة الاستاذ المختار ولد داداه و الذي انشأ معظم مرافقها الاساسية و علاقاتها الدولية و من ابرز تلك المرافق التي انشأها هو طريق الامل الذي عجز من جاء بعده من رؤسائنا عن مجرد ترميمه، رغم ماستجد على بلادنا من أموال طائلة ( متعددة المصادر ).
فذلك الرئيس لما اطيح به من السلطة بواسطة الجيش لم يأخذ من القصر الرئاسي سوى سجادة صلاته و ابنته الصغيرة التي اودعها لدى عمتها، و الذي لم يجدوا لديه قصرا او اي ممتلكات اخرى و هو الذي كان بامكانه الاستعانة بالدول الشقيقة و الصديقة مثل المغرب و السعودية و فرنسا، و لما طلبوا منه ذلك رفض لهم قائلا بأنه لا يجلب لبلده سوى الامن و الخير، علما بانه قد اطيح به، لا على اساس نهب للمال العام او الخيانة العظمى او زلة اخلاقية مدوية ، ولكن قد اطيح به فقط لكونه رفض التنازل عن جزء من ارض بلاده و شعبه مقابل ايقاف الحرب مع جبهة البوليساريو.
اذا فذالك الرجل الذي نقل من القصر الرئاسي الذي كان يقيم فيه منذ 18 سنة لليسجن في شرق البلاد و لليقيم في بناية خربة يتقاسمها مع الحشرات و يفترش فيها حصيرا متهالكا لا يقيه من حر و لا برد، و يعتاش مع الجنود بطعامهم الخشن و هو الذي كان متعودا على اطعمة متكاملة السعرات و اطيب الاشربة و الذي اصبح شرابه الماء الفاتر بعد متحه من البئر مباشرة.
ورغم كل ذلك لم يسجل عليه يوما ما تمردا و لا شكوى من واقعه الجديد، و لم يذم دولته و لا شعبه و لا جيشه كما فعل بعضهم .
بل تكيف مع ظروف الجنود القاسية و قد صادقهم و بدأ يعلم بعضهم الكتابة و القراءة، و ما فوق ذلك من علوم لمن رغب منهم في ذلك.
و ظل يحترم دستور بلده و قوانينها و نظمها، و هو بذلك يشبه الى حد بعيد الفيلسوف اليوناني سقراط لما حكم عليه بالاعدام عن طريق تجرع السم، و قد حاول تلامذته تهريبه من السجن بمساعدة حراسه الا انه رفض قائلا فكيف اهرب من السجن و انا من كان ينتقد قوانين بلده و عدم تطبيقها كما يجب. و عليه فقال لهم مقولته المشهورة (علموني فقط كيف اموت بسرعة لما اتجرع السم الزعاف) و لو لم يكن المختار ولد داداه من جينة اولائك العظماء لما تحمل تغير وضعه الخاص من رئيس دولة مكرم في بلده الى سجين في منطقة نائية ينزوي في ظلمة التاريخ.
اما اولائك الرؤساء الذين يصلون الى السلطة تحت ظلال (سبطانات ) مدافع الدبابات و هم يغرزون اقدامهم في ( رانجرسات ) محشوة بجوارب رطبة و قذرة, و حتى ان اولائك الرؤساء المغتصبون للسلطة لما يخرجون منها بواسطة انقلاب عسكري او شبه ذلك من سلطات مدنية ذي خلفية عسكرية، فأول ما يقومون به و هم يغادرون السلطة هو تحسسهم جيوبهم الممتلئة بالنقود الاجنبية و تذكرهم اعدد قصورهم و حساباتهم البنكية و كذا اسهمهم في الشركات الوطنية و الاجنبية، ثم ما يخفون بعد ذلك في (غياهيب ) الجب او ما يودعونه من اموال لدى الاقارب و الاصدقاء.
و لما ينتهوا من كل ذلك فيعودون تدريجيا الى سيرهم الاولى و ما ادراك ما تلك السير !
و في الختام فإني اتمنى ان اكون قد توصلت الى تبيان الفارق الكبير الذي يفرق مابين رئيس منتخب انتخابا حرا و شفافا و نزيها، و تتوفر في صاحبه شروط العلم و المعرفة و النزاهة، و غير ذلك من الصفات الحميدة، مع من يستولون على السلطة و هم في الاصل قد كان تأهيلهم لمجرد حراسة الرؤساء او كبار الموظفين.
ثم اني خيرا اشكر الصحفي المحترم سيدي احمد ولد اعمر ولد محم على مقاله الجيد المنشور في موقع موريتانيا 13 و الذي استوحيت منه فكرة هذا المقال، رغم اختلافنا في الاسلوب و الهدف، بحيث كان اسلوبه الاكثر ادبا و لباقة و احتراما و توجيها للرأي العام .
ذ/ اسلم محمد المختار