تعقيبا على مقال بعنوان "الشيخ عبد ولد بيه،، الامام المجدد " للدكتور محمد ولد عابدين المنشور في موقع " اقلام" بتاريخ 2021/05/17، وكان هذا المقال جميلا، وقد سرد فيه الكثير من شمائل الشيخ، وعبر باسلوبه الراقي ،الشيق عن الاحترام، والتقدير الذي نكنه جميعا لهذا العالم الجليل،،ويأتي التفاعل مع الدكتور فيما كتب على أن تقديرنا أن كل المثقفين العروبيين ــ على الأقل ــ في بلادنا متفقون على الدور الريادي الذي اطلع به علماؤنا في نجاح السفارة العلمية لبلاد شنقيط ، وما تميز به روادها من عطاء ثقافي، وسياسي مكنهما من التفوق في مجالي العلم والسياسة، وبالتالي توجيه الاحداث، والتاثير فيها ايجابا،، وهذا يؤكد حقائق التاريخ، والجغرافيا، ووحدة الثقافة، والمعتقد، والشعور المشترك بالمسئولية تجاه الأمة، وقضاياها المصيرية،، وهؤلاء العلماء لم يكن يحضورهم في المشهدين الثقافي والسياسي، يسمح لمشكك باتهامهم بالإمعية، وترويج سياسة الحاكم بما يناقض مصالح الأمتين العربية، والاسلامية، والأمثلة حاضرة في امهات الكتب المؤلفة، وفي المشاركة في الاحداث التاريخية الكبرى، كدور محمد محمود ولد التلاميذ الشنقيطي في ترؤسه للحركة العلمية في الازهر الشريف جنبا الى جنب مع الشيخ محمد عبده، ودور تلامذتهما في قيادة النهضة الفكرية في مصر، وكذلك كان لولد التلاميذ دوره السياسي الى جانب السفارة العلمية للخلافة العثمانية في مملكة السويد في الدول الاسكندنافية.
وكذلك لعب العلامة محمد حبيب الله ولد ميابى دورا توجيهيا لأمير الحجاز الشريف حسين في الثورة العربية الكبرى في العام 1916، ورفضه للبقاء في البلاد المقدسة على أساس أن الحكام فيها مغتصبون للحكم من أمير الحجازالذي تآمر عليه كل من الانجليز وأسرة آل سعود، كما كان لمحمد حبيب الله ذاته موقفا مشرفا في مناهضته للعدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وهو مسجل في تقديمه لكتابه " زاد المسلم".
وكذلك كان لمحمد الامين الشنقيطي دوره العلمي، وموقفه الشرعي برفضه الحكم بما يناقض شرع الله، الأمر الذي جعله يخرج من بلاده، وكان قاضيا في مدينة " كيفة" في ولاية لعصابة، كما ناهض العلماء المتزلفين الذين كانوا معه في السعودية، وقد مارسوا السدانة السياسية، بينما هو رفضها بشخصيته الفكرية الرافضة للوهابية، وكان رحمه الله صريحا في قوله المشهور عنه، وهو المتداول في وسائط التواصل الاجتماعي حتى هذا الاسبوع، وفيه أنه " يؤمن بما جاء به محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، الموجود قبره في المدينة المنورة، وليس مصدقا بما جاء به محمد بن عبد الوهاب من مدينة الدرعية".
وهذه من المواقف المشرفة للسفارة العلمية لشنقيط التي تخلى عنها علماء السلاطين، وهي مرتبطة بدورهم الاصلاحي اينما حلوا ببلاد العرب والمسلمين، وهي تعبر عن التخلي عن مظاهر استخلاف العلماء للانبياء، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم في رفع الظلم، والمنكرات بإحدى ثلاث،،وهو ما سبب الطعون الجارحة المتداولة في الاعلام العربي، والاسلامي، والسهام المصوبة تجاه العلم الشنقيطي السياسي المشار اليه في موضوع المقالة اعلاه التي كانت صدى خافتا رغم بلاغتها، واسلوبها الرائع، ومكانة صاحبها، وهو واحد من العقول الأكاديمية التي كان يفترض فيه التوجيه والارشاد، والتربية الوطنية، كمهنة لا تقبل ازدواجية المعايير، وبعد، فما جدوى الدفاع عن الهفوات؟ وهل فينا من يعتقد بالإمام المعصوم في شخص الشيخ، حتى ندافع عن الخطأ؟ وهل تخفى الشمس بالغربال يا دكتور؟وماذا سنواجه به محكمة الضمير لو أننا جاريناك في الدفاع عما يخالف رؤانا، وقناعات الأمة مجتمعة؟ وهل هي على باطل وافراد منا على حق، أو العكس هو الصحيح؟ ولمصلحة من هذا المشروع الحضاري الانساني ــ كما وصفته في مقالكم ــ غير الصهاينة، والامريكان، وهم أعداء الحضارة والانسانية بلا منازع؟
إن الموقف النقيض لموقكم، هو الموقف العام لابناء الأمتين: العربية، والاسلامية من قضيتها المصيرية في الاحتلال الصهيوني لفلسطين، حين تعلق الامر بالمشاركة في مشروع أمريكي سعى للتفريط في مقدسات الأمة، ولا يمكن أن ينظر الى هذا المشروع على أساس أنه مشروع حضاري، وانساني، بل هو مشروع عدواني، ونسبته الى العلامة عبد الله ولد بيه حفظه الله وأطال عمره، يعد إساءة له، ولمكانته العلمية التي كنا نباهي بها خارج موريتانيا، وداخلها، ونصيحتنا الصادقة له، ولمحبيه من اجل اقناعه، واقناع ابنائه، واحفاده، وتلاميذته، ومريديه، عسى أن يبقى بعيدا عن الشبهات التي جعلته، يقتنع بتوظيف إسمه الموقر في الدعاية لهذا المشروع الامريكي الصهيوني الذي يناصب به الأعداء، الأمة في مقدساتها، وفي معتقدها الديني، ولاينطلي على أحد مناهضة هذه الدعاية لكل ماهو إنساني، لأن فيها تفريطا لحقوق الامة، ولحقوق المجتمع الفلسطيني المهجر من بلاده منذ قرن،،
وأخيرا وليس آخرا، كان حريا باحفاد المرابطين الذين دافع أجدادهم ــ رحمهم الله تعالى ــ عن الاندلس، ونشروا الاسلام في افريقيا،،أن يشاركوا الأمة في الدفاع عن الاقصى، وليس شرعنة احتلاله، والدفاع عن فلسطين، لأنها وقف اسلامي منذ أن فتحها عمر بن الخطاب، والدفاع عن حقوق الفلسطيين، لا مؤازرة العدو عليهم،، والتواطؤ مع حكام، عملاء "مطبعين" مع الكيان الصهيوني، ويتسترون خلف العلم الشرعي للعلامة عبد الله ولد بيه حفظه الله وأطال عمره،، علما أن هذا الموقف فيه مخالفة واضحة لشرع الله من جهة الوقوف مع العد الصهيوني ضد الأمة، ومخالف للنص القراني في قوله " ما كان ابراهيم يهوديا ولانصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما،،" وهذه الدعاية تلفق الانتساب الى ابراهيم عليه السلام ممن هم كافرون بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا وحده يقطع صلتهم بابراهيم، حتى لو كانوا ابناءه شرعا، وأكثر من يعرف صلتهم بالدين وبفلسطين هو العلامة ولد بيه منذ أن احتل الصهاينة والانجليز فلسطين، وهم قوم لا دين لهم ولا نحلة، وهم شتات من مختلف الأعراق جيء بهم قتلة في قاعدة عسكرية لمشروع استعماري امريكي في فلسطين من قلب الوطن العربي،، وبالتالي فتبني هذه الدعاية ، قد حط من مكانة العلامة، ومن شأو السفارة العلمية لبلاد شنقيط، بلاد المنارة والرباط،،،فهل من ناصح يرجى الثواب في الآخرة، أو موجه يحمي شرف العلم، و اعرأض العلماء، وسمعة بلادنا،،؟
الدكتور إشيب ولد أباتي