قبل أن يبلغ بنا التطرف والحماس الزائد مبلغه كما حدث مع المادة 306 والتي تولى صياغتها كبار علماء البلد (الإمام بداه والعلامة عدود وغيرهما) مطلع ثمانينات القرن الماضي وبأسلوب العلماء بعيدي النظر، ثم عدنا بعد نصف قرن لإعادة صياغتها على الطريقة الداعشية وبأسلوب أقل فهما وأكثر غلوا، فإن من المناسب الإشارة إلى أن القانون الجنائي الموريتاني زاخر بعقوبات الإعدام وخصوصا منها ذات الطابع التعزيري، والتي بالامكان تعديلها وتخفيفها حتى لا تصل رتبة الحدِّ وفق ما عليه إجماع أئمة المسلمين وفقهائهم إجمالا مع اختلاف في التفصيل، وهو ما سيمنح منظومتنا الجنائية مزيدا من التوازن والانفتاح.
في حين يظل الإبقاء على عقوبة الإعدام حدًا، واجبٌ شرعي وضرورةٌ اجتماعية، مع تقليص الحَد إلى أضيق حدوده القطعية وروداً، ومراعاة قاعدة درء الحدود بالشبهات، والإدراك العميق لكون الشريعة ليست مجرد حدود وعقوبات بدنية، بل إن مقاصدها في إغناء الناس وتعليمهم والعدل معهم وبَينهم تعلو كل مفاهيم العقوبة، فعلى تلك القاعدة أوقف الفاروق رضي الله عنه عقوبة قطع يد السارق في عام الرمادة (عام مجاعة)، إذِ القطع ليس غاية الشارع ولا هدفه، بل هو جزء من رزمة حلول تبدأ بتربية الناس وتعليمهم وتوفير فرص العمل الشريف لهم وحماية كرامتهم ودمائهم، وساعتها تكون العقوبة باعتدال مستساغة وعادلة كجزء من العلاج لا كُله، وبطريقة تُصلح ولا تنتقم.