يهدف هذا العرض إلى تعريف مناطق التبادل الحر والفروق بينها مع اتفاقيات التبادل الحر و الاتحاد الجمركي و الاتحاد الاقتصاد و النقدي (أولًا)قبل أن يتطرق إلى نشأة منطقة التبادل الحر الإفريقية و تطورها و تفعيلها و أهدافها(ثانيا)خاتما بتقييم لمنطقة التبادل الحر الإفريقية على ضوء التجارب القارية فى التبادل الحر.
أولًا-تعاريف و فروق :منطقة التبادل الحر zone de libre échange هي منطقة جغرافية تتكون من دول اتفقت على إلغاء التعرفة الجمركية و كل القيود الكمية على استيراد و تصدير البضائع .
و يجدر الانتباه إلى فروق فى المصطلحات فاتفاق التبادل الحر Accord de libre échange يقصد به اتفاق مجموعة من الدول على إلغاء القيود الجمركية و لا يشترط فيها الانتماء لمنطقة جغرافية واحدة متصلة و محدودة zone géographique continue et délimitée
و فى حال اتفاق الدول على توحيد التعرفة الجمركية على كل البضائع الواردة أو الصادرة سُمِّيّت منطقة التبادل الحر "اتحاد جمركيا-Union Douanière ".
و إذا اتسعت اختصاصات الاتحاد الجمركي لتشمل توحيد بعض النظم و الإجراءات الضريبية سميت منطقة التبادل الحر "منطقة اقتصادية-Zone économique".
و إن اتفقت المنطقة الاقتصادية على عملة نقدية موحدة سميت منطقة التبادل الحر "اتحاد اقتصاديا و نقديا-Union economique et monétaire "؛و يعتبر الاتحادي الأوروبي اتحاد اقتصاديا بينما توصف منطقة الأورو zone S Euro اتحادا اقتصاديا و نقديا
و يوجد بالعالم ما يزيد على 100منطقة تبادل حر منها ما هو فاعل حيوي و منها ما هو متوسط التفعيل و النشاط و منها ما هو ميت حبر على ورق،...
ثانيا:منطقة التبادل الحر الإفريقية:النشأة-التطور و الأهداف
منطقة التبادل الحر بإفريقيا(ZLEAC) مشروع اتفقت على مبدئه 54دولة إفريقية لكن لم تصادق على نصوصه إلى غاية إبريل 2021 إلا 36 دولة
و الدولة الوحيدة بإفريقيا التى لمَّا تنضم إلى المشروع هي أرتريا .
و يهدف مشروع منطقة التبادل الحر إلى دمج كافة مناطق التبادل الإقليمية و شبه الإقليمية بالقارة الإفريقية (le marché commun de l’Afrique Orientale et Australe COMESA،la Communauté de l’Afrique de l’Ouest -CAE،la Communauté de développement de l’Afrique Australe -SADEC،CEE AO،CEDAO،Union du Maghreb Arabe et la Communauté des États Sahelo-Sajeliens،...)
و يوجد مقر الأمانة العامة لمنطقة التبادل الحر الإفريقية بأكرا عاصمة غانا و يضطلع بمهام الأمين العام منتخَبٌ من الجنسية الجنوب إفريقية و قد تم ابتداء من الثاني من يناير 2021 تفعيل منطقة التبادل الحر بالنسبة للدول التى أكملت المسلسل التشريعي و التنظيمي للمصادقة على نصوص ووثائق المنطقة.
وقد انضمت بلادنا لمنطقة ZLECA مارس 2018 كما صادق البرلمان على الاتفاقية نهاية يناير 2019 .
و تنص اتفاقية إنشاء منطقة التبادل الحر بإفريقيا على:
-إلغاء الرسوم و الحقوق الجمركية بشكل تدريجي على 90% من تصنيفات و أصناف المواد و البضائع خلال 5سنوات بالنسبة للدول المتقدمة و خلال 10 سنوات بالنسبة للدول الأقل تقدما؛
وتنطلق وجاهة إنشاء منطقة تبادل حر من ملاحظة أن 15%فقط من التبادلات التجارية(التجارة البينية الإفريقية) لأي بلد إفريقي مع بلد أو بلدان إفريقية فى حين أن معدلات التجارة البينية تصل بفع و فضل تفعيل مناطق التبادل الحر إلى 67%فى أوروبا و 61%بآسيا و 41%بالقارة الأمريكية
ولعله من الغريب أن دولة كينيا من أكبر دول العلم إنتاجا للورود عالية الجودة فى حين أن نيجيريا المجاورة تستورد كميات هائلة من الورور من هولندا كما أن نيجيريا من أقدر دول العالم على إنتاج زيت الطبخ فى حين أن كينيا المجاورة تستور زيوت الطبخ من ماليزيا!!!
و تطمح منطقة التبادل الحر الإفريقية إلى تحقيق سقف 60 %لصالح التجارة البينية الإفريقية خلال قرابة سدس قرن أي فى أفق 2035.
ثالثا-آفاقُ منطقة التبادل الحر الإفريقية مقارنة بمناطق التبادل الحر عبر العالم .
صحيح أن منطقة التبادل الحر بإفريقيا تستهدف سوقا مكونا من 1.3مليار مستهلك و أن الدراسات تبشر بأن تفعيل المنطقة سيحفز النمو و يخفف نسب الفقر و البطالة بَيْدَ أن ضمان تحقيق هذه الأهداف يتطلب تضافر و تحالف العديد من الإجراءات منها مثلا لا حصرا:
-إلغاء الحواجز غير الجمركية (الحد الكمي من الاستيراد le contingement ،منح و إعانات دعم التصنيع المحلي subventions ،المزايا المرتبطة بدولة المنشإ-l’es règles d’origine
-دعم تخصص بعض الدول و المناطق فى تصنيع مواد معينة تمتلك فى شأنها ميزات تنافسية قاطعة؛
-تأسيس و تطوير وحدات كبرى للتصنيع كي لا تبقى القارة مَكَبَّا لرَجِيع صناعات العالم الآخر
-خلق ميكانيزم مالي لتعويض الدول المعتمدة بشكل كبير على الإيرادات الجمركية عن خسارتها إثر تفعيل منطقة التبادل الحر (موريتانيا مثلا تمثل العائدات الجمركية 25-30%من الإيرادات العامة للدولة.)
و بالمحصلة فإن فكرة منطقة التبادل الحر الإفريقية واردة لكنها قد لا تحقق التوقع الأدنى من توقعاتها و أهدافها ما لم تتحقق ممهدات منها:
١-تطوير نوعية الحكامة السياسية بإفريقيا و القطيعة مع التغييرات اللادستورية كالانقلابات العسكرية و إسقاط سقف تحديد المأموريات الرئاسية،...فلا استقرار للاتفاقيات مع عدم الاستقرار السياسي و نذر الفتن الداخلية.
٢-إرساء حكامة اقتصادية و مالية أكثر نظافة و قطيعة مع الفساد الذى هوالعملة الرائجة بالقارة؛
٣-اعتماد مقاربة تجريبية تدريجية أكثر واقعية و قابلية للتنفيذ تفضى إلى مراجعة الاتفاقية كي تبدأ ب 30-40%من البضائع بدل 90%
4-تمديد فترة تنفيذ التبادل الحر لفائدة 30-40% من البضائع إلى غاية 15سنة بدل عشر سنوات (أفق 2035)
٥-ريادة الدول الإفريقية ذات الاقتصاديات القوية و المتنوعة و ذات الديمغرافيا الكبيرة لمشروع التنفيذ التدريجي و الواقعي لفكرة و مشروع منطقة التبادل الحر الإفريقية.
————————////////////////———
*محاضرة ألقيتها اليوم 24/05/2021بالأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية.