هذا النص من وحي زيارات عيد الفطر المبارك، في ظروف الهجمة الهمجية العنيفة على أكبادنا في فلسطين.
و قد لاحظت و أنا أقوم بها، حجم توغل إعلام "الفضائيات" الكبير في كل البيوتات على اختلاف مستويات ساكنيهم...
حقيقة لا أخفيكم، أنه كان بودي لو كان ذلك الإعلام أقل حضورا... فهو حقيقة إعلام حربي و التخفيف منه بالنسبة لي، أقرب إلى عافية القلوب و الأبدان - هذه النقطة المتعلقة بالطب أعفيكم من تفاصيلها رغم أهميتها - و أقرب إلى التضامن و الدعم المجديين...
و لتعذروني في هذا الموقف الخارج عن الاجماع، فأنا قد هجرت هذا الإعلام منذ زمن طويل رغم صعوبة ذلك. أقول صعوبة ذلك، لأن مخرجاته حقيقة، تردني باستمرار عبر الأحبة و الأصدقاء الذين لم يهجروه و هم كثر حفظهم الله.
و قد أقدمت على هذا الموقف لما أدركت أنه ليس ذاك الأعلام النبيل الذي يرعى استقرار و مصالح الأوطان... بل العكس، لما أدركت إنه أقرب إلى سلاح خطير، يستخدم نارا دافئة (يكاد لا يشعر بها أحد) "لإذابة" الوعي و تغيير توجيهه لما يخدم من هم وراءه... و لابد أن من بين من يخدم آل روتشيلد (ملاك خزائن العالم) ، اللورد بلفور (صاحب الوعد المشؤوم) و هانري ليفي (أحد أشرس منظري الصهيونية الحاليين)...
في الحقيقة، إن إدراكي لعداوة هذا الاعلام لا يجعلني مغايرا في الأحاسيس و المشاعر لمن لا يشاطرونني الرأي فيه. فأنا أيضا كان بإمكانه أن يصادف هوى في نفسي بصوته الصادح و صوره الملونة الجميلة و باهتمامه القوي بمحن قومي..
كان فعلا، بإمكانه أن يكون مؤنسا رائعا لي في فراغاتي... و ما أكثر الفراغات في زمني، لولا ما رصدت فيه من أمورخطيرة. فأنا مثلا، أتألم من رؤية قلوب النساء و الأطفال تتمزق من هول المشاهد المروعة التي يبثها و التي يندى لها الجبين، دون أي مراعاة لأخلاق مهنة الصحافة المعروفة و المتبعة في كل بلدان العالم المحترمة. و إنها لعمري، لعملية تعذيب جماعية مدروسة مسبقا لا يراد منها ما هو أقل من زرع الذل و المهانة في قلوب أكثر من مليار و نصف إنسان. و لابد أنهم يختارون عنوة، أيام الأعياد ليوجعوا أكثر... و ما جرمهم هذه الأيام إلا كجرمهم يوم عيد الأضحى المبارك عندما ربطوا حبل المشنقة في رقبة الرئيس البطل صدام حسين ...
و أتألم أيضا، من إظهاره، ضعف و قلة حيلة أهلي، مقابل تضخيمه لقوة الجناة و تشديده لبطشهم. و ما صور قنابل النبالم الانشطارية المرعبة فوق سماء غزة الجريحة إلا نموذج من ذلك السلوك الخطير المراد به أيضا، ترهيب شعوب أخرى مازالت تنتظر دورها في طابور "المقصلة"..
أنا أتألم كذلك، لاستباقه الأحداث في تجسيد خطط الغزاة من أجل تسهيل تحقيقها. و هل نستطيع أن أنسى كيف أوهموا بسقوط طرابلس الغرب و هي مازالت واقفة على كل قوائمها فأدى ذلك إلى توارى المقاومين عنها لتتهاوى بالسهولة المشهودة... و إلى الأبد.
كما أنني أتألم لإعطائه فرصة ثمينة للجناة، من أجل تسويق أفعالهم الشنيعة و هم في بدلاتهم الحربية جالسون بكل ارتياح في منابره...
و بالإضافة إلى كل ذلك أستاء أيضا لإهتمامه بالأحداث التي تخدم أجندة الجناة لاسيما تلك المتعلقة بالإرهاب مهما كانت صغيرة و إهماله للأحداث التي تخدم مصالحنا مهما كانت عظيمة... إلى آخر اللائحة...
نعم، و قد يستشهد مراسل من مراسليهم على أرض المعارك ! و لكن، من قال أن موتته تلك ليست تضحية غريبة مدبرة لتقوية الثقة و مواصلة الإرتماء الأعمى في أحضانه.... فلا شيء مستحيل في الحيل الحربية المتقدمة عاليا عن مستوى تصورنا العادي...!
نظر إذا إلى أمور خطيرة كهذه قررت الابتعاد عنه. فهو بالنسبة لي، و بما لا يدع أي مجال للشك، عباءة الحمل التي يرتديها الذئب في القطيع و هو كذلك الوجه الخفي الذي لا يستهان بآثاره المدمرة من خطة حربية ذكية متكاملة، تنفذ بإحكام على أرضنا، التي يشهد عليها ما صار و مازال يصير من تخريب متفاقم، تشمئز منه النفوس، في بلداننا، سنة بعد سنة...
و لن يثنيني عن تلك القناعة، تودده، فقد فعلها الثعلب بالغراب لما أراد قطعة جبنته.
و لا يضللنني أبدا، موقعه بين جدراننا، فاللجناة حلفاء منا. و لابد أن أحسن موقع لإصداراته المشبوهة هو جزيرتنا العربية المجيدة...
ولا تضللنني اللغة المستخدمة، فاللغات وسائل و اللغة الأنجع في التأثير علينا هي اللغة العربية...
و لا يضللنني استدراجه لبعض عمائمنا الموقرين من فقهاء و علماء و مثقفين، فذلك هو الضامن الأكبر لكسبه كل رهاناته...
و لتأكيد إضافي، على علاقته بإذلالنا فأنه ما إن بدأت صولته طويلة النفس و الأمد، في يناير 1938، تاريخ نشأة أول قسم عربي في إذاعة أجنبية، حتى حدثت النكبة الفلسطينية الكبرى... و ما تواصلها عقودا كثيرة بعد ذلك بثبات إلا لتثبيت ذلك "المغنم" . و ما تفاقمها الأخير مع نهاية القرن المنصرم إلا تمهيدا للنكبة الثانية المتواصلة الآن و التي شهدت سقوط دول مهمة و تمزق أخرى...، و هذه النكبة الأخيرة في تصوري، ليست إلا تكملة للنكبة الأولى ...!
بناء على الطرح أعلاه، بنيت إذا موقفي..و ابتعدت عن الإعلام، شاكيا إلى المولى عز و جل، ضعف الحيلة في الوقوف في وجه طوفانه... صونا للأرواح و وقوفا في وجه انتهاك الأعراض و استنزاف الخيرات...
حفظهم الله أمتنا من كل مكروه و حفظ الله قلبها النابض من كل الشرور...
...
هذا النص من وحي زيارات عيد الفطر المبارك، في ظروف الهجمة الهمجية العنيفة على أكبادنا في فلسطين.
و قد لاحظت و أنا أقوم بها، حجم توغل إعلام "الفضائيات" الكبير في كل البيوتات على اختلاف مستويات ساكنيهم...
حقيقة لا أخفيكم، أنه كان بودي لو كان ذلك الإعلام أقل حضورا... فهو حقيقة إعلام حربي و التخفيف منه بالنسبة لي، أقرب إلى عافية القلوب و الأبدان - هذه النقطة المتعلقة بالطب أعفيكم من تفاصيلها رغم أهميتها - و أقرب إلى التضامن و الدعم المجديين...
و لتعذروني في هذا الموقف الخارج عن الاجماع، فأنا قد هجرت هذا الإعلام منذ زمن طويل رغم صعوبة ذلك. أقول صعوبة ذلك، لأن مخرجاته حقيقة، تردني باستمرار عبر الأحبة و الأصدقاء الذين لم يهجروه و هم كثر حفظهم الله.
و قد أقدمت على هذا الموقف لما أدركت أنه ليس ذاك الأعلام النبيل الذي يرعى استقرار و مصالح الأوطان... بل العكس، لما أدركت إنه أقرب إلى سلاح خطير، يستخدم نارا دافئة (يكاد لا يشعر بها أحد) "لإذابة" الوعي و تغيير توجيهه لما يخدم من هم وراءه... و لابد أن من بين من يخدم آل روتشيلد (ملاك خزائن العالم) ، اللورد بلفور (صاحب الوعد المشؤوم) و هانري ليفي (أحد أشرس منظري الصهيونية الحاليين)...
في الحقيقة، إن إدراكي لعداوة هذا الاعلام لا يجعلني مغايرا في الأحاسيس و المشاعر لمن لا يشاطرونني الرأي فيه. فأنا أيضا كان بإمكانه أن يصادف هوى في نفسي بصوته الصادح و صوره الملونة الجميلة و باهتمامه القوي بمحن قومي..
كان فعلا، بإمكانه أن يكون مؤنسا رائعا لي في فراغاتي... و ما أكثر الفراغات في زمني، لولا ما رصدت فيه من أمورخطيرة. فأنا مثلا، أتألم من رؤية قلوب النساء و الأطفال تتمزق من هول المشاهد المروعة التي يبثها و التي يندى لها الجبين، دون أي مراعاة لأخلاق مهنة الصحافة المعروفة و المتبعة في كل بلدان العالم المحترمة. و إنها لعمري، لعملية تعذيب جماعية مدروسة مسبقا لا يراد منها ما هو أقل من زرع الذل و المهانة في قلوب أكثر من مليار و نصف إنسان. و لابد أنهم يختارون عنوة، أيام الأعياد ليوجعوا أكثر... و ما جرمهم هذه الأيام إلا كجرمهم يوم عيد الأضحى المبارك عندما ربطوا حبل المشنقة في رقبة الرئيس البطل صدام حسين ...
و أتألم أيضا، من إظهاره، ضعف و قلة حيلة أهلي، مقابل تضخيمه لقوة الجناة و تشديده لبطشهم. و ما صور قنابل النبالم الانشطارية المرعبة فوق سماء غزة الجريحة إلا نموذج من ذلك السلوك الخطير المراد به أيضا، ترهيب شعوب أخرى مازالت تنتظر دورها في طابور "المقصلة"..
أنا أتألم كذلك، لاستباقه الأحداث في تجسيد خطط الغزاة من أجل تسهيل تحقيقها. و هل نستطيع أن أنسى كيف أوهموا بسقوط طرابلس الغرب و هي مازالت واقفة على كل قوائمها فأدى ذلك إلى توارى المقاومين عنها لتتهاوى بالسهولة المشهودة... و إلى الأبد.
كما أنني أتألم لإعطائه فرصة ثمينة للجناة، من أجل تسويق أفعالهم الشنيعة و هم في بدلاتهم الحربية جالسون بكل ارتياح في منابره...
و بالإضافة إلى كل ذلك أستاء أيضا لإهتمامه بالأحداث التي تخدم أجندة الجناة لاسيما تلك المتعلقة بالإرهاب مهما كانت صغيرة و إهماله للأحداث التي تخدم مصالحنا مهما كانت عظيمة... إلى آخر اللائحة...
نعم، و قد يستشهد مراسل من مراسليهم على أرض المعارك ! و لكن، من قال أن موتته تلك ليست تضحية غريبة مدبرة لتقوية الثقة و مواصلة الإرتماء الأعمى في أحضانه.... فلا شيء مستحيل في الحيل الحربية المتقدمة عاليا عن مستوى تصورنا العادي...!
نظر إذا إلى أمور خطيرة كهذه قررت الابتعاد عنه. فهو بالنسبة لي، و بما لا يدع أي مجال للشك، عباءة الحمل التي يرتديها الذئب في القطيع و هو كذلك الوجه الخفي الذي لا يستهان بآثاره المدمرة من خطة حربية ذكية متكاملة، تنفذ بإحكام على أرضنا، التي يشهد عليها ما صار و مازال يصير من تخريب متفاقم، تشمئز منه النفوس، في بلداننا، سنة بعد سنة...
و لن يثنيني عن تلك القناعة، تودده، فقد فعلها الثعلب بالغراب لما أراد قطعة جبنته.
و لا يضللنني أبدا، موقعه بين جدراننا، فاللجناة حلفاء منا. و لابد أن أحسن موقع لإصداراته المشبوهة هو جزيرتنا العربية المجيدة...
ولا تضللنني اللغة المستخدمة، فاللغات وسائل و اللغة الأنجع في التأثير علينا هي اللغة العربية...
و لا يضللنني استدراجه لبعض عمائمنا الموقرين من فقهاء و علماء و مثقفين، فذلك هو الضامن الأكبر لكسبه كل رهاناته...
و لتأكيد إضافي، على علاقته بإذلالنا فأنه ما إن بدأت صولته طويلة النفس و الأمد، في يناير 1938، تاريخ نشأة أول قسم عربي في إذاعة أجنبية، حتى حدثت النكبة الفلسطينية الكبرى... و ما تواصلها عقودا كثيرة بعد ذلك بثبات إلا لتثبيت ذلك "المغنم" . و ما تفاقمها الأخير مع نهاية القرن المنصرم إلا تمهيدا للنكبة الثانية المتواصلة الآن و التي شهدت سقوط دول مهمة و تمزق أخرى...، و هذه النكبة الأخيرة في تصوري، ليست إلا تكملة للنكبة الأولى ...!
بناء على الطرح أعلاه، بنيت إذا موقفي..و ابتعدت عن الإعلام، شاكيا إلى المولى عز و جل، ضعف الحيلة في الوقوف في وجه طوفانه... صونا للأرواح و وقوفا في وجه انتهاك الأعراض و استنزاف الخيرات...
حفظهم الله أمتنا من كل مكروه و حفظ الله قلبها النابض من كل الشرور...
من صفحة الدكتور سيدي احمد ولد البشير أخصائي أمراض النساء