في السنة الماضيه قد تابعت مسلسل جمل الدهر ، و قد كتبت عنه مقالا ذكرت ضمنه جمالياته و كذا نواقصه. و قد كنت اعتقد ان ما سيأتي على اثره من مسلسلات لاحقه سيستفيد من تلك النواقص الكثيرة، الا ان ذلك لم يتحقق للأسف في مسلسل العائلة الذي كانت تأدية ادواره التمثيلية اشبه ما تكون بتمثيل عرائس الأطفال او (الاوزار) التي يعبر فيها نيابة عن المشاهد الحية بحركات مصحوبة بنبرة صوتيه و أحيانًا بالافترار عن الاسنان و جحظ العيون كتعبير عن الغضب !
و أعتقد انه من اسباب فشل الدراما لدينا و كذا الكوميديا و الفن بصفة عامةً هو كون الدولة الى حد الساعة لا ترى للفن اولوية بالنسبة لها و بالتالي فعليها لاستعاضة عنه بتقمص فنون الاخرين و تقليدهم من طرف هواة لم يدرسوا قط في اي معاهد فنية ، و ربما معظمهم لم يدخل مدرسة نظامية مهما كان مستواها، اذا فمحاولات هؤلاء اشباع رغبات المواطنين من الفن الرفيع تظل حلما بعيد المنال ، و هيهات تحقيق ذلك بمجرد حسن النية و حده ، فمثلًا السودان الشقيق لديه كلية للفنون الجميلة منذ 1946 الى يومنا هذا وهم لَم يقدموا فنا عالميًا فكيف بنا نحن الذين لم نهتم أصلا بالامر!
بل ان وزارة الثقافة عندنا وهي المسؤلة عن موضوع الفن علما انها الأقل تمويلًا من بين الوزارات الوطنية ، و لم تسند يوما الى مثقف بمعنى الكلمة ، و ظلت تعطى كمكافأة لبعض الحلفاء من الدرجة السابعة ، و ربما ذلك يعود لتشابه رقم 7 بالكناية عن الفن السابع .
و الان و بعد ذكر بعض الأسباب التي أخرت مستوى الفن لدينًا فإني ابدي بعض الملاحظات التالية حول مسلسل (العائلة) الرمضاني الذي يبدو انه اعاد لنا بعض الوجوه المألوفة لدينا و الذين قد ظهر معظمهم في مسلسل جمل الدهر سالف الذكر ، و قد كان ميدان تمثيلهم ينحصر في مسرحيات من حلقة واحدة او اثنتين او (استكشات) ضاحكة ، و هاهم الآن في مسلسل العائلة يتبادلون الادوار فالذين لعبوا ادوار الشر في مسلسل جمل الدهر هاهم الآن يلعبون دور المآسي في مسلسل العائلة لما لم تسند إليهم فرصة لعب ادوار الخير في هذا المسلسل الذي اقتصرت ادوار الخير فيه على شخص واحد هو حيبلل ولد الرابي و الذي لعبه بإتقان ، رغم ان علاقته بعائلة سالم لم تكن مقنعة بالدرجة التي يضحي بعمله من اجلها.
اما الشر فقد تحولت له تلك السيدة الفاضلة (آمي) و خونه ولد محمد فال (كوص) اللذين شاهدنا ادوارهما الخيرية في مسلسل جمل الدهر .
و هناك دور ثالث متفرع عن الشر وهو (الخسة) الذي لعباه (محمد لمين اجديدو و زوجته المفترضة امل مولاي ) التي منعته من علاج والده حتى مات و ظلت تطهد اخته امام ناظريه وهو صامت قانع كلمعتر البائس !
ثم كون المسلسل ايضا عقدته و مراحلها لا تستحقان ما ذرف بونه اميده (ناصر) من دموع هو و اخته ، و كذا كوّن اسناد اهم دور في المسلسل و هو الاتهام بالقتل الى شاب غر لم يسبق له ان مثل ادوارا جادة ، يلاحظ ذلك من خلال حملقته الدائمة في غرفة الاعتقال و كأنه مصاب بالتوحد.
و من اسباب فشل هذا المسلسل ايضا ربما مزانيته التي يبدو انها طففت بالقدر الذي جعلها لا تفي بالنفقات التي يتطلبها اعداد مسلسل رمضاني تمثيلا و اخراجا و ديكورا و متعلقات كل ذلك ، مما يتطلب مصاريف كثيرة و اكبر دليل على ما ذكرت هو تمويل عرس رجل الاعمال تاجر المخدرات الذي اودع السجن غريمه و زيادة في الانتقام تزوج خطيبته ، و اذا بالحاضرين الى ذلك الحفل لا يتعدى عددهم اصابع اليد الواحدة من بين الرجال و النساء او يزيد قليلا، و الفنان الذي استجلب لانعاش الحفل ربما كان من خلال مظهره احد خرجي (طب جاه) خصوصًا اذا ما لاحظنا لحيته مدلاة على صدره و هو يبادل لكماته على سطح ذلك البيدون محاولا ان يعوض بإقاعه الموسيقى الغائبة اصلا، و اما النساء اللائي يتمايلن على ذلك الاقاع الا للعب ذلك الدور وليس طربا حقيقيا( و لاهن يحزن) و كذا الورقات النقدية التي رميت عليهن و التي لا تتجاوز 2000 اوقية قديمة ، و التي ظل يختطفها كوص كلعقاب قبل ان تستقر على الأرض ،. و ذلك من أجل ان يسدد بها اجر ذلك الفنان المسكين .
و يظهر ايضا بخل مسيري المسلسل في علاج سالم المسجى في غرفة منزل عادي ، ولم يستطيعوا ان تكون تلك الغرفة في مستشفى حقيقي يتحرك فيه الاطباء و الممرضون ولو للحظات معدودة .
و أغلب الظن ان تمويل المسلسل اصلا كان الهدف الاساسي منه هو استفادة جهة معينة لم تظهر في حلقات المسلسل المتلاحقة للاسف.
و ربما الذي غاب عن وزارة الثقافة هو كونها أساءت على وزارة الصحة عن قصد او بدونه و ذلك لانها اظهرت أن المرضى يموتون على اسرة وزارة الصحة ما لم يسددوا مسبقا فاتورة علاجهم ! وليس ذلك بغريب في مجتمع انتشر فيه الفساد!
و الطامة الكبرى و هي أن الموسيقى التصويرية المرافقة لكل حلقة بسبب رتابتها التي تجعل المستمع إليها يتثاءب و ربما يصاب بالاكتئاب اذا ما وصلنا الي ترديد المنشد لكلمة -التدبير التدبير الا لله-
و في الاخير ايها السيد الوزير أرى ان عليك ان تحاول اقناع الحكومة بأن الفن مكون ثقافي و ضروري لأى مجتمع من اجل تثقيفه و الرفع من مستواه الحضاري لما يساعد ذلك في تنمية البلاد - وليس بالخبز وحده يحى الانسان- كما هو شائع .
و الفن ايضا لابد له من مؤسسات تعليمية فنية راقية و اساتذة اكفاء . بالاضافة إلى صحافة متضلعين من العلوم الاقتصادية و القانونية و فلسفة الاخلاق و الأدب و علم الاجتماع و علم النفس ثم علم الاجرام .
وليس مجرد صحافة متحذلقين ، (مغنيين و مزيونين) و يستطيعون نبش قبور مصطلحات الحسانية بحثًا عما هو (زمني) منها ، والذين يستطيعون جعجعة على انغام موسيقى الفنان الذي ربما ينتزعون منه لاحقا آلته الموسيقية و يبدأون يلاعبون اوتارها او (تشبطنها) و الفنان المسكين ينظر اليهم وهم يخطفون منه فنه امام ناظريه رويدا رويدا، وليس له من وسيلة لإنقاذه منهم سوى نظرة شاحبة و بسمة شفقة موجهة الي ذاك الصحفي الذي تجاوز اختصاصه و دوره في تقديم تلك البرنامج الوطنية المقدمة للجمهور على شاشة التلفزة الوطنية.
ذ/اسلمو ولد محمد المختار ولد مانا