ماهو البديل للوعي القومي في المغرب العربي منذ الاستقلالات ؟

سبت, 2021-05-01 11:11

إن الوعي القومي، كان ــ وسبيقى ــ هو الوعي الذي  يهدف  للكشف عن العوامل المناهضة ، كالقوة التي تتواطأ مع الخارج على حساب حاضر ومستقبل مجتمعاتنا،، إنه الوعي الذي يساعد على إزاحة  الرواسب  الفكرية المستديمة التي تحول دون  رؤية ما عليه الواقع من تخلف، واحتلال اجنبي، واستقلال زائف، لأن الأخير لم يحقق بناء ذاتيا، ولم يستطع التفاعل مع محيطه الاستراتيجي، وبالنتيجة، عمق التجزئة العربية التي تحرق طاقات المجتمعات العربية في جميع المجالات، وتتحالف من أجل التمكين للمراكز المسؤولة عن التحديات الداخلية، والخارجية ، بدلا من التعاضد مع القوى الحية في المجتمع، والمدافعة عن حقوق الأمة، وتوظيفها في مواجهة التحديات التي تواجه المجتمع، وقطار الأمة معا،،
 والسؤال المنهجي الذي نطرحه، هو: كيف حصل ـ ويحصل ـ تهجين الوعي الجمعي، وحرفه في اتجاهات تستنفد طاقات، و تطلعات المجتمع في سبيل إشباع الدوافع، والميول الذاتية، فتغشى العيون عن العوامل الرئيسة التي هي مصدر التخلف، والتشرذم، واستبدال الأهداف العامة بغايات ذاتية لدى الأفراد، أو الجماعات القبلية، أوالعرقية، أوالفئوية التي تنشر الوعي الذاتي إقصاء  منها للوعي الجمعي القومي، وتصبو بذلك لتحقيق المصالح الفردية لرجال القبائل، والفئات المهمشة، والأعراق التي لا يخلو منها مجتمع من مجتمعات اليوم، سواء أكانت تلك من المجتمعات التي وظفت التنوع العرقي، والثقافي لتقديم معطى بديل يوظف للصالح العام، أم من المجتمعات المتخلفة التي توظف الوعي الزائف للحيلولة دون النهوض، والتغيير الاجتماعي العام المنشود في كل مجتمع يسعى للبقاء، ويرفض  الاضمحلال، ومتغيراته الرئيسة التي يسعى الغرب المتقدم للدفاع عنها، و بها في سبيل الحفاظ على مصالحه في مجتمعاتنا العربية، والافريقية المتخلفة طالما بقي التخلف،والوعي الزائف، وقواه الرثة،؟!
إن الوعي القومي المعاصر هو الشرارة الفكرية التي أنارت مشاعل النهوض الفكري، وقادت التغيير السياسي، والاجتماعي، وتطوير الأنظمة في المجتمعات، وغيرها من مطالب التحديث المعاصر، وهذه العوامل مجتمعة، تسمى في العلوم الانسانية المعاصرة، بالعوامل التابعة  للعامل الرئيسي، الوعي القومي، وقواه الثورية الملتزمة بالبحث عن استعادة  دور الأمة الغائب، وحضوره التاريخي في الحاضر، ومن أجل استشراف المستقبل، واستبعاث الأبعاد الحضارية في الثقافة، والدين، والاخلاق، واللغة " روح الأمة " ــ على حد تعبير المرحوم ساطع الحصري ــ، ولا سبيل لطرق ابواب العصر إلا بهذا الفكر التنويري، لأنه هو الذي يوجه بوصلة التحولات الكبرى بالفعل التغييري الذي  يحدد وسائله ب" شرف الوسائل" مع "سمو الغايات"، كما في أدبياتنا الوحدوية،،
إن الإحالة الى البدايات الأولية للنهضات  الحديثة، والمعاصرة في أروبا منذ القرن الثامن عشر، والمجتمعات الحديثة  العربية، والآسيوية، والافريقية، وأمريكا الجنوبية،، وفيها جميعا تتأكد فاعلية  دور قيادة الفكر القومي، وقواه للثورات السياسية، والاجتماعية.
ففي الوطن العربي، ظهر الفكرالقومي منذ  النصف الأخير من القرن التاسع عشر، وكان فكرا استنهاضيا، ولا يمكن حصره في كتابات عبد الرحمن الكواكبي في" أم القرى" و" الاستبداد  السياسي"، ولا في الكتابات التي نشرت في الجرائد، والمجلات الدورية، والأدبيات النثرية والشعرية من طرف رواد الفكر العربي  من عرب المهاجر،وغيرهم،، كما انتشرت الدعوات الاصلاحية، وتعددت الجمعيات الثقافية، والسياسية في شتى المراكز العربية الحضرية، وتنامى دور المنتديات الفكرية في العراق ولبنان وسورية، ومصر، كما أقيمت المؤتمرات خارج الوطن العربي المحتل بالتخلف السياسي التركي الذي كان يدعي مشروعية احتلاله ــ خلال خمسة قرون ــ باسم الدين الاسلامي.
 ومن المؤتمرات، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر الشباب العربي في باريس في العام1909، وفي بداية القرن العشرين، تبلور الفكرالسياسي في بعده القومي في المغرب العربي، فكان للتجمع الشباب المغاربي دوره المميز في طرح قضايا الأمة  في فرنسا، وقد  اتخذ له شعاره التاريخي " نجم شمال افريقيا".
إن هذه الحركات الفكرية للشبيبة  العربية، كان القاسم المشترك في وعيها، هو: مواجهة التخلف، والاحتلالات، والتطلع الى إقامة دولة الأمة من أجل طرق ابواب العصر لتحقيق المشروع النهضوي المستقبلي، ولم ينحصر وعيها في استعادة الوحدة في التجارب السياسية السابقة  لخلافة عربية اسلامية، فتكون عاجزة عن مواجهة التحديات، ولا أدل على صحة هذا التصور مما نشاهده  الآن من عجز ألأنظمة القروسطوية  كالملكيات، والإمارات، والسلطنات عن مواجهة التحديات، بل إنها تحولت  الى أداة  داعمة لسياسة الاحتلال الصهيوني والامريكي،،،    
وبعد قيام ثورة 1952، أصبحت مصر مركزا لحركات التحرر العربي، والإفريقي، وكان لمكتب المغرب العربي فيها، ذات الطموح الوحدوي الذي جسد الفكر القومي في مساندة الثورات في اقطارنا المغاربية، وإن لم يطرح تصور واضح لوحدة المغرب العربي، ولعل مشروع التحرير، وصعوبة انجازه حالت دون التفكير لما بعد الاستقلال.
 وقد تتالت الاستقلالات  بعد 1956، ومن خلال تتبع للمسارات التي مرت بها التجارب السياسية، والقراءات العديدة للسياسات، يلاحظ حصول  تغييب للوعي القومي لسبب ما، بل لأسباب عديدة ــ لامجال لذكرها هنا ــ ، فاستحدثت النظم السياسية في أقطار المغرب العربي، و ارتهنت  لنفوذ المُفعِلين، والمدافعين عن الوعي الزائف: الأستلابي ـ الأغترابي، أو الإثني، أو القبلي، أوالجهوي، أوالشرائحي.
ولعل هذا  القانون ــ إذا حصل غياب للوعي القومي ، فإن  البديل هو أشكال الوعي الذرائعي الزائف ــ من  قوانين الفكر السياسي التي تم استخلاصها من  التجارب السياسية لأقطار المغرب العربي منذ الاستقلال.

أولا:
  ففي المغرب، وهو أول قطر مغاربي  الذي أعلن عن استقلاله من الخدعة السابقة المسماة ب"الحماية" الفرنسية، كان الفكر السياسي يقوده قادة حزب الاستقلال الذين تحالفوا مع النظام الملكي، وكانوا يرأسون الحكومات، تلو الأخرى، و تبنوا سياسة الحكم الملكي حتى بداية تسعينيات القرن الماضي، حتى إفتقد حزب الاستقلال مبرر التمسك  به في تحالفه مع النظام السياسي، ولم يكن له مبادئ يدافع عنها طيلة تلك الفترة غير التشبث بالدفاع عن الوحدة الترابية، لذلك هجرته الشبيبة المغربية، وكان في تبني حزب الاستقلال للفكر القومي سبب مباشر في تصورالأخير على اساس انه فكر غير تحرري، الأمر الذي شوه الوعي القومي نظرا لإهمال قادة الحزب لمطالب المواطن  المغربي  المحقة في العدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني، والقضاء على مصالح المستعمر الفرنسي والإسباني في المغرب، حيث  بقي الإقطاع مهيمنا على نسبة 95 في المائة من أراض المغرب الخصيب.
وحين استجاب عبد الرحمن اليوسوفي  لإغراءات الحكم، ورجع من فرنسا ليصبح رئيسا للحكومة فاتحا المجال للتسيير السياسي الذي كان من المراهنات المثالية  التي استقطب بها الاتحاد الاشتراكي جمهوره، وعلى الرغم من  تباين اطروحات حزبي الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي، الا أن القاسم المشترك بينهما هو: دفاع كل منهما عن واحدة من إثنيتي المغرب، واذا كان علال الفاسي اعتبر حزبه قوميا من جهة الدفاع عن رؤية المملكة تجاه المناطق التي اقتطعها الفرنسيون من المغرب لصالح الجزائر، وعدم اعترافه بجمهورية موريتانيا التي كانت قبل الاستقلال  تحت الاحتلال الفرنسي المباشرــ في حين كان المغرب محتلا بما سمي بقانون الحماية ــ منذ 1903، وكانت مقسمة بين نظام الامارات الأربع، ولم يشارك المغرب في استقلالها السياسي،، وكان ترديد حزب الاستقلال لهذه المقولات الجوفاء، والعمياء معا، وهي بمثابة الغربال الذي غطى به حقيقة إهمال  قادته لحقوق ابناء الشمال المغربي، وقبل عودة علال الفاسي  من مصر، كان قد دخل في صراع مع قادة ثورة الشمال بقيادة المرحوم البطل محمد عبد الكريم الخطابي الذي كان رئيسا لمكتب المعربي في القاهرة،، وتنامى صراع  حزب الاستقلال مع القوى الوطنية المغربية، وعبرت  الأخيرة عن نفسها في احزاب يسارية كالاتحاد الاشتراكي، وغيره، ومنها " الحركة الى الأمام" الإثنية التي كان قادتها من أبناء الأعيان من الامازيغ ، وعلى الرغم من تبنيها للفكر الاشتراكي، الا انها لم تخف انحيازها لمجتمعها من الامازيغ.
فقد تميز حكم الاتحاد الاشتراكي ــ في التسعينات ــ  بالتجاوب مع مطالب الحركة الإثنية، وفي بداية الألفية الثالثة، تمت الاستجابة لمضمون مشروع "الظهير البربري" الذي اقترحته فرنسا في العام 1936م. وحينها اجمع المغاربة على رفضه، لأن هدف الظهير، هو تقسيم المجتمع المغربي على أساس لغوي وثقافي.
 والخلاصة هي أن البديل للوعي القومي: كان الوعي الإثني، والوعي الاستلابي.
ثانيا: 
بينما في تونس، كانت الطبخة السياسية الفرنسية مشتركة مع الحبيب بورقيبة والملك محمد الخامس أثناء المنفى المؤقت، وقد كانا في قصر واحد في جزيرة "الكورس"،، وقد حكم  الرئيس بورقيبة بإطار سياسي ،الحزب الدستوي التونسي، وبقي الأخير يعد من الاجزاب القومية دون أن يعبرعن ذلك في سياسة  كل من  الرئيسين بورقيبة، وزين العابدين بأي التزامات قومية، أوعبر عنها  واحد من رؤساء الحكومات، كمحمد مزالي، والغنوشي الذي اسقطت الثورة رئيسه، وخلفه بعد قيام الثورة سنة 2011 ، وقد كان الأدعاء الكاذب  من طرف قادة هذا الإطار السياسي للفكر القومي ، مبررا موضوعيا، لتنامي الوعي القومي في تونس ومناهضته للحزب الدستوري الذي سيطر عليه الوعي الجهوي، فهو عرف لدى المتتبعين للشأن السياسي التونسي والعربي عموما بحزب أهل الشمال التونسي بقادته، وحاشيته، من الأنتفاعيين.
والخلاصة هو احلال الوعي الجهوي محل الوعي القومي.

ثالثا:
وبعد استقلال الجزائر،  كان التوجه العام قوميا حين كان المرحوم احمد بن بله رئسا، وفي عهد المرحوم هواري، استبدل الوعي القومي بالوعي المحلي " الوطني"، ولأول مرة، ظهرت أبواق دعائية تدعي على قيادة النظام النظام، وهم من المعادين للفكر القومي، فغالوا في اظهارالنزعة الوطنية، وبعد رحيل هواري بومدين رحمه الله الذي كان قوميا في مواقفه العربية، والدولية، وثوريا في سياسته الداخلية التي تصارعت مع عدة تيارات، وانتصرت الأخيرة  ــ للأسف ــ ، وهذه التيارات التي تصارت ، ودمرت معظم انجازات الثورة المادية، وإن استعصى عليها روح الثورة التي لن تموت في فكر الشعب الذي احتل قرابة قرنين، واستقل بفاتورة غالية من دماء مليوني شهيد، وهي:
1ـ الوعي القبلي " الشاوي" ــ نسبة الى سكان منطقة الشاوية التي كان الرؤساء السابقون منحدرين منها ــ الجهوي، حيث اصبح النظام السياسي خاضعا للشاويين، وكان ذلك  حين" أكلت الثورة ابناءها" في الستينات الى الآن، ومن يشكك في ذلك، فعليه بالرجوع الى السجلات  الخاصة بالقيادات السياسية، وقادة الجيش الوطني الجزائري  الذي هو سليل جيش التحريرالذي  تأسس على قواعد صحيحة، وهي النظرية  المبتدعة من الميدان  على رأي" فرانس فانون" حين ركزت الثورة الجزائرية  على التجمعات القروية  في مواجهة المحتلين، وانتصرت الثورة بهذ القوى الاجتماعية التي لم تخضع للتجربة الا في الدزير، ولم يتم  التركيز على العمال وحدهم، أو الفلاحين، أو المثقفين، على عكس  مراهنات الماركسيين، والليبراليين في الفكر السياسي المعاصر حينئذ.
2ـ الإفرنكفونيون، والحديث عن هؤلاء يطول  نظرا لتقاطع المصالح الى حد ما  بما كان يسمى ب" الأقدام السوداء"، وهم المتعاونون مع النظام الفرنسي في مواجهة الثورة،، لكن البعد الثقافي جرف الكثير من الافرنكفونيين  الى الضفة الأخرى ، وذلك دفاعا عن مصالحهم الذاتية ومعظمهم كان في مواقع  حكومية مؤثرة، وليس ذلك  تآمرا منهم على الثورة.
3 ـ الإثنيون الذين دعمهم الفكر الانفصالي الذي أسست له فرنسا أكاديمية، ومراكز ثقافية لتحقيق ذات الأهداف الأنفصالية،،
4 ـ الاسلاميون الذين  نزلوا من الجبال بعد النهاية التراجيدية في  حرب العصابات في افعانستان، وكان إيمانهم بالتغيير في الجزائرمدعوما بالوعود الأمريكية للدفاع عن حكم اسلامي سياسي متصالح مع الغرب، ومن ثم  قدم  السلاح لهم عبر الوسطاء، القراصنة الإيطاليين الذين حملوا السلاح من القواعد العسكرية في اليابان، والهدف الامريكي الرئيسي، هو تدمير انجازات الثورة الجزائرية العظيمة،،وهذا التدمير الذي قام به الاسلاميون في الجزائر، اعتبره المفكر الاسلامي المرحوم "حسن الترابي" مبررا لتصحيح مسار الثورة الجزائرية !
والخلاصة أن تغييب الوعي القومي ، حصل فعلا، وكان البديل له هو هذا" الموزاييك" اللاواعي سياسيا بخطورة التحديات التي تواجه الجزائر، وثورتها العظيمة التي شارك فيها معظم أبناء الأمة العربية في المغرب العربي وخارجه، وخاصة  الثورة العربية في مصر التي واجهت العدوان الثلاثي بسبب وقوفها مع الثورة في الجزائر، وتسليحها.
رابعا:
وفي ليبيا  كان للعمل الثوري  تراثه  النضالي مذ بداية القرن العشرين،  وللوعي القومي حضوره الذي كادت المعاناة اليومية أن تغيبه عن الانظار، كما الجمر الذي لايشيح عنه  الا التيار الملتهب، وكان هذا التيار الملتهب في الأذهان، ومن مظاهرالتأثر به استرجاع الليبين لإسم عمر المختار، ومآثره، وكانت ثورة الفاتح 1969 أمضى عزما على تحقيق أهدافها في طرد المحتلين: الايطاليين، و الانجليز، والامريكان، وتأميم شركات النفط، والتحول السريع في العشرية الأولى، فانتقل  المجتمع من قبائل قروية، ومتنقلة في الصحاري، بينما حواضره مأهولة بالإيطاليين، ومصادر الثروة محتلة تحت سمع وبصر نظام ليبيا السياسي الذي هو أداة من الوكلاء للمحتل ، وهذا ضاعف  مظاهرالبؤس الاجتماعي،، لكن سرعان ما استقر  المجتمع الليبي بعد عشر سنوات من عمر الثورة، واستعاد دوره الحضاري في  تجمعاته الحضرية، وقد وظفت  الثورة كل الإمكانات المادية لبناء المراكز الحضرية، والبنى التحتية، ومرافق التحولات الكبرى، كالجامعات، والمعاهد، وتأسيس جيش وطني بالكاد في مجتمع عيونه مصوبة في اتجاه أحادي كالأحول، وهذا الاتجاه، هو الطفرة المادية الهائلة التي انجزتها الثورة، وتدافع الجميع لتقاسم الانجاز لا لحماية الثورة.
 و في بداية الثمانينات، كان ثورة الفاتح تواجه خصمين لدودين لها، و هما النظام القبلي، والتحالف الأمريكي ـ الفرنسي في جمهورية اتشاد،، لذلك اضطر النظام السياسي الى التحالف مع النظام القبلي في مواجهة  العدو الخارجي ، ومع ذلك كان رموز النظام القبلي، يتحينون  الفرص  من حين لآخر لإسقاط  نظام ثورة، ومنها المحاولة الفاشلة التي قادها الجنرال القبلي في بداية التسعينات  حين تحالف  قادة  قبليون مع المخابرات الامريكية.
وانطلاقا من مراقبة ما كان يجري في ليبيا في الثمانينات، كان واضحا خطورة المؤثرات التالية على مستقبل ليبيا، ومنها:
1ـ الانقسام لدى قادة الثورة، إذ لم يوافقوا كلهم على التحالف مع النظام القبلي، وحجة الرافضين المستقبليين أن التخلف  الفكري، وقواه القبلية  لن يساندا على تفعيل المتغيرات التي ستواجههما بالتحولات الجارفة لمقومات التخلف،، ولذلك ظهر الصراع بين تلك القيادات الرافضة لهيمنة النظام القبلي، وكانت الشعارات التالية تعبر عن الصراع الحاد بين الفريقين، ومناصبة النظام القبلي  للقوميين  في الثورة، وهناك مقولات تختزل حدة الصراع، كالقول " لا قائد بعد القائد"، و" بعد معمر ــ والمقصود  معمر القذافي ــ، سنذبحكم في الشوارع"، و الكلام موجه لغير الليبيين، والسؤال الذي ردده القبليون بعد الغارة الامريكية على مدينتي طرابلس وبنغازي في العام 1986، وهو "لماذا لا ننعم نحن الليبين بثرواتنا، كالكويتيين، بينما تبدد على ثوار أمريكا اللاتينية، وثوار إيرلندا، والفلسطينيين؟".
2ـ تيار الاخوان المسلمين الذي تعاظم دوره، وانتمى اليه واحد من قادة الثورة وهو " محمد  مغريف " وبعد تدمير ليبيا، تم استدعاؤه ليصبح قائدا لنظام "ثوار" الناتو بعد أن  فشل قادتها في مواجهة النظام القبلي الذي لن يقبل بأقل مما كان ينعم به خلال أربعين سنة،،ومن المؤكد أن حلف الناتو لم يأت  الى ليبيا من أجل توزيع عائدات البترول والغاز  على الليبيين، بل لينتزعها منهم بالقوة، أو بالعملاء، الوكلاء،، فهل يستبدل الليبيون الذي كان يوزع عليهم عائدات النفط  بالذي سينتزعها منهم؟ّ!
3 ـ سيطرة الوعي الاستلابي الماركسي على الإطار السياسي ــ  اللجان الثورية ــ الذي كان بمثابة قيادة موازية لقيادة ثورة الفاتح،، وعلى  الرغم من صخب الناعبين في صدى الابواق المناوئة لكل ما هو قومي، وكان يرمز للزمن العربي الجميل،،فإن للقوميين تصوراتهم المستقبلية التي لاتتأثر بهذه التيارات الارتدادية التي ستزول باسرع مما يتصور المنبطحون، وعدمو الرؤىة، لأن المستقبل للأمة، وقواها الوطنية القومية ، ولا مستقبل لأعدء الأمة في الوطن العربي، من وكلاء "العولمة المتوحشة".على حد تعبير المرحوم المهدي المنجرة.
وأخيرا:
نقول بكل ثقة في المستقبل العربي، لامكان في  اقطار الوطن العربي التي عرفت ثورات  قامت بالتحديث، والتحولات الرائعة، والإنجازات  العظيمة، وهي  ثورات كان عنوانها الموحد " العزة العربية" التي ستقاوم أمريكا والغرب الأمبريالي، و" ثوار" الناتو في ليبيا، و العملاء في العراق العظيم، وسورية التي ستبقى  قلب العروبة الذي لايموت مادام يقاوم المحتلين، ومصر: وهي مركز النهضة العربية الأولي، وانطلاق ثوراتها الأربع: ثورة 1882، وثورة 1919، وثورة 1952، وثورة 2011 ، ورصيدها التراثي، ومجتمعها الذي يقاوم التخلف، و التطبيع، ويواجه المطبعين، كما لن تكون الجزائر بدون الثورة، وانجازاتها التي انتصرت بها على  التحديات الداخلية والخارجية في العشرية السوداء،،
وهل  يمكن المراهنة على المواطن العربي في هذه الأقطار التي تم استهدافها لتدمير انظمتها السياسية، وارجاع  مجتمعاتها الى ما قبل التاريخ؟
 نعم، لأن  حقول الثورات العربية من فكر، وعدالة اجتماعية، وتقدم في جميع المستويات، ولن تبور، ولن تزرع بالأشواك ، ولن تقبل مجتمعاتها بأقل مما كانت تنعم بأنظمة العزة والكرامة، والتقدم الاجتماعي، والاسقلال الوطني، والسيادة بكل معانيها،، أحرى القبول بالسيء، بل الأسوأِ.

إشيب ولد أباتي