رمضان في الغربة (3-3)

ثلاثاء, 2021-04-20 15:36

قابلت غرة رمضان للعام 2008 فاتح سبتمبر من العام نفسه. وفي ألتش تعرفت إلى إخوة أعزاء من الوطن، ومن بينهم محمد الأمين الذين نناديه تحببا وتوددا *البوساتي، وهو رجل جمع الكثير من الأفضال منها السخاء والكرم والظرافة، لا تكاد تظفر منه بجلسة مهما كانت خاطفة إلا وعلت محياك ابتسامة من غير تكلّف أو تصنّع.

وسافرنا قبيل رمضان بقليل إلى شمال إسبانيا، بحثا عن سبيل للمشاركة في موسم قطاف الفاكهة؛ وكنت أتولى قيادة السيارة لا لشيء إلا أنني أحمل رخصة السياقة الإسبانية. وكان معنا في سيارة البيجو ابن عم له من أهل أدويراره، وأنخنا في حقل فاكهة من تفاح وإجاص يمتد إلى ما لا تستطيع عينك أن ترى له حد، وفي الحقل جماعة فاضلة سنية من قرية أدويراره تعمل في حقول لمالك أراض اسباني، استقبلتنا بكثير ترحاب ومودة. والمضيف لا يعمل شيئا مهما كانت رغبته، فالمستضيفون يقيمون إلى خدمتك ورعايتك حتى لا يسمحون لك بصناعة الشاي، ويؤذنون للصلاة في هذا الحقل ويقيمون صلاتهم جماعة بفناء الدار التي أقطعهم صاحب الحقل.

وفي الصباح نترك المستضفين إلى أعمالهم، ونذهب نحن في بحث في نواح أخرى من إقليم لريدا (يعرف محليا بجيدا) وهو من أقاليم الكاتالونية الأربعة حتى ساعات ما بعد العصر بقليل. وفي الحقل الممتد تمر على خيم ودور عشوائية للغجر، فهذا الشعب كشعب الكزرة لا يحب النظام ولا المدينة، ,وفي كل فرصة للتمرد على النظام ينتهزها، ويقيمون في ماوراء الحقول وفي الأحراش المحيطة بالمدن. 

وصاحبنا ألمعي بدرجة فائقة، مرت علينا سيارة وفي مقعدها الأمامي تجلس عجوز من الغجر فقال: هذه تمتهن السرقة والنشل، فقلت لها ودائما ما أحب محاججته وما أدراك بهذا؟ ربما هي في حاجة لها إلى المدينة. وبعد ساعة من البحث، رجعنا إلى نفس المكان، لقد أدركتنا القائلة، وجلسنا في ظل شجرة غير بعيد من مكان العجوز، وأثناء إعداد الشاي اقترب منا ولد صغير اسمه *رايموندو ماهر في ركوب الدراجة الهوائية، استفزنا للحظات باثارة الغبار بكبحها سنتمرات من مكان جلوسنا، وأثناء ذلك دعوناه لحضور جلسة الشاي، فألقى عصا الترحال وجلس يحتسى شايا لأول مرة. وسألته عن علاقته بالعجوز فقال إنها جدته من أمه. وواصلت سؤاله وأنت ماذا تعمل؟ وهل تدرس؟ فأجاب أن كلا، إنه لا يعمل من شيء غير السرقة والنشل، وقد دربته العجوز على هذا، فهي تدخله إلى المجمعات، وبما أن الصغار في إسبانيا الأقل من أربعة أو ثلاثة عشر عاما، لا يسألون ولا يستجوبون، وأقصى شيء يمكن عمله هو توبيخ الأب أو الأم، ونزع ما بيده إن تم التفطن إلى سرقته، أما إذا كان الحال غير ذلك فقد نجى ونجت العجوز من الإنذار والتعنيف.

وفي رمضان يصر صاحبي على أن أفطر معه في كل يوم من هذا الشهر وحتى قبل ساعة أو اثنتين من موعد الإفطار، إذا هاتفي يرن، فأقول له إن الإفطار لم يحن بعد، فيرد بحس فكاهته العفوي : خذ الفأل وتأبط إفطارك، لا يعلم الغيب إلا الله (اكبظ الفال، واحكم افطورك، لمور ما يعرف الها حد ش).

وصحبته مرة إلى محكمة المدينة لاستصدار إعلان ميلاد نجل له، ولا تحضر من شيء غير روقة صفراء أعطهوها لك في مركز الأمومة والطفولة المحلي، وأثناء الانتظار ونحن في الصف، إذا صبية إسبان يعبثون ويلعبون وبضجيج عال فنهرتهم، فسكنوا في الحال، لكن صاحبي تفاجأ من الأمر وقال: احذر لا يدخلوك السجن، وإذا أدخلوك فأنا منك براء.. 

تحية لك يا محمد الأمين وإلى كل الأخوة والأخوات في ألتش وغيرها والذين تشرفت بمعرفتهم وصحبتهم، ورمضان مبارك.

سيدأحمد ولد أعمر ولد محم