يوم الأحد 11 أبريل 2021 أعلن رئيس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، جيروم باول، أنه يشعر بقلق من خطر وقوع هجوم إلكتروني واسع النطاق، أكثر من قلقه من إمكان حصول أزمة مالية عالمية مماثلة لتلك التي حدثت عام 2008.
وذكر باول لبرنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" نيوز الأمريكية إن مخاطر حدوث أزمة شبيهة بأزمة عام 2008 مع حاجة الحكومات إلى إنقاذ البنوك هي مخاطر "منخفضة جدا جدا". وأضاف "العالم يتغير. العالم يتطور. وكذلك المخاطر. وأقول إن الخطر الذي نراقبه أكثر هو الخطر الإلكتروني"، مشيرا إلى أن هذا مصدر قلق تتشاركه كثير من الحكومات والشركات الخاصة الكبيرة، والمالية منها تحديدا.
تصريح المسؤول الأمريكي جاء في نفس الوقت تقريبا الذي أعلن فيه عن وقوع حادثة في منشأة نطنز النووية الإيرانية الحقت بها أضرارا يختلف المحللون وغيرهم بشأن حجمها وتأثيراتها على مشاريع طهران النووية، ولكن الغالبية تتفق على أنها وقعت نتيجة هجوم إلكتروني أي سيبراني.
تمثل الحروب السيبرانية إحدى العناصر المؤثرة في السياسة والاقتصاد على الصعيد الدولي، نتيجة انتقال جزء كبير من الصراعات بين القوى العظمى في العالم، إلى شبكة الإنترنت والوسط الرقمي.
ورغم عدم إمكانية معرفة مصدر الهجمات على الشبكة العنكبوتية، بصورة قاطعة، وما إذا كانت تدعمها حكومات، إلا أنها باتت تثير جدلا متبادلا بين الدول.
وبينما تتهم الولايات المتحدة ودول غربية، دولا مثل روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية بالوقوف وراء الهجمات، تؤكد الدول الأخيرة أنها ضحية حقيقية لأعمال القرصنة السيبرانية.
وتحرص الدول على تعزيز بنيتها التحتية الأمنية، في الوسط الرقمي، وتدريب أطرها المعنية، للتصدي للاختراقات ذات المصدر الخارجي.
هجوم عدائي
أفاد بيان رسمي إيراني يوم الأحد 11 أبريل أن مصنع تخصيب اليورانيوم في نطنز، بوسط البلاد تعرض لعمل "إرهابي"، وذلك بعدما أعلنت السلطات في وقت سابق الأحد، أن المنشأة شهدت "انقطاعا في التيار الكهربائي" لم يعرف سببه.
وذكر رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، في بيان نقله التلفزيون الرسمي، إن إيران، إذ تندد بهذا العمل الذي لا طائل منه، تشدد على ضرورة أن يواجه المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الإرهاب ضد الأنشطة النووية".
ولم يتهم البيان أي جهة أو دولة بتنفيذ الاعتداء، كما أنه لم يعطِ أي تفاصيل حول وضع المنشآت المستهدفة.
غير أنه وصباح يوم الاثنين 12 أبريل 2021 حملت طهران إسرائيل، مسؤولية الهجوم، وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية "إيرنا" أن وزير الخارجية، جواد ظريف، اتهم تل أبيب بالوقوف خلف الهجوم.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال اجتماعه، الاثنين، مع لجنة الأمن الوطني في مجلس الشورى الإيراني.
وأوضح وزير خارجية إيران أن إسرائيل "تريد الانتقام من الشعب الإيراني للنجاحات التي حققها في مسار رفع الحظر"، مضيفا: "لكننا لن نسمح بذلك وسننتقم". وأضاف إن قادة إسرائيل يتصورون أنهم حققوا أهدافهم، لكنهم سيتلقون الرد بمزيد من التطوير على الصعيد النووي في إيران".
وتابع أن منشأة نطنز النووية هي اليوم "أقوى من السابق"، مردفا: "على أطراف الحوار "في الاتفاق النووي" أن تعلم أنها إذا كانت تواجه مؤسسات التخصيب في إيران وهي تعمل بأجهزة الجيل الأول، فإن بالإمكان امتلاء منشأة نطنز بأجهزة الطرد المركزي المتطورة ذات القدرة المضاعفة على التخصيب".
وكانت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية قد قالت، الأحد، إن الحادث ناجم عن هجوم إلكتروني قد يكون من جانب إسرائيل.
وأفادت الصحيفة بأن الواقعة الجديدة في نطنز لم تكن "حادثا" عاديا، بل هي أخطر بكثير مما تقوله إيران.
وذكرصالحي إن ما حدث في مفاعل نطنز "يظهر فشل معارضي التقدم الصناعي والسياسي في البلاد في منع التطور الكبير للصناعة النووية من جهة والمفاوضات الناجحة لرفع الحظر الجائر"، وفق ما نقلت عنه قناة العالم الإخبارية.
وفي وقت سابق من الأحد، نقلت وكالة أنباء "فارس" عن المتحدث باسم لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإيراني مالك شريعتي قوله أن الحادث الذي تزامن مع اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية (...) مشبوه جدا بأن يكون عملا تخريبيا واختراقا".
بينما أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيراني، بهروز كمالوندي، عدم وجود إصابات بشرية أو قاتلة أو تلوث نتيجة هذا الحادث.
وكانت السلطات الإيرانية قد أطلقت في نطنز يوم السبت مجموعات جديدة من أجهزة الطرد المركزي وأعلن حينها الرئيسالإيراني، حسن روحاني، البدء بضخ غاز اليورانيوم "uf6" فيالأجهزة المحظورة بموجب الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة.
في واشنطن قالت وكالة بلومبيرغ إن ملف إيران في الشرق الأوسط مليء بالأحداث "المتناقضة"، مشيرة إلى حالة من "الغموض" تكتنف تلك الأحداث سواء بالنسبة لجهود إعادة إحياء الاتفاق النووي أو "حرب الظل" التي تدو رحاها حاليا.
وأشار تقرير للوكالة إلى أن المحاولة الأكثر جدية لإحياء الاتفاق النووي، المبرم عام 2015 وانسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018، تأتي وسط موجة من الأحداث التي تبدو "متناقضة"، ما يجعل من الصعب "قراءة نوايا طهران الحقيقية".
حرب من نوع آخر
حرب سايبر الإلكترونية أو الحرب عبر الإنترنت هي شكل من أشكال الحرب الإلكترونية وهي إجراء عسكري يتضمن استخدام الطاقة الكهرومغناطيسية للتحكم في المجال الذي يتميز باستخدام الإلكترونيات والطيف الكهرومغناطيسي.
الهجوم الإلكتروني عبر الإنترنت (Cyber EA).
هو استخدام الطاقة الكهرومغناطيسية لمهاجمة الإلكترونيات الخاصة بالخصم أو الوصول إلى الطيف الكهرومغناطيسي بقصد تدميره وقدرة العدو على استخدام البيانات عبر أنظمة الشبكة والبنى التحتية المرتبطة بها.
الحماية الإلكترونية عبر الإنترنت (Cyber EP).
هو أي وسيلة تتخذ لحماية الإلكترونيات من أي آثار للعمل الودي أو العدو من الحرب الإلكترونية السيبرانية التي تدمر القدرة على استخدام البيانات عبر أنظمة الشبكات والبنى التحتية المرتبطة بها.
دعم الحرب الإلكترونية عبر الإنترنت (Cyber ES).
هو أي إجراء لتحديد مصدر الطاقة الكهرومغناطيسية من الأنظمة الشبكية لغرض التعرف الفوري على التهديد أو إجراء للعمليات المستقبلية.
عميل الاستخبارات الأمريكية السابق، إدوارد سنودن، نشر قبل سنوات معلومات وتسريبات مفصلة عن أنشطة التجسس والتخريب السيبراني.
وسلطت التسريبات التي عرفت بوثائق ويكيليكس، الضوء على أساليب وكالة الأمن القومي الأمريكي، للتجسس داخل البلاد وخارجها، والتي شملت التنصت على دوائر حكومية في بلدان أخرى، وزعماء أجانب.
وأظهرت الوثائق مثلا قيام الاستخبارات الأمريكية بالتنصت على هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ما تسبب بأزمة بين البلدين الحليفين.
وانتشر عام 2010 فيروس عرف باسم ستونكست، في آلاف حواسيب المصانع حول العالم وتسبب في خسائر فادحة. وتبين أن الولايات المتحدة وإسرائيل طورتا هذا الفيروس رغم عدم اعتراف أي طرف رسميا بذلك، وذلك بهدف تخريب البرنامج النووي الإيراني ولكنه خرج عن السيطرة.
انفجار كبير
نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مصادر استخباراتية، يوم الأحد، أن الدمار الذي حل بمنشأة "نطنز" النووية نجم عن "انفجار كبير" قد يؤدي إلى تراجع قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم "لتسعة أشهر على الأقل".
وذكر مصدران في الاستخبارات، تحدثا للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهما، أن "انقطاع الكهرباء" الذي شهدته المنشأة النووية نجم عن "انفجار كبير دمر أنظمة الكهرباء المستقلة الداخلية، المصونة بشكل مكثف"، وأشار المصدران أن تلك الأنظمة تعمل على "تشغيل أجهزة الطرد المركزي الواقعة تحت الأرض لتخصيب اليورانيوم".
وأكد المصدران أن "الانفجار تسبب بأضرار جسيمة في قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، وأن معدل إنتاج اليورانيوم المخصب في منشأة نطنز سيتراجع لتسعة أشهر على الأقل".
هيئة الإذاعة الإسرائيلية، أفادت من جانبها يوم الأحد، نقلا عن مصدر استخباراتي إن الضرر الذي تعرضت له نطنز "يعيد قدرات طهران النووية إلى الوراء". وأضاف المصدر، أن الهجوم ألحق أضرارا جسيمة بأجهزة الطرد المركزي القديمة والجديدة على حد سواء.
واعتبر رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، عاموس يادلين، أن انقطاع الكهرباء في منشأة نطنز الذي أدى إلى توقف تخصيب اليورانيوم هناك هو "إنجاز غير عادي" لإسرائيل
وذكرت مصادر استخباراتية مجهولة لوسائل إعلام إسرائيل إن الموساد الإسرائيلي يقف وراء انقطاع التيار الكهربائي.
من جهتها، رفضت إسرائيل التعليق على تقارير ضلوعها بـ "الحادث" بالنفي أو بالتأكيد.
وجاء الحادث بعد أن بدأت طهران وواشنطن محادثات غير مباشرة بشأن إعادة العمل بالاتفاق النووي المبرم، عام 2015، وهو ما تعارضه إسرائيل بشدة.
وتؤمن أجهزة الطرد المركزي الجديدة هذه لإيران إمكانية تخصيب اليورانيوم بشكل أسرع وبكميات أكبر، بحجم ودرجة تكرير محظورة بموجب الاتفاقية المبرمة في 2015 في فيينا بين إيران والقوى الدولية.
وفي بداية يوليو من عام 2020، أصيب مصنع تجميع أجهزة الطرد المركزي في نطنز بأضرار بالغة بسبب انفجار غامض، حيث خلصت السلطات إلى وقوع "تخريب" "إرهابي" المصدر، لكنها لم تنشر حتى الآن نتائج تحقيقاتها.
وحذرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية إسرائيل والولايات المتحدة حينذاك من أي عمل عدائي ضدها.
مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أشارت يوم الإثنين 12 أبريل إلى أنه من المبكر تقديم تقدير موضوعي عن حجم الأضرار التي لحقت بالمنشأة النووية الإيرانية، غير إنه يجب الرجوع إلى عمليات التخريب السابقة والتي قيل في حينها أنها ستعطل أو تشل البرنامج النووي الإيراني ولكن تبين لاحقا عدم صحة ذلك، مضيفة أن طهران وزعت نشاطاتها النووية في مواقع عديدة مما يسمح لها بتعويض الخسائر.
نفس المصادر الألمانية ذكرت بما تعرض له البرنامج النووي الباكستاني خلال نهاية القرن العشرين من عمليات تخريب منظمة من جانب إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا والهند وأطراف أخرى ومع ذلك نجحت باكستان في التحول إلى قوة نووية تملك أكثر من 150 قنبلة نووية في الوقت الحاضر.
بتزامن مع حادث نطنز كشفت هيئة البث الإسرائيلية يوم 11 أبريل، أن وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، والمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، طلبا انعقاد "المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية في جلسة خلال أيام لبحث تعامل إسرائيل مع الملف النووي الإيراني".
ويعد هذا الاجتماع الأول منذ فبراير 2021، حيث يشير مسؤولون إسرائيليون إلى أن اجتماع المجلس الوزاري رغم أنه اجتماع دوري، إلا أن انعقاده في هذه الفترة يعني أنه سيحدد "أطر ومعالم المطالب الإسرائيلية التي سيتم تقديمها للجانب الأمريكي لاحقا، فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني".
ويشار إلى إنه في الوقت الذي كانت هناك مواقف متباينة في إسرائيل خلال توقيع اتفاق 2015، إلا أن جميع ممثلي التوجهات السياسية المختلفة يدعمون موقف إسرائيل الرافض لاتفاق إيران النووي، ويجمعون " أن الاتفاق سيء ويحتاج إلى إعادة النظر" بما يحمي المصالح الإسرائيلية، ويقدم ضمانات من شأنها تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط حسب تصور تل أبيب.
هذا الموقف تم شرحه لوزير الدفاع الأمريكي الذي يزور إسرائيل.وفي مؤتمر صحفي يوم الأحد مع نظيره الإسرائيلي بينيغانتس، قال أوستن إن "إسرائيل شريك استراتيجي لأمريكاوالعلاقات الثنائية معها مهمة لإرساء الاستقرار في الشرقالأوسط".
مواجهة مستعرة
جاء في تقرير أمريكي نشر بتاريخ 21 يونيو 2020:
تحول الفضاء الإلكتروني منذ سنوات إلى ميدان قتال بين دول وجهات تعادي بعضها البعض. ولحماية أمنها، أنشأت إسرائيل هيئة السايبر الوطنية في عام 2012، والتي تعمل تحت إشراف مكتب رئيس الحكومة الذي يدير الأجهزة الأمنية الحساسة مثل جهاز الأمن العام والموساد.
وقد تحول السايبر فعليا إلى ذراع أمنية إضافية ولها أهمية من الناحية الدفاعية والهجومية لإسرائيل.
شركة ثنك سايبر، الإسرائيلية المتخصصة في مجال الحماية والهجوم بواسطة السايبر، تعمل مع مؤسسات أمنية محلية ودول أخرى حسب مديرها العام دافيد شيفمان.
وكشف شيفمان في مقابة مع "موقع الحرة" كيف يتم شن مثل هذه الهجمات على المرافق الحيوية مثل السكك الحديدية ومحطات ضخ المياه والمستشفيات.
وأضاف أن معظم البنى التحتية تم بناؤها في منتصف القرن الماضي ولم يتم التفكير حينها بأن تتحول هذه المنظومات للعمل بواسطة الإنترنت والتحكم عن بعد. لذا فهي تفتقر إلى الحماية المطلوبة ضد اختراق قد يتم عبر الإنترنت، ما يجعلها الخاصرة الضعيفة للدولة التي يمكن توجيه ضربات إليها.
ويؤكد شيفمان أن آلاف الهجمات على مواقع حول العالم تسجل كل لحظة، وهو ما يمكن متابعته ببساطة عن طريق مواقع كثيرة مثل shodan.io الذي يظهر الهجمات حين وقوعها.
ولكن تلك المواقع ليست كفيلة بمعرفة الجهة التي شنت الهجوم على مؤسسة ما، ففي الإماكن القيام بهجمات عن طريق خوادم في دول أخرى مثلما حدث عندما تعرضت منشئات المياه في إسرائيل إلى هجوم سيبراني في شهر أبريل 2020، والذي تم من خلال خوادم أمريكية حسبما نشرته شبكة فوكس نيوز، وعندها يصعب معرفة الجهة التي قامت بالاعتداء.
إيليا يودايف، خبير حماية يعمل في ثنك سايبر يوضح أن تعطيل المضخات ممكن، حيث أنها تتلقى الأوامر من جهاز يسمى HMI، يمكن التحكم فيه عن بعد بواسطة الإنترنت، وقال إنه إذا أفلح أحدهم في حل البروتوكولات التي يعمل وفقها فسيكون من السهل شن هجوم.
الهجوم الذي وقع في أبريل على منشئات المياه اعتبر من قبل مسؤولين إسرائيليين تجاوزا للخطوط الحمراء، رغم أن وزير المياه زئيف الكين قلل من خطورته.
وقال الكين "صنعوا من ذلك أكثر مما حدث في الحقيقة. ما حدث لم يكن ليسبب ضررا. شبكة "مكوروت" "شركة المياه" محمية. المشكلة هي في اتحادات مياه صغيرة، وهذه الاتحادات هي التي هوجمت. وفي كل الحالات علينا أن نفهم أن هذه دوافع إيرانية ويجب الاستعداد بالتناسب للتحديات المستقبلية".
وأوضح الكين أن "حماية منظومة المياه السيبرانية حتى الآن كانت تابعة لسلطة المياه، وبعد الحادث تدخلت في الموضوع وانتقلت الصلاحيات إلي، ونحن نعمل الآن سوية مع هيئة السايبر الوطنية".
وقد حذر إلكين من أن الضرر من الهجوم السيبراني على منظومة المياه لا يقتصر على الخشية من تغيير نسبة الكلور في المياه، إنما "تغيير ضغط المياه، الذي من الممكن أن يؤدي إلى انفجارات في الأنابيب".
وأوضح أن معظم هذه الأنابيب موجودة تحت الأرض في مناطق مبنية، وأن انفجارا في أنبوب كهذا من الممكن أن يؤدي إلى ضرر كبير.
وكانت سلطة المياه وهيئة السايبر الإسرائيليتان، قد أصدرتا بيانا كشفتا فيه التصدي لهجوم تعرض له جهاز المياه، وأنه لم يشوش عمليات إيصال المياه إلى المواطنين.
واعتبر رئيس هيئة السايبر يجئال أونا أن هجوم السايبر هذا يعد "نقطة تحول" في تاريخ الحروب السايبراينة لإسرائيل.
وفي التاسع من مايو 2020 أعلن أن ميناء الشهيد رجائي في مدينة بندر عباس الإيرانية تعرض لهجمات سايبر، ما أدى إلى انهيار الحواسيب التي تدير حركة السفن والشاحنات والبضائع وهو ما سبب تعطيل العمل فيه لمدة أيام.
وكشفت صحيفة يسرائيل دفينس أن هذه هي الضربة الثالثة التي تتعرض لها إيران خلال نصف عام والتي أدت إلى تعطيل مينائها.
ومنذ بداية سنة 2021 تحدثت مصادر مختلفة عن حرب بحرية سرية بين تل أبيب وطهران أسفرت عن خسائر مادية في سفن تابعة لهما.
لوحة المفاتيح التي قد تشعل حربا
يقول مهندس الأمن الإليكتروني محمد حميد لموقع "الحرة" إن"من الممكن التسبب بانفجار أو حريق بسهولة نسبية لأنمنظومات التبريد والتوزيع الكهربائي في المؤسسات الكبيرةتعتمد على الكومبيوتر لإدارة عملها".
وتوقع حميد أن تكون هجمة نطنز قد تسببت "بزيادة الحمل علىمنظومات توزيع الكهرباء بشكل فاق قدرتها"، مشيرا إلى أنالمخترقين هاجموا "سلاسل التحكم والأمن وعطلوها من خلالتخريب أجهزة الكومبيوتر التي تتحكم بها".
لكن حميد يقول إن هذا النوع من الحواسيب "صعب الاختراق" لأنه لا يربط عادة بشبكات خارجية.
وتقوم إسرائيل منذ سنوات بشن هجمات إلكترونية ضد المنشآتالنووية الإيرانية، بما فيها استهداف نطنز في 2010 عندمااستخدمت فيروس إلكتروني عرف باسم Stuxnet طورته بالتعاونمع الولايات المتحدة، ودمرت حوالي ألف جهاز طرد مركزيوتسببت بنكسة كبيرة لبرنامج ايران النووي.
وصف موقع Wired التقني فيروس Stuxnet بأنه "أول سلاحرقمي في العالم"، مضيفا أن الهجوم الذي وقع في مفاعل نطنزسبب الحيرة لمفتشي وكالة الطاقة النووية مثلما سببها للعلماءالإيرانيين الذين عانوا لأشهر من استمرار تعطل حواسيب المفاعل.
وبحسب الموقع "صمم المهاجمون سلاحهم لينتقل عبر وصلاتUSB لأن حواسيب المجمع غير مرتبطة بالعالم الخارجي".
وفي حين لا يتوقع أن يؤدي "الهجوم" على نطنز إلى إشعال توترعسكري في المنطقة، إلا أن هذا يمكن أن يحدث "في أي لحظةوفي أي مكان" بحسب المحلل العسكري سامي مختار الذي يقوللموقع "الحرة" إن "توقيت الحادث وخلفياته المتشعبة يشجع بشكلكبير على أعمال انتقامية، وبما إن إيران قد لا تستطيع الردبهجوم إليكتروني، فإن ردا عسكريا مباشرا أو غير مباشر قديكون متوقعا في أي لحظة".
حروب إليكترونية
في مارس 2021 قال رئيس القيادة الإلكترونية الأمريكية الجنرالبول ناكسون إن القيادة قامت بأكثر من "20 عملية" لمواجهةالتهديدات الخارجية الإليكترونية قبل الانتخابات الأمريكية فيعام 2020، منها "11 عملية نفذت في 9 دول".
وعقب الجهود الكبيرة هذه، قالت الولايات المتحدة إنه لم تجرعمليات تزوير أو تأثير على الأصوات في الانتخابات لكنها اتهمتروسيا صراحة بمحاولة التأثير على عملية الاقتراع، وما يزالالتوتر بين البلدين مستمرا وكبيرا خاصة بعد تصريحات الرئيسالأمريكي جو بايدن التي اتهم فيها نظيره الروسي بأنه "قاتل" وتوعد بالرد.
وبحسب معهد Rand للتحليلات السياسية والعسكرية الأمريكيفإن تعريف "الحرب السيبرانية" هو أي "إجراءات تقوم بها دولة أومنظمة دولية لمهاجمة أجهزة الكمبيوتر أو شبكات المعلومات فيدولة أخرى ومحاولة إلحاق الضرر بها من خلال فيروساتالكمبيوتر أو هجمات إيقاف الخدمة".
ويقول المحلل مختار إن "هذا التعريف يعني أن هناك فعلا حروباتقوم الآن بين الدول، قد تتحول إلى حروب بالصواريخ والبنادقفي أية لحظة".
ويهدد اتساع رقعة هذه "الحروب" بمخاطر حقيقية على الأمنالعالمي خاصة وأن الدول تبدو منهمكة بشكل كبير في مهاجمةبعضها البعض.
وفي الفترة الزمنية منذ مارس 2020 إلى مارس 2021 أحصىمركز CSIS للدراسات الستراتيجية والعالمية الأمريكي 150 محاولة اختراق دولية ومحلية.
ويركز إحصاء المركز على الهجمات السيبرانية على الوكالاتالحكومية، ومؤسسات الدفاع وشركات التكنولوجيا، أو الجرائمالاقتصادية.
وفي قائمة عام 2020 فقط، ظهر اسم الصين 33 مرة، وروسيانحو 30 مرة، وقراصنة إيرانيين 13 مرة، وهجمات من الولاياتالمتحدة تجاه دول منها إيران لعدة مرات كما ذكر اسم إسرائيلوالسعودية وكوريا الشمالية ودول ومنظمات أخرى.
وشملت الهجمات محاولات تخريب تكنولوجي، وسرقة أسرارصناعية، وأيضا "سرقة أسرار متعلقة بلقاح فيروس كورونا"، كمااتهمت الولايات المتحدة الصين، كما أعلن مكتب التحقيقاتالفيدرالي الأمريكي ملاحقته "قراصنة روس" بتهم محاولة تخريبأنظمة وسرقة بيانات والتلاعب بها.
"كل هذه الدول ليست بالتحديد دولا مسالمة، كما إن أغلبها يمتلكأسلحة نووية أو يسعى لتطويرها، وتختلف فيما بعضها بشكلكبير وخطر"، يقول مختار مضيفا أن "خطر أن تؤدي هجمةإليكترونية إلى خسائر كبيرة لا يمكن السكوت عنها، أو إذلال لايمكن تحمله قائم وكبير جدا، وتطوره إلى معارك عسكرية واردبشكل كبير".
وبحسب الخبير في أنظمة الحماية الإليكترونية محمد حميد فإنهمن الممكن أن "تؤدي هجمة إليكترونية على مؤسسة نووية أوعسكرية إلى سقوط ضحايا، خاصة وأن من الصعب التنبؤ بمدىاتساع الهجمة أو ضررها".
ويحد هذا من إمكانية القيام بهجمات "جراحية" بحسب حميدالذي يقول إن "الدول تستخدم أنظمة مختلفة، وقد يؤدي هجومفيروسي إلى إصابة أكثر من نظام في وقت واحد، مما قد يحولهجمة تستهدف التعطيل أو التأخير إلى هجمة مدمرة يقتل فيهاأشخاص".
خسائر كبيرة
ومنذ اختراع أول "دودة إنترنت" في العام 1988 من قبل روبرتتابان موريس، الطالب الجامعي الأمريكي آنذاك، فإن فيروساتالكومبيوتر سببت خسائر بترليونات الدولارات.
وقال موريس، الذي سببت دودته خسائر "محدودة" بحسب موقعARNNET التكنولوجي، إنه كان فقط يريد أن يعرف "مدىاتساع الإنترنت" وقت إطلاقه لدودته، ولم يكن يتوقع أن تؤدي إلىخسائر.
وفي عام 2000، قام مراهق كندي يدعى مايكل كالسي المعروفبـMafia Boy بإطلاق فيروس سبب خسائر بأكثر من مليار دولارلشركات تقنية عملاقة مثل أمازون وياهو وإي بي وسي ان ان.
لكن لا أحد يعلم متى ستتحول الحرب الإليكترونية إلى حربفعلية، ويقول كاتب مقال"من يحتاج سلاحا في حين يمتلك لوحةمفاتيح؟ المهندس ماناف فيرما إن "الصين وروسيا تشنان هجماتإليكترونية على الولايات المتحدة تهدف لشل اقتصادها".
ويضيف المهندس في مقال على موقع Medium المتخصصبنشر التدوينات التكنولوجية إن "الصين والولايات المتحدة مثلا لايستطيعان حاليا الدخول بحرب مفتوحة، لذا قررا كما يبدو شنحرب إليكترونية بينهما".
ووفقا لقائمة وضعها مركز CSO الأمريكي فإن خروقات الإنترنتفي القرن الحادي والعشرين أثرت على "مليارات من الأشخاص" وسببت خسائر مادية هائلة جدا.
وتحتوي قائمة المركز لأكبر 15 خرقا إليكترونيا تعرض لها القطاعالخاص في التاريخ على أسماء شركات عملاقة مثل أدوبي عملاقالبرامجيات، وموقع أدولت فريند فايندر للمواعدة، وشركة Ebayالتجارية العملاقة، وموقع لينكد إن، وفنادق ماريوت، وموقع مايسبيس، وموقع ياهو الذي حل أولا في القائمة بخرق أثر على 3 مليارات مستخدم.
"كلها خسائر محتملة" يقول المحلل المختار "لكن في حال قررتدولة ما إنها تريد التصرف عسكريا رد على خرق إليكتروني مؤلم،فهذا قد يكون سبب الحرب العالمية المقبل".
نشاط ما دون عتبة الحرب
خلال شهر أبريل 2021 صرح جنرال إسرائيلي إن تل أبيب وطهران تحرصان على عدم الوصول لمواجهة كاملة، وعدم الانزلاق إلى الحرب، والحوادث الأخيرة تثبت أنه لا توجد نية لإغراق السفن، أو التسبب بوقوع إصابات، وكأن اسم اللعبة الجديد هو نشاط ما دون عتبة الحرب، و”ضبط التصعيد”.
وأضاف عاموس يادلين، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية أمان، في مقاله على القناة 12، أن "مواجهة إسرائيل للتهديدات الإستراتيجية الإيرانية باتت حملة متعددة الأبعاد في السنوات الأخيرة، وعلى محور التهديدات تواجه إسرائيل التهديد النووي، والتواجد الإيراني في سوريا، ومشروع الصواريخ الدقيقة، وتهديد التنظيمات المسلحة التي تدعمها إيران، وعلى رأسها حزب الله”.
وأشار يادلين، الرئيس السابق لمعهد أبحاث الأمن القومي بجامعة تل أبيب، وأحد كبار قادة سلاح الجو، إلى أن "ساحات التهديد على إسرائيل متنوعة، بين نشاط إيراني مباشر أو غير مباشر من لبنان وسوريا على حدود إسرائيل، فيما العراق وإيران في الدائرتين الثانية والثالثة، ونشاط في جميع أبعاد القتال: الجوية والبحرية والبرية والسيبرانية".
وأوضح أن "إسرائيل عملت في الساحة البحرية ضد ثلاثة نشاطات إيرانية: إمداد سوريا بالنفط وتمويل حزب الله، ونقل أسلحة متقدمة في الطرق البحرية، ومؤخرا أيضا ضد أنشطة استخباراتية وقوات كوماندوز إيرانية، لكن الهجوم على السفنالإيرانية من المهم رؤيته من منظور إقليمي أوسع أيضا، فقد لعبت سفينة للمخابرات الإيرانية دورا نشطًا في المساعدة الاستخباراتية للحوثيين في اليمن، الذين يهاجمون السعودية بشكل مكثف بالصواريخ الباليستية، ومفجرين انتحاريين، ويوفر هذا الهجوم المساعدة لدول الخليج العربي من حلفاء إسرائيل”.
وأشار إلى أنه “من بين جميع التهديدات في جميع المجالات، فإن النووي الإيراني هو الوحيد الذي لديه القدرة بأن يصبح تهديدا وجوديا لإسرائيل، لكن النتيجة أن السياسة التي تروج لها إسرائيل تجاه هذا التهديد أثبتت فشلها، رغم أنها تتابع بقلق مخطط العودة للاتفاق النووي دون تغيير فيه، أو الإشارة لموضوع الصواريخ الباليستية، ودون تغيير في أنشطة التحدي والإشكالية لإيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وأكد أنه "عندما ضغط رئيس الوزراء نتنياهو على الرئيس دونالد ترمب للانسحاب من الاتفاق في 2018، توقع ثلاثة سيناريوهات إيجابية من وجهة نظر إسرائيل، أولها انهيار النظام في طهران تحت الضغط الأقصى، وثانيها استجابة النظام للمطالب الـ12 التي قدمها وزير الخارجية مايك بومبيو، وثالثها تعديل الاتفاقية العسكرية الأمريكية لصد أي هجوم إيراني، لكن لم يتحقق أي من هذه السيناريوهات الإسرائيلية”.
حرب الأدمغة
ثمة مزايا إضافية للصراع عبر السايبر، وهو أنه يفسح المجال لتحقيق أهداف أخرى.
فمثلا يمكن جمع المعلومات الاستخبارية والقيام بما يسمى حرب الأدمغة ونقل رسائل للطرف الآخر وتفعيل ضغوط وتحديات على الأجهزة الأمنية.
ويرى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق في الجيش الإسرائيلي، الميجر جنرال احتياط عاموس غلعاد، أن الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران هي امتداد للحرب الدائرة بين الطرفين.
وكان وزير الدفاع السابق نفتالي بنت أوضح في 18 مايو 2020، أن ما وصفه بـ"الأخطبوط الإيراني يرسل أذرعه من أجل الالتفاف حولنا من كل مكان".
وأضاف "علينا أن نكثف الضغط السياسي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي وأن نعمل في ميادين أخرى".
وفي اليوم التالي، تحدث رئيس الأركان الجنرال أفيف كوخافي بأن الجيش سيواصل العمل بوسائل عسكرية متنوعة وبطرق قتالية خاصة من أجل المس بالعدو".
وفي مقابلة مع "موقع الحرة"،قال أساف أوريون، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن هجمات من هذا القبيل يمكنها إحداث أضرار جسيمة على حياة البشر وعلى الاقتصاد ويمكن أن تكون تداعياتها مشابهة لتلك الناجمة عن الأسلحة التقليدية.
وتدرج المؤسسة الأمنية في إسرائيل السايبر، كركن أساسي في المعركة الدائرة مع إيران. وكان رئيس الوزراء نتانياهو قد صرح في مؤتمر سايبرتك الذي عقد في تل أبيب في 29 يناير 2019، أن "إيران تهاجم إسرائيل على الإنترنت يوميا، نحن نراقبها ونمنعها كل يوم".
ورغم أن الهجمات التي تتعرض لها إسرائيل لا تقتصر على إيران وحسب، لكن من غير المستبعد أن استمرار مثل هذه الخروقات ستؤدي إلى رفع التصعيد بين الطرفين.
تشكل عمليات القرصنة لغايات جمع المعلومات الاستخبارية والاطلاع على معطيات خاصة، جزء التجسس في الهجمات السيبرانية.
ورغم حدوث تجاذبات خطيرة بين دول العالم في هذا المجال، يدعى على الصعيد الرسمي أن أنشطة الاستخبارات والاستخبارات المضادة، لا تندرج بعد في إطار الحرب، مع تسببها أحيانا بتوترات كبيرة بين الدول الكبرى.
ولفت تقرير سنوي صدر عن مكتب المخابرات الوطنية الأمريكية "DNI"، في يناير 2021، إلى تصاعد أنشطة التجسس السيبراني التي تقوم بها الصين في الآونة الأخيرة.
وادعى التقرير أن الحكومة الصينية "طورت" قدراتها في الهجمات السيبرانية، بما في ذلك توجيه آراء المواطنين الأمريكيين.
وقال السيناتور مارك ورنر، نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي، إن شركتي هواوي و"زد تي إي" الصينيتين للاتصالات، تشكلان تهديدا للولايات المتحدة.
ودعا في بيان مشترك مع السيناتور ماركو روبيو، العضو في اللجنة، السلطات الأمريكية إلى الاحتراس، لحماية التكنولوجيات الحساسة من أنشطة التجسس الأجنبية.
وتظهر بين فينة وأخرى، تحذيرات في الغرب من إمكانية استخدام أنظمة ومنتجات شركات الاتصالات الصينية العملاقة، لأغراض التجسس.
ووفق التقرير ذاته، فإن "روسيا تعمل على تعزيز قدراتها، للوصول إلى مستوى يمكنها من إلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية والعسكرية للولايات المتحدة، وتقويضها، في حال حدوث أزمة"، إلى جانب محاولات من قبيل التدخل في الانتخابات.
كما أشار التقرير إلى تسريع إيران أيضا مساعيها للتأثير على الرأي العام وتوجيهه في دول أخرى.
واتهم التقرير كوريا الشمالية بالاستيلاء 1.1 مليار دولار أمريكي، من المؤسسات المالية في أنحاء العالم، عبر عمليات قرصنة سيبرانية.
بدورهما، ترفض بكين وموسكو الاتهامات الموجهة من واشنطن والعواصم الغربية، وتؤكدان أنهما أيضا تتعرضان لهجمات سيبرانية.
وأوضحت الصين في تقرير صادر عن شركة حكومية لتكنولوجيا المعلوماتية، أنها تعرضت لـ 240 ألف هجوم سيبراني في المتوسط يوميا، عام 2020.
ولفت التقرير إلى أن الهجمات في معظمها من مصادر في الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، وتستهدف بشكل عام المؤسسات الحكومية والمالية الصينية.
الذكاء الصناعي
"من يتفوق في الذكاء الاصطناعي سيكون له قصب السبق والحسم في ساحات المعارك في العقود المقبلة". عبارة كان وزير الدفاع الأمريكي السابق مارك إسبر قد قالها، وكررها أخيرا نائب وزير الدفاع الأمريكي العقيد روبرت وورك، خلال تقديمه خلاصة تقرير من أكثر من 760 صفحة عن الذكاء الاصطناعي في وزارة الدفاع. العقيد وورك قال أيضا إن الذكاء الاصطناعي صار ضرورة، والتسلح به شبيه تماما بوضع نظارات عقلية تشحذ الذهن المتخذ للقرارات كما تشحذ النظارات البصرية رؤية الشخص. نائب وزير الدفاع الأمريكي قال أمام الملأ إن الولايات المتحدة تجد نفسها اليوم مهددة لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بفقدان تفوقها التقني الذي ضمن لها التفوق الاقتصادي والعسكري. واعتبر العقيد وورك أن الذكاء الاصطناعي اليوم مهم بنفس أهمية الكهرباء عندما اكتشفه توماس أديسون وأنه سيد القطاعات ويحمل الأسرار التي ستحدد طريقة إعادة تنظيم العالم. وقد خلص التقرير الذي استعرض بعض مقتطفاته وأعده المركز المشترك للذكاء الاصطناعي، إلى أن الفوز على الصين في سباق ريادة الذكاء الاصطناعي يحتم تسخير قيادة مركزية وتوفير موارد وكيانات تطبيق ومتابعة، وتسريع تبني مفاهيم التعلم الآلي الذاتي في كافة المفاصل المؤسسية لوزارة الدفاع والوكالات الحكومية الأخرى.
لم يجد العقيد غضاضة في الاعتراف بأن الصين يمكنها اللحاق بأمريكا في تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي خلال 5 إلى عشر سنوات، وأن إعلانها المتكرر التخطيط لقيادة العالم في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030 هو أمر قابل للتحقق ويجب عدم تركها تحرز هذا النصر، لأنها ستسخره لخدمة أجنداتها السياسية.
ولذلك فهذه ستكون ليست حربا تكنولوجية فقط، وإنما حرب قيم أيضا. الأمر الآخر الذي اعترف به العقيد وورك هو أن الصين تتفوق في تصميم التطبيقات الذكية وفي اندماج وتكامل أنظمتها، بسبب مركزية القرار وقدرتها التنظيمية العالية، بينما لا يزال التفوق في المواهب والمهارات والتميز الأكاديمي حليف الولايات المتحدة.
الفوز ولا شيء غير الفوز
وذكر العقيد وورك إن هدف الوزارة الوحيد والأوحد حاليا هو الفوز بهذا السباق التكنولوجي وأنه واثق من تحقيق هذا الفوز. ولتحقيق ذلك، يتم التخطيط لرصد 8 مليار دولار سنويا في البحوث والتطوير في الذكاء الاصطناعي. أكد العقيد أن المقاربة الأمريكية للظفر بهذا السباق سترتكز على المواهب والأخلاقيات والشراكات الدولية مع الحلفاء والشركاء، وأضاف أنه يجري تكوين فرق عمل لمتابعة تطوير المفاهيم المبتكرة العملياتية في هذا المجال واستخدام الحوسبة الكمية بشكل أفضل وتكثيف العمل في النمذجة الاستشرافية والمحاكاة.
من جهته، صرح مايكل غروين، مدير المركز المشترك للذكاء الاصطناعي، إن الأولوية الحالية للوزارة هي الحفاظ على علو كعب الجيش الأمريكي وكفاءته عبر عصرنة طرق قتاله، معتبرا أن الذكاء الاصطناعي هو الركيزة الأساسية لعصرنة الجيش ومواجهة الخصوم وعلى رأسهم الصين وروسيا. عصرنة الجيش عبر إدماج الذكاء الاصطناعي في كافة عمليات الجيش ليست ضرورة عسكرية فقط، بل اقتصادية أيضا.
هواة ومحترفون
يرى غروين أن عصرنة الجيش تحتم تغيير أنظمته التشغيلية وإحداث تغيير مؤسسي حقيقي، فضلا عن إدارة التغيير في الموارد البشرية والممارسات وكيفية إدارة الأعمال. ويضيف أن السباق الجديد يتيح التنافس ويجلب الفرص في الآن ذاته. كما لفت في تلميح انتقاصي من الصين إلى أن الهواة في هذا المجال يتحدثون عن التطبيقات بينما المحترفون "الأمريكان" يتحدثون عن الهندسات والشبكات.
ولا يخلو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وإدماجه في مفاصل مؤسسة حيوية كوزارة الدفاع من مخاطر، وعلى رأسها الهجمات السيبرانية التي تتهم أمريكا الصين وروسيا باحتراف شنها. ولذلك، لم ينس العقيد وورك التذكير بأهمية حماية الأنظمة والبيانات والبنيات الخوارزمية كما يتم حماية سلاح حيوي جدا، خصوصاً أن أي تسميم للبيانات أو التلاعب بها قد يسبب خسائر كبرى نظرا لأن الذكاء الاصطناعي سيتم إدماجه في معظم الممارسات الإدارية والعملياتية والميدانية.
16 تريليون دولار
خلال السنوات العشر القادمة، من المتوقع أن يحصد المستثمرون في سوق الذكاء الاصطناعي نحو 16 تريليون دولار، ولذلك عقدت الصين عزمها على ريادة هذه السوق التريليونية في أفق 2030. ولا شك أن الوقت مناسب جدا لها حاليا، فالصين التي احتفلت في فبراير الماضي بنجاح تشي جين بينغ في القضاء على الفقر المدقع واستئصاله من صفوف مليار و400 مليوم صيني، تمضي اليوم قدما في مراكمة إنجازاتها. فقد اخترقت كل الآفاق، بدءا من ولوج نادي الدول النووية في 1964، مرورا باللحاق بنادي الدول المستكشفة للفضاء والقمر والمريخ والإعلان عن عزمها استكشاف ثرواته الصناعية، ووصولا إلى تحقيق معجزة الأمن الغذائي لسكانها الذين يمثلون نحو 20 في المئة من سكان العالم.
ولا تخفي الصين بأنها تخطط لاحتفال أسطوري بمئويتها التي ستخلدها عام 2049. وإذا كانت قد أصبحت حاليا قاب قوسين أو أدنى من ريادة العالم بسبب قدراتها الذاتية واضمحلال القوة العظمى الأمريكية، التي سادت لأكثر من ثلاثة عقود خاضت خلالها حروبا عدة وخلفت بؤر توتر في أكثر من منطقة، فإن الصين تزحف بسرعة شديدة نحو استلام مشعل قيادة العالم بثبات ومن منظور مختلف تماماً. ولعل هذا الموقف القوي الذي أصبحت الصين تحتله هو ما يبرر الإجماع الأمريكي على اعتبارها العدو الأول للأمن القومي وفتح جبهات نزاع متعددة معها. فبعد الحرب التجارية غير المسبوقة التي شنها دونالد ترمب على الصين، يأتي خلفه الديموقراطي جو بايدن ليفتح على الصين جبهات متعددة. غير أن الصين التي عانت سوء تعامل ترمب الذي كان يصر على إذلالها بحروبه الكلامية واتهامها باحتراف سرقة الملكية الفكرية وسرقة الوظائف ومليارات الدولارات واستغلال أمريكا لسنين، وجدت نفسها أمام رئيس مستنزف بمواجهة كورونا والانقسام الداخلي ويسهل من ثمة تسديد الضربات إليه وتحقيق مكاسب على حسابه، ولعل تلك الجرأة غير المسبوقة للوفد الصيني في ألاسكا خلال لقاء الوفد الأمريكي بقيادة وزير الخارجية أنثوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان يوم الخميس 18 مارس 2021 هي نذير شؤم ينبئ ببدء أفول نجم أمريكا في سماء عالمنا الحديث. إذ كال المسؤولون الصينيون لنظرائهم الأمريكان سيلا من الانتقادات الخشنة والاتهامات القاسية التي ما كانوا يجرؤون البتة على توجيهها لمسؤولي الإدارة السابقة.
عمر نجيب