إن مقال هذا الاسبوع، كان سيناقش التحالف بين حزبيىن موريتانيين، قدما برنامجا مشتركا من أجل المشاركة به في الحوار المطلوب إجراؤه بين حزب النظام الحاكم، وبين قوى الحراك السياسي العام،،
ولأن فلسطين هي قضية الأمة، فبها تتحرر حين تهزم أمتنا العربية القوى الامبريالية المتعاقبة على احتلال فسطين التي حولتها الى مستوطنة كبرى لشذاذ الآفاق من الاقليات اليهودية المتصهينة التي لم تستطع التعايش السلمي مع المجتمعات الاوروبية خلال تاريخها الحديث، والمعاصر، كما لم تقبلها روسيا في عهدي الامبراطورية الروسية، والاتحاد السوفييتي،،
إن الرؤية التي تحكم تصوري تجاه تحرير فلسطين من الصهاينة، هي ذات الرؤية المؤطرة بما عبر عنه قائد الأمة عبد الناصر رحمه الله في خمسينات القرن الماضي، بعد أن قضى ستة اشهر في فلسطين، وهو يقاتل في حرب 48، وبعد خروجه من الحصار في " الفلوجة"، إثر ماسمي أنذاك ب"الهدنة" الخيانية لأنظمة الحكم، فرجع " ناصر" الى مصر مدركا أن تحرير فلسطين، لايمكن أن يحصل دون تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي على حد تعبيره،،
إن موقع فلسطين في جغرافية الوطن العربي، جعل من احتلالها، أن يصبح باقي اقطار الوطن العربي في جبهات تحت نار العدو الصهيوني، ولعل هذا هو التاريخ المختصر لنضال الأمة ضد الاحتلالات: الانجليزي، الصهيوني، الفرنسي، الامريكي،،
واليوم أقدم للقراء الكرام كتاب " فلسطين الشهيدة"، وقد ارسله الي الاستاذ قاسم ـــ وهو من عرب فلسطين في الضفة الغربية المحتلة ــ وهو الأخ العزيز، والخل الوفي الذي طالما خصني بكرمه، ووده، ولم يقطع التواصل بيننا انتقاله الى اسرته الجديدة في " كوبنهاجن" عاصمة " الدانمارك"،، ومن هداياه هذا الكتاب الذي ارسله الي بالامس بواسطة " الواتساب".
وعنوان الكتاب " فلسطين الشهيدة " كتب تحته فى الصفحة الأولى، المعلومات التالية: (( سجل مصور لبعض فظائع الانجليز واليهود (من ) 1921 ( إلى) 1938. النسف، الحرق، النهب، قتل النساء، والاطفال، إهانة كتاب الله، تخريب المساجد،،)) ، وفي الصفحة الثانية تعريف بفلسطين، وباحتلالها من طرف الانجليز، ولعل الهدف منه ، تقديم حجة تنفي الأدعاء، والمغالطة اللفظية في قضية الانتداب، وأنه مختلف عن الاحتلال، وهي حجة متهافتة ، إذ أن المنتدب من المفترض أنه استدعي من طرف أهل البلاد من أجل الاستعانة به لصد عدو خارجي، ولكن الذي حصل هو العكس،، كما لم يسجل تاريخ فلسطين أن قوة سياسية، أو أهلية عشائرية في فلسطين، استدعت من يحتلها، بينما الذي جرى هو احتلال مجرم، كان هدفه توطين شتات الآفاق من المجرمين، والخارجين على القانون، والاجماع الوطني في بلادهم، وكان لابد لمن أراد ابعادهم الى الأبد، وليس الى حين ــ ونؤكد اعتقادنا الراسخ أن أمتنا العربية في معركة وجود في فلسطين ، وحتما سيعود الصهاينة من حيث أتوا طالت فترة احتلال فلسطين أم قصرت ، والدروس من تاريخ الأمة التي تستند الى وقائع من نضالها المقاوم من أجل تحرير فلسطين من احتلالها في الحروب الصليبية بعد أكثر من سبعين عاما ــ أن يوجد لهم مستعمرة على اطراف القارات من أجل ان ينعم بالراحة منهم، لا أن يذهب بهم الى فلسطين قلب الوطن العربي، ومركز الحضارات، لكن الانجليز وعموم امبريالي الغرب، استندوا الى سجلهم في تاريخ الاجرام، واخلاء المستعمرات من سكانها عبر الإبادة الجماعية منذ الاكتشافات الجغرافية في القرن السادس عشر الميلادي.
وجاء في الصفحة الثانية من الكتاب " فلسطين الشهيد": (( فلسطين قطر عربي، يسكنه منذ القديم شعب عربي، وقد أراد الانكليز ان يسلبوا هذا الشعب وطنه، ويعطوه لليهود، فأبى، وجاهد، واستبسل، وثبت أمدا طويلا، واحتمل من التضحيات الجسام ما لم يحتمله شعب، ولازال يجاهد، ويحتمل، ويقدم من الفداء أعزه، وأعظمه.))
إن هذا التعريف الجامع لفسطين الموقع من الوطن العربي، والمجتمع، وهو جزء من أمته العربية، وكان وجودهما موصولا بجدلية الحاضر بالتاريخ القديم، والوسيط،، وقد عبر المؤلف مجهول الاسم ـ للأسف ـ عن ذلك بصيغة الفعل المضارع " يسكن"، ولم يتحجج بما تحجج به الصهاينة، أن يهودا ما " سكنوا" في الماضي البعيد قبل الفي سنة على عهد الانبياء ، والمرسلين، وأنى للعلاقة بينهم، وبين الاحتلالين الذين أخذوا من لايملكون، ليعطوه لمن لا يستحق، وشتان بين اللاعدل المرسوم بكل أفعال الظلم من جرائم، وبربرية في السلوك الذي عجزت ـ وتعجز ـ الانسانية عن تصديقه ، وهي الواقع المأساوي الذي فرضه الاحتلال الانكليزي الصهيوني الامريكي في فلسطين الى يومنا هذا ، وشتان بينه ، وبين كل ما يرمز اليه العدل الإلهي، والهداية الربانية، والتمسك بالقيم الانسانية، والحضارية التي قوضها " كيان الاحتلال" في فلسطين ،،
والسؤال المحوري الذي كانت اجابته هي الدرس التاريخي، والمنهج الصحيح الذي وضع ـ ويضع ـ قواعد من الإيمان بوضوح الرؤية، وسلامة التفكير المستند الى الوعي بضرورة مواجهة التحدي الخارجي بمبدأ المقاومة، ولا بديل عنها الا الموت بلا ثمن في منحى الانحدار من الاستسلام ،، وذلك ما رفضه الفلسطينيون حين اجمعوا على المواجهة على الرغم من ضعف الوسائل في القتال، ومواجهة القتلة بشتى الوسائل بما فيها الاحتجات، والمظاهرات، والمواجهات بالعصي، والسلاح الابيض،،ومن هنا فقد سقطت كل الادعاءات، والاكاذيب، والتشويه الأعتلالي الذي يتحجج به الخونة، أن في فلسطين إبان الاحتلال الانجليزي من باع ارضه، وارتحل،، فهيهات في فلسطين الخونة قبل جماعة " أوسلو" العميلة التي فرطت في فلسطين.
وقد أكدت الوقائع أن قرنا من المواجهة، لن يتمكن من تشويهه تلك الوجوه " الشائهة" تحت الحماية في مدينة رام الله.
وفي ذات الصفحة الثانية من كتاب المؤلف، عمد الأخير الى تقديم جرد مختصر للوسائل الأولية لنهج المقاومة في فلسطين، ومنه ما يلي: (( تتابعت في فلسطين الثورات منذ ان احتلها الإنجليز عقب الحرب الكبرى، حتى ليكاد تكون حياتها في تاريخها الحديث خلال السنين العشرين الاخيرة، عبارة عن ثورة دائمة، تتخللها فترات من الهدوء الموقت، وكان السبب الاساسي في هذه الثورات كلها، هو السياسة الانكليزية الظالمة التي ترمي الى اجلاء الشعب العربي عن بلاد آبائه واجداده، واحلال شعب غريب، يجلب من آفاق الأرض محله. السياسة التي تنطوي تحت " وعد بلفور"، وتعرف بسياسة " الوطن القومي اليهودي،،))
لقد أرد المؤلف أن يوشح كتابه بالتأريخ للثورات العديدة في تلك الفترة، ومنها الثورة الأولى في القدس سنة 1920م، والثورة الثانية في مدينة " يافا" سنة 1921، وثورات اخرى من 1921 الى ثورة البراق التي عمت جميع فلسطين في 23 أغسطس 1929م. وهي التي انطلقت من موقع البراق في حرم القدس الشريف، و (( شملت كامل القدس، والخليل، وصفد، ويافا، وحيفا، وقضاء غزة ))، ثم تبعها ما اسماه المؤلف ب (( ثورة المظاهرا في القدس، ويافا في العام 1933،،))، و تلتها (( الثورة الكبرى في 19 ابريل 1936 التي ابتدأت بالاضراب الذي انتهى الى ثورة عارمة، ولم تتوقف حتى عام 1938.))
إن هذا الكتاب قصد منه مؤلفه أن يكون شهادات حية في تقديم : الثورات، والمظاهرات، والاضرابات، والمواجهات بكل الوسائل مهما كانت بساطتها التي يملكها المدنيون الفلسطينيون، أمام قوة جيش الاحتلال ، واعوانه من الصهاينة،، وتلك الوقائع قدمت بالصور الشميسة التي أرخت للحوادث بشكل لا لبس فيه، من الجرائم التي كانت جامعة لكل أنواع القتل، والحرق الموضعي للوجوه، والأطراف بماء الفضة، كما في الصور تدمير للأحياء، كالتدمير الذي حصل في مدينة "يافا" القديمة ب" الديناميت" ، ولم تسلم المساجد، وحرق المزارع، والممتلكات،،
كما اعتمد المؤلف على منهج موثق وذلك بتسلسل الأحداث ،، وتأريخ أول عمل اجرامي في مدينة "حيفا " بأول قنبلة إيذانا بحرب الشوارع، وتدمير منازل الثوار الفلسطينيين، وهي السياسة التي لازال المحتل الصهيوني، ينتهجها الى حد الآن،
ويقع الكتاب في 81 صفحة، وفيه 140 صور شمسية، وقد أخذت يومئذ من الساحات التي تمت المواجهة فيها بين عرب فلسطين الابطال، وبين جيش الاحتلال الانكليزي والعصابات الصهيونية الهمج،، وهي شهادات كاملة، وتقدم كل الجرائم الموصوفة بتوارخها، ومواقعها، واسماء الشهداء، او المحروقين احياء، أوالمبتورة اطرافهم ، وأسماء، وصور عوائل الشهداء البائسة في وجوه الاطفال الميتمين، والنساء الأرامل، والشيوخ العجزة، والاحياء التي حولت الى انقاض،
إن قيمة هذا السجل الوثايقي في تقديري، ليس لأنه :
1 ـ يقدم شهادات إدانة للمحاكم الدولية التي تزعم، أنها استيقظت مؤخرا على الفظائع المرتكبة في فلسطين في العشرين سنة الأخيرة في تلك الحروب التي اجرم فيها الصهاينة بالسلاح الامريكي المحرم دوليا ضد الابرياء العزل في مدينة غزة، وعلى المدنيين في القرى الفلسطينية في النقب، و الخطف اليومي للمدنيين من منازلهم في مدن الضفة الغربية،،
2 ـ وإنما هو فوق ذلك شهادة للتاريخ على أن فلسطين، ليست " أرضا بلا شعب، لشعب بلا ارض".
3ـ وأن المقاومة العربية هي السلاح الذي يتبادله ثوار فلسطين جيلا تلو الجيل، ريثما تصحو الأمة العربية من هذا السجن الكبير، سجن التبعية، والخذلام، والاحتلالات بالتوزيع، والتجزئة المدمرة لكيان الأمة،،، عسى أن يلحق ثوار الآمة العربية بأخوتهم في فلسطين المجاهدة التي تستعصي على الموت، الشهادة، حتى الأنتصار،،
إشيب ولد أباتي