معوقات استقلال القضاء كما يرها رئيس نادي القضاة!

ثلاثاء, 2021-03-09 20:05

ان الشغل الشاغل للرأي العام الوطني الأن هو ما مدى استغلالية قضائنا، الذي يرى السيد اعمر السالك رئيس نادي القضاة حسب رأيه في مقابلته المطولة مع موقع الاخبار بتاريخ 27/12/2020 الذي حصر فيه عدم استقلالية القضاء في مطالب نقابية، مثل ضعف الرواتب و عدم الاعفاءات الجمركية و تحسين البنية التحتية لبعض المحاكم و تجهيزيها و كذا امن القضاة.
و بالرجوع الى الدستور الموريتاني فإنه قد نص على استقلالية القضاء في المادة 89 و جعل رئيس الدولة ضامنا لذلك الاستقلال و المادة 90 فيها بعض التوصيات المتعلقة بتحسين ظروف القضاة .
صحيح ان المادة 89 اوصت باستقلال القضاء، لكن لم تطبق كما يجب و لعلها تنتظر تفعيل المادة 6 من الدستور المتعلقة بترسيم اللغة العربية، و ذلك الموقف ربما احتجاجا على ما مدى اهمال المشرفين على الدستور في عدم تطبيقهم لتلك المواد ‏المشار إليها أعلاه . 
صحيح أن القاضي يجب ‏‏أن يوضع في ظروف مادية و معنوية تجعله يترفع عن اللجوء الى طلب الرشوة او الخوف من العزل او الطرد من الوظيفة كما كان يحدث احياننا، و صحيح ان القاضي يحتاج الى الامن اكثر من الضباط العسكريين و الدركيين و الحرسيين و الشرطيين الذين لدى كل منهم فصيلا كاملا يتولى حراسته و حراسة بيته. علما ان القاضي يحقق مع المجرمين و يحاكمهم و بالتالي يجب ان لا يكون متواجدا معهم في الشوارع او في وسائل النقل العمومية المستخدمة من طرف بعض المجرمين .
ولكن رغم ما ذهب اليه السيد رئيس نادي القضاة من مصداقية فإن استقلالية القضاء تعني عدم التبعية للسلطتين التنفيذية و التشريعية عكس ما هو حاصل الان، بحيث ان المجلس الاعلى للقضاء يرأسه رئيس الجمهورية، الذي هو في نفس الوقت رئيسا للسلطة التنفيذية، و النيابة العامة تقع تحت امرة وزير العدل.
اذا فالقضاء الجالس تحت رئاسة رئيس الدولة، و القضاء الواقف تحت رئاسة وزارة العدل، و القضاء المتأرجح بين (الجلوس و الوقوف) ان صح هذا التعبير، اي قضاء التحقيق يخضع للسلطتين معا!
فالاستقلال الحقيقي للقضاء ان يكون رئيسه منه، و ان تكون السلط الثلاثة متكافئة فكل منها تراقب الاخرى و ينسقون معا من اجل ادارة الدولة كما يجب و في احسن الظروف.
فالتشريعية مهمتها سن القوانين و رقابة تسير الحكومة ، و السلطة التنفيذية مهمتها تنفيذ القوانين و وضع السياسات العامة للدولة، و القضاء تخصصه حل النزاعات بين الافراد و كذا السلط بما في ذلك رقابة المجلس الدستوري لما مدى ملاءمة القوانين و الاتفاقيات الدولية مع الدستور، كما ان للمحكمة العليا امكانية الغاء القرارات الادارية غير السيادية التي تخالف مقتضيات الدستور، سواء كانت صادرة من رئيس الدولة او الوزراء او غير ذلك من السلطات العامة.
و ان يكون المدعي العام بامكانه ان يتهم ايا كان لما يخالف القانون و ذلك بارتكاب جنحة او جناية حتى لو كان ذلك الظنين او المتهم وزيرا او رئيس الدولة او غيرهم من مختلف السلطات .
فهل يا ترى ايها السيد رئيس نادي القضاة ان رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الاعلى للقضاء و فصله احيانا  لبعض القضاة نهائيا من الوظيفة العمومية كما حصل من طرف محمد ولد عيد العزيز او طرده لقاض اخر من رئاسة المحكمة العليا فاي نوع هذا من استقلالية القضاء.
 كما ان وزير العدل هو الاخر يأمر النيابة العامة بما عليها ان تقوم به من اجراءات بصفة دائمة، و احيانا يتدخل للقضاة الجالسين فيما عليهم ان يحكموا به في قضايا معينة، كما حصل من المرحوم ابو صمبه يوم كان وزيرا للعدل مع رئيس محكمة الشغل يومئذ السيد حسنه ولد مايمتس و الذي ارسل له رسالة مكتوبة و صلته بحضرتي يأمره فيها بان يحكم لصالح شركة ( الفامو )ضد عامل من اصل مغربي تعرض لحادث عمل و هو يعمل في الشركة  قد افقده بصره و العياذ بالله.
و هل الطعن لصالح القانون الذي منح للمدعي العالم ان كان الحكم صادرا من المحاكم الابتدائية و الاستئنافية ، و يكون مو اختصاص وزير العدل اذا كان القرار صادرا من المحكمة العاليا.
 فهل بقى بعد صور  تلك الوقائع التي مرت معنا شيئا من استقلالية القضاء المزعوم !
فهذا ما كان من شأن القضاء سابقا و لنر ما سيكون في فترة السيد الرئيس محمد ولد الغزواني الذي وعد في اطار تعهداته بعدم التدخل في شؤون القضاء، و سنرى ما مدى ذلك الالتزام في ملف الفساد المعروض امام القضاء حاليا، و الذي يوجد في ثناياه كثيرا من الوقائع و القرائن و ربما الاعترافات و شهادات الشهود مما يجعل اصحابه مدانين قضائيا و ربما جنحيا او جنائيا او مدنيا على الاقل و من اولائك  المتهمين في ذلك الملف رئيس سابق و كذا مجموعة من الوزراء قد آثروا انفسهم باموال شعب معظم افراده في اشد انواع الخصاصة و الفاقة للاسف الشديد .
و نختم موضوع استقلالية القضاء هذه بذكر ما اعطاه الدستور له من اهمية بحيث منحه الدستور المادة 89 التي نص فيها على استقلالية القضاء، و الزم السيد الرئيس بتطبيق ذلك، و المادة 90 نصت على بعض التوصيات المتعلقة بظروف القاضي، و المادة 91 هي الاخرى الزمت القضاء بحماية الحريات العامة .
 اما السلطة التنفيذية فقد منحاها الدستور  26 مادة و السلطة التشريعية 10 مواد و العلاقة بين التشريعية و التنفيذية 24 مادة، و للمجلس الدستوري 8 مواد و المحكمة السامية مادتان الثانية منهما 93 تجعل رئيس الدولة فاقد اهلية الاداء طيلة حكمه الا فيما يتعلق بالخيانة العظمى ذلك المخلوق الهيولامي او الشبح غير المعروف، و ربما يتمنى الاستاذ اشدو ان يكون رئيس الدولة غير مسؤول على الاطلاق حتى في يوم القيامة !
من هذا العرض الذي قدمنا  يظهر ان القضاء من اجل ان يصل الى الاستقلالية الكاملة فإنه يحتاج الى مزيد من العناية  و ذلك باضافة مواد كثيرة الى الباب السابع من القانون الدستوري المتعلق بالقضاء لليتحقق له التوازن المنشود بين السلط الثلاثة .
و اخيرا و مع احترامي التام للسيد رئيس نادي القضاة و قبل ان يرفع دعوى ضدي تتعلق بملاحظاتي السابقة على مقابلته تلك مع موقع الاخبار، التمس منه العودة الى مراجعة المواد الدستورية المتعلقة بفصل السلطات في الدستور الموريتاني، و غيرها من مثيلاتها في الدساتير الاخرى المشابهة لظروفنا، و كذا الفقه الدستوري المقارن المعمول به في بعض الدول التي تشبهنا في اطار التشريع و سن القوانين بصفة عامة .
و في الختام لكم مني التقدير و الاحترام يا قضاتنا الافاضل :
" إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ  "

ذ/ اسلم محمد المختار مانا