ان الجميع في بلادنا يبدوا أنهم متفقون بكون التعليم فاسدا لدينا ، و يتمنون إصلاحه. و لست ادعى بأني انا ذاك الذي يمكنه أبداء رأي قاطع يفيد في بإصلاح ذلك التعليم المتأزم اصلا !
و لكن الذي لاشك فيه من وجهة نظري الخاصة هو كون تجربة حطاب الدشره، ذلك الذي لا يستطيع حمل حطبه، الا انه بسبب الحاجة الي ثمنه يقوم بزيادته الشيئ الذي يضاعف عجزه عن حمله، و ذلك نفس الشيئ الحاصل لدي وزارة التهذيب الوطني لما نقصت ميزانيتها عن تكاليف نفقاتها ، فإذا بها تضيف الي ذلك العجز تكاليف اضافية تتعلق بالمجلس الأعلى للتهذيب الوطني!
ثم ان المحاصصة هي الاخرى فيما يتعلق بتوزيع المناصب و المهام قد فشلت في الدول التي عملت بمقتضاها ، مثل لبنان الذي يكون فيه منصب رئيس الجمهورية محجوزا (للموارنة) ، و رئيس الوزراء للسنة و رئيس البرلمان من نصيب الشيعة و رئيس المحكمة العليا يعود الى الدروز المحمديين.
و لا يخفى على احد ما وصل اليه ذلك النظام في لبنان الذي قاد بلاده في نهاية المطاف الى التبعية الدولية من جهة ، و الى ما اصبح عليه حال الوضع اللبناني الاقتصادي و السياسي المتأزمين اللذين يصعب عليه حلهما في الوقت الحاضر على الاقل !
و نفس الشيئ نجد صورة منه و لو مصغرة في بلادنا و ذلك في محاصصة المجلس الدستوري لدينا بحيث يكون لرئيس الجمهورية منه نصيب لذكر مثل حظ الانثيين ، و لولد بايه نصيبه المقدر سلفًا ، و لجميل منصور (واحد و نصف) و لليعقوب ولد امين واحد ، و لبقية الشركاء أنصبة على نفس المنوال !
و كانت النتيجة المأسوف عليها فهي ان كل طرف يأتي بابنه او صهره او قريبا منه ، و ربما بواحد مقابل رشوة او مال ! و حتى انهم يأتون احيانا بأشخاص ربما غرباء عن فهم القانون، و لا يمكنهم حتى التمييز بين القاعدة القانونية او تلك الاخلاقية ، فكيف و (الحال هكذا) ان يميزوا ما بين ما هو قانوني و لا يتعارض مع الدستور او الشريعة الاسلامية ، بما يحتاج فهمه الى متخصصين قد مارسوا العمل في تلك المجالات ، و ذلك لأنه ماكل ماهو في نص وثيقة الدستور يعد منه ! و كذا مايوجد في القوانين العادية من مواد دستورية، بإلإضافة الي معرفة الأعراف الدستورية ، و كذا الانظمة الدولية المشابهة!
ان هذه المقدمة الطويلة قد لجأت إليها لكى أبين من خلالها أن المجلس الاعلى للتهذيب الوطني الذي تمخض عنه جبل اصلاح التعليم لن يفيد قطعا في تحقيق ذلك الهدف النبيل الذي يتوقف عليه اصلاح كل شيء في هذه البلاد سواء كان ذلك في مجال العدالة او السياسية و كذا الاجتماع .
ان هذا المجلس من خلال معظم افراده حسب رأي المختصين في مجال التربية انهم غرباء عن مهنة التعليم فنيا و علميًا ، و حتي لم يثبت انهم قد سبق و ان نجحوا حتى في المواضيع التي يفترض أنها ضمن تخصصاتهم، متسثنين من ذلك التعميم السيدة نبقوها الوزيرة السابقة، و التي ما دامت قد نجحت في اصلاح التعليم يوما ما فلماذا ازيحت عنه ، و لمذا لا تعاد أليه الآن، و لو يبق الى جانبها وزير التعليم الحالي على اساس كونه كانت لديه الشجاعة التي مكنته بأن يقول ان الممارسين للتعليم حاليا في بلادنا لا يصلح منهم سوى 4% و بتالي نكتفي بالوزيرين على ان يختارا هما من يساعدهما في اصلاح التعليم ، و نستغني عن مجلس المحاصصة سالف الذكر.
و اذا كنا حقا نريد اصلاح التعليم فيجب ان نسن لذلك قوانين جديدة ، و بمقتضاها يكون سلك التعليم في الوظيفة العمومية استثناءً يمكن ان يستغني بموجبه عن بعض موظفي التعليم و ذلك بأسهل الطرق، اذا مالم يقوموا بواجبهم على الوجه المطلوب و المحدد سلفا في قانون اصلاح التعليم الجديد. و ان تأخذ المزانية التي كانت مخصصة لمجلس المحاصصة و تضاف الى مرتبات المعلمين و الاساتذة في قطاع التعليم ، على ان تحسب الرواتب و المكافآت على مقدار عمل الساعة و ليس الشهر ، بحيث اذا تغيب المعلم او الاستاذ عن عملهما يخصم من رواتبهم مقدار الساعات المتغيب عن عملها باستثناء ايام العطل .
و تتم مراقبة الوقت بالآلة التي يسجل فيها الموظف وقت بداية دوامه و كذا خروجه من المؤسسة التعليمية ، و يتم ذلك التسجيل بواسطة بصمة اليد او الوجه بمايعرف ب clock in/clock out و يسري نفس الشيء على المفتشين و المدراء و المدراء الجهويين ، و لا يقبل اي تهاون في تطبيق تلك المسطرة ، و ان يعطى للوزيرين و طاقمهما الامكانيات اللوجستية و حرية التصرف في قطاعهما و ذلك بقوة القانون و لنمنحهما ايضا الوقت و الفرصة الكافيين ، لنر ما مدى نجاعة هذه التجربة ، و ذلك لمدة سنة او اثنتين ، و اذا قدر الله عدم نجاح هذه الخطة ، فلنغيرها مرةً ثانيةً او ثالثة ... الي ان نصل اخيرا الى هدفنا المنشود الذي هو اصلاح تعليمنا بحيث يكون على مستوى نظرائه لدى جيراننا .
بل ربما يكون احسن بكثير .
و أخيرا أتمني ان يوجهنا الله تعالى الوجهة التي يرضاها لنا في اطار تحقيق هذا الهدف النبيل الذي هو البداية الفعلية لإصلاح نظام العدالة في بلادنا و غيرها من سلطاتنا التشريعية او التنفيذية و كذا المرافق المنبثقة عن كل من تلك السلط الوطنية .
ذ/ اسلم ولد محمد المختار ولد مانا