لقد قرأت في موقع " موريتانيا الآن" مقاربة تتعلق بالحياد، وانواعه، والمطالبة بمراجعة اتفاقية الجزائر سنة 1979م ، ومن خلالها اقترح الكاتب على موريتانيا المحافظة على مصالحها عن طريق مطالبتها بتعديل موقفها من الحياد في النزاع الذي خرجت منه لترجع اليه دون ان يكلفها ذلك الدخول في الصراع مع طرف ما، ولعل هذا من مواقف التاجر الاستنفاعي، لكن الدول لاتقاس مواقفها على مواقف الأفراد في البحث عن مصالحهم الانتهازية احيانا،، فحري بالدولة ان تحدد حقوقها الشرعية وعلى هذا الاساس تبحث عنها بتوظيف علاقاتها الاخوية العربية، او العلاقات الاقليمية في الاطار الافريقي، او وفق المواثيق الدولية، او بواسطة الحروب، ولا موقف أخر "الثالث المرفوع" الذي يعبر عن منطق مغالط، ورؤية غير مكتملة، وتحتاج الى منهج، ونظرية تحدد الاهداف المنشودة، وكان احرى بالكاتب ان يشجب القائمين ـ من الموريتانيين ـ على التدخل في القضية الصحراوية، وفي الحرب الظالمة سنة 1975م، لا ان يحمل المسؤولية لمن اوجد حلا كان مخرجا ـ اما كونه مذلا، او مشرفا فهذا تقييم شخصي ـ انقذ الارواح البشرية، وحد من الخسائر المادية لكلا الطرفين الموريتاني والصحراوي معا،،
إن تقييم نتائج اتفاقية الجزائر1979م، مرتبط بالنظر الى مشروعية الدخول في الحرب، وبتقييما، كما لا يستقيم فصل الاستجابة عن المثير، ولعل من التحليل الموضوعي قياس حجم الخسائر البشرية والمادية اثناء الحرب وبعدها،،
وقبل الاجابة على السؤال عن القضية الصحراوية، لابد من الاشارة الى أن تقديم القضية الصحراوية واتساع النقاش حولها ، يزيد من الوعي بها لدى الرأي العام، ومنه الشبيبة الموريتانية من جهة ان المجتمعين: الصحراوي والموريتاني، سيربطهما المصير المشترك الذي ربما يؤسس لمستقبل واعد لمجتمعينا في المستقبل القريب بعد أن وصلت قاطرة القضية الصحراوية الى المحطة الأخيرة، وجلس كل من الاخوة المتحاربين على طرف من الحائط الرملي في انتظار" سندباد" البحري أن يأتي بحل دولي، والمؤشرات تؤكد على اقتناع الاطراف المعنيين باستحالة الحلول العربية الغائبة، والحلول الاقليمية العاجزة، وبالتالي تبريرالاستسلام للحل المقترح في المحافل الدولية بعيدا عن السعي السابق الى التحالفات في المنظمات الاقليمية،، فهل سيفرض الحل الدولي مصالح الصحراويين في القضية الصحراوية التي طال عمرها منذ أواخر ستينيات القرن الماضي ،،؟
إنها القضية التي تجاوز الصراع فيها الحدود الاقيمية، وكذلك العلاقات البينية، والاقليمية، واسندت الى المصالح الدولية، وأحيلت الى قضية للمساومة على المصالح المشتركة بين اطراف عديدة، لذلك لاينتظر ان تخضع الحلول الى موازين القوى بين المتنازعين حصرا في الصحراويين والمغاربة والجزائريين، ولعل اقواهما عسكريا خسر المعركة حين شاء ان يناور، فادخل نفوذ هذه الدولة الامبريالية، او تلك، وكان الافضل له ابقاءها في حيز المصالح المشتركة بين الاطراف الثلاثة في المغرب العربي، وفوقها ـ للأسف ـ مصالح اسبانيا المستعمرة التي استجابت لمبدإ التدويل منذ ان وجدت مصلحتها فيه، فأوعزت به الى أحد قادة المنطقة في أواخر الستينات، والآن خرج التدويل من حيز التكتيك الى حيزالتنفيذ للاستراتيجيا الاسبانية المفروضة دوليا لحل القضية الصحراوية، كاجراء قطعي لارجعة فيه،،
فما هي القضية الصحراوية؟
إن تعريفها من منظور الباحث، سيكون انطلاقا من تعريف الظاهرة بمميزاتها، وخصائصها، وتطورها التاريخي، فهي قضية مجتمع، هو جزئ من الأمة العربية، وواحد من المجتمعات المغاربية، وان كان اقل كثافة من غيره ـ كان في السبعينات 70 والآن وصل الى 234 الف نسمة حسب الاحصائيات الاسبانية مؤخرا ـ وقد اشترك تاريخيا، واجتماعيا، وثقافيا في وحدة اللسان العربي و اللهجة " الحسانية"، وكان دخوله في مسارالتاريخ المشترك مع اخوته الموريتانيين سابقا على واقعه الحالي، كالعلاقات الاجتماعية في بطون القبائل المقسومة بين موريتانيا والصحراء وقد شاءت التمايز في الممتكات الرعوية بحرفي "القاف" و"الكاف"، ولم يؤثر ذلك على التمازج في الوحدة الاجتماعية التي بقيت قائمة رغم الخطوط الوهمية التي قسم بها المحتلون على طرف المتوسط الشمالي جغرافتنا الواحدة،،
وقد بدأ الصراع بين الصحراويين والمحتل الاسباني، نتيجة تطور الوعي لدى الشبيبة الصحراوية التي أدركت أن الانتماء للوطن اقنعها بواجب التحرير، ومواجهة المحتل الاسباني،،ونظرا للثروات المعدنية في باطن الصحراء التي اكتشفها الاسبان في فترة الاحتلال العسكري، فان اساليب المستعمر أخذت طرقا، حاول أن يوجهها في اتجاهات متعرجة، لتحقيق مصالحه، كهدف غائي في الحاضر والمستقبل المنظور، لذلك سعى الاحتلال الاسباني الى عقد اتفاقية "مدريد" مع قادة المغرب، وحكومة المختار ولد داداه ـ وكان نظام الأخير الجمهوري، يلزمه باستشارة الشعب الموريتاني، وهو أمر لم يحصل لذلك فالحرب لم تكن شرعية من جهة نظام الحكم، وبالتالي ليست حربا مع الجمهورية الموريتانية، وشعبها الذي تضررمنها ـ ليتنازل لهما عن الادارة المحلية في المدن الصحراوية، والابقاء على حل القضية الصحراوية مؤجلا الى حين، كما استبقى على الخيرات ـ 36 في المائة من انتاج الفوسفات في حقل " بوجدور"، فضلا عن حقوقه في الصيد البحري ـ لذلك وضع خطة لتوسيع رقعة الصراع، وخرج بدون خسائربشرية، عدا احتجازعشرة(10)بحارة، تم الافراج عنهم فيها بعد، وبقي طرفا اساسيا في حل القضية المدولة، وكان هذا الصراع الناشئ بين ابناء المغرب العربي، يحقق هدفا استعماريا لأسبنايا، وهو تدشين معارك الحروب بين ابناء المغرب العربي لتحول دون وحدتها المزعجة لاسبانيا تاريخيا " ذلك أن اسبانيا المواجهة للمغرب العربي لا ترضى بسهولة أن ترى على ذلك الشاطئ المقابل قيام وحدة سياسية تذكرها برحلة يوسف بن تاشفين"، وهو هدف اجمعت عليه جميع القوى السياسية الاسبانية من اليمين الدكتاتوري ممثلا في " فرانكو" والملكيين، والاشتراكيين والاحزاب الاقليمية سواء منها التي في البرلمان الاسباني او غيرها، كما يوضح ذلك الاقتباس التالي:" وأهم وثيقة ممثلة لسياسة وحدة المعارضة، هي ـ الاتفاقية المضادة لاتفاقية مدريد 14 تشرين الثاني/نوفمبر1974ـ والتي وقعت بعد سنتين من الاتفاقية الثلاثية، من قبل 33 منظمة سياسية. وتنفي الوثيقة صلاحية الاتفاقية الموقعة مع موريتانيا والمغرب كما تحيي انتصارات الشعب الصحراوي على الصعيد الدبلوماسي والعسكري والثقافي، وتعترف بالجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وجاء في خاتمة الوثيقة «ان القوى الموقعة تؤكد على إرادتها في مواصلة تضامنها الفعال مع الشعب الصحراوي حتى يحرز على استقلاله وحريته وقد وقع على هذه الوثيقة : التجمعات البرلمانية الديموقراطية ـ الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني والحزب الشيوعي الاسباني، والحزب الشعبي، انتلسا من كاتلانيا، واوزكاديكو ايزكارا ـ P.N.V، الأحزاب والقوى التي لم تستطيع المشاركة في الانتخابات "
ولم يكن العقل السياسي لدى قادة المغرب العربي في مستوى الوعي بتلك المخططات، حتى يكتشف هذه الأفخاخ المنصوبة للجميع في المنطقة، ولذلك كانت الحرب في الصحراء عامل استقرار للاسبان في المناطق المحتلة منذ القرن الخامس عشر كمدينتي " سبتة"، و"مليلة" لذلك تضيف الوثائق حينها " فإن التلميح بنسف اتفاقية مدريد، وهي الإطار القانوني الوحيد للمغرب، ينبغي أن يقابله سكوت دائم عن الاحتلال"، وفي المقابل كان الحسن الثاني يعد للمسيرة الخضراء، وصرح بالشعارالذي لازال يتردد على كل لسان مغربي وهو" أن قضية الصحراء بالنسبة للمغرب قضية حياة، او موت"،، وبينما كانت اسبانيا تعقد الصفقات مع الجزائر من اجل الغاز، الا انها كذلك سعت الى ان تضمن مصالحها مع الاطراف مجتمعة حين تخاصمهم مع بعضهم البعض، فكيف تم ذلك ؟
انظر الاقتباس التالي : فاسبانيا " واجهت المغرب بالجزائر، والمغرب يواجه اسبانيا بالمسيرة الخضراء، لتحييدها وفرض الأمر الواقع على الجزائر،،الأساس هو التوصل إلى تسوية هي بحد ذاتها فتيل لإشعال حريق آخرفي المغرب العربي. اسبانيا، الاختصاصية بشؤون تلك المنطقة، كانت تدرك تماما أن تسوية مع المغرب تعني صراعا مع الجزائر، ولذلك ساومت. وبينما تستطيع هي وحدها التنصل من الاتفاقية بسهولة، فان المغرب لا يمكنه ذلك إطلاقا، ففي تراجعه انهيار أسس إيديولوجية-سياسية كاملة"، واستحالة التراجع تنطبق كذلك على الجزائر،،
وما هو الحل المتوقع للقضية الصحراوية ؟
ان الحل سيخضع لموازين القوى الدولية التي تراعي قبل كل شيء مصالح الدولة الاسبانية، وهي عضو في حلف" الناتو"، وعلى علاقة استيرتيجية مع امريكا منذ ان بدأت الحرب في الصحراء، والقواعد العسكرية الامريكية موزعة في اسبانيا، وتجوب سفنهما الاطلس والمتوسط معا،،
إن الحل المطلوب دوليا سيكون وفق ما يحقق لاسبانيا مصالحها على حساب دول المغرب العربي التي لن تعطى فرصة أخرى بعد اربعين سنة لإيجاد حل متفق عليه فيما بينها، علما ان في الاستراتيجية الاسبانية أن تجزئ المجزإ في المغرب العربي، وهذا الذي يرجح انها ستعمل على ايجاد دولة على شاطئ الاطلس، وفق المستنفد لدى الشرعية الدولية، وهو الحل الذي يستجيب لمطالب الشعب الصحراوي، وقيادته خلال الاربعين سنة من عمر الصراع، وهو المشترك لكل قيادات الجبهة سواء اكان ذلك في عهد القيادة القومية التي قادت المواجهة الاولى، أم في عهد القيادة الاشتراكية التالية لها، أم في عهد القيادة الحالية،،
ومن المتوقع ان عمق العلاقات الاجتماعية والثقافية والوعي بالمصالح المشتركة لدى الصحراويين والموريتانيين معا، سيتيح لهما فرصة تاريخية لإقامة وحدة سياسية، لتحقيق اهداف مشتركة في التحديث، المؤجل متى تم الاعتراف بالدولة الصحراوية، كحل مرجح للقضية المستعصية على اصحابها الذين سيستجاب لمطالب بعضهم من اجل تحقيق مطالب غيرهم من الاسبان، ولكن صار الكل يعاني من القضية الصحراوية الامر الذي يفسر الاستنجاد بتحريك " اللوبيات " لعلها تساعد في تعديل مواقف الدول في المحاكم والمنظمات،،بينما الأقطار العربية المعنية في انتظار الأوامر للاستجابة لها طواعية، أو كرها في هذا الزمن الزائف وعيا،،!
وقد يستطيع الوعي العربي الوحدوي لدى الصحراويين والموريتانيين، قطع الطريق على اصحاب المخططات الاستعمارية التي لن تواجه الا بالوعي الوحدوي، وكان اقصاء هذا الأخير أدى الى هذا الصراع المدمر لكل الاطراف العربية، لأن اهدافهم الضيقة، كانت بمعزل عن الاعتقاد السياسي الذي يضمن التحرير، والاستقلال، والسيادة الوطنية قطريا، واقليميا ، وعربيا،،،
إشيب ولد أباتي