عملت في الجامعة العربية لمدة ثمانية عشرعاما منها ثماني سنوات في مقرها بالقاهرة وعاصرت أمينين عامين وسمعت الكثيرعن هذا وذاك من أسلافهما منذ إنشائها عام 1945وبالإجماع كان محمود رياض أعلاهم كعبا.للأمين العام المصري الذي يثير البعض تساؤلات حوله جذور وأسباب منها أن القاهرة هي التي استضافت اجتماعات التأسيس وكانت الحاضرة العربية الأهم وأسهمت بميزانيتهاعند إنشائها ب 42%وتسهم اليوم بنسبة تماثل نسب الدول البترولية رغم أنها لم تعد غنية كما كانت عند التأسيس وتبرعت بالأرض التي أقيم عليها مبنى الجامعة عام 1958 مقابل إيجار سنوي رمزي قدره جنيه مصري سنويا ليحفظ لمصرملكيتها .شغل مصريون وسوريون وعراقيون وسودانيون معظم الوظائف في الجامعة لوقت طويل لأن بلدانهم كانت موئل المتعلمين وموطن المعرفة وتغير الحال بعد حدوث تطورفي التعليم في الدول العربية.كان عبد الرحمن عزام أول أمين عام مصري بدرجة وزير مفوض لأن التمثيل الدبلوماسي العربي لم يعرف وقتها السفارات وإنما المفوضيات وللأمين العام مساعدون من مختلف الكتل الجغرافية العربية بينهم فلسطيني لايتغير.وكان كل الأمناء العامين مصريين باستثناء الشاذلي القليبي الذي قاد الجامعة من تونس(1978- 1990) بعد كامب ديفيد وكان الخطأ العام هو عدم إكمال الشاذلي القليبي لفترته في القاهرة بعد عودة الجامعة إليهاعام 1990 وهو ماعنى أن الدول العربية تقبل بأن المنصب لمصر حصريا. بمناسبة طلب مصر التجديد لفترة ثانية للأمين العام الحالي السيد أحمد أبو الغيط استُخدِمت كلمة ثقيلة هي”احتكار مصر لمنصب الأمين العام” والكلمة تعني أن مصر يمكن أن تعترض على أي دولة ترشح مواطنا لها لهذا المنصب وهذا غير دقيق لأن ميثاق الجامعة الحاكم لعملها لاينص على ذلك ولأن بمقدورأي دولة عضو ترشيح أمين عام. وطوال تاريخ الجامعة لم تطلب سوى الجزائر التنويع في جنسية الأمين العام وفي عام 2011لم تعترض إلا دولة عربية على ترشيح د.مصطفى الفقي هي قطرلأسباب سياسية خاصة بهما وليس بمصركدولة ويومها ربطت قطر موافقتها على مرشح مصري بأن يكون المرشح وزير الخاجية د.نبيل العربي لأسباب قيل أنها تتصل بمصالح اقتصادية لقطر في مصرآنذاك .أما الصورة من داخل الجامعة نفسها فموظفيها إجمالا لاتعنيهم جنسية الأمين العام لأنهم يدركون أن بيت الداء ومكمن الخلل غير الذي يُتداول إعلاميا. وإذا كانت هناك مشكلة تتعلق بالمنصب فليس حول الجنسية ولكن حول صلاحيات الأمين العام وميثاق الجامعة الذي بموجبه يعمل وتعمل الجامعة ولايتخطيانه. ومما يؤكد حق أي دولة في ترشيح أمين عام ترشيح اليمن في مارس 2006 للدكتورعبد الكريم الإرياني الذي وصفته الأهرام بالمفاجئ لأن المنصب وفقا لها “كان محسوما لعمرو موسى” لقيادة الجامعة لفترة ثانية وماقامت به اليمن ومضمون خبرالأهرام ينفي زعم الاحتكار.هناك عرف أو تقليد لكنه ليس مقدسا. وقد تبين أن صالح لم يكن جادا وكعادته في إدارة الشؤن اليمنية بالرقص على رؤوس الثعابين أراد إزعاج مصر كما أزعج قبل ذلك الشيخ عبد الله الأحمررئيس حزب الإصلاح (إخوان اليمن) ورئيس مجلس النواب في خطاب وعد فيه بإعادة ممتلكات أسرة بيت حميد الدين التي كانت تحكم اليمن قبل ثورة 1962 وعندما سئل عن جديته في التنفيذ قال أردت فقط إزعاج الشيخ الذي استولى على جزء من عقارات وأراضي الأسرة عام 1962 .
الجامعة والديمقراطية العربية الغائبة:
مشكلة الجامعة جزء من مشكلة النظام السياسي العربي بشقيها ،الديمقراطية المُغيّبة والتنميته الحقيقية غير المسلوكة وقطعا لو كان النظام ديمقراطيا لكانت الجامعة كالاتحاد الاوربي بل وأفضل من حيث المؤسسية وديمقراطية الأداء. في الجدل المتكررحول جنسية الأمين العام غاب عن الاهتمام السؤال الأهم عن كيفية إصلاحها بعد أن تعثرت جهود التطويرلعقودلإن مشكلة الجامعة ليست محصورة في هذا المنصب وأنه إذا ما تولاه غير مصري فستفتح الأبواب المغلقة وتخرج الكنوز القومية المطمورة للتنمية المشتركة وستتحرر فلسطين ويتوحد العرب وتفعل قرارات القمم بما فيها قرارات القمم الاقتصادية وتنشط مجالس المؤسسات “المكتبية” المتخصصة .كثيرا ماقيل أن وضع الجامعة انعكاس للوضع العربي الفاقد للرؤية والتابع ولكن لم يُطرح الدواء وهو باختصار أن يكون الوضع كوضع الاتحاد الاوربي لأن لدينا من الوشائج الأقوى ماضيا وحاضرا وتشابه المصالح وواحدية التحديات مايساعد على ذلك لو أردنا وحينها ستكون الجامعة هي النموذج للاتحاد الاوربي ولغيره.الديمقراطية هي مربط الفرس.
إغلاق الجامعة
البعض يتصور أن بمقدور الجامعة عمل مالم تعمله الحكومات وأنها ذات سلطات تبزها وإذا لم تفعل ماهو ليس من اختصاصاتها فإغلاقها أفضل.هؤلاء لايطالبون بإغلاق حكوماتهم التي هي السبب ويرمون بحجارتهم”الجدار الواطي”.وطوال 75 عاما فشلت النخب العربية في تكوين رأي عام ضاغط على حكوماتها لإيجاد جامعة عربية تكون إسما على مسمى ولم تتحرك لتجييش الرأي العام العربي ضد حكوماته ليس للإطاحة بها وإنما لكي تتوقف عن وضع العراقيل الصامتة التي تحول أن يكون للعرب جامعة محترمة على حد تعبير عمرو موسى. لقد ظهرت بوادر القصور العربي عام 1948 في حرب فلسطين عندما لم تتوحد الجيوش العربية تحت قيادة عربية واحدة تحارب تحت علم الجامعة ووقتها لم يكن قد جف حبر قرار قمة أنشاص التي انعقدت في مايو 1946 ونص القرار 8 على “أجمعنا إذا استمر الغزو الصهيوني لفلسطين واضطر عرب فلسطين إلى الدفاع عن أنفسهم أن ندعم عرب فلسطين ونساعدهم بكل الوسائل الممكنة”. صيغة الجمع واضحة “ندعم” أي نحن الحكومات.من يريد من الجامعة المستحيل عليه إدراك أن من يوحد هي الدول ومن يحرر لابد أن يمتلك جيشا موحدا أو حلفا عسكريا عربيا وهذان لاتمتلكهما الجامعة وهنا لاشك عندي أن دولا غير عربية تضغط على دول عربية لكي تبقى الجامعة على حالها لاهي حية ولاهي ميتة .إن الجامعة لاتمتلك حتى حراسة خاصة لمقرها. بعد غزو العراق واحتلاله شيع عباس مدني وأسعد بيوض التميمي أمير حركة الجهاد الإسلامي – بيت المقدس ود.يوسف القرضاوي الجامعة في نعش في ميدان كبير بالعاصمة الجزائرقبيل فترة الإرهاب والذبح التي قادتها الجماعة الإسلامية بالجزائر حتى للأطفال الرضع.هناك فعلا من لايدرك وظيفة الجامعة ويطالب بإغلاقها أوتحويلها إلى فندق ويهزل في موضوع الجد. بعض هؤلاء ينطلقون من عدائهم للقومية العربية ويرون في شعار “الإسلام هو الحل” حل لكل أمراضنا ولتحريرفلسطين وينسون أن الحاضن للقضية الفلسطينية هم العرب وليس اندونيسيا في آسيا أو تشاد في افريقياعلى سبيل المثال. في استطلاع أجرته شبكة الإعلام العربية – محيط – في 5/4/2010 حول تدوير منصب الأمين العام أيد فيه 38.7% التدوير وعارضه 20.41% بينما رأت النسبة الأكبر 41.52% إغلاق الجامعة.الحل تعبير عن مزاج عربي غاضب من الأنظمة العربية وليس من الجامعة ذاتها ولم تلتقطه الأنظمة التي لاتعيراهتمامها لالتزماتها التي نصت عليها قرارات الجامعة العربية (90% من القرارات لاتنفذ وفق دراسة موثقة) والتطبيع الأخير مع الكيان الإسرائيلي مثالا.
مصر والمنصب: يتصور البعض في مصر أن مكانة مصر وريادتها ستجرحان إذا أتى غير مصري على رأس الجامعة وهذا غير دقيق لأن المكانة والقيادة تصنعهما مقومات عديدة منها الرغبة في القيام بالدورالريادي والتعافي الاقتصادي والاستراتيجية الواضحة التي تخدمها وتخدم العرب. وفي ظل الأوضاع العربية الرديئة التي جعلت الجامعة العربية على ماهي عليه ستزيح مصر من على كاهلها عبئا وتهمة بأن الجامعة تدار من الخارجية المصرية.ومن يعرف الجامعة من الداخل يدرك أن مندوبي الدول العربية الذين يقدمون أوراق اعتمادهم إلى الأمين العام كما يقدمها السفراء إلى قادة الدول يشكلون ضغطا وقيدا عليه وقد حاول أحدهم أن يتعامل معهم كموظفين لديه ولكنهم تعبيرا عن استقلاليتهم عنه عقدوا اجتماعالهم مكانه الطبيعي داخلها خارج الجامعة وبدونه وقد تلافى الأمر بذهابه إليهم واستوعب الدرس.ومراسميا في اجتماعات الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين يكون مندوب الدولة الرئيسة للقمة العربية رئيس الاجتماع ويجلس الأمين العام على يمينه كمرؤوس له. إذا مايقال عن هيمنة دولة المقر ليس في محله ولاشك أنه كان وضعا طبيعيا ومقبولا قبل أن تشب الكثيرمن الدول العربية عن الطوق في إطار القيادة وليس الهيمنة.
علي محسن حميد / كاتب ودبلوماسي يمني