لقد اكتشف الاثريون في علم الآثار (الأنتنولوجيا) رسوم العربة الإيجية في بلادنا،،ونكاية بمنتسبي اعلامنا الحر الذين ناهض بعضهم الحوار الفكري بين الحزب الحاكم، وقوى الحراك السياسي في حوار يهدف الى اصلاح متفق عليه، ويدفع بعجلة الاصلاح السياسي الى الامام،،
لذلك سأترك للحاضر والمستقبل هذه اللوحة المعبرة عن قيم العار، وقبح الميول النفسية، وسقوط الوعي لرسالة الاعلام الحر، كواحد من أذرع السلطة الرابعة في بلادنا في شكل:(( عربة منزوعة العجلات، وموضوعة أمام حصانها، والاعلاميون جالسون تحت الحصان، ويستظلون ببطنه المدرار مالا، ووظائف حكومية، والعيون شاخصة والأيدي ممدودة لجمعها، وهي تتساقط بالكاد من بطن الحصان))،،
واذا كان من مميزات العربة الايجية انها مرسومة خلف حصان يجري في اتجاه ما، مما يؤكد ان الهدف محدد من قبل، فإن حصان عربة الاعلام الحر موقوف، لأن رسالة الاعلام عند بعض الاعلاميين عديمة المضمون التوعوي، لذلك لا غرابة أن ملأوا المواقع بصورهم مع المسؤولين، كأنهم مطلوبون لذواتهم الجميلة، ولسان حالهم يقول : إنا هنا لبيع الدعاية لكم، ولرجال الأعمال، والمستثمرين الاجانب،،!
فأين هذا من رسالة السلطة الرابعة في مراقبتها للأداء التنفيذي محليا، ومقارنته بالأداء اقليميا، وحتى عالميا ،،؟
ولسان حال المعترضين من الاعلاميين في المواقع يشير الى النظام بأنه في حاجة الى من يسطيع تسييج التطميس، والتعمية تغطية على الأداء الحكومي، ولو أنه الآن مقبول ظرفيا، لذلك لامعنى لتوزيع الرسائل على المواقع امتعاضا من استجابة فخامة الرئيس ولد غزواني وتوجيهه للحوار الوطني الذي اعلن عنه رئيس الحزب الحاكم من اجل عقد ورشات للحوار مع الحراك الاجتماعي السياسي الوطني ،،
لقد وعدنا قراء الموقع الاخباري لوكالة نواذيبو بأنا سنجيب على الاسئلة التي وردت في المقال السابق حول الفروض النظرية، وقيمتها الفكرية بالنظر الى ما عرضنا من نصائح قدمها المفكر السياسي لقادته في فترة حكم " المرابطون" من التاريخ السياسي لبلادنا، فالباحث يجد في تعريف الاستشارة تحديدا لهويتها الفكرية في الاستزادة من العقل وهو يشار به الى المعرفة، ثم الهداية بمعنى التوجيه المضاف الى ما عند الحاكم ، الرئيس، المدبر من معارف سياسية، كما في الاقتباس ان الاستشارة "تفيد المستشير عقلا يزيده الى عقله، وهداية يجمعها مع هدايته" .
ان هذا التفكير السياسي متقدم الى حد ما رغم تقادم اهله في منتصف القرن الخامس الهجري بالنظر الى النموذج القائم الذي عبر عن رفضه للاستزادة من المعرفية، والتوجيه المطلوبين للبحث عن الحلول المناسبة في مواضيع تتعلق بالشأن العام،،
وعند مراجعة القسم الاول من اقسام الاستشارة، وتحليل مضمونه فيمكن ان يقال في مجال تحديد الفرض في الاقباس :" تقصير المستشير عن معرفة التدبير"، ذلك انه افترض ان هناك تقصيرا، والتقصير نسبي لدلالة المفهوم،،وافتراض هذه النسبية متقدم جدا في العلوم الانسانية المعاصرة التي تستند الى المناهج الاحتمالية في علم الاحصاء، والبحوث الاجتماعية الميدانية التي تحول القيم الكيفية ـ كاجابات ـ الى ارقام كمية لتستخرج منها النسب الماؤية، والوسيط، والمتوسط الحسابيين، والانحراف المعياري، وكل نتائج هذه الخطوات المنهجية في جمع المعلومات تتحرى النسبية في المعرفة التي تستحث الباحثين للاستزادة في فهم وتفسير الظواهر الانسانية ومنها السياسية والعوامل المتحكمة فيها، والتنبؤ بمآلتها ،،
إن الفكر السياسي لدى رجال الفكر في تراثنا يتقاطع مع الكثير من الطروحات السياسية المعاصرة، وهو بذلك متقدم على "عينة" مهما كانت محدودة ، فقد اظهرت تراجعا في وعيها بما لايتماشي مع الوعي السياسي المعاصر، ولا مع الوعي السياسي في تراثنا،،
وكل الاقسام التالية للاستشارة ناطقة بمفاهيم التفكير الاحتمالي، ك"خوفه من الغلط،،" بما يعني توقعه للغلط،، " ان الفطن النحرير ربما ستر عليه،،" فربما، ومن المحتمل، وتقدير امكانية التحيز في موقف ما نتيجة ميول نفسية،، وهذه هي لغة المعرفة المعاصرة التي نرصدها في الفكر السياسي في تراثنا الفكري، وهو مصدر اشعاع تنويري، وبالتالي هناك ضرورة لاحيائه، واعتباره مرتكزا لنهضتنا الفكرية المرجوة،،
ويبقى السؤال يبحث عن الاجابة حول الفرض النظري، وقيمته الفكرية، فالفرض هو توقع وجود علاقة ارتباطية بين متغيرين، عاملين واحد منهما يسميان في العلوم الاجتماعية بالعامل الرئيسي، بينما الثاني يسمى: عامل ثانوي،تابع للعامل الاول، وقد يمارس عامل ثالث تأثيره، و يسمى العامل الدخيل،،
وفي علم النفس يسميان بالمثير، والاستجابة،،وفي الفلسفة يسميان: المسبب، والسبب، النتيجة.
إننا نبحث في الفكر السياسي لإستكشاف متغيرين، وتأثير واحد منهما على الآخر في اطار العلاقة الارتباطية الاحتمالية بغض النظر عن درجة نسبتها، او التأكد من صحتها، ولن تصل في درجة الدقة الى المائة في المائة، بل دون ذلك، ويأتي ميدانيا دور البحوث الاجرائية،،وهذه الافتراضات النظرية في كل فروع المعرفة، كالفروض النظرية في مجال الاقتصاد السياسي، والفروض النظرية في العلوم الاجتماعية،،
وتعرف النظرية كالتالي:" الضغط يولد الانفجار" وفي اطار علم السياسة ، فمن المؤكد منه في الفكر السياسي الحديث والمعاصر ان كل الثورات الاجتماعية نواتج للضغط،، بمعنى الحرمان، والقمع، واستشراء الفساد، والمحسوبية، والاستئثار بخيرات البلاد ان كان من طرف نظام سياسي ما ، او من طرف مستعمر محتل،، وكل منها عوامل مبررة للاضطرابات السياسية، وللثورات الاجتماعية في المجتمعات التي تمتعت بالوعي العام بالحقوق المدنية، والحقوق الوطنية، والقومية في حالة الاستعمار الذي لازال جاثما بنسبة ما عبر وكلائه من رجال السياسة، ورجال الاعمال، والاستثمارات الاجنبية، واستدعائها لتقاسم خيرات البلاد معها، وكأن فيه فائضا منها، وللاتفاقيات ألامنية اقليمية كانت، او دولية دورها في عودة المستعمر عسكريا، وتسعى الدوائر الامبريالية لتكون موجهة لها جميعا بما يخدم مصالها الاستعمارية على الرغم من أن دول العالم الثالث تتمتع ظاهريا بالاستقلال،، لكن الذي يؤكد استقلالها ليس الرئيس المنتخب بطريقة متلكئة، ولامزامير النشيد الوطني، او استعراض وحدات الجيش الوطني في شوارع المدن، او المراوحة يوميا في الثكنات على اطراف العاصمة لحمايتها من الخطر الداخلي، وليس الخارجي، والا كانت تلك الوحدات على حدود الوحدة الترابية، وليس الاستقلال هو التسيير الذاتي لمرافق النظام، اوالسلطات الصورية من تشريع، وقضاء، واحزاب قبلية، وحهوية، تبحث عن رشى توزع عليها بنسبة تمثيلها في البرلمان، وهي احزاب تفتقد لأي برنامج انتخابي، ومع ذلك تفرخها وزارة الداخلية بالعشرات في كل موسم انتخابي،،
إن الاستقلال الوطني في نظر مجتمعات اليوم هو: احقاق الحقوق المدنية للأفراد والاسر، والجماعات، والاقليات، وذلك للحفاظ على الوحدة الاجتماعية ، وهذا يتطلب وضع البرامج التنموية ، والتخطيط الاقتصادي، والاصلاح السياسي،،والاداري، والا فإن عوامل التغير الاجتماعي العكسي جارفة لكل اركان الحكم السياسي الذي أسس في الفترة الاستعمارية على معايير: المحسوبية، والجهوية ، والقبلية، والبحث عن المصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة، الأمر الذي يؤكد يوما بعد يوم أن القطيعة لم تحصل مع الفترة الاستعمارية، والا ما مبرر المراوحة في مرحلة التأسيس خلال 60 عاما منذ الاستقلال سنة 1960؟
ان هذه اللوحة قاتمة الالوان، لكنها هي الواقع الذي يقتل اجيال المجتمع ببطء، وهي تؤكد لمن له بصيرة من الرؤساء والوطنيين في الحكومة، ان ليس هناك معطيات قابلة للبقاء جراء التحديات الداخلية والخارجية التي تنبئ بحاضر مقلق، ومستقبل مجهول،،و يحتاج منا الى:
1/ الوعي بالمشاكل المتراكمة،،
2/ البحث عن حلول عملية بالحوار، والتفكير في اوضاعنا السياسية، ونتعلم في ورشات الحوار الفكري، كيف تحل المشاكل العامة باسلوب مرضي، والحد من الاختلالات التي تمس حياة الفرد، والمجتمع في المعيشة اليومية، والطبابة، والتعليم، والتوظيف، والضمان الاجتماعي ،واصلاح التعليم، والزاميته على الناشئة،، والتخطيط الحضرى، وتحسين البنية التحتية،،
والا فلنوقع ان يأتي انقلابيون من المؤسسة العسكرية مرة بعد مرات سابقة بدافع تحقيق مصالح فردية مموهة بضرورة الاصلاح السياسي المتعثر،،
فالتغيير السلمي هو لسد الذريعة من اجل توقيف فوضى الانقلابات العسكرية الفاشلة،، والحد من لوثاتها الكثيرة ومن اسوئها استرزاق المتعلمين غير الواعين سياسيا الذين يصفقون لكل من يدخل القصر الرئاسي بدبابة مهترئة من النوع الذي لاحظناه في الانقلابات العسكرية السابقة،،
ونختم هذا المقال بالاشارة الى مقال سابق حددنا فيه اطارا نظريا للحوا، وذلك عندما ذكرنا مبادئ عامة، وشروطا للحوار بين المتحاورين، وغاياتهم منه، لأن كل حوار يحتاج الى نظرية تحدد الاسلوب كمنهج، وشروطه، وغاياته بمعنى الاهداف التي تنقسم الى اهداف اولية، واهداف قصوى، وقد اجتهدنا في تقديمها، لكنها قابلة للتطوير بما يفرضه الواقع وترتيب الاولويات حسب الاتجاهات العامة لدى القوى السياسية الوطنية .
وقد قدمنا هذه المساهمة الفكرية المتواضعة لعلمنا بما سيعترض المتحاورين مما أشار اليه المفكرون في العلوم السياسية من جهة ضرورة البحث عن نظرية للحوار باعتبارها عقبة اولية لابد من تجاوزها، كخطوة اولى تتبعها خطوات اخرى في سبيل تحقيق الاهداف، (( ان احدى العقبات الاساسية التي تعترض الحوار الفكري وتحول دون وصوله الى الالتقاء على " نظرية"، هي ان مفهوم النظرية التي يراد الاتفاق عليها غير متفق عليه بين المتحاورين))على رأي الدكتور عصمت سيف الدولة.
إشيب ولد أباتي