تتواصل الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس 2011، بوتيرة أقل ضجة على الأقل إعلاميا بالمقارنة مع ما سبق وخلال أشهر معينة، وبنفس التكتيك المتبع منذ 30 سبتمبر 2015 تتابع دمشق وحليفتها موسكو وحزب الله اللبناني عملية القضم التدريجي والمتواصل للأراضي السورية التي لا تزال خارجة عن سيطرة الجيش العربي السوري الذي استطاع منذ سبتمبر 2015 فرض سلطته على حوالي 72 في الفئة من أراضي البلاد.
خلال سنة 2020 تباينت تقديرات الملاحظين والخبراء العسكريين وغيرهم حول موعد نهاية الصراع تماما كما كان الأمر خلال سنة 2019، البعض ذكر أن سنة 2021 ستشهد النهاية العملية للحرب لأن الولايات المتحدة المحرك الرئيسي للقوى المناهضة لحكومة دمشق لم تعد تملك أوراقا كافية مرجحة لنجاح مخططاتها، فيما قدر آخرون أن الصراع لا يزال بعيدا عن نهايته لأن للبيت الأبيض برامج بديلة ولاعبين إقليميين في مقدمتهم تركيا وإسرائيل سيتولون تنفيذ عمليات محددة للحيلولة دون انتصار دمشق والمتحالفين معها، لأن مثل هذا النصر ستكون له عواقب مضرة على مصالح واشنطن في المنطقة وسيلحق نكسة بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي وضعه المحافظون الجدد والقاضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دولة على أساس طائفي وديني وعرقي، من أجل استكمال طوق الحصار على روسيا من جناحها الجنوبي الغربي وإفشال مشروع الصين المسمى مبادرة الحزام والطريق، وأخيرا ضمان الأمن لإسرائيل.
خلال فترة حكم الرئيس دونالد ترمب من سنة 2016 وحتى سنة 2020 عرفت السياسة الأمريكية تجاه سوريا مناورات وإجراءات مختلفة، وصفها البعض بإسلوب العصا والجزرة، ومع مغادرة ترمب البيت الأبيض في 20 يناير 2021 كانت تلك السياسة مستقرة عند ما يسمى بالضغوط القصوى. السؤال الذي يطرح هو ماذا ستكون خيارات الإدارة الأمريكية الجديدة في عهد بادن ؟. فهل ترجح سياسة الجزرة على العصا؟. وهل يمكن أن تلجأ إلى مقايضات في نطاق صراع دولي معقد ومتحرك أم تواصل ركوب موجات التحدي مع خصومها خاصة أن السياسة الأمريكية محكومة بالمصالح وموازين القوى.
خلال منتصف عقد السبعينات من القرن العشرين اجبرت واشنطن على الانسحاب من الفيتنام بعد حرب دامت أكثر منعشر سنوات خسرت خلالها 58318 من جنودها، وذلك رغم تعهدها "بحماية شعب الفيتنام مما سمته بالدكتاتورية الشيوعية وحكم نظام هوشي منه".
خيارات واشنطن
يكاد أغلب المحللين في المرحلة الحالية يقرون أنه لا سبيل دون حرب كبرى قلب موازين الصراع العسكري على ساحة بلاد الشام ضد الجيش العربي السوري وحلفائه الروس واللبنانيين والإيرانيين، في نفس الوقت يشكك الخبراء في نجاعة سياسة الحصار في قلب نظام الحكم في دمشق، ويشير هؤلاء أنه كلما طال أمد العقوبات كلما وجد الطرف المستهدف منافذ وسبل لتجاوزها وبالتالي وبخصوص سوريا يجب على واشنطن إن أرادت الوصول إلى تسوية أن تستغل ما يسمى بالنافذة الزمنية المحدودة للحصول على تسويات.
وقد أظهرت تجارب العقود الماضية، من حصار كوبا المستمر منذ عام 1959، أن العقوبات الغربية لم تفلح في إسقاط الأنظمة المعادية للغرب، بدءا من العراق أيام صدام حسين، وليس انتهاء بفنزويلا أيام خافيير شافيز، مرورا بكوريا الشمالية وليبيا خلال حكم العقيد القذافي وإيران وغيرها.
يرى البعض أن العقوبات الدولية لا تسقط أنظمة الحكم ولكنها تساهم في إضعافها وإرغامها على تقديم تنازلات في قضايا محددة دون أن تسقطها، ويشار إلى أن المسؤولين الأمريكيين يصرحون جهارا نهارا بأن واشنطن ليست بصدد إسقاط نظام الأسد، وإن كانت ترى ضرورة رحيله.
يقول رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الأردني طلال أبو غزالة: "إن اقتصادات الدول تعتمد بشكل رئيسي على عملتها المحلية وتحتاج للدولار فقط لتمويل التعاملات المالية والتجارية الخارجية". وإن " هبوط العملة السورية مؤخرا يعود بشكل رئيسي إلى عامل نفسي، وإن العقوبات الأمريكية من الممكن أن تؤثر على سعر الصرف، لكن من غير المعقول أن تحدث تدهورا كبيرا".
ويشير أبو غزالة إلى أن 90 في المئة من التعاملات في الدول تكون بالعملة المحلية، فيما تبلغ حصة الدولار من التعاملات 10 في المئة إلى 15 في المئة فقط، لذلك هو يستبعد أن يكون انكماش الاقتصاد السوري وراء تراجع الليرة، إذ لا يمكن أن يؤثر الانكماش على الليرة السورية بهذا القدر، معتبرا أن التراجع يعود إلى عامل نفسي وليس اقتصاديا.
ويشير بو غزالة إلى إمكانية اعتماد دمشق نظام المقايضة عند إبرام الاتفاقات التجارية الخارجية لتجاوز العقوبات الأمريكية، خاصة وأن بداية التجارة في العالم انطلقت من مبدأ المقايضة.
كما لم تمنع العقوبات رجال الأعمال من روسيا وإيران والدول العربية غير المعادية لحكومة دمشق من العمل داخل سوريا، حيث أصبحت مذكرات التفاهم بين تلك الأطراف والاتفاقيات التجارية علنية بشكل متزايد. وقد تكون الصين الاستثناء الوحيد، رغم أن العملاق التجاري لم يبدِ رغبة كبيرة بالتدخل في الاستعراض الجانبي الجيوسياسي للاستثمارات السورية.
وفي الوقت الراهن، تتعرض حكومة الأسد للضرر في لبنان حيث يتم تجميد ودائع سورية تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار وذلك ليس بسب العقوبات بل بسبب الأزمة الاقتصادية التي يجتازها لبنان والتي فرضت قيودا متشددة على السحوبات والتي سببتها كذلك الحرب السياسية والاقتصادية الغربية على بيروت. زد على ذلك فإن الحدود بين البلدين تمثل مركزا تجاريا غير مقيد أشبه بالسوق السوداء لا يمكن للعقوبات لمسه، ما يمثل نعمة إضافية للاقتصاد السوري.
دبلوماسية قصيرة المدى
جاء في بحث لتشارلز ثيبوت نشره معهد واشنطن يوم 22 ديسمبر 2020 تحت عنوان "أجندة دبلوماسية قصيرة المدى للغز السوري":
لا يزال الغموض يحيط نسبيا بالسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب جو بايدن إزاء سوريا. وقد ترسم معالمها خمسة عوامل متناقضة.
أولا، لم تكن سوريا قط في الواقع من أولويات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ويبدو أن تجديد الإطار الدولي لوقف البرنامج النووي الإيراني هو الهدف الأول لبايدن في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أدى التعهد المتكرر بـ "إنهاء الحروب التي لا نهاية لها" إلى خلق توافق آراء أمريكي واسع النطاق ضد وجود بصمة أكبر في الخارج، وستؤدي جائحة الفيروس التاجي إلى مزيد من التقليل في النطاق الترددي للبيت الأبيض فيما يتعلّق بسوريا.
ثانيا، فقدت الولايات المتحدة نفوذا كبيرا في سوريا بسبب سياسات إدارتي أوباما وترامب. على سبيل المثال، عندما واجهت عملية تركية من عبر الحدود في الشمال الشرقي من البلاد أواخر عام 2019، انسحبت القوات الأمريكية جزئيا، مما أدى إلى عدم وضوح الخطوط الأمامية التي كانت مستقرة سابقا بين القوات الروسية والتركية والأمريكية.
ثالثا، أشاد بايدن بموقف القوة المحدود الذي تتخذه الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. وعلى عكس الديمقراطيين البارزين الآخرين، يعتبر أن استراتيجية "عبر، ومع، ومن خلال" المستخدمة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" لا تزال نموذجا جيداعن عمل الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط. وقد يشير ذلك إلى استعداده للاحتفاظ بوحدة صغيرة على أرض الميدان لدعم الشركاء المحليين.
رابعا، تحدثت شخصيات بارزة في حملة بايدن - بمن فيها مرشحه الحالي لوزير الخارجية، توني بلينكين، ومرشحه لمنصب مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان - علنا عن الأخطاء التي ارتكبت في سوريا خلال إدارة أوباما. ويجدر بالذكر أن بلينكين كان قد صرح بأنه لا يستطيع تخيل اعتماد سياسة إعادة التعامل مع بشار الأسد.
خامسا، عندما أقر المشرعون الأمريكيون "قانون قيصر" في عام 2019، عملوا على بناء آليات تهدف إلى مقاومة التغيير من قبل الإدارات الأمريكية المستقبلية. لذلك، من المرجح أن تستمر العقوبات الاقتصادية التي تستهدف دمشق.
للوهلة الأولى، لا يبدو أن هذه العوامل تترك مجالا كبيرالاستراتيجية جديدة بشكل خاص تجاه سوريا، مما يشير إلى أن سياسة الوضع الراهن ستستمر. ومع ذلك، تتمتع واشنطن بنفوذ أكبر مما تدركه، طالما أنها مستعدة للتخلي عن منطق الانهزام الذاتي الذي ساد في السنوات الأخيرة.
كيف يمكن لبايدن تغيير الوضع الراهن في سوريا؟.
إن أحد الشروط الأساسية لكسر الجمود الدبلوماسي هو الإقرار بأن الولايات المتحدة لا تملك الوسائل أو الطموح لحل الأزمة السورية بمفردها، سواء من خلال التدخل العسكري أو عقد صفقة كبرى مع روسيا وتركيا. ومع ذلك، يمكن لواشنطن أن تحقق أهدافا أكثر تحديدا، مثل إعادة تشكيل إطار الأمم المتحدة للمفاوضات بين الأطراف السورية، ومنع الأعمال العدائية الجديدة في شمال البلاد.
ويتمثل الشرط الثاني بالجمع بشكل أفضل بين المصادر المتباينة للنفوذ الأمريكي. فالمشهد السياسي في سوريا مجزأ للغاية، لذلك سيتعين على فريق بايدن تقديم أداء أفضل من خلال الجمع بين الأمور المالية والقانونية والدبلوماسية والسياسية التي كان يتم التعاطي معها سابقا بشكل منفصل أو تم تجاهلها.
الشرط الثالث هو إعادة إدخال بعض الطاقة الدبلوماسية في السياسة السورية. لقد تعهد بايدن باستعادة القيادة الأمريكية، وإعادة بناء التحالفات، والعمل بشكل أوثق مع الشركاء الأجانب بشكل عام، وأحد الأشكال الواضحة للقيام بذلك في سوريا هو ما يسمى بـ "المجموعة الصغيرة"، التي تضم بريطانيا ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والمملكة العربية السعودية. وقد اجتمعت هذه المجموعة بانتظام، لكن إدارة ترمب كانت مترددة في الاستثمار فيها، محرزة القليل من التقدم الملحوظ في تنسيق جهد قوي رفيع المستوى لإصلاح عملية الأمم المتحدة أو التعامل مع روسيا وتركيا وإيران.
مأزق
جاء في تقرير نشر في العاصمة اللبنانية بيروت خلال الثلث الأخير من شهر ديسمبر 2020:
قبيل تسلّم الإدارة الأمريكية الجديدة، زمام الحكم في الولايات المتحدة، تطرح المسألة السورية من ضمن الملفات الساخنة الثقيلة في إرث إدارة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترمب، وفريقه، بدءا من التواجد العسكري الأمريكي المستمر في منطقة شرق الفرات حتى بعد الإعلان عن هزيمة تنظيم "داعش"، وفي مقابله التواجد الإيراني الذي يتذرع به بعض مسؤولي الإدارة المنصرفة لإبقاء القوات الأمريكية في شرق الفرات، وصولا إلى عواقب قانون "قيصر" بعدما اقترب من إتمام نصف عامه الأول في التطبيق العملي، وانعكاساته على الحكومة السورية من جهة، والشعب من جهة أخرى.
يوم 16 ديسمبر، طرح السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والجزائر، والباحث في "معهد الشرق الأوسط في واشنطن"، روبرت فورد، في مقالة، هذه التحديات مجتمعة، في ظل تصريحات موازية لمسؤولين حاليين وسابقين في الإدارة الأمريكية، ولاسيما المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، الذي استقال أخيرا من منصبه. وتساءل فورد في مقالته عن جدوى السياسة الأمريكية في سوريا مع انتهاء ولاية ترمب، واقتراب ولاية بايدن. وانطلاقا من تصريحات "مسؤول كبير من وزارة الخارجية الأمريكية"، كما وصفه فورد، أمام إحدى لجان الكونغرس، عن أن الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش في سوريا، وانسحاب القوات الإيرانية من هناك، مع الوصول إلى حل سياسي دائم للأزمة السورية، باتت جميعها في متناول الأيدي، يرى فورد ضغوطا متزايدة في الوقت الذي لا يلمس فيه أي "إنجازات تساعد الجانب الأمريكي على المدى البعيد، أو ربما تساعد السواد الأعظم من المدنيين السوريين في شيء". ومثلبعض المسؤولين الأمريكيين، يعتبر السفير السابق أن "الوجود العسكري الأمريكي في شرق سوريا لم يعد في حقيقة الأمر يتعلّق بمحاربة تنظيم داعش كما هو معلن". وهذا يتوافق مع ما قاله جيفري بوضوح في مقابلة مع موقع "ذي مونيتور" قبل أيام: "لقد أسقطنا داعش ولم نغادر أماكننا هناك".
جدوى العقوبات الاقتصادية
يسأل فورد عن "حالة عدم الالتزام السياسية لدى إدارة ترمب في دعم وتمويل قوات سوريا الديموقراطية"، إذ تريد الحكومة الأمريكية من "قسد" أن تستفيد من العائدات النفطية هناك لأغراض التمويل، وتتذرع بهذا السبب لإدامة سيطرتها على حقول النفط في شرق الفرات، بالإضافة إلى ممارسة مزيد من الضغوط المالية والاقتصادية على الحكومة السورية. وانطلاقاً من النقطة الأخيرة، يقول جيفري: "صعدنا ضغوط الحصار والعزلة على الأسد، وحافظنا على طول الخط على منع أي مساعدة لإعادة الإعمار التي يحتاج إليها البلد، أرأيتم ماذا حل بالليرة السورية؟ أرأيتم ماذا حل بالاقتصاد السوري؟ لقد كانت استراتيجية مفيدة جدا". وهنا، يعارضه فورد، إذ يتساءل: "لماذا يعتبر اصطفاف المواطنين السوريين في طوابير طويلة ومرهقة من أجل شراء الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود من إنجازات ونجاحات الولايات المتحدة؟ فإن كان الغرض من وراء ذلك هو إجبار بشار الأسد على تقديم تنازلات، فإن الحقيقة تعكس بوضوح أنه لا يزال يرفض تنفيذ الإصلاحات السياسية الجادة". ويؤكد فورد، أنه "في نهاية الأمر، فإن الطوابير الطويلة من أجل شراء الخبز تعني المزيد من معاناة المدنيين السوريين، ولكن مثل هذه الصفوف الممتدة لا تعني أبداً أن هناك صفقة سياسية وشيكة أو انتصارا أمريكيا بات في متناول الأيدي".
ويذكر فورد بأن غالبية الطبقة السياسية في واشنطن تساند فرض العقوبات على الحكومة السورية، "غير أنهم يسارعون في الوقت نفسه إلى الزعم بأن العقوبات الاقتصادية غير ذات تأثير على المدنيين السوريين العاديين لكن العقوبات الأمريكية تزيد من وطأة المشاكل الاقتصادية على المواطنين السوريين وتحيل أوضاعهم المعيشية من سيئ إلى أسوأ". ويستفيض في شرح آثار العقوبات الاقتصادية على المواطنين السوريين، ويطالب ما يصفه بـ"المعسكر المؤيد للعقوبات الاقتصادية في واشنطن" بأن "يلتزم المصداقية بأن العقوبات تزيد من صعوبة وصول المساعدات الإنسانية. إذ تعكس التقارير الواردة في الصيف الماضي عن منظمة أوكسفام البريطانية للمساعدات الإنسانية، وعن البروفسور جوزيف ضاهر، أن العقوبات الاقتصادية ترهب المصارف حتى تحجم عن المجازفة بتحويل الأموال لمصلحة مشاريع المساعدات الإنسانية في سوريا". إذاً يقر فورد، بخلاف جيفري، بأن العقوبات الاقتصادية على سوريا، ولا سيما قانون "قيصر"، لا تمثل نجاحا للسياسة الأمريكية في هذا البلد، بل على العكس هي تزيد من معاناة المواطنين، بينما لا تحقق أي تقدم على طريق دفع الحكومة إلى الرضوخ وتغيير سياساتها، بحسب الرغبة الأمريكية.
فجوة في الاستراتيجية
يتحدث فورد، أيضا، عن "فجوة كبيرة في الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة داعش في سوريا"، ويرى أن وجود القوات الأمريكية هناك مستمر، "ليس لحماية حقول النفط من عناصر داعش فحسب، وإنما للحيلولة دون استيلاء الروس والجيش السوريعليها".إنكم إذا لم تعالجوا التواجد الإيراني في سوريا فلن تنجحوا بالحرب ضد داعش، وتذرعنا للإدارة بالحرب ضد الإرهاب لتبرير الحملة الجوية الإسرائيلية على أهداف إيرانية في سوريا، وهكذا صنعنا سياسة في سوريا، تدخل في صلب سياستنا الإيرانية العامة، وكانت نتيجتها ناجحة نسبيا".
وحول رغبة ترمب في سحب القوات من سوريا، يقول جيفري إن "الرئيس غير مرتاح لوجودنا في سوريا. كان منزعجا جدا مما اعتبره حروبا لا نهاية لها (...) أسقطنا الخلافة داعش ثم بقينا. ظل ترمب يسأل: لماذا لدينا قوات هناك؟ ولم نعطه الإجابة الصحيحة". ويضيف: "في وزارة الخارجية، لم نكشف للرئيس عن عدد القوات في سوريا. إنها ليست وظيفتنا. لم نحاول خداعه. لكننا كنا نعطيه أرقاما أقل بكثير من الأرقام الفعلية (...) الأرقام كانت مضحكة. هل تحصي الحلفاء الذين لا يريدون الكشف عن هويتهم هناك؟ هل تشمل ثكنة التنف؟ هل تحسب أن وحدة برادلي تأتي وتذهب؟". ويزيد قائلا: "كنا خجولين لأن الرئيس أعطى الأمر بالانسحاب ثلاث مرات ولم يتم الانسحاب... أتفهم مخاوفه في شأن أفغانستان. لكن المهمة في سوريا هي الهدية التي تستمر في العطاء. نحن وقوات سوريا الديموقراطية ما زلنا القوة المهيمنة في شمال شرق سوريا". إذاً هذه هي الفجوة التي تحدث عنها فورد، إذ أن التفويض الممنوح للقوات الأمريكية من الكونغرس للعمل في سوريا هو تفويض للعمل ضد داعش، لكن ما تظهره الوقائع الميدانية، بالإضافة إلى تصريحات جيفري، فإن التنظيم قد انتهى، وبقاء القوات الأمريكية ليس إلا اتساقا مع سياسة واشنطن ضد طهران، بالإضافة إلى تشديد الحصار الاقتصادي على دمشق، وقد كان هو وفريق الخارجية بقيادة، مايك بومبيو، يمارسان نوعا من الخداع والكذب على الرئيس والإدارة، لإبقاء القوات الأمريكية في سوريا.
يخلص فورد، في نهاية مقالته، إلى أنه مع تسلّم فريق الرئيس المنتخَب الإدارة، فإنه سيكون "بحاجة إلى التفكير العميق في حقيقة الأولويات الأمريكية في سوريا، والآثار المترتبة على سياسات إدارة الرئيس ترمب هناك، وحقيقة ما يمكن - وما لا يمكن - للولايات المتحدة إنجازه على أرض الواقع في سوريا". وفي هذا دعوة صريحة إلى إعادة النظر في السياسة الأمريكية في سوريا، إذ لم تحرز هذه السياسة أي تقدم يذكر في سبيل تحقيق أهداف واشنطن، فالحكومة السورية لا يبدو أنها في صدد تقديم تنازلات سياسية بسبب الضغوط الاقتصادية، كما أنها تابعت عملياتها ضد الفصائل المسلحة في إدلب، وهي تواصل عملياتها أيضاً ضد داعش في مناطق غرب الفرات. كذلك، فإن التواجد الإيراني في سوريا لم يتأثّر بالوجود العسكري الأمريكي في شرق الفرات، ولا حتى بالحملات الجوية الإسرائيلية التي دعمتها إدارة ترمب.
توجهان
داخل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد بايدن رأيان بشأن الأزمة السورية طرف يريد مواصلة المواجهة وآخر يريد حلا يحقق به مكاسب لا بأس بها.
كانت تعليقات بايدن العلنية على سوريا نادرة وفي المناظرات الأولية للانتخابات الرئاسية، قال إنه إذا تم انتخابه فسيحتفظ بالوجود الصغير للقوات الأمريكية في سوريا.
في خريف سنة 2020 انتقد بايدن منافسه ترمب لتخليه عن ميليشيات الحماية الكردية بعد عملية "نبع السلام" التركية، وانتقد بعد ذلك ترمب لفشله في الرد على القوات الروسية التي تهاجم القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا.
في عام 2019 وصفت نائبة بايدن السيناتور كامالا دي هاريس وهي ديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا، النائب تولسي جابارد وهو جمهوري من هاواي واتهمته بأنه "مدافع" عن الأسد وكشفت عن الخلاف داخل الحزب الديمقراطي بشأن سوريا.
ويلقي العديد من التقدميين باللوم على الولايات المتحدة في المعاناة في سوريا لكن بايدن وهاريس حتى الآن يلومان الأسد وروسيا وإيران.
تفيد مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن فريقا من مستشاري بايدن وبعض مخططي البنتاغون الأمريكي ينصحون بالتوصل إلى تسوية في سوريا بالتنسيق مع موسكو بحيث يحافظ على المصالح الروسية في بلاد الشام خاصة قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، وتعقد مفاوضات تسوية سورية إسرائيلية يتم بموجبها إنهاء حالة الحرب بين الطرفين وتعاد هضبة الجولان إلى دمشق بعد اخلائها من المستوطنات الإسرائيلية وجعلها منزوعة السلاح. وتضيف هذه المصادر أنه في نطاق التسوية المقترحة يتم سحب قوات حزب الله من لبنان وكذلك المستشارين الإيرانيين وفي نفس الوقت تتوصل واشنطن إلى تسوية مع طهران بشأن الاتفاق النووي.
يذكر أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية كانت قد تحدثت في 2 نوفمبر 2020 عن صفقة لإنهاء حالة الحرب بين دمشق وتل أبيب مقابل الانسحاب من هضبة الجولان.
وتشير مصادر الرصد أن هذه ليست المرة الأولى التي يشار فيهاإلى الصفقة المحتملة فبتاريخ 12 أكتوبر 2012 نفى مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو معلومات صحافية، مفادها انه اقترح على دمشق انسحابا كاملا من الجولان السوري مقابل السلام مع سوريا، في اثناء مفاوضات برعاية واشنطن في 2011. وافاد مكتب نتنياهو، "انها مبادرة من بين الكثير غيرها التي طرحت على إسرائيل في السنوات الأخيرة"، وتابع ان "إسرائيل لم توافق قط على هذه المبادرة الأمريكية". ووصف مكتب نتنياهو المبادرة بأنها "قديمة وبلا أهمية".
وكان المراسل الدبلوماسي المخضرم، شيمون شيفر، قد كتب في الصحيفة ان نتنياهو، ووزير الجيش ايهود باراك، بدآ مفاوضات غير مباشرة في عام 2011 مع الرئيس السوري بشار الاسد، من خلال المبعوث الأمريكي فريد هوف، الذي كان آنذاك الممثل الخاص لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في سوريا.
وكتب شيفر ان "المفاوضات جرت بوساطة أمريكية وتحت ستار من السرية يندر حدوثه، حتى في أوساط المؤسسة الأمنية"، مضيفا ان هوف الذي تقاعد كتب عنها.
وأضاف أن "هذه الوثائق تفيد أن المفاوضات بين الجانبين اساسها الموافقة على انسحاب كامل من هضبة الجولان، واعادتها إلى السيادة السورية، مقابل اتفاق سلام كامل يشمل تبادل سفراء".
وتابع ان "مصدرا رفيعا في الإدارة الأمريكية قال قبل أيام ان هذه المفاوضات كانت جدية وعميقة، ويمكن القول انه لولا الحرب في سوريا لانتهت باتفاق".
واعتبر هذا المصدر ان "نتنياهو اختار استئناف المفاوضات مع الرئيس السوري بشار الاسد لتبرير المأزق في المفاوضات مع الفلسطينيين، وعلى أساس فكرة ان سوريا هي الحلقة الضعيفة في "محور الشر" الذي يشمل ايران ولبنان وحزب الله".
الصين وروسيا
اصحاب فكرة التسوية في إدارة بايدن يقولون أن تسوية الأزمة السورية بشكل مرض للكرملين ليست سوى جزء من مشروع أوسع بكثير، حيث أنه سيكون بداية لفتح صفحة جديدة من التعامل مع روسيا يكون كفيلا بإبعادها عن التحالف مع الصين مقابل علاقات سياسية وإقتصادية مع امريكا والغرب.
المصادر الألمانية ذكرت أن البيت الأبيض وخلال فترة حكم الرئيس ترامب عرض على الكرملين تحولات جذرية في التحالفات وأنه أبلغ موسكو أنها بتحالفها مع الصين ستصبح في نهاية المطاف قوة ثانوية على الصعيد العالمي.
مساء يوم الاثنين 28 ديسمبر 2020، صرح الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، إن الولايات المتحدة بحاجة إلى بناء تحالف من الدول ذات التفكير المماثل لمواجهة الصين.
وأضاف خلال خطاب استعرض فيه الخطوط العريضة لسياساته: “في الوقت الذي نتنافس فيه مع بكين لمحاسبة حكومة الصين على الانتهاكات التجارية والتكنولوجيا وحقوق الإنسان والجبهات الأخرى، سيكون موقفنا أقوى بكثير عندما نبني تحالفا”.
وتابع بايدن حديثه، بالقول إن الشراكة مع الديمقراطيات الأخرى بشأن الصين من شأنها “مضاعفة” النفوذ الاقتصادي الأمريكي على الصيني، مضيفا: “لا يمكن حل مشكلة عالمية من خلال تصرف الولايات المتحدة بمفردها، بما في ذلك تغير المناخ وأزمة فيروس كورونا”.
يشار أنه يوم الجمعة 24 يوليو 2020 أكدت السلطات الروسية أن الولايات المتحدة ستفشل في دق الإسفين بين روسيا والصين، مشددة على أن العلاقات بين الطرفين تتميز بشراكة خاصة.
وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في بيان صحفي، تعليقا على دعوة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عن دهشتها من “نبرته المستفزة”، لافتة إلى أن تصريحاته ضمت “فظاظة أصبحت عادية بالنسبة للخطاب السياسي الخارجي للولايات المتحدة حول الجمهورية الشعبية الصينية ونظامها الاجتماعي السياسي وقيادة البلاد”.
وأضافت زاخاروفا: “التوتر الذي تحدثه واشنطن في علاقاتها مع بكين لا يضر الولايات المتحدة والصين فحسب وإنما يزيد بشكل كبير من صعوبة الأوضاع الدولية بصورة عامة”.
وقالت: “تعتبر هاتان الدولتان عضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتلعبان دورا هاما في الشؤون الدولية. إنهما تتحملان، إلى جانب الدول الأخرى التي تدخل ضمن خماسية الأعضاء الدائمين فيه، المسؤولية الخاصة عن ضمان الاستقرار العالمي”.
وأشارت إلى أن الخارجية الروسية تعتبر تصريحات بومبيو حول احتمال جر موسكو في الحملة الأمريكية المعادية للصين محاولة ساذجة لتعقيد الشراكة الروسية الصينية ودق الإسفين في العلاقات الودية بين روسيا والصين”.
وشددت المتحدثة باسم الخارجية الروسية على عزم بلادها مواصلة تعزيز التعاون مع الصين باعتباره من أهم عوامل إرساء الاستقرار للأوضاع في العالم.
من جانبه، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، رفض روسيا مثل هذه المبادرات، مشيرا إلى أن بلاده لا تدخل في صداقات موجهة ضد أي طرف ثالث.
وشدد بيسكوف على أن روسيا تسعى إلى تطوير علاقات حسن الجوار والمنفعة المتبادلة مع كل الدول، فيما أشار إلى أن العلاقات بين بلاده والصين تتميز بشراكة خاصة.
جدل انتخابي
في 18 نوفمبر 2020 قالت الكاتبة بمجلة "ناشيونال إنترست"، بوني كريستيان، في مقال لها إن كلا من بايدن وترمب، تنافسا في مناظرتهما الأخيرة، بخصوص الضغط أكثر على الصين.
فمثلا قال ترمب إنه في حال تولي بايدن الرئاسة فإن "الصين ستكون المسؤولة"، فيما اتهم بايدن ترمب بأنه قد استسلم أمام الصين.
وقد تعهد بايدن بخفض العلاقات الأمريكية الصينية المتوترة بالفعل إلى مستوى آخر يتعدى ترمب، الأمر الذي تحذر منه المحللة الأمريكية.
وشهدت سنوات ترمب الأربع في البيت الأبيض حربا تجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر، بينما انخرطت بكين وواشنطن في سجالات بشأن وباء كوفيد-19 وسجل الصين المرتبط بحقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ.
وتقول كريسيان إن من شأن الإضرار بالعلاقات الأمريكية الصينية أكثر من ذلك، أن يؤدي إلى أضرار ومخاطر كارثية لا يحمد عقباها.
ورغم تأكيد كريستيان على أن الصين منافسة بلا شك للولايات المتحدة، وأبعد ما تكون عن قيم واشنطن، فإن هذا ليس كافيا لمعاملة الصين كعدو، والسير باتجاه التصادم العسكري والاقتصادي.
وذكرت الكاتبة "إن بكين ليست صديقة جيدة للولايات المتحدة. الحكومة الصينية ناتجة عن نظام شيوعي لا يؤمن بالإصلاح، ووحشي وغير جدير بالثقة ويتسلح بشكل متزايد، إنه لاعب خطير للترحيب به في ساحة سياسات القوى العظمى".
وهنا استدركت كريستيان قائلة "مع ذلك، فإن اختيار سياسات لا تهدئ من وتيرة الصراع، ستضر العلاقات التجارية، وتخلق فرصا للصدام العسكري، وتهدم الدبلوماسية البناءة".
واختتمت الكاتبة الأمريكية مقالها بضرورة وضع الدبلوماسية كحجر أساس في العلاقات الأمريكية الصينية، والتركيز أكثر على المحادثات والتجارة، وفي نفس الوقت عدم التهاون مع الأخطاء الصينية.
أنقرة وتل أبيب وترجيح المواجهة
من يوصفون بالصقور في فريق بادن يراهنون على تدخلات تركياوإسرائيل للوصول إلى تسويات أفضل لواشنطن من تلك التييسعى وراءها من يوصفون بالحمائم. حكومة أنقرة شرعت فيتقديم ما تعتبره أوراقا رابحة، وفي هذا الاطار دخل الانتشارالتركي على طرفي الطريق الدولي حلب اللاذقية (m4) في ريفإدلب الجنوبي في مرحلة جديدة، فبعد تعزيزات عسكرية غيرمسبوقة دامت لأشهر من عناصر وآليات ودبابات، اتجه الجيشالتركي إبتداء من بداية سنة 2021 إلى إنشاء نقاط حمايةوحراسة، في عدة مواقع بدءا من منطقة الترنبة القريبة من مدينةسراقب في الريف الشرقي، وصولا إلى منطقة عين حور داخلالحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية.
وحسب ما قال قيادي عسكري في فصائل المعارضة فيتصريحات لموقع "الحرة" الأمريكي الرسمي فإن الجيش التركيبدأ، صباح الاثنين 4 يناير، بنشر نقاط حماية وحراسة علىجسور "m4"، وفي عدة مواقع أبرزها في منطقة الترنبة الواقعةعلى خط التماس مع قوات الجيش العربي السوري، على أن يتمسحبها إلى المساحة الجغرافية الممتدة حتى منطقة عين حور فيريف اللاذقية.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن نقاط الحماية منالمقرر أن تنتشر فيها عناصر من الجيش التركي، بالإضافة إلىعناصر من تحالف "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم عدةفصائل عسكرية مصنفة بأنها "معتدلة"، وتتلقى دعما عسكرياولوجستيا من أنقرة.
ونص اتفاق "سوتشي" الأخير، الموقع في مارس 2020 بينالرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والروسي فلاديمير بوتين،على إنشاء منطقة أمنية على طرفي الـ"m4"، على أن تنسحبفصائل المعارضة من المنطقة، ويتم التوجه لتسيير دورياتمشتركة، كمرحلة أولى تستبق فتح الطريق الدولي بشكل كامل،أمام حركة التجارة والمسافرين، غير أن أنقرة لم تنفذ ما تم الاتفاقعليه.
إلى الخطة "باء"
سبق تثبيت نقاط الحماية دخول تعزيزات عسكرية غير مسبوقةللجيش التركي إلى الجبهات الجنوبية لمدينة إدلب، والتي تتمثلبمنطقة جبل الزاوية، التي باتت ينتشر على أرضها أكثر من ستةآلاف عنصر تركي، حسب ما قال مرصد عسكري تابع للفصائلالمسلحة في حديث سابق لموقع "الحرة".
وأوضح القيادي العسكري الذي تحدث إليه موقع "الحرة" أنالجيش التركي أدخل، يوم الأحد 3 يناير، أكثر من 100 آلية ثقيلةبين دبابات ومدافع ومجنزرات، بالإضافة إلى آليات حفر وناقلاتجند، وجميعها انتشرت في النقاط المثبتة حديثا في جبل الزاوية.
ويشير القيادي إلى أن تثبيت النقاط يندرج في إطار "الخطة باء" التي دخل فيها الانتشار التركي، في الوقت الحالي، ووفقالقيادي فإن قوات سوريا وروسيا، وفي حال نيتهما بدء هجومبري على ريف إدلب الجنوبي، فإن ذلك سيكون "ضربا منالمستحيل"، كون أبواب إدلب الجنوبية باتت مغلقة بخطيندفاعيين، وحاليا بنقاط حماية، سبقها نشر جدران اسمنتية لمنعأي استهداف للحركة على الطريق الدولي.
وبينما يستمر دخول التعزيزات التركية إلى إدلب تغيب المواقفالرسمية من جانب أنقرة، سواء المتعلقة بالأسباب التي دفعتهاإلى سحب نقاط المراقبة من مناطق سيطرة الجيش السوري فيالأسابيع الماضية، أو تلك التي ترتبط بالأهداف المرجوة منحشدها في جنوبي إدلب، والتي تعتبر تحركات عسكرية غيرمسبوقة ولم تشهدها إدلب بهذا الحجم، على مدار السنواتالماضية.
في المقابل لم تعرب موسكو عن أي موقف من التحركات التركيةعلى طرفي "m4"، سواء بالسلب أو الإيجاب، خاصة أنها كانتقد هددت سابقا بشن عمليات عسكرية، بذريعة أن أنقرة لم تلتزمببنود اتفاق "سوتشي"، وخاصة أبرز بنودها المتعلقة بفتح الطريقالدولي، وإبعاد فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" منمحيطه.
ويقول الباحث السوري المطلع على الشأن التركي، أحمد حسن،إن الانتشار التركي العسكري في إدلب حاليا مختلف جذريا عماكان عليه سابقا.
ولم تقف تركيا عند ذلك، بل اتجهت للاعتماد على تكتيكات تقومعلى تنوع قواتها المشاركة بإشراك قوات خاصة قادرة علىمواجهة القوات غير النظامية، وفي نفس الوقت لها قدرة علىمواجهة القوات النظامية أيضا.
واعتمدت تركيا تكتيكا عرف بـ"الدرع الفولاذي" وهو نسخة منأسلوب إسرائيلي. ويوضح الباحث السوري بأن هذا التكتيك يقومعلى نشر النقاط التركية بشكل مترابط كسلسلة على كامل خطالتماس، بما يشكل حاجزا أمام القوات التابعة للجيش السوري.
ويهدف الجيش التركي من تشكيل "الدرع الفولاذي" إلى منعقوات دمشق من التقدم، بمعنى أن الجيش السوري وروسيا وفيحال بدأوا أي هجوم بري فسيكونان في صدام مباشر مع الوجودالتركي، ما يعطي مبررا لأنقرة بالمواجهة، نتيجة تعرض قواتهاللهجمات.
ماذا عن روسيا؟
تعتبر روسيا منطقة إدلب حتى الآن "بقعة متوترة وبعيدة عنالاستقرار"، وهو ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي،سيرغي فيرشينين، في مقابلة مع وكالة "ريا نوفوستي" الروسية،يوم الاثنين 4 يناير.
ورغم أن موسكو تغيب بشكل كامل عن المشهد على الأرضالمحيطة بالطريق الدولي "M4"، إلا أن هدير طائراتها لا يتوقفمن أجواء المحافظة، سواء الطائرات الحربية أو طائراتالاستطلاع التي تجوب الأجواء في كل الاتجاهات، ويلاحظهاالعسكريون والمدنيون أيضا.
إلى جانب تركيا تتحرك إسرائيل في نفس الاتجاه. فيوم 31 ديسمبر 2020 وفي خطوة نادرة كما وصفتها وكالة فرانس بريسكشفت تل أبيب عن عدد ضرباتها الجوية في سوريا خلال عام2020.
وذكر الجيش الإسرائيلي، الذي نادرا ما يعلق على الضرباتالجوية التي تنفذها قواته، في تقرير له يوم الخميس، إنه قصفنحو 50 هدفا في سوريا عام 2020.
ولم يقدم التقرير السنوي للجيش الإسرائيلي تفاصيل عنالأهداف التي قصفت، لكن يعتقد أن إسرائيل شنت مئاتالضربات في سوريا منذ اندلاع الحرب شبه الدولية عام 2011.
واستهدفت الضربات القوات النظامية السورية والقوات الإيرانيةالمتحالفة ومقاتلين من حزب الله اللبناني.
وقالت متحدثة عسكرية صهيونية لوكالة فرانس برس" إن الأرقامالواردة في التقرير صحيحة حتى 20 ديسمبر".
وأضاف التقرير دون الخوض في التفاصيل إن الطائرات الحربيةالإسرائيلية نفذت 1400 طلعة جوية "عملياتية" في عام 2020.
وفيما يتعلق بالصراع الفلسطيني قال التقرير إن 176 صاروخاأطلقت من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس علىإسرائيل، سقط منها 90 في أرض خالية مفتوحة فيما اعترضتالدفاعات الصاروخية الإسرائيلية 80 صاروخا.
داعش ومعادلات التحالف
مصادر في العاصمة اللبنانية بيروت ذكرت أن تنظيم داعش تحرككذلك بموازاة مع كل من أنقرة وتل أبيب لزيادة الضغط علىالجيش السوري وذلك في نطاق ترجيح كفة صقور فريق الرئيسبايدن. ويسجل أن الأجهزة الإعلامية الأمريكية الرسمية وبعد أنطبلت كثيرا لمقولة القضاء على القدرات القتالية لتنظيم داعشعادت إلى التركيز على أن التنظيم استعاد قواه ويوجه ضرباتموجعة للقوات السورية خاصة في المناطق الشمالية المحاذيةللحدود التركية ومراكز تواجد القوات الأمريكية.
جاء في خبر لقناة الحرة الأمريكية: أثار مقتل 40 عنصرا منقوات النظام السوري في كمين نصبه داعش لإحدى حافلاتالقوات الحكومية الكثير من الجدل بشأن استعادة قوته القتاليةوتوجيه ضربات موجعة.
وكانت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري قد أعلنت يوم الجمعة1 يناير 2021 عن تشييع جثامين القتلى الذي سقطوا في الكمينالذي نصبه تنظيم داعش في محافظة دير الزور شرقي البلاد.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن المستقر في لندنلفرانس برس، إنها من الهجمات الأكثر دموية منذ إعلان واشنطنالقضاء على التنظيم في مارس 2019.
وأشار رامي إلى أن الهجوم وقع في محافظة دير الزور قرب قريةالشولا.
وفي أبريل، قضى 27 عنصرا في قوات النظام حسب وصفالوكالة الأمريكية في هجوم للتنظيم المتطرف في محيط مدينةالسخنة الصحراوية التي يسيطر عليها الجيش السوري.
وفي الأشهر الأخيرة أصبحت البادية مسرحا لمعارك منتظمة بينداعش والقوات الحكومية المدعومة من سلاح الجو الروسي.
ومنذ مارس 2019 أسفرت هذه المعارك حسب الأجهزة الأمريكيةعن مقتل أكثر من 1300 شخص بين عناصر النظام السوريومقاتلين موالين لإيران وأكثر من 600 مسلح من داعش.
وفي معرض تعليقه على تلك التطورات، قال الخبير العسكريالسوري المعارض إسماعيل أيوب لموقع الحرة أن الهجوم الأخيرالذي نفذته داعش جرى في منطقة تسيطر عليه قوات النظاموالميليشيات الإيرانية.
والمناطق التي لا تزال خارجة عن سيطرة الجيش السوري هيإدلب شمال غرب، التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة، ومناطقسيطرة القوات التركية وفصائل موالية لها على طول الحدودالشمالية، ومناطق سيطرة القوات الامريكية والكردية في شمالوشرق البلاد.
عمر نجيب