الأزمة الليبية والبحث عن تسوية خارج ساحة القتال... الممكن والمستحيل.. أخطار حرب إقليمية تبرز من جديد

خميس, 2020-12-17 08:13

منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار في ليبيا يوم الجمعة 21 أغسطس 2020 وعلى مدار أشهر عرفت الأزمة الليبية اجتماعات ومفاوضات عديدة في المغرب ومصر وتونس وجنيف وبرلين وغيرها سواء بين الأطراف الليبية أو وراء الكواليس بين الأطراف الدولية والإقليمية المشاركة بشكل أو بآخر في الصراع، كان جزء من الاجتماعات العلنية تلك التي ترعاها الأمم المتحدة، وأقيمت في تونس في مطلع شهر نوفمبر، وتوصلت إلى الإعلان عن الاتفاق على إجراء انتخابات تشريعية في نهاية ديسمبر 2021 وبناء عليها تشكل نظام الحكم الجديد، وفي الاجتماعات التي عقدت في المغرب تم الإعلان عن توافق بشأن المناصب السيادية وكذلك التئام مجلس النواب بكل أعضائه، وكانت هناك تصريحات وبلاغات عديدة عن سحب المرتزقة والقوات الأجنبية، وساد تفاؤل دولي بقرب التوصل إلى حل سلمي للأزمة المستمرة منذ 10 سنوات والتي سببها تدخل حلف الناتو لإسقاط وتصفية نظام العقيد معمر القذافي.

الآن ومع اقتراب سنة 2020 من نهايتها حل التشاؤم وقدر محللون أن مفاوضات التسوية أصبحت على وشك الانهيار، وبالتالي العودة إلى المربع صفر، وانهيار الهدنة واحتداد الصراع العسكري مرة أخرى بكل أبعاده ومكوناته. 

 

العقبات

 

مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين حذرت منذ شهر أغسطس 2020 من أن تركيا وأنصارها من جماعات الإسلام السياسي المتحكمين في طرابلس سيشكلون في المرحلة الراهنة أهم عقبة أمام إيجاد تسوية سياسية متوافق عليها، لأن هؤلاء يدركون أن المعطيات الميدانية والسياسية لن تمكنهم من البقاء في السلطة إذا جرت انتخابات تشريعية ورئاسية حرة، وتضيف هذه المصادر أن الأطراف الدولية والإقليمية التي تعمل على إعادة رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط الكبير تجد في ليبيا المنصة المثالية لتنفيذ مشروعها ونشر ما يسمى بالفوضى الخلاقة في كل الشمال الأفريقي ومنطقة الساحل ولهذا فهي تقاوم عودة الاستقرار.

يذكر أنه بعد ساعات من الإعلان في بنغازي وطرابلس يوم 21 أغسطس 2020 عن وقف إطلاق النار، شكك فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ قال إنه "يأمل أن يلتزم الطرفان الليبيان بوقف إطلاق النار، لكن لا يبدو أن هذا قابل للتحقق"، وأضاف أن "الوقت سيحكم فيما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا سيصمد". وفي الأسابيع والأشهر التالية واصلت أنقرة إرسال السلاح والمسلحين إلى ليبيا، ويوم السبت 12 ديسمبر 2020 بعثت الرئاسة التركية إلى البرلمان مذكرة رئاسية موقعة من الرئيس أردوغان، تطلب الموافقة على تمديد مهام القوات التركية العاملة في ليبيا 18 شهرا إضافيا. الطلب كشف عن وجود فعلي للقوات التركية في ليبيا وليس مجرد مستشارين كما كان يروج سابقا.

في نفس الوقت أفادت مصادر عسكرية ايطالية أن تركيا نقلت سربين من قواتها الجوية مزودين بطائرات اف 16 الأمريكية إلى مطارات ليبية وقالت مصادر في طرابلس أن هذه الطائرات ستقوم عند الضرورة بعمليات عسكرية حتى الجبهة الشرقية أي حتى مصر.

وعلى الصعيد العسكري، هدد وزير دفاع حكومة الوفاق الموالية لتركيا، صلاح الدين النمروش، يوم السبت 12 ديسمبر، بانسحاب ممثلي حكومته في اللجنة العسكرية المشتركة "إذا استمرت ما سماها خروقات اللواء خليفة حفتر" للاتفاق، وفق تصريح نشرته الصفحة الرسمية لعملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق.

وأكد المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير سرت الجفرة التابعة لحكومة الوفاق، الهادي دراه، في بيان وزعه على وسائل الإعلام، استمرار قيادة قوات حفتر في تحشيد قواتها في مناطق التماس في سرت والجفرة.

المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، ذكر أن تصريح دراه يأتي في سياق تصعيد عسكري وتحشيد من الجانبين، مؤكدا أن حكومة الوفاق تحشد قواتها، إما بهدف التصعيد أو بهدف تعزيز قواتها في محاور التماس للاستعداد لشن هجوم محتمل. مصادر رصد ألمانية أضافت أن أنقرة نقلت مزيدا من الطائرات والجنود إلى طرابلس ومصراته.

الباحث والكاتب السياسي الليبي حسين الشارف صرح يوم 25 نوفمبر 2020، إن الأمم المتحدة "لم تدر ملف ليبيا منذ عام 2011 إلى يومنا بعزم على إيجاد حل للأزمة".

وذكر أن "ما يهدد تطبيق اتفاقات الليبيين وجود ميليشيات لا تؤمن بالدولة الوطنية ولا بمؤسسات الدولة مثل ميليشيات الإخوان والجماعة المقاتلة، ومفتيها الصادق الغرياني وزعيمها عبد الحكيم بلحاج. مشيرا إلى أن هذه الميليشيات تسيطر على مناطق غرب ليبيا" وخاصة طرابلس. وأضاف إن هذه الميليشيات "هي التي احتضنت مرتزقة أردوغان وإرهابيي داعش".

 

20 ألف مقاتل أجنبي

 

يذكر أنه في يوم الاربعاء 2 ديسمبر حذرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، من "خطورة تواجد قواعد عسكرية تشغلها قوات أجنبية في الأراضي الليبية". 

وذكرت وليامز في افتتاح أعمال ملتقى الحوار الليبي الليبي في تونس: "توجد الآن 10 قواعد عسكرية في جميع أنحاء بلادكم، وليس في منطقة بعينها، وهذه القواعد تشغلها اليوم بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية". وأضافت: "يوجد الآن 20 ألفا من القوات الأجنبية أو المرتزقة في بلادكم، وهذا انتهاك مروع للسيادة الليبية".

وتابعت المسؤولة الأممية: "قد ترون أن هؤلاء الأجانب موجودون هنا كضيوف، لكنهم الآن يحتلون منزلكم، وهذا انتهاك صارخ لحظر الأسلحة".

ورأت وليامز أن هؤلاء "القوات الأجنبية" يتسببون في تدفق السلاح إلى ليبيا، التي لا تحتاج إلى المزيد من الأسلحة، معربة عن أملها في تحقيق حلول توافقية من أجل مصلحة ليبيا.

وحذرت ويليامز من أن هناك فيروسا آخر في ليبيا غير "كورنا المستجد"، هو "الفساد والسرقة"، مشددة على حق الشعب في معرفة كيفية إدارة الأموال الليبية وكيفية إنفاقها.

وأوضحت ويليامز أن ليبيا هي الدولة الوحيدة التي يوجد فيها مصرفان مركزيان، محذرة من خطورة ذلك اقتصاديا.

واعتبرت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالوكالة، قطع النفط والماء والكهرباء "وسيلة عقاب جماعي"، مشددة على أن ذلك أمر غير مقبول.

وقالت إن مشكلات ليبيا لا يمكن حلها بالسلاح، معتبرة التصعيد العسكري مصدرا لتعاسة الليبيين.

حكومة طرابلس لم يرقها ما كشفت عنه الأمم المتحدة وقالت: كان على رئيسة البعثة الأممية أن تسمي الأشياء بمسمياتها، وأضافت: "بينما انشغلت حكومة الوفاق بإيجاد طرق لتخفيف المعاناة عن شعبنا، كان غيرنا يستعد لنسف كل ذلك، لنتفاجأ بالعدوان الغادر على العاصمة طرابلس"، لافتة إلى أن "العدوان كان معدا له منذ سنوات وبدعم عديد من الدول، والذي عمق حالة الانقسام والتشظي".

وشددت حكومة طرابلس في بيانها على أن "حديث ستيفاني عن طبقة من الفاسدين، أمر لا يمكن القبول به، أو السكوت عنه، وكان الأجدى أن تفصح عن هذه الجهات وهذه الطبقة، وتقدم ما لديها من وثائق وأدلة لتقديمها للقضاء"، موضحة أن "رئيس المجلس الرئاسي كان أول من طالب بتشكيل لجنة فنية دولية، تحت إشراف الأمم المتحدة، لمراجعة الوضع المالي في ليبيا برمته دعما للشفافية وتوضيحا للحقائق".

 

سيل من الأسلحة

 

بتاريخ 22 أكتوبر 2020 كشف موقع "فلايت رادار" المتخصص برصد حركة الطيران أن مطارات غرب ليبيا الثلاث معيتيقة ومصراتة والوطية استقبلت 6 رحلات طيران شحن عسكري خلال الخمسة أيام السابقة.

وبذلك ترتفع أعداد رحلات الشحن العسكري من تركيا إلى مطارات غرب ليبيا لـ126 رحلة استقبلتها المطارات الليبية الثلاثة خلال سبعة أشهر فقط في الفترة من 15 مارس الماضي إلى 18 أكتوبر، وذلك حسب موقعي الرصد الجوي الإيطاليين "فلايت رادار وإيتاميل رادار".

وبحسب رسم بياني فإن من بين هذه الشحنات العسكرية القادمة من تركيا إلي غرب ليبيا 67 شحنة تم نقلها عبر طائرات الشحن التابعة لسلاح الجو التركي و53 منها تابعة لليوشن "إتش 76" المملوكة لحكومة السراج، وأخيرا 6 رحلات شحن عسكري قامت بها طائرات شحن عسكري تابعة لسلاح الجو القطري.

إلى ذلك حذر مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي خالد المحجوب من التساهل مع هذا الجسر العسكري المفتوح بين أنقرة وغرب ليبيا، موضحا أن الجسر العسكري التركي إلي غرب ليبيا لم يتوقف جوا وبحرا خاصة منذ يناير2020، لافتا إلى التسارع الكبير لحركة هذا الجسر في الآونة الأخيرة وزيادة نقل المعدات العسكرية والمرتزقة إلى غرب ليبيا على مرأى ومسمع من مجلس الأمن.

ومن جانبه ألقى الدكتور محمود الغنودي، مسؤول التثقيف السياسي في الجيش الليبي، باللوم على عمليتي "إيريني" التابعة للاتحاد الأوروبي و"حارس المتوسط" التابعة للناتو، والمكلفتين بمراقبة حظر وصول السلاح إلى ليبيا.

وقال الغنودي إن العمليتين فشلتا في الحد من تلك الممارسات التركية عبر البحر المتوسط وليبيا، مشيرا إلى عدم فاعلية العمليتين في إجبار تركيا على احترام قرارات مجلس الأمن الصادرة في هذا الشأن.

وأشار الغنودي إلى عدم محاسبة الاتحاد الأوروبي والناتو لتركيا عن كارثة سفينتها "بانا" التي احتجزتها السلطات البحرية الإيطالية في ميناء جينوا لمدة شهرين ثم تم الإفراج عنها بالرغم من اعتراف طاقمها بنقلها شحنة سلاح كبيرة ومعدات ثقيلة لغرب ليبيا منذ التدخل العسكري التركي السافر.

من جانبه ذكر مركز الإنذار المبكر "إي دبليو سي" أن تركيا أرسلت خلال شهري يناير وفبراير 2020 حوالي ثلاثة شحنات لا تقل أيا منها عن 3500 طنا من المعدات.

وبحسب وزارة الدفاع التركية فإن القوات التركية تساهم في تدريب جنود ليبيين على ممارسة مهام بحرية، وكذلك على استعمال الدبابة التركية "إم 60"، بالإضافة إلى تدريبات علىالقتال البري.

وأشار المركز وهو منصة بحثية خاصة تهتم بالشؤون العسكرية، أنه بعد أسابيع من إعلان حكومة رجب طيب أردوغان تدخلها في ليبيا ظهرت فرقاطتان من البحرية التركية قبالة سواحل طرابلس، موضحا أنهما تحملان اسمي "تي سي جي جيكوفا" و"تي سي جي جوكسو"، وذلك بالتزامن مع وصول معدات ثقيلة إلى غرب ليبيا.

وكانت الفرقاطتان تابعتين للبحرية الأمريكية قبل أن تشتريهما أنقرة في أكتوبر من عام 2019، حيث عملت تركيا على تجديدهما بشكل جذري، مع إضافة نظام إطلاق صاروخي رأسي من طراز "إم كيه 41" ثماني الخلايا والقادر على إطلاق صواريخ بحرية من طراز " RIM-162".

وإلى جانب تلك الأسلحة تبرز مجموعة من الطائرات المسيرة القتالية من طراز "الباقو" التي تنفجر عند الارتطام، تضاف إلى طائرات "بيرقدار"، علما أن الذخائر التي تحملها هذه الطائرات لا تزيد عن 45 كيلوغرام، وتتكون من صواريخ موجهة بالليزر مضادة للدروع.

ودفعت تركيا أيضا إلى الأراضي الليبية التي تتحكم بها بمنظومة للدفاع الجوي والمدفعي ذاتية الحركة، تحمل كل عربة منها مدفعين من نوع "أورليكون"، تضاف لمنظومة الدفاع الجوي متوسط المدى "هوك"، المكونة من قاذفات صاروخية ثلاثية تضرب أهدافا جوية على بعد 45 كيلومترا.

استبدال الشرعية

 

في نطاق آخر المحاولات لانجاز تقدم فعلي نحو التسوية في ليبيا تجرى جهود لعقد اجتماع لمجلس النواب الليبي الذي انتخب في يونيو 2014، غير أن هناك خلافا حول مكان الاجتماع بين غدامس التي تقع قرب مثلث حدود ليبيا مع كل من تونس والجزائرفي الجزء الغربي من البلاد ليبيا وبنغازي المقر الدستوريللبرلمان.

ورغم دعوة البعثة الأممية في ليبيا أعضاء ملتقى الحوار السياسي لعقد جولات جديدة من أجل التوصل إلى توافق حول آلية من الآليات المقترحة لاختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة، إلا أنها عادت وأعلنت، مساء الجمعة 11 ديسمبر، عن عزمها مشاورة الأعضاء "الذين تعذر عليهم المشاركة في هذا الاجتماع لاستبيان آرائهم بشأن الطريقة الأنسب والأكثر توافقية لاختيار آلية لاختيار السلطة التنفيذية بحيث ننتقل للخطوة التالية في تنفيذ خارطة الطريق"، في وقت كشفت فيه مصادر ليبية مقربة من أعضاء الملتقى غياب عدد من الأعضاء عن الجلسة الافتراضية، يوم الخميس، ما أفشل قدرة الأعضاء على التوصل إلى تفاهم حول إحدى الآليات.

وجاء التحرك متزامنا مع دعوة أعلن عنها مجلس نواب طبرق، ليلة السبت 12 ديسمبر، للنواب لعقد جلسة رسمية، يوم الاثنين 14 ديسمبر، في بنغازي. وتستبق الجلسة المقررة في بنغازي جلسة قرر بعض النواب الموالين للوفاق عقدها في غدامس، يوم 21 ديسمبر، لانتخاب رئاسة جديدة للمجلس، بحسب بيان لهؤلاء النواب. 

وقالت مصادر مطلعة حسب رويترز، إن كواليس الملتقى تشهد ضغوطا كبيرة من عدة أطراف من أجل تمرير مقترحات مختلفة تصب في مصلحتها، كل على حدة، وتتوافق مع طموح شخصيات سياسية حالية ترغب في البقاء في المشهد المقبل ضمن مناصب السلطة الجديدة، مقابل رفض أطراف أخرى استمرار وجود الشخصيات السياسية الحالية في المشهد. 

ففي طرابلس يدور صراع بين قادتها البارزين، وتحديدا رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ورئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله ومحافظ البنك المركزي الصديق الكبير، الذي تفجر بعد أن أصدر صنع الله قرارا بحجز مداخيل النفط في حسابات المؤسسة في البنك الليبي الخارجي، ما أثار غضب محافظ البنك المركزي الذي ألمح لإمكانية تأثر الأوضاع المعيشية للمواطن جراء توقف تدفق الأموال للبنك لدعم اعتمادات توريد الغذاء والدواء.

وواصل صنع الله هجومه على الكبير، خلال تصريحات مرئية بثتها الصفحة الوطنية لمؤسسة النفط، متهماً إياه بصرف إيرادات النفط لــ"القطط السمان والديناصورات في اعتمادات وهمية من البنك المركزي"، ومتجها بخطابه لمحافظ البنك قائلا "أنت تنظر للمؤسسة كالبقرة الحلوب تستفيد منها القطط السمان في شكل اعتمادات وهمية". 

وبعدما اتهم صنع الله الكبير بـ"عدم الشفافية"، و"السياسة النقدية الفاشلة"، تساءل "أين صرفت الأموال؟"، أكد أن المجلس الرئاسي ومكتب النائب العام "وقفوا معنا" في إشارة لدعمهم لقرار حجب الإيرادات النفطية.

وهناك كذلك صراع شديد بين فايز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، وقد وصلت إلى نقطة خطرة، بعدما قرر الأول توقيف الوزير عن العمل وأمر بإجراء تحقيق بشأن الاعتداءات التي استهدفت المتظاهرين، وذلك في أعقاب اتهام باشاغا ميليشيات تابعة للسراج بمهاجمة المحتجين السلميين، كما قام باستبعاده من اجتماعين أمنيين رفيعي المستوى.

ويكشف المحلل السياسي الليبي مروان ذويب، من جانبه شكل دوائر الصراع وهدفه، معتبرا أن الجميع أدرك أن ورقة النفط هي كلمة السر للبقاء في واجهة المشهد، خصوصا أن ملف النفط كان حاضرا بقوة في كل مسارات الحل التي تقودها الأمم المتحدة، سواء الاقتصادي أو حتى العسكري الذي أوكل له مهمة توحيد حرس المنشآت النفطية.

 

اتفاق النفط في خطر

 

في بداية شهر ديسمبر 2020 وفي نطاق طرح نوع من العلاج لتعثر المسار السياسي اعلنت البعثة الأممية في ليبيا عن رغبتها في تنظيم لقاء جديد للمسار الاقتصادي، في جنيف، بين رؤساء المؤسسات الليبية الاقتصادية، بمشاركة مصر والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بهدف "التوصل إلى اتفاق بشأن إصلاحات بالغة الأهمية في السياسة الاقتصادية العامة"، مؤكدة أن الاجتماع المرتقب سيشكل "فرصة لإحراز تقدم نحو الاتفاق على مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تجنب المزيد من التدهور الاقتصادي". 

وعلى الرغم من عبارات التفاؤل التي احتواها الإعلان عن الاجتماع الاقتصادي "الدافعة لمزيد من الأمل"، بحسب الأكاديمي الليبي ياسين العريبي، إلا أنه يرى أن شكل الصراع الليبي وعمق تعقده أثر على جهود البعثة الأممية التي تحاول جاهدة محاولة لملمة الأوراق المبعثرة أمامها، فـ"المسار العسكري بات مهدداً بتصريحات وزير دفاع حكومة الوفاق.

التعقيدات التي انتهت بدعوة البعثة إلى إحياء مفاوضات المسار الاقتصادي جاءت متزامنة مع تحذير تقرير مجموعة الأزمات الدولية من انهيار اتفاق النفط الموقع بين قائد الجيش الليبي خليفة حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أحمد معيتيق. 

وأشار تقرير لمجموعة الأزمات الدولية، نشره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يوم السبت 12 ديسمبر، إلى أن الوضع في ليبيا لا يزال "هشا"، على خلفية إمكانية انهيار اتفاق النفط الموقع في أكتوبر 2020، الذي مكن من استئناف إنتاج النفط وخفض من مستوى التوتر في البلاد، على حد وصفه.

وحذر التقرير من إمكانية انهيار اتفاق النفط وارتفاع مستوى التوتر، ما قد يقود إلى تجدد الصدامات المسلحة، في وقت أوشك هذا العام على الانتهاء من دون إحراز تقدم كبير في المفاوضات السياسية والاقتصادية، مؤكدا أن المحادثات التي توسطت فيها الأمم المتحدة لتعيين حكومة وحدة وطنية تعثرت. 

وحذرت مجموعة الأزمات من "مفسدين" داخل أعمال ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذين قالت إنهم "حريصون على تخريب تعيين هيئة تنفيذية جديدة لأسباب مختلفة"، موضحة أن البعض يريد بقاء السراج في مكانه، لأنهم يستفيدون من الوضع الراهن، والبعض يرى أن تعيين حكومة مؤقتة جديدة سيؤخر، ربما إلى أجل غير مسمى، الانتخابات المقرر إجراؤها في نهاية عام 2021.

 

الولايات المتحدة وتركيا

 

يرى عدد من الملاحظين أن الوضع في ليبيا سيعرف فترة غير طويلة من الترقب حتى تولي جو بايدن رئاسة البيت الأبيض الأمريكي وتبين توجهاته تجاه ازمات المنطقة العربية ومن ضمنها الصراع في ليبيا. خلال رئاسة دونالد ترامب ورغم الخلافات على بعض الملفات مع تركيا كان الرئيس التركي اردوغان يشعر أنه يتمتع بدعم البيت الأبيض بشأن تحركه على الساحة الليبية ودعمه جماعات الإسلام السياسي خاصة وأن هذا التحرك يتناسق مع مشروع المحافظين الجدد حول الشرق الأوسط الجديد أو الكبير.

الدول الأوروبية وخاصة فرنسا ومعها ألمانيا عارضتا توسع النفوذ التركي على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ودعمه لحكومة طرابلس، خاصة وأنهما تدركان أنه عبر ليبيا وبواسطة التنظيمات المسلحة خاصة الجهادية يمكن تمهيد الطريق لمصلحة الشركات الأمريكية الضخمة التي تتطلع لكسب موضع قدم في بلاد ظلت بعيدة عن سيطرتها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا.

خلال الثلث الأول من شهر ديسمبر 2020 هددت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا بفرض عقوبات على الجهات التي تعرقل المفاوضات بين الطرفين الليبيين التي تهدف إلى إنشاء مؤسسات انتقالية إلى حين إجراء انتخابات في ديسمبر 2021.

وقالت الدول الأوروبية الأربع في بيان مشترك نشرته الرئاسة الفرنسية، "نحن مستعدون لاتخاذ تدابير ضد الجهات التي تعرقل منتدى الحوار السياسي الليبي والمسارات الأخرى لعملية برلين، وكذلك ضد الجهات التي تواصل نهب الأموال الحكومية وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد"، وفقا لوكالة فرانس برس.

علي السعيدي، عضو مجلس النواب الليبي، ذكر إنه توجد الكثير من العوائق والمطبات التي تعيق التوصل إلى اتفاق سلمي لصالح ليبيا.

وأضاف في تصريحات لموقع "الحرة" أن "تركيا وحلفائها لا يريدون استقلال الوطن ويدعمون الجماعات المسلحة بطريقة مباشرة أو غيرة مباشرة"، وأشار إلى أن أحد أهم نقاط الخلاف هي جماعة الإخوان المسلمين التي تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة الليبية، وتحاول استغلال الثروات الليبية لصالح الجماعة لمستوى العالم.

وتابع: "طالما جماعة الإخوان والميليشيات التابعة لها موجودون سيكون مصير أي مفاوضات الفشل"، وإن تركيا لازالت تدعم الميلشيات في الغرب الليبي للسيطرة على النفط في محاولة لإنقاذ الاقتصاد التركي المنهار"، مؤكدا أن العودة إلى المربع صفر والحرب مرة ثانية وارد جدا.

 

في انتظار رئاسة بايدن

 

كتب المحلل إيغور سوبوتين، في "نيزافيسيمايا غازيتا"، يوم الاربعاء 2 ديسمبر عن احتمال انهيار معسكر خصوم المشير حفتر، على خلفية وصول بايدن إلى السلطة، وموقفه من أردوغان.

وجاء في المقال: تطلق جماعات الضغط التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية حملة شاملة للتأثير في الإدارة الرئاسية الأمريكية الجديدة. فالمجموعة القانونية التابعة للتحالف الليبي الأمريكي، تعد تقريرا، لجوزيف بايدن وفريقه، حول أنشطة قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، تهدف إلى إقناع البيت الأبيض بأن هذا القائد العسكري لم يعد جزءا من مستقبل ليبيا.

وقد قال، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، ويليام لورانس، والذي يقدم المشورة للسياسيين الليبيين، للصحافيين: إنهم في طرابلس يأملون في أن يهتم بايدن، الذي عارض خلال فترة عمله نائبا للرئيس أوباما، التدخل العسكري لحلف الناتو ضد نظام معمر القذافي، بالصراع الليبي، أكثر مما هو الحال عليه مؤخرا.

وبحسب لورانس، فإن جماعات طرابلس للضغط لا تريد إضاعة الوقت، في سعيها إلى رفع أولوية القضية الليبية على جدول أعمال بايدن وتمهيد الأرضية للعمل مع الإدارة الرئاسية الأمريكية الجديدة. وقال الدبلوماسي السابق: "إنهم في حاجة فعلا إلى القيام بذلك أثناء انتقال السلطة. وهذا هو سبب بدء كل محاولات الضغط المكثف الآن".

وفي حديث مع"نيزافيسيمايا غازيتا" قال الباحث في معهد كلينجيندال للعلاقات الدولية، جليل حرشاوي، إن الزعيم الأمريكي الجديد يمكن أن يكون أكثر صرامة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يقدم المساعدة العسكرية لحكومة الوفاق. وهذا الموقف سيؤثر، بلا شك، في الوضع في ليبيا. وأضاف: "هذا سيؤدي، بشكل غير مباشر، إلى زيادة الضغط على معسكر طرابلس. وفيما يرى العديد من المراقبين أن إدارة بايدن ستكون أكثر صرامة ضد الإمارات العربية المتحدة وهي من رعاة حفتر الرئيسيين، فقد لا تتحقق هذه التوقعات".

مصادر رصد في برلين أشارت إلى أن المعسكر المتحالف مع تركيا في ليبيا يحاول في الأسابيع الأخيرة لحكم ترامب إثارة حفيظة سلطات واشنطن القادمة تجاه حكومة عبد الثني والجيش الليبي باللعب على وتر العلاقات المتوترة مع إيران حيث ذكرت مصادر أمريكية أنه بعد تحليل حديث أجرته الأمم المتحدة وخلص إلى العثور على صاروخ موجه مضاد للدبابات في ليبيا "له خصائص تتسق مع صاروخ دهلوي الإيراني الصنع".

يقول الخبراء إن نقل النظام الصاروخي يعد "عدم امتثال" لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا منذ 2011. لكنه الآن يواجه عدم التزام بشكل كبير.

وبينما لم يحدد خبراء الأمم المتحدة الجهة التي نقلت الصاروخ، فإن نتائج التحليل الأممي الجديد تأتي بعد مرور عام على رصد إسرائيل صواريخ إيرانية موجهة مضادة للدبابات تستخدمها قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر التي تقاتل حكومة الوفاق الوطني.

وفي أكتوبر 2020، وعقب إنهاء الأمم المتحدة حظرها على شراء وبيع إيران الأسلحة التقليدية، قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي، إن إيران ستبدأ في بيع وشراء الأسلحة الآن.

ويلقي المحلل السياسي الليبي، عبد الحكيم معتوق، باللوم على الأمم المتحدة، قائلا إنها فشلت "فشلا ذريعا" في الحد من تدفق مزيد من الأسلحة إلى الطرفين المتحاربين في ليبيا.

ويرى معتوق أن تمكن إيران من إيصال صاروخ أو حتى معدات عسكرية أخرى إلى ليبيا، يعكس خرق حظر القرارات الدولية.

وتابع "من يستجوب في هذا الشأن ليست إيران أو تركيا لكن الأمم المتحدة"، متسائلا "كيف سمحت الأمم المتحدة التي اجتمعت عام 2011 وأصدرت قرارا حصنته بمجلس الأمن وكلفت به حلف الناتو لإسقاط نظام معمر القذافي، بإيصال هذه الأسلحة إلى ليبيا".

ويقول معتوق إن "إيران حاولت، من خلال عملاء لها، أن تدخل على خط الأزمة الليبية، هناك معلومات وردت قبل سنة، بأنها فعلا أوصلت شحنات سلاح إلى ليبيا".

ويعد صاروخ دهلوي أول صاروخ إيراني مضاد للدروع موجه بأشعة الليزر، وبإمكانه ضرب أنواع الدبابات المزودة بدروع تفاعلية. وفي 2012 كشفت إيران عن هذا الصاروخ الذي أنتجته الصناعات الدفاعية بوزارة الدفاع الإيرانية.

 

افشال الحوار

 

يوم 9 ديسمبر 2020 كتب إيغور سوبوتين، في "نيزافيسيمايا غازيتا"، حول تحذير المشير خليفة حفتر من محاولات تركيا إفشال الحوار الليبي الليبي.

وجاء في المقال: ناقش قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، في القاهرة مخاطر تصعيد الصراع في الجماهيرية السابقة. ففي رأيه، طرابلس وأنقرة الداعمة لها تريدان تعطيل عملية التفاوض.

ولكن المحاضر البارز في قسم العلوم السياسية بالمدرسة العليا للاقتصاد، غريغوري لوكيانوف، يرى أن مخاوف حفتر لا مسوغ لها.

وبحسبه فإن الجهود التي بذلتها المنظمات الدولية كانت كبيرة، خاصة على خلفية العمل على الحط من قيمة العملية السياسية. ولكنه أضاف: "إنما، من ناحية أخرى، رأينا في الأشهر الأخيرة، على الرغم من تصريحات الأطراف عن استعدادها لتقليص وجود الخبراء العسكريين الأجانب في الأراضي الليبية، استعادة تدريجية للقوة العسكرية وتعزيزها. وهذا لا يقتصر على تركيا، التي تنشر فعليا تقارير دورية منتظمة، بشكل علني، حول تطوير برامج تدريب عسكرية جديدة ودورات تدريبية للضباط الليبيين في تركيا وعلى الأراضي الليبية نفسها".

يثير النشاط الذي تمارسه تركيا في العديد من القضايا الشكوك في أوساط الجيش الوطني الليبي. وفي الصدد، قال لوكيانوف: "لذلك، فعلى طول خط الجفرة سرت، وعلى الرغم من تفاؤل الدبلوماسيين، ترى الجيش الوطني الليبي لا يسرع إلى سحب قواته. إنما، على العكس من ذلك، هناك تناوب منتظم للتشكيلات. إلى ذلك، يتحدث أنصار الجيش الوطني الليبي عن وجود مرتزقة أجانب، بما في ذلك من السودان وفضاء ما بعد الاتحاد السوفيتي. وإذا تأكدت هذه الواقعة، فإنها تعني، أولاً وقبل كل شيء، إما أن الشروط السياسية التي توصلت إليها الأطراف لا تحترم، أو أن التقيد بها محط شكك". وكمثال على ذلك، استشهد لوكيانوف بفكرة إنشاء قوة مستقلة، هي الحرس الوطني، رأى الجيش الوطني الليبي فيها محاولة لإضفاء الشرعية على مختلف الميليشيات.

 

حرب إقليمية

 

خلال صيف سنة 2020 برزت مخاطر تحول الصراع في ليبيا إلى مواجهة إقليمية ودولية، هذه المخاطر تعود للظهور من جديد نتيجة التوتر السائد وتعثر جهود التسوية.

يوم الاربعاء 9 ديسمبر قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن "مصر تعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل يظل الطريق الوحيد الممكن لتسوية الأزمة في ليبيا".

وردا على سؤال حول احتمالية حدوث مواجهة عسكرية بين مصر وتركيا في ليبيا، قال السيسي في حديثه لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية: "مصر لن تكون أبدا الطرف البادئ بالاعتداء لكن في المقابل، فإن قواتنا المسلحة دائما مستعدة للدفاع عن وطنها وضمان أمنها القومي في مواجهة أي شكل من أشكال التهديدات".

وتابع: "مصر تعمل من أجل التوصل إلى حل سياسي شامل يظل الطريق الوحيد الممكن لتسوية هذه الأزمة وضمان استقرار هذا البلد الشقيق، الذي يشترك مع مصر في حدود يصل طولها إلى 1200 كم، ومن الحتمي إنهاء التدخلات الأجنبية التي تهدد استقرار هذا البلد، نتيجة نقل المرتزقة والسلاح الموجه للميليشيات المتطرفة".

وأشار الرئيس المصري إلى أن "سياسة مصر هي إقامة علاقات ممتازة مع جيرانها، مع تغليب الحوار دائما، ويتعين على تركيا مثلها مثل دول المنطقة الأخرى، أن تحرص على احترام قواعد القانون الدولي وقانون البحار، وألا تقوم بأي عمل من طرف واحد دون تشاور أو على حساب أمن وسلم المنطقة".

يوم 10 ديسمبر 2020 أعلن بيان لوزارة الدفاع المصرية أنقواتها نفذت ضربة استباقية ضد عناصر إرهابية على الحدود معليبيا، دمرت خلالها 21 عربة دفع رباعي محملة بالمسلحينوالأسلحة والذخائر. 

وأظهر مقطع فيديو نشر على حساب في "تويتر" ضربات جويةعالية الدقة نفذتها طائرات القوات الجوية المصرية على الحدود معليبيا. ويبدو من المشاهد المصورة أن مقاتلات رافال المصريةمتعددة المهام أدت الدور الرئيس في هذه العملية التي وصفتبالاستباقية.

وشاركت في هذه العملية طائرات الاستطلاع التي تولت رصدالوضع وتوثيق مهاجمة وتدمير عربات الدفع الرباعي التي تحركتفي مسارات وعرة  متسترة بالظلام.

يشار إلى أن طائرات رافال الفرنسية الصنع، يمكن أن تحملأسلحة عالية الدقة، بما في ذلك قنابل موجهة بالليزر تتراوحأوزانها بين 202 إلى 910 كيلوغرامات، بمدى يصل إلى 18 كيلومترا، علاوة على صواريخ "إي إس 30 إل" موجهة، يصلمداها إلى 12 كيلومترا.

ويقول خبير في مجال الأسلحة أن العملية الأخيرة يمكن اعتبارهاإحدى أولى حالات الاستخدام القتالي للطائرات المصرية منطراز رافال، حيث كانت تستخدم في السابق غالبا طائرات "F-16" ضد الأهداف الأرضية.

عمر نجيب

[email protected]