انتخب الشعب الموريتاني منذ عام ونيف الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على أساس برنامج رئاسي خمسي "أغسطس 2019- أغسطس 2024 "حمل تسمية " تعهداتي" شمل رزمة كبيرة من الالتزامات غطت كافة مستعجلات و انشغالات الشعب الموريتاني الساسية و الحقوقية و الاقتصادية و الاجتماعية،... و من المناسب استغلال تخليد ذكرى ستينية الاستقلال الوطني للتذكير بمعالم التعهدات المشار إليها واستحضار أمهات الإنجازات المتحصل عليها فى " الربع الأول من الطريق"( 16 شهرا من أًصل 60 شهرا)سبيلا إلى التعريف و التثمين المستحق للتعهدات التى تم إنجازها و التنبيه الواجب إلى الاختلالات المتعين تصحيحها؛ و سيركز هذا المقال على تقييم إجمالي للمنجز فى المجال السياسي و الميدان الاقتصادي و الصعيد الحقوقي- الاجتماعي. ففى المجال السياسي و بناء على تشخيص إجماعي بغلبة الاستقطاب بلا سبب و الحدية العمياء القطيعة المعيقة على السنوات الأخيرة تعهد رئيس الجمهورية بتهدئة المشهد السياسي و تطبيعه من خلال إرساء علاقات ضابطها المؤسسية و احترام القوانين و اعتبار كل أقطاب المشهد السياسي من الموالاة و المعارضة شركاء لا خلطاء. و تنفيذا لهذا التعهد قطعت أشواط فى هذا الربع الأول من المأمورية منها مثلا لا حصرا: •استئناف و انتظام اللقاءات المنصوص عليها دستوريا كل ثلاثة أشهر بين رئيس الجمهورية و زعيم المعارضة الديمقراطية و إعطاء المكانة البروتوكولية اللائقة لزعيم المعارضة إبان كل التظاهرات ذات السمت الوطني؛ •لقاء رئيس الجمهورية بكافة المترشحين للانتخابات الرئاسية الأخيرة و التشاور معهم و هو أمر غير مسبوق فى التاريخ السياسي الحديث لهذا البلد؛ •تصفية كافة المظالم ذات الخلفية السياسية و عودة السياسيين و رجال الإعلام و المال و مشاهير الأدب و الفن الذين أخرجوا من ديارهم لأسباب سياسية و مزاجية؛ •خلق إطار تشاوري تنسيقي بين غالب أحزاب الموالاة و المعارضة الممثلة بالبرلمان يناقش مستجدات المشهد الوطني و يحرر إمكانيات التوافق حولها و ضوابط الاختلاف إن لم يكن منه بد؛ •التواصل مع الجماعات ذات الأهداف السياسية المطالبة بترخيص أحزاب و دراسة الحلول المناسبة للعوائق التى تحول دون انضمام تلك المجموعات إلى " القطاع السياسي المصنف". و رغم الإنجاز الملموس بخصوص التعهد بتهدئة المشهد السياسي الذى بلغ حدا دفع بعض المراقبين الوطنيين و الإقليميين و الدوليين إلى التساؤل عن خطوط وحدود التمايز بين الموالاة و المعارضة فإن خطوات عملية يتعين اتخاذها فى الربع الثاني من المأمورية لتثبيت المكتسب و الحؤول دون الحور و الارتكاس فى هذا المجال منها: الاستزادة من إشراك الأطر المنتسبين للمعارضة فى الوظائف السامية ذات الطابع الفني و رسم موقف واضح من " حدود و ضوابط و آجال" الحوار المطلوب من بعض قوى المعارضة و مزيد "الانفتاح على "المجموعات غير المصنفة حزبيا" وفق ضوابط المصلحة العليا للوطن و روابط الصرامة القانونية. و فى الميدان الاقتصادي تعهد رئيس الجمهورية بإرساء يقظة اقتصادية مؤسسة على تنويع قاعدة الاقتصاد من خلال التركيز على القطاعات التى يحوز البلد بها ميزات تنافسية و هي الزراعة – التنمية الحيوانية- الصيد و التعدين التقليدي و شبه الصناعي كما تعهد بزيادة معدل النمو خلال المأمورية بنسبة 66% لينتقل من 5% عام 2019 إلى 8% سنة 2024. و قد أثرت جائحة "كوفيد" على كل الخطط الاقتصادية و توقعات ارتفاع معدلات النمو بكل دول العالم و لم تكن طبعا بلادنا استثناء لكن استحداث الحكومة لآليات "الخطة متعدد القطاعات لمواجهة آثار كوفيد" و "الصندوق الوطني لتمويل إجراءات محاربة كورونا" و مخطط الانتعاش الاقتصادي المسمى " برنامج أولوياتي الموسع" كلها آليات ساهمت فى التخفيف من انعكاسات الجائحة. و من محاسن الصدف أن جائحة كورونا أكدت وجاهة و حصافة التوجهات التى رسمها البرنامج الرئاسي المتعلقة بالتركيز على القطاعات الأربعة : الزراعة- التنمية الحيوانية- الصيد – التعدين التقليدي و التى بإمكان البلد تبعا للميزات التنافسية كسب رهانها فى فترة زمنية قليلة تحقيقا للأمن الغذائي و خلقا لفرص التشغيل،... و فى مجال ذى صلة بالحكامة الراشدة يجدر التذكير بأحد أبرز تعهدات رئيس الجمهورية و هو محاربة الفساد و إرساء حكامة تسييرية نظيفة و فى هذا المجال يمكن رصد العديد من الإجراءات المطمئنة على الوفاء بهذا التعهد منها : نشر تقارير محكمة الحسابات و إطلاع العموم عليها و المواكبة الإيجابية من قبل السلطة التنفيذية للمسارين البرلماني و القضائي للتحقيق حول شبهات و قرائن الفساد و التأكيد فى أكثر من مناسبة و من طرف رئيس الجمهورية نفسه أن لا مكان و لا حماية للفساد و المفسدين. و رغم الحصيلة الإيجابية فى المجال الاقتصادي و محاربة الفساد فإن الرأي العام يتطلع فى المجال التنموي إلى تحيين الاستراتجيات المتبعة فى القطاعات الأربعة من أجل مزيد مقروئية أهداف كبرى و طموحة مطمئنة و معبئة للرأي العام يتم العمل بتفان من أجل تحقيقها قبل انتهاء الخمسية. أما فى ميدان محاربة الفساد فإن الرأي العام متعطش إلى تسريع وتيرة المسار القضائي في مجال الملفات التى أحالتها لجنة التحقيق البرلمانية كما يطالب بتحييد "مشاهير السوابق التسييرية المؤكدة" عن المشهد الإداري. و على الصعيد الحقوقي و الاجتماعي كانت محاربة الغبن و إصلاح أعطاب و اختلالات العدالة الاجتماعية ذروة و سنام اهتمامات و تعهدات رئيس الجمهورية باعتبرها " الشاغل الجمهوري 001" و قد تم بالربع الأول من المأمورية اتخاذ العديد من الإجراءات الهادفة للوفاء السريع بهذا التعهد منها : إنشاء مندوبية عامة لمحاربة الغبن "تآزر" رصدت لها ميزانيات و أموال كبيرة و إسداء التوجيهات لكل القطاعات الوزارية( و خصوصا التعليم- الصحة- التشغيل،...) بإعطاء الأولوية لكل ما يمت بصلة لمحاربة الغبن و محو الفوارق بين الشرائح و المناطق و الأجيال،... و رغم العديد من الخطوات و المبادرات الرمزية و المعنوية و المادية التى تم اتخاذها فى مجال محاربة الغبن و التخفيف من الفوارق فإن استفحال الظاهرة و تجذرها و تنامى مخاطرها يحتم على السلطات العمومية زيادة تسارع و تمويل السياسات المتبعة فى هذا المجال كما أن قطاعا مذكورا من الرأي العام يعتبر أنه حان الأوان لمبادرات جريئة و غير تقليدية من طرف الفقهاء و حملة العلم الشرعي و السياسيين و نشطاء المجتمع المدني من أجل رأب الصدع الاجتماعي و الحقوقي و تحصين البلد و المجتمع من "هزات حقوقية صدامية" أضرت بمجتمعات عديدة. و خلاصة القول أن تقييم تنفيذ البرنامج الرئاسي خلال الربع الأول من المأمورية يوضح أن خطوات كبيرة قطعت و جهودا معتبرة بذلت و أهدافا مرحلية بلغت رغم الطوارئ الصحية ( كوفيد19) و الإكراهات السياسة المحلية و المستجدات الأمنية الإقليمية كما أن اختلالات معلومة سجلت و أخطاء معروفة رصدت( و هل يسلم أي مسار من اختلالات و أخطاء؟) و المتعين هو أن يكون الربع الثاني من المأمورية فرصة لتقويم الاختلالات و تصحيح الأخطاء و المضي بوتيرة أسرع تعتبر أن " ما تبقى من المأمورية دقائق و ثوان" نحو الوفاء بالتعهدات و ترتيب الأولويات و القطيعة التامة مع كافة سلبيات الماضى.