الأزمة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل تستعر. لكن ماكينة الاتصالات السياسية تحاول نزع فتيل التفجير. أبرز من تولى الاتصالات أمس حزب الله الذي أكّد وقوفه إلى جانب حليفه، وحذّر من تجاوز مكونات رئيسية في مجلس الوزراء
لم تظهر بعد بشائر حل للأزمة الحكومية التي تجاوزت إطار مجلس الوزراء، لتهدد مستقبل الحكومة من جهة، وسط جهر التيار الوطني الحر باستعداده لنسف النظام. ورغم عدم بروز ما يوحي بوجود حل قريب للأزمة، أظهرت الاتصالات السياسية أمس قواعد جديدة للاشتباك، نتيجة دخول حزب الله على خط التواصل، مبادراً من جهة، ومعلناً وقوفه إلى جانب التيار الوطني الحر من جهة أخرى. تيار المستقبل لا يزال مصراً على «كسر» العماد ميشال عون.
لكن التيار الأزرق لم يعد قادراً على تجاوز وجود معارضة جدية في مجلس الوزراء، تتمثل في تحالف التيار الوطني الحر وحزب الله وتيار المردة وحزب الطاشناق. كذلك يصرّ حزب الكتائب على التمسّك بآلية العمل الحكومي، لناحية التوافق على إصدار القرارات. ويوم أمس، زار الوزير محمد فنيش الرئيس تمام سلام، وأبلغه موقفاً واضحاً: نحن نقف إلى جانب التيار الوطني الحر من دون لبس، ونؤيد موقفه، ونحن متمسكون بآلية العمل الحكومي. وأكّد فنيش لسلام أن رئاسة الجمهورية في لبنان هي الضامنة للتوازن السياسي والدستوري، والحكومة التي ولدت في ظروف استثنائية، انتقلت إليها صلاحيات رئيس الجمهورية، ودورها اليوم الحفاظ على التوازن. وأيّ حديث اليوم عن اتخاذ قرار بالنصف زائداً واحداً يعني الإخلال بهذا التوازن وهذا الدور.
وأكّد فنيش لسلام أن «مطلب التيار الوطني الحر بشأن قيادة الجيش محق. والقوى السياسية معنية بالبحث عن سبل لتلبيته، وخاصة أن تيار المستقبل سبق أن أيّد مطلب عون، وهذا الامر لم يعد سراً». وشدد على ضرورة «الابتعاد عن التأزيم، وخاصة في ظل الوضع الإقليمي المتفجر. وعلى العكس من ذلك، لدينا فرصة للاستفادة من تطورات إقليمية إيجابية، في حال جرى التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والغرب، وبعد التحولات في بعض المواقف الدولية بشأن أولوية محاربة الإرهاب في سوريا. وينبغي عدم إهدار هذه الفرص». وأكد فنيش أن «تجاهل مكونات رئيسية في مجلس الوزراء، كالتيار الوطني الحر وحزب الله والطاشناق والمردة، سيؤدي إلى خلق مشكلة في البلد». واقترح أن يتم تأجيل جلسة مجلس الوزراء الخميس، أو على الأقل عدم اتخاذ قرارات فيها من خارج آلية العمل الحكومي التي جرى الاتفاق عليها سابقاً، إفساحاً في المجال أمام أي تسوية يمكن التوصل إليها. وأكّد فنيش أن الحكومة ولدت في ظروف استئنائية، واستمرت في ظروف استثنائية. وأحد الأسباب الرئيسية لاستمرارها هي حكمة رئيس الحكومة وصبره وقدرته على تجاوز المصاعب. وهذه ليست ميزات شخصية ممدوحة لرئيس الحكومة وحسب، بل هي ميزات وطنية ينبغي الاستمرار في العمل وفقاً لها، لتجاوز الازمة الراهنة».
في المقابل، لم يُظهر سلام تجاوباً مع اقتراح فنيش إرجاء الجلسة أو عدم اتخاذ قرارات فيها خارج الآلية، لكنه لم يعطِ جواباً سلبياً. أبدى تفهماً لكلام فنيش، معبّراً في الوقت عينه عن الضغوط المفروضة عليه، والتي تحتّم عدم تعطيل الحكومة، «لأنها إذا تعطلت ينتفي معنى وجودها وتصبح الاستقالة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال أفضل من بقائها». إيجابية سلام في الاجتماع قابلها تشدد وزراء قريبين منه، أكدوا أنه «لا يمكن أن يكون الرئيس سلام رئيساً لحكومة يحكمها الوزيران جبران باسيل والياس أبو صعب»، وأضافوا: «كل خيارات رئيس الحكومة مفتوحة، لأنه إمّا أن يكون رئيساً أو فلتكن حكومة تصريف أعمال». وانتقدت المصادر ما سمّته «استخدام الشارع»، لافتةً إلى أن «استخدام الجنرال للشارع يبيح للآخرين استخدام الشارع أيضاً، وهذا قد يفجّر البلد في ظلّ الظروف الأمنية الخطيرة والتوتر في المحيط، الذي ينعكس على لبنان». وتوقّعت المصادر أن يعمد سلام إلى طرح مجموعة من المشاريع «غير المصيرية» لكن الـ«مهمة للمواطنين» في جلسة الغد، بمعزلٍ عن اعتراض وزراء تكتل التغيير والإصلاح وحزب الله. وجزمت بأن «قيادة الجيش لن تُمنَح لعون من دون مقايضة كبرى في البلد، من ضمن ملفّ رئاسة الجمهورية».
حزب الله أيضاً بدأ مشاوراته مع الرئيس نبيه بري، من دون أن تتضح نتيجتها بعد. وزار وزير الخارجية جبران باسيل رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل في مقر الحزب في الصيفي. وبحسب مصادر اللقاء، فإن الجميّل أبدى امتعاضه من محاولة اختصار «المشهد السياسي المسيحي» بثنائية التيار الوطني الحر ــ القوات اللبنانية، معبّراً عن وجود تطابق تام مع موقف التيار بشأن عدم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب من دون تحديد جدول أعمال للمجلس مبني على قاعدة «تشريع الضرورة». لكنه أكّد أن موقف الكتائب في الشأن الحكومي متمايز عن موقف التيار. فرغم اتفاقهما على الالتزام بآلية العمل الحكومي، لا يوافق الجميّل عون على وجوب وضع بند التعيينات على رأس جدول الأعمال.
وأكدت مصادر الرابية لـ»الأخبار» أن الاتصالات مع القوات اللبنانية مستمرة، وثمة تطابق تام في موقفي الطرفين، بصرف النظر عن خلفية كل منهما. لكن قيادة القوات أبلغت العونيين أنها لن تشارك في أي تحرك في الشارع. أما بري، فيتعمّد التيار الوطني الحر عدم مهاجمته، رغم انقطاع أي تواصل بين الطرفين، فيما التنسيق كامل مع حزب الله «وثمة تفاهم بيننا على مختلف الخطوات»، بحسب مصادر الرابية. ورغم اعتراض كتلة المستقبل على مطالب عون واتهامها له بعد اجتماعها الأسبوعي أمس بالاعتداء على الدستور والقوانين «لأهداف شخصية ومصالح عائلية»، لا تزال الرابية بانتظار موقف الرئيس سعد الحريري الذي يلتقي قيادات المستقبل في جدة، من دون أن يصدر عنه بعد ما يوحي بأن انفراجاً يلوح في الأفق.
وكان عون قد نفى أمس، عقب اجتماع تكتل التغيير والإصلاح، أن يكون البطريرك الماروني بشارة الراعي قد اتصل به طالباً عدم التحرك في الشارع، وقال: «إن قواعد التيار تنتظر منا الموقف الرسمي». وذكّر بالرسالة التي بعث بها إلى رعاة اتفاق الطائف، أي ملكي السعودية والمغرب ورئيس الجزائر قبل نحو سنة، وتضمّنت مطالبة بتدخلهم لإصلاح الخلل الناتج من عدم تطبيق الاتفاق. وذكّر عون أيضاً بالتهميش الذي تعرّض له ممثلو المسيحيين، وإقصائه عن الحكم بعد نيل تكتله أصوات 72 في المئة من المسيحيين في انتخابات عام 2005، وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية عام 2007 عندما «نصحني السفير الأميركي بالابتعاد عن حزب الله فأضمن الرئاسة، بعدها قمت بمفاوضات مع الرئيس سعد الحريري في فرنسا، وقد أسمعني الحديث نفسه لكي أبتعد عن حزب الله. أجبت الجميع آنذاك بأن الوحدة الوطنية أهم من رئاسة الجمهورية. لذلك من يقل اليوم إنني أفعل أي شيء لكي أحصل على رئاسة الجمهورية فهو مخطئ».
الأخبار اللبنانية