إذا لم تكن معارضة النظام تتضمن محاولة النهوض بالعملية السياسية وتطويرها فما الفائدة منها ؟
إذا لم تكن المعارضة الجادة تشكل دعامة أساسية لحماية النظام السياسي من الانحراف والاعوجاج والسقوط فبم نسميها ؟
هل ينبغي للمعارضة أو يليق بها اختلاق أزمات ومشاكل سياسية واجتماعية ؛مفتعلة ؛ظهر من خلال تكرار تناولها ؛دون جدوى ؛إساءتها للمعارضة قبل النظام ؟
ألا تعتبر إعادة توظيف المعارضة لقضايا ذكرت أنها فضائح أخلاقية ؛فندها الطرف الآخر ؛بأدلة عجزت قرائن المعارضة عن الصمود أمامها ؛وتسارعت في التلاشي ؛ ألا يعد ذلك ذروة إفلاس؟ .
إن المطالع للمقال المعنون ب " علامات نهاية ولد عبد العزيز " سيجد دون مشقة إجابات شافية ومتعددة على كل هذه التساؤلات ، لقد بدأ كاتب المقال باتهام النظام بالفساد والغباء ؛وحق له ذلك إذا توفرت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة؛الشيء الذي لم يحدث ، وبعد ذلك قدم مقاربة فهمية مصدرها ذاتي يرجع إليه ؛مفادها إظهار ذكاء المعارضة في التلاعب بالنظام ؛من خلال كشف زيف الإغراءات الوهمية العرقوبية ، موكدا حسب زعمه أن المعارضة التي سماها مجازا : ب "الضاغطة" عمدت إلى كشف مجموعة من الأوراق ؛لتوضيح بعض ما حدث في هذه الفترة من أمور كان بعضها غامضا ، متوعدا بالمزيد والذي وصفه بالأكثر بشاعة ..! .
ويرى الكاتب؛ متأولا طبعا تأويلا بعيدا ؛أن المعارضة أذكى من النظام ، بكونها المهندس الممسك بزمام الأمور في ما يتعلق بالحوار؛الذي وصفه بالعبثي ، ولم يفوت ذكر تغيير الدستور ؛الذي قدمه على أنه تصور قطبي ..! ،وطبعا لا يخفى على أحد ؛استبعاد كل المتتبعين الوطنيين للشأن العام لهذا الطرح، فموضوع الدستور ؛قضية وطنية كبرى لامساس بها ؛كما أعلن رئيس الجمهورية في غير ما ملأ ، بالرغم من صدور صيحات مبحوحة ؛انبعثت من حناجر أربعة عجائز (مقاولين ورجال أعمال) في مناطق متفرقة ؛تزامنا مع زيارة الرئيس وطبعا لا أحد يكترث بالأمر ؛لأنه تعبير شارد ممن لا يعول عليهم في بناء وتقدم الوطن ، ولا يزعجون المعارضة الجادة كما لا ترحب بهم ولا تحتضنهم الموالاة ، وطبعا الحال هذه هي حال أصحاب مبادرة "حملة المليون توقيع" ، كل مافي الأمر أن هؤلاء جميعا أرادوا خطف الأضواء والعبور إلى الصف الأمامي، وطبعا أخطؤوا الوسيلة .. فالرئيس لم يتبنى فكرهم ولا الموالاة الحقيقية يرومها توجههم .. إذا هم نشاز أرادوا الظهور بطريقة نشاز .
وخلص الكاتب في تدوير لفكرة وردت في بداية مقاله إلى أن المعارضة أرادت مباركة هذه الأساليب وتشجيعها بشكل خفي ومبطن وبهندسة فاقت فهم الرئيس ومن والوه؛مفادها إظهار الشعبية الحقيقية للرئيس ..! ، وأقرب ما يمكن أن يقال عن هذا التأويل :أنه تأويل بعيد مطارد بأقسى أنواع التفنيد .
يقول الكاتب بعد ذلك أن الرئيس لم يستطع الحديث عن إمكانية ترشحه للانتخابات القادمة ؛لأنه ممنوع محليا ودوليا ؛وأنه يخاف ..! ، وطبعا لم نسمع في الماضي ما يوحي برغبة الرئيس في الترشح لولاية ثالثة ؛بل بالعكس وعلى الملأ فند ذلك أيما تفنيد وكذبه أيما تكذيب، ونرجو له التوفيق والصمود على ذلك وعدم إعطاء فرصة صدق التأويل للمشككين المتشائمين..ولا نرى علة المنع الداخلي والخارجي كما يراها صاحبنا ؛وقد يختلف الأمر بين الداخلي والخارجي ،فمن ناحية المنع الداخلي ؛قد نقول نعم؛ وأول ذلك منع الضمير والتزام الرئيس لشعبه واحترامه لدستور أمته وبره بقسمه، أما خارجيا ؛فالكل يعلم أن من يعولون على المواقف الخارجية في حسم الأمور الداخلية واهمون ،فالغرب مثلا لا يرفض منقلبا على السلطة ولا متمسكا بها ؛مادام يحترم التعاملات الدولية والمواثيق ويصون مصالح الشركاء الاقتصاديين ، والتاريخ خير شاهد وموثق .
لقد عملق الكاتب المعارضة في كلامه وقزم الموالاة ؛والعكس في الواقع أولى بالاعتماد؛ لأن إحجام المعارضة عن المشاركة في الاتتخابات الماضية ؛رغم الظرفية ؛وتباين الحديث واختلاف المواقف حولها، رغم ذلك كله أظهرت هذه الانتخابات ضعف المعارضة وقلة تأثيرها ، فلا هي استطاعت أن تجلب الرأي العام إلى المقاطعة معها ولا هي أثرت على سير الانتخابات العام ؛بعزوفها ومقاطعتها ، وطبعا شارك من المواطنين في هذه الانتخابات مافاق حجم التوقعات ، وأشاد بذلك المراقبون الدوليون قبل المراقبين الوطنيين ،واعترفت به المعارضة ضمنيا وأقره قادتها في أحاديثهم الجانبية الخاصة ؛وتجنبوا الخوض فيه علنا ؛صونا لماء وجه المسار..!
أما حديث الكاتب عن أعراض الناس وذكره لأشخاص بعينهم والتفنن في تجريحهم لهو أمر أدعى إلى الإنكار والرفض.. فأعراض الناس مصانة والخوض فيها هو لب الممنوع ؛ وسواء تأول الخائض وكان التماسه بوجه حق أو عكس ذلك ؛فإن الخوض في هذه المواضيع بالذات لأشخاص لهم وزنهم واعتباريتهم العامة من قبيل رئيس الدولة ورئيس الحزب الحاكم ..إلخ ؛لو لم يكن في بلاد صارت استثناء في حرية التعبير مثل بلادنا ؛لما تمكن كاتب هذا المقال من كتابته والنوم بعد ذلك ملأ الجفن، فمن المعروف أنه لو صدر مثل هذا الكلام في بلد عربي أو إفريقي غير بلدنا ؛لكان مصير صاحبه بل مصير ندمائه وجلاسه وكل من جمعهم به غبار أرض ؛الحبس والضرب والتضيق إن لم يكن القتل والتصفية المدبرة .. لكننا والحمد لله في بلد قطع أشواطا وأشواطا في مجال حرية التعبير واحترام الإنسان لكونه إنسان ؛واحترام حقوقه وأولها حقوقه في التعبير عما يدور في خلده ،لكن هذا لا يبرر انتهاك أعراض الناس ؛أحرى ساسة الناس وقادة البلد؛ويتأكد منع ذلك عندما يتعلق الأمر بمعلومات بعيدة كل البعد عن الدقة ولا تستند إلا إلى رأي معارض آثر الشتيمة فدفعته حرقة ذلك إلى أن يعرض برموز وطن آثر ضم أبنائه ؛برهم وفاجرهم ،رغم مكائدهم وسعيهم الحثيث إلى نشر ثقافة الكره والعصيان والتفرقة والفتن وشق عصا الجماعة ،واستسهال التطاول على من أراد لهم القدر الذود عن حرمة البلد وحماية بيضة الدين ولو إلى حين .
إن من لا يتبنى طرحا يدعم الوحدة الوطنية ويعزز احترام كل شخصية اعتبارية موالية كانت أو معارضة اعتمادا على نضج الحس القانوني عنده ؛لأدعى إلى الرفض وعدم الاكتراث ؛احرى إذا تعلق الأمر بهرم السلطة ورمز الدولة ..!
ارحموا عقولنا وعارضوا بشرف بعيدا عن التفنن في اختلاق المؤثرات .