معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ... خيار بين الانفجار والانين... هل يفرض غياب الحسم تعديل النظام الأمريكي ؟

أربعاء, 2020-09-30 18:02

يتابع الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة تكثيف تصريحاته المستفزة الخاصة بمواقفه من نتائج الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 نوفمبر 2020 مما يزيد من تعقيدات الوضعية السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد التي يعيش فيها 321 مليون نسمة والتي تواصل الصراع مع كل من روسيا والصين لتمنع تبدل النظام العالمي القائم على الاحادية القطبية، والتي تعتبر عملتها كذلك حتى الوقت الراهن الأداة الرئيسية للتعاملات الاقتصادية في العالم.
الرئيس دونالد ترمب يمارس سلوكا فريدا حسب التاريخ الأمريكي في التعامل مع الانتخابات الرئاسية المقرر أن تنظم للحسم في المنافسة بينه وبين المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن، فهو حينا يؤكد أنه واثق من الفوز بسهولة وفي حين آخر يحذر من تزوير الانتخابات لصالح خصمه ثم لا يلبث أن يقول أن المحكمة العليا هي التي ستحسم الأمر. ترمب وبين كل هذه التصريحات المتضاربة يرفض القول إن كان سيقبل بنتيجة الانتخابات إذا لم تكن في صالحه وسيسلم السلطة بسلاسة إلى منافسه يوم 20 يناير 2021. طاقم سيد البيت الأبيض يسير إلى حد كبير على خط مساره، فمجلس الأمن القومي الأمريكي وعلى لسان رؤسائه يتهم تارة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية بالتدخل للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويأتي بعده مكتب المخابرات المركزية ليقدم تقييمات متناقضة عن رغبات بكين وموسكو بشأن من يفوز. وسائل الاعلام الأمريكية وكثير غيرها في العالم الغربي تضرب اخماسا في اسداس حول الانتخابات وتبعاتها المحلية والدولية.
بالنسبة لكثير من المتابعين للمشهد السياسي تقترب صورة الولايات المتحدة في انتخابات 3 نوفمبر 2020 من صورة ما يوصف بدول الموز. كما تكشف مرة أخرى عن محدودية مساهمة الناخب الأمريكي "الفرد" في العملية السياسية لأن مرشحا رئاسيا يمكن أن يفوز بغالبية الأصوات الشعبية في حين يتولى الرئاسة الطرف الآخر لأنه يحصل على أصوات المجمع الانتخابي. 
خلافا لما يعتقده الكثيرون فإن الناخبين الأمريكيين لا يقومون بانتخاب رئيسهم مباشرة، بل يتم حسم الانتخابات عن طريق للهيئات الانتخابية أو "المجمع الانتخابي" التي تتكون من 538 مندوبا. وهذا العدد يوازي عدد أعضاء الكونغرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ، علاوة على ثلاثة أعضاء من مقاطعة كولومبيا التي توجد بها العاصمة واشنطن على الرغم من أنها لا تملك أي تمثيل انتخابي في الكونغرس. حيث يكون لكل ولاية أمريكية داخل هذا المجمع الانتخابي عدد معين من الأصوات بحسب عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها في الكونغرس، ويمكن لعضو المجمع الانتخابي أن يصوت لصالح أي مرشح يختار بغض النظر عن توجه الذين انتخبوه.
ما يوصف بعمليات التدخل الخارجية للتأثير على الانتخابات في الولايات المتحدة تكشف كذلك عن بعد الناخب الأمريكي عن مستوى الادراك السياسي بالمقارنة مع مثيله مثلا في الدول الأوروبية.
 
الاقتصاد قبل كل شيء
 
على الرغم من تعدد القضايا الانتخابية في السباق الرئاسي الأمريكي لعام 2020، لايزال "الاقتصاد" قضية محورية في اختيار الناخبين للمرشح الذي يرونه الأنسب لشغل المنصب، لكن البعض يرى أن المعركة مختلفة عن كل مرة، وأن اهتمامات الناخبين تغيرت.
وفي استطلاع أجراه "مركز بيو للأبحاث"، شهر اغسطس، قال ثمانية من كل 10 ناخبين مسجلين، "79 في المئة" إن الاقتصاد "سيكون قضية هامة جدا" عند اتخاذ قرارهم بشأن من سيصوتون له.
لكن تحليلا، لصحيفة وول ستريت جورنال، حذر من اعتبار أن الاقتصاد سيكون العامل الحاسم في المشهد الحالي، مشيرا إلى أن السياق الانتخابي تعقد، وأن آراء الناخبين بالنسبة لهذا الملف تتأثر بانتماءاتهم الحزبية.
وتوقع التقرير أن تقلل القضايا الأخرى، مثل جائحة كورونا، وأسلوب قيادة المرشحين، وقضايا العرق، والمسائل الاجتماعية الأخرى، من الوزن الذي يعطيه الناخبون للاقتصاد في سباق 2020.
والمعروف تاريخيا أن الأداء الاقتصادي للرئيس الأمريكي خلال ولايته الأولى يؤثر بشكل كبير على حظوظ إعادة انتخابه، وقد وجد استطلاع سابق لمركز "بيو" في سباق عام 2016 أن الاقتصاد حينها كان القضية الرئيسية.
وكان الاقتصاد أيضا محور حملة المرشح الجمهوري، رونالد ريغان، عام 1980، الذي سأل الناخبين: "هل أنتم أفضل حالا مما كنتم عليه قبل أربع سنوات؟"، وقد ساعده هذا الطرح في هزيمة الرئيس الديمقراطي، جيمي كارتر.
وفي حملة المرشح الديمقراطي للرئاسة، بيل كلينتون، عام 1992، استخدمت عبارة "إنه الاقتصاد يا غبي"، ما ساعده أيضا في التغلب على الرئيس الجمهوري، جورج بوش الأب.
وفي الاستطلاع الأخير لـ"بيو"، حلت بعد الاقتصاد، الرعاية الصحية إذ قال 68 في المئة من الناخبين إنها قضية مهمة جدا لهم، ثم تعيين القضاء في المحكمة العليا "64 في المئة"، وقضية تفشي فيروس كورونا "62 في المئة"، وجرائم العنف "59 في المئة"، والسياسة الخارجية "57 في المئة"، ثم قضايا الهجرة والمساواة العرقية "52 في المئة".
وقال أقل من نصف المستطلعة آراؤهم إن تغير المناخ "42 في المئة" والإجهاض "40 في المئة" سيكونان عاملين مهمين للغاية في قرار من سيعطونه أصواتهم في انتخابات الخريف.
لكن استطلاعا آخر للرأي أجرته مؤسسة "غالوب"، في أغسطس، وجد أن 35 في المئة يعتبرون أن فيروس كورونا هو أهم قضية في الوقت الحالي، وحلت المسائل الاقتصادية مثل البطالة أو الاقتصاد بشكل عام في المرتبة الثالثة.
ويشير تحليل وول ستريت جورنال، إلى أن ما يضيف غموضا حول مدى أهمية قضية الاقتصاد هذا العام، هو التداخل بين الاقتصاد وقضية كورونا.
وذكرت: "حدث توسع قياسي في السوق تمثل في حدوث انخفاض استثنائي بمعدل البطالة وارتفاع أسعار الأسهم" لكن حدث بعد ذلك ما يمكن وصفه بأنه "أعمق وأقصر انكماش" جراء الجائحة.
هذا الأمر حمل أخبارا "جيدة وسيئة" للرئيس دونالد ترمب. والنبأ السار هو أن الناخبين لا يلومونه وحده على الأزمة الاقتصادية لهذا العام، ويشير استطلاع للرأي أجرته الصحيفة بالتعاون مع شبكة "أن بي سي" الأمريكية، في يوليو 2020، إلى نسبة تأييد 54 في المئة لطريقة تعامل ترمب مع الاقتصاد مقارنة بحوالي 48 في المئة في أغسطس 2019.
"والخبر السيئ هو أن البعض ممن يرون أن ترمب أفضل من منافسه المرشح الديموقراطي، جو بايدن، في ملف الاقتصاد، لا ينوون التصويت لإعادة انتخابه".
وفي استطلاع أجرته شهر أغسطس، وول ستريت جورنال "أن بي سي"، قال 48 في المئة من الناخبين إن، ترمب، هو المرشح الأنسب للتعامل مع الاقتصاد، لكن 41 في المئة فقط قالوا إنهم ينوون التصويت له.
وفي المقابل، قال 38 في المئة فقط إن، بايدن، "أفضل" من ترمب فيما يتعلق بملف الاقتصاد، إلا أن 50 في المئة سيصوتون له.
ويرى باتريك موراي، الخبير في شؤون الانتخابات في جامعة مونماوث، أن "هذه الانتخابات تطغى فيها قضايا أخرى، بما في ذلك التقارب والولاءات، على العوامل الاقتصادية التي كانت تحدث تقلبات بين الناخبين".
ويؤكد استطلاع سابق، لصحيفة وول ستريت جورنال، أيضا فكرة الانتماء الحزبي والولاءات، ففي عام 2016، أي مع نهاية ولاية الرئيس الديمقراطي، باراك أوباما، "قال 88 في المئة من الجمهوريين إن الاقتصاد كان سيئا، وفي السباق الحالي ضد الرئيس الجمهوري، قال 96 في المئة من الديمقراطيين إن الاقتصاد سيئ".
 
كل الاسلحة
 
يوم الأحد 27 سبتمبر 2020 تحدث ترمب، خلال مؤتمر صحفي من البيت الأبيض، عن "أكبر فضيحة سياسية"، ومحاولة الديمقراطيين التلاعب بنتائج الانتخابات المقبلة، وانتقد هجومهم على مرشحته للمحكمة العليا، القاضية إيمي كوني باريت.
وذكر ترمب، للصحفيين إن الديمقراطيين "تجسسوا" على حملته الانتخابية لسباق عام 2016، وهو ما وصفه أكثر من مرة خلال المؤتمر بأنه "أكبر فضيحة سياسية في تاريخ البلاد".
وعبر، ترمب، عن مخاوفه أيضا من التلاعب في نتائج الانتخابات المقبلة من خلال التصويت بالبريد، وهو ما قد يؤثر على "نزاهة" السباق، لكنه توقع أن تحرز حملته "انتصارا هائلا" في هذه المعركة رغم محاولة الديمقراطيين التدخل في السباق.
وعدد، ترمب، حالات حدوث تزوير في انتخابات سابقة، وتأخر فرز أصوات، والتصويت المزدوج في عدد من الولايات. واتهم الديمقراطيين بالتساهل مع قوانين التحقق من هوية الناخبين، وإعطاء أشخاص لا يحملون الجنسية الأمريكية الحق في التصويت.
وتطرق إلى ملف ترشيح القاضية المحافظة في أكبر محكمة في البلاد، معلنا رفضه للانتقادات لها من قبل الديمقراطيين بسبب خلفيتها الدينية وذلك لكونها كاثوليكية وقولهم إن المرشحة "بعيدة عن القيم الأمريكية". وأكد، ترمب، وقوفه إلى جانبها ضد هذه الهجمات، معتبرا أنه "من العار" مهاجمة المرشحين بسبب معتقداتهم.
وذكر إن الرئيس الأمريكي مارس حقه الدستوري طوال تاريخ هذه الأمة في ترشيح قضاة المحكمة العليا. وتوقع أن يتمكن مجلس الشيوخ من تمرير المصادقة على تعيين مرشحته "بسرعة"، وأضاف أنه لم يناقش معها مسألة الانتخابات.
وحذر، ترمب، الأمريكيين من أنه في حال فوز منافسه الديمقراطي، جو بايدن، والديمقراطيين في الانتخابات، "سيدمرون طريقة الحياة الأمريكية، وسيفتحون الحدود، وسيوفرون الرعاية الصحية للمهاجرين غير الشرعيين".
وأعاد ترمب التشكيك في القدرات العقلية لمنافسه، بايدن، وطلب أن يتم إخضاعهما لفحص تعاطي أدوية، مشيرا إلى أن أداء بايدن في المناظرات السابقة بدا وكأنه كان يتعاطى أدوية منشطة.
وأعرب، ترمب، أيضا، عن استغرابه لأن وسائل الإعلام لا تسأل عن مصادر "مليارات الدولارات" جمعها هانتر بايدن، نجل المرشح الديمقراطي للرئاسة، من الصين وروسيا وأوكرانيا، مستغلا نفوذ أبيه، الذي كان يتولى حينها منصب نائب الرئيس الأمريكي في عهد باراك أوباما. وقال إنه "لو كانت وسائل الإعلام منصفة"، لكانت هذه "أكبر قصة إعلامية لسنوات".
 
التزوير
 
جاء في تقرير نشرته وكالة "يورونيوز" يوم 13 سبتمبر 2020:
"لن نخسر هذه الانتخابات إلا إذا كانت مزورة". سلط هذا التصريح المفاجئ الصادر عن للرئيس ترمب شهر أغسطس إلى جانب محاولاته زرع الشك بشأن نزاهة الاقتراع الرئاسي، الضوء على جانب مقلق بشكل متزايد: هل بإمكان الولايات المتحدة التي تعد بين أقدم ديموقراطيات العالم ضمان انتخابات حرة ومنصفة في 2020 ؟.
ولعل نظام التصويت الأمريكي يواجه أخطر تهديد منذ عقود، تغذيه مقاربة الرئيس التي لا أساس لها والعدد القياسي للأصوات التي سيتم الإدلاء بها عن طريق البريد جراء وباء كوفيد-19 والقلق بشأن الآلات المتقادمة والاتهامات بقمع الناخبين.
وازدادت الأمور تعقيدا نتيجة تكرار التدخلات الأجنبية التي شابت انتخابات 2016، وهو أمر بات أكثر وضوحا مع إعلان وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على "عميل روسي نشط" اتهم بإثارة نظريات مؤامرة استخدمها البيت الأبيض.
لكن في وقت تتأهب الولايات الأمريكية الـ 50 لمواجهة أي تدخلات من موسكو أو غيرها، يبدو أن التهديدات الأكبر تأتي من الداخل.
وقالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي راقبت انتخابات على مدى عقود في بلدان من أفغانستان وصولا إلى الولايات المتحدة إن "إجراء هذه الانتخابات سيكون الأصعب في العقود الأخيرة".
وأفادت المنظمة في تقرير في يوليو أن تدابير كوفيد 19 قد "تؤثر على مستوى الثقة" ونزاهة إدارة الانتخابات و"إثارة الشكوك بشأن النتيجة في نهاية المطاف".
ويوجه مركز "كارتر"، غير التابع لأي الحزبين والذي أسسه الرئيس السابق جيمي كارتر وراقب الانتخابات في 39 بلدا منذ العام 1989، أنظاره لأول مرة نحو الولايات المتحدة.
وكتب جيسون كارتر من المركز أواخر أغسطس "يفقد الأمريكيون ثقتهم في العملية الانتخابية في الولايات المتحدة". وأضاف "تعاني البلاد من استقطاب عميق والناس من الجانبين اليمين واليسار قلقون حيال التهديدات لأمن الانتخابات ومصداقية العملية".
وظهرت عدة مؤشرات على مخاطر جديدة محتملة.
ومنذ العام 2016، أُغلق أكثر من 1100 مركز اقتراع في تكساس وأريزونا ولويزيانا وغيرها، حسب "مؤتمر القيادة للحقوق المدنية وحقوق الإنسان".
وازدادت الخلافات بشأن تمويل خدمة البريد الأمريكية التي حذرت من أنها ستواجه صعوبات في معالجة العدد القياسي من الأصوات المرسلة عبر البريد.
وفاقمت الطوابير الطويلة للغاية التي شهدتها الانتخابات التمهيدية عام 2020 المخاوف بشأن القدرة على معالجة الأصوات بشكل مناسب.
وقد تصعب العديد من التحديات القانونية مهمة فرز الأصوات في وقتها وتدريب المتطوعين، ما يسهل رفض الأصوات واعتبارها باطلة.
ونظرا إلى أن العاملين في الانتخابات هم عادة متطوعون مسنون، يتوقع أن يلتزم كثير منهم منازلهم بسبب المخاوف المرتبطة بكرونا المستجد، ما يعني أن الولايات تعمل جاهدة لتدريب ما يكفي من الأطر على تنظيم الانتخابات.
وأطلقت ولاية جورجيا يوم الثلاثاء 8 سبتمبر تحقيقا بعد تسجيل نحو ألف حالة تصويت مزدوج في الانتخابات التمهيدية في يونيو والدورة التكميلية التي جرت في أغسطس.
وبدا السيناريو مطابقا لما روج إليه ترمب نفسه هذا الشهر في كارولاينا الشمالية حيث دعا أنصاره للتصويت أول مرة عبر البريد وتكرار التصويت في مركز الاقتراع "للتأكد من احتساب" أصواتهم.
وعلى الرغم من ذلك، "هناك تدابير وقائية فرضت في العديد من المناطق لمنع تزوير الانتخابات"، وفق جون هوداك من معهد "بروكينغز".
وشدد على أنه بينما يتسبب الوباء في ازدياد عمليات التصويت عبر البريد، إلا أن التأخير المحتمل في تثبيت نتائج الولايات لن يكون مدعاة قلق كما حذر ترمب.
وقال هوداك "إنه في الواقع مؤشر على أن النظام الانتخابي ناجح".
وشعر الأمريكيون بالقلق حيال نزاهة الانتخابات على مدى سنوات.
وأظهرت دراسة لمركز "بيو" أن الناس "لا يشعرون بثقة كبيرة بأن الأنظمة الانتخابية في الولايات المتحدة آمنة من الاختراق أو غير ذلك من التهديدات التكنولوجية".
وأفاد المركز أن 45 في المائة فقط من المستطلعين أشاروا إلى أنهم يشعرون بنوع من الثقة حيال أمان الأنظمة الانتخابية.
ولا يزال الناخبون يذكرون كارثة فلوريدا عام 2000 عندما أوقفت المحكمة العليا عملية إعادة فرز للأصوات خيمت عليها الفوضى في ظل تقارب النتائج، ما أدى إلى فوز جورج بوش الابن.
 
ما الذي يحدث
 
جاء في بحث نشرته صحيفة فاينانشال تايمز ‏البريطانية يوم الجمعة 18 سبتمبر 2020:
 في الوقت الذي يستعد فيه الأمريكيون للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، يلوح في الأفق سيناريو مرعب: ماذا لو خسر ترمب الرئاسة لكنه رفض قبول الهزيمة؟.
رفض ترمب مرارا وتكرارا الالتزام بقبول نتيجة الانتخابات، وتوقع حدوث تزوير على نطاق واسع، وادعى أن نتائج التصويت عبر البريد قد لا تعرف "لأشهر أو أعوام".
منافسه الديمقراطي بايدن اتهمه بمحاولة سرقة الانتخابات وادعى أن الجيش سيصطحبه إلى خارج البيت الأبيض إذا رفض المغادرة.
وكون المسرح معدا لمواجهة عجيبة في حال صدور نتيجة متقاربة، يمكن أن تحدث أزمة دستورية على خلفية اضطرابات عنيفة في الشوارع وهي اضطرابات اندلعت في عدد من المدن الأمريكية في الأشهر الأخيرة.
المحكمة العليا والكونغرس قد يلعبان دورا في تحديد من يتولى المكتب البيضاوي. لكن علماء القانون يؤكدون أن حل الانتخابات المتنازع عليها ينبغي أن ينبع من حسن النية والاستعداد للتوصل إلى تسوية. باختصار، سيضطر مرشح واحد وحزبه إلى قبول خسارتهم.
إدوارد فولي، أستاذ في جامعة ولاية أوهايو درس نقاط الضعف في نظام الانتخابات الأمريكية، قال إن كلا الجانبين عد الانتخابات اختبارا وجوديا للبلاد، ما "يجعل من الصعب الاعتراف بالهزيمة".
يعتمد كثيرون على شخصية وحسابات ترمب وبايدن، على الرغم من أن أيا منهما لن يكون قادرا على الطعن في الانتخابات من دون دعم أجهزة الدولة وآلية الحزب الفيدرالية.
قال فولي: "لا خلاف في أن المرشح لا يستطيع أن يسبب أزمة بمفرده. سيحتاجان إلى بعض اللاعبين المؤسسيين في النظام لدعم تحركاتهما".
لن تكون هذه المرة الأولى في التاريخ الحديث التي تشن فيها الطبقة السياسية الأمريكية حربا قانونية بعد يوم الاقتراع. في 2000، معارك المحاكم بين جورج بوش الابن وآل غور بشأن فرز الأصوات في ولاية فلوريدا وصلت إلى المحكمة العليا، التي حكمت لصالح بوش بوقف إعادة الفرز. تنازل غور، بدلا من تصعيد المعركة والذهاب إلى الكونغرس. 
ديفيد بويز، الذي دافع عن غور في المحكمة العليا، استبعد أن تتدخل المحكمة العليا مرة أخرى لتقرير النتيجة فعليا. قال: "إذا فعلوا ذلك، أعتقد أن هناك كثيرين، وأنا منهم، سيحثون بايدن (...) على عرض قضيته على الكونغرس". بموجب الدستور، الكونغرس هو المسؤول عن فرز أصوات الهيئة الانتخابية.
أي نزاع انتخابي من المرجح أن يتكشف على ثلاث مراحل بعد يوم الاقتراع. أمام الولايات حتى الثامن من ديسمبر لحل أي نزاعات بشأن التصويت، حيث يدلي أعضاء الهيئة الانتخابية بأصواتهم في 14 ديسمبر.
بعد ذلك، يقوم الكونغرس المنتخب حديثا بحساب تلك الأصوات في السادس من يناير، في جلسة مشتركة برئاسة مايك بنس، نائب الرئيس الحالي الذي يشغل أيضا منصب رئيس مجلس الشيوخ.
إذا استمر الأمر من دون اتفاق، ستكون الولايات المتحدة في مرحلة ثالثة مزعزعة للاستقرار بشكل كبير، على غرار انتخابات 1876 المتنازع عليها عندما أرسلت عدة ولايات أصواتا متنافسة للهيئة الانتخابية إلى الكونغرس ولم تحل الأزمة إلا قبل يومين من التنصيب. سعى قانون الفرز الانتخابي في 1887 إلى تجنب تكرار مثل هذه الفوضى لكن الأحزاب السياسية اليوم يمكن أن تفسره بطريقة مختلفة.
في حال عدم اختيار أي رئيس بحلول يوم التنصيب في 20 يناير، القائم بأعمال الرئيس سيكون رئيسا بالوكالة. وفقا لقوانين الخلافة، هذا سيكون نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب من الحزب الديمقراطي، إذا احتفظت بمنصبها في الكونغرس الجديد. 
لكن قد يدعي الجمهوريون والديمقراطيون أن مرشحهم هو الفائز المختار بوضوح، ما يعني أن بيلوسي لا تستطيع شغل المنصب بالوكالة. تحديد النتيجة في مثل هذه السيناريو غير المسبوق سيعتمد على الضغط السياسي والشعبي والتوصل إلى حل وسط في نهاية المطاف.
 
دور الجيش
 
بحسب جورج تيرويليغر، وهو محام رئيس لبوش في معركته مع غور في 2000 "تعتمد هذه العملية إلى حد كبير على حسن نية المشاركين فيها، بما في ذلك الكونغرس، إذا وصل الأمر إلى تلك المرحلة". أضاف: "أعتقد ستكون هناك تداعيات سياسية (...) بالنسبة للأشخاص الذين يضعون السياسة قبل رفاهية الأمة".
يخشى المسؤولون من أن مثل حالة عدم اليقين هذه وسط توقعات عالية بالفوز على كلا الجانبين تنذر بحدوث اضطرابات مدنية تزيد الضغط على أحد الجانبين للتنازل. كما يمكن أن تضع أيضا الجيش في خندق ضد المدنيين الذين يخرجون إلى الشوارع.
قال ضابط عسكري كبير سابق على اتصال بكبار مسؤولي البنتاغون: "يفكر القادة منذ الآن في احتمال حدوث اضطرابات".
تصر قيادة البنتاغون على أن الجيش الأمريكي ليس لديه دور يلعبه في أي نزاع انتخابي، ويثني ترمب علانية عن تفعيل قانون التمرد في 1807، الذي سيمنحه سلطة نشر القوات لقمع أي اضطرابات مدنية.
مع ذلك، في رسالة مفتوحة نشرت شهر أغسطس، اثنان من خبراء الاستراتيجية العسكرية المرموقين، كلاهما مخضرم في الجيش، اقترحا أن الجنرال مارك ميلي، أعلى ضابط بالزي العسكري في أمريكا، ينبغي أن يأمر الجيش الأمريكي بإزالة ترمب بالقوة إذا رفض ترك منصبه.
رفضت كوري شاك، الخبيرة في العلاقات المدنية العسكرية في معهد أمريكان إنتربرايز المحافظ، اقتراحهما ووصفته بأنه غير دستوري وخطير. إذا كان هناك أي شخص سيصطحب رئيسا خاسرا إلى خارج البيت الأبيض، فسيكون جهاز الخدمة السرية، وليس الجيش.
لكن شاك قالت إنها تشعر بالقلق من أن ترمب قد يثير العنف في الشوارع. "أخشى من احتمال إقدام الرئيس على تحريض العصابات المسلحة".
في حال حدوث اضطرابات مدنية، من المحتمل أن يتركز أي دور للجيش على الحرس الوطني، القوة الاحتياطية المكونة من 450 ألف فرد من المجتمعات المحلية التي تم نشرها في الشوارع صيف سنة 2020 عندما تحولت بعض الاحتجاجات المناهضة للعنصرية إلى أعمال عنف.
الجنرال ميلي، الذي لا يقود أي قوات لكنه يتولى منصب كبير المستشارين العسكريين لترمب ورئيس هيئة الأركان المشتركة، قال علنا إنه لن يطيع أمرا غير قانوني. في يونيو، اعتذر عن الظهور إلى جانب الرئيس بزي القتال الرسمي بعد إبعاد متظاهرين سلميين بالقوة من خارج البيت الأبيض.
في رد مكتوب إلى عضوين ديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب صدر في أواخر شهر أغسطس، رفض فكرة أن يلعب الجيش أي دور في تحديد منصب الرئاسة، قائلا إنه سيتعين على المحاكم والكونغرس حل أي نزاع.
قال: "أنا، إلى جانب كل الجيش الأمريكي، سنطيع الأوامر القانونية للرئيس الشرعي للولايات المتحدة كما يحددها القانون"، مضيفا أن القانون الأمريكي ينص على أنه لا يمكن أن يكون هناك سوى رئيس شرعي واحد في كل مرة.
مارك إسبر، وزير الدفاع، لم يتطرق لهذه المسألة. في يونيو، اعتذر عن الإشارة إلى الأراضي الأمريكية المحلية بأنها "ساحة معركة"، وأثار غضب ترمب لأنه جادل ضد تفعيل قانون التمرد.
 
الفوضى الدستورية أسوأ سيناريو محتمل
 
3 نوفمبر:
في أحد السيناريوهات الانتخابية المحتملة، ولاية بنسلفانيا المتأرجحة، مع حاكمها الديمقراطي ومجلسها التشريعي الجمهوري، هي المفتاح إلى البيت الأبيض. كانت حاسمة في فوز ترمب في 2016 ومن المرجح أن يكون السباق في الولاية مرة أخرى متقاربا إلى حد كبير. إذا حصل بايدن على أصواتها الانتخابية البالغة 20 صوتا، فإنه سيضمن الرئاسة بموجب هذا السيناريو. لكن إذا انتصر ترمب في بنسلفانيا، فسيضمن أربعة أعوام أخرى في البيت الأبيض.
هل هناك فائز واضح في بنسلفانيا في ليلة الانتخابات؟
الاحتمال الأول: نعم. إما ترمب وإما بايدن سيعلن الفوز وتكون النتيجة بلا منازع.
الاحتمال الثاني: لا. ترمب يعلن الفوز، لكن بايدن الذي حثه مستشاروه على السيطرة على أعصابه، يقول إن السباق لم ينته ويعرب عن ثقته بأن الفرز الكامل سيظهر أنه فاز.
الهامش الضيق لترمب يتآكل مع فرز مزيد من بطاقات الاقتراع عبر البريد. يضغط مسؤولو الانتخابات في الولايات الديمقراطية لتعجيل الفرز.
ترمب يرفع دعوى لإيقاف الفرز، مدعيا أن بطاقات الاقتراع عبر البريد مزورة. المعركة القانونية تشق طريقها إلى المحكمة العليا الأمريكية، التي ترفض أن تأمر بإيقاف الفرز.
8 ديسمبر:
الموعد النهائي لحل نزاعات الاقتراع بموجب قانون الفرز الانتخابي في 1887. تقدم بايدن بفارق ضئيل ويطالب مسؤولو انتخابات الولايات الديمقراطية بأن يعلنوا التصويت لصالحه.
هل سيتنازل ترمب؟
الاحتمال الأول: نعم. الجمهوريون غير مستعدين لإغراق البلاد في أزمة لم تشهدها منذ أكثر من قرن. إضافة إلى ذلك، هم يسيطرون على مجلس الشيوخ، الذي سيكون جدارا قويا في وجه رئاسة بايدن. بايدن يفوز.
الاحتمال الثاني: لا. يقول ترمب، بدعم من حزبه، إنه سيأخذ المعركة الانتخابية إلى الكونغرس، المسؤول بموجب الدستور عن فرز أصوات الهيئة الانتخابية.
14 ديسمبر:
في هذا اليوم يجب الإدلاء بالأصوات في الهيئة الانتخابية من قبل ما يسمى مجموعات الناخبين التي تمثل كل ولاية وعادة ما تتكون من قادة الأحزاب، أو المسؤولين المحليين المنتخبين، أو النشطاء.
بموجب قانون الانتخابات في ولاية بنسلفانيا، يتحمل الحاكم مسؤولية توقيع ونقل أصوات ناخبي الولاية.
يوقع الحاكم على أصوات الناخبين الديمقراطيين، الذين يدعمون جميعا بايدن تماشيا مع نتيجة التصويت الشعبي المعلنة، وينقلها إلى الكونغرس.
تصوت قائمة من ناخبي الحزب الجمهوري بشكل منفصل لصالح ترمب بدعوة من المجلس التشريعي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، الذي ينقل تلك الأصوات أيضا إلى الكونغرس، مستشهدا بالمادة 2 من الدستور لدعم هذه الخطوة.
6 يناير:
يجتمع مجلسا النواب والشيوخ المنتخبان حديثا لفرز أصوات الهيئة الانتخابية.
يشرف مايك بنس، بصفته رئيس مجلس الشيوخ، على الفرز بما يتماشى مع الدستور.
عندما يتعلق الأمر بولاية بنسلفانيا، ينقسم مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بشأن الأصوات التي يجب قبولها.
يمارس بنس السلطة الدستورية لحل المأزق ويحكم أن الأصوات التي قدمها الناخبون الجمهوريون هي أصوات قانونية، ما يثير غضب الديمقراطيين، الذين يوقفون الفرز.
هل يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أنه لم يتم اختيار رئيس؟
نعم. يتطلب الدستور وقانون الخلافة الفيدرالي أن تصبح رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي الديمقراطية، قائمة بأعمال الرئيس إذا لم يتم اختيار رئيس أو نائب رئيس بحلول يوم التنصيب.
هل هناك اتفاق على ما سيحدث في 20 يناير؟
لا. يكمل بنس والجمهوريون في الكونغرس فرز أصوات الهيئة الانتخابية في غياب المشرعين الديمقراطيين، بتسجيل أصوات ولاية بنسلفاينا لصالح ترمب، بالتالي إعلانه رئيسا وبنس في منصب نائب الرئيس. الديمقراطيون متحدون في المعارضة، قائلين إن ترمب قاد انقلابا.
تقترب الولايات المتحدة من يوم التنصيب مع حالة من عدم اليقين بشأن انتقال السلطة.
هل تتدخل المحكمة العليا؟
نعم. يطلب من المحكمة أن تحكم فيما إذا كان قد تم اختيار رئيس، وأيضا بشأن حالة أصوات ولاية بنسلفانيا. القرار الذي سيصدر عنها ينهي حالة عدم اليقين القانونية بشأن الخلافة.
ينظر القضاة إلى النزاع باعتباره سياسيا بطبيعته، وليس من المناسب أن تبت فيه المحكمة، خاصة عندما يمكن أن يؤدي قرار بنتيجة 5-4 على أساس الخطوط الحزبية إلى إثارة التوترات بقدر ما سيؤدي إلى حلها.
20 يناير:
يوم التنصيب. لا يوجد إجماع حول من هو الرئيس. يبقى ترمب في البيت الأبيض. تنتهي فترة ولايته الأولى، وفق ما يقتضي الدستور. يدعي أن فترة ولايته الثانية بدأت للتو.
يبدأ العد العكسي لنهاية الولايات المتحدة كدولة، أو يجري تبديل النظام السياسي والانتخابي وفقا لإرادة الشعب في استفتاء.
 
أمريكا تنجرف نحو المجهول
 
جاء في تقرير كتبه الصحفي إدوارد لوس من واشنطن يوم 23 سبتمبر 2020:
في بعض الأيام يبدو أن ظواهر الطبيعة تعطي إنذارا لأمريكا. الطيور المهاجرة تتساقط من السماء، والدخان المنبعث من حرائق الساحل الغربي لأمريكا يصل إلى أوروبا، وأجزاء من فلوريدا تحت الماء. البشر ينتظرون فرصتهم عندما تأخذ الطبيعة أنفاسها. ستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة إدارة انتخابات نزيهة وسط موجة ثانية محتملة من فيروس كورونا، في وقت يعتقد فيه معظم الأمريكيين أن فوز الطرف الآخر قد يكون بسبب الاحتيال فقط. أمريكا لم تكن لديها تجربة لموقف مثل هذا.
إنه ليس الوقت المناسب لتكون جزءا مما يسمى الأغلبية المنهكة في البلاد. قاعدة كل طرف تعتقد أن الطرف الآخر يستعد لسرقة الانتخابات. يعتقد الديمقراطيون، لسبب وجيه، أن دونالد ترمب يريد أن يجعل من الصعب قدر الإمكان على الناس التصويت عبر البريد وسط الجائحة. بعد أن قال طوال العام إن هذه ستكون "أكثر الانتخابات فسادا في تاريخ دولتنا"، هيأ ترمب مؤيديه للاستجابة لدعوته إذا حان الوقت. أصبح الحديث عن انقلاب ديمقراطي أمرا روتينيا في وسائل الإعلام الموالية لترمب. 
جو بايدن، المرشح الديمقراطي، حذر مرتين من أن ترمب قد "يحاول سرقة" الانتخابات في نوفمبر. أيضا تنبأ بايدن، بتهور إلى حد ما، أن الجيش الأمريكي "سيرافقه من البيت الأبيض" إذا رفض التنازل. من الناحية العملية، من الصعب تصديق أن الجنود الأمريكيين يأتون بسابقة هي الأولى منذ أكثر من قرنين من الزمان ويتدخلون في الشؤون المدنية. مثل هذه المهمة ستقع على عاتق الخدمة السرية أو شرطة الكابيتول هيل. لكن ربما كان بايدن محقا في التلميح إلى أن الآخرين، أيا كانوا، سيحتاجون إلى أن يدلوا ترمب على المخرج.
البعد الأكثر شؤما هو أن المتطرفين في الجانبين يستعدون لانتخابات مزورة. هذا السباق تغذيه قوتان. القوة الأولى هي معرفة أن الطرف الآخر يستعد لاشتباكات عنيفة. ظهر المتطرفون من الميليشيات في عشرات البلدات الأمريكية منذ مقتل جورج فلويد في مايو. هناك جماعات مسلحة يمينية أكثر بشكل ملحوظ، ولديها ممارسات أكثر بكثير. لكن الجماعات اليسارية المرتبطة بحركة أنتيفا وحركة "حياة السود مهمة" بدأت أيضا في الالتفات إلى حقوقهم في التعديل الثاني.
إذا خسر ترمب التصويت الشعبي ولكن فاز بالمجمع الانتخابي، وهو ما حدث في 2016، فقد يكون رد فعل الشارع هذه المرة أكثر دراماتيكية. من المرجح أن تكون هزيمة ترمب بنتيجة مقاربة أسوأ. ترمب قدم تلميحات متسقة بأنه سيخرج أتباعه إلى الشوارع.
القوة الثانية هي الطبيعة الوجودية لهذه الانتخابات. ينظر الأمريكيون بشكل متزايد إلى هذا الأمر باعتباره منافسة "كل شيء أو لا شيء". يعتقد كلا الطرفين أن فوز الآخر قد يجعل قواعد اللعبة تنحرف ضده. يعزز ذلك حقيقة أن هذا عام يحدث كل عقد، ما يعني أن الفائزين بالمناصب منخفضة المستوى في الولايات الأمريكية ستكون لديهم القدرة على إعادة رسم الحدود الانتخابية لمصلحتهم خلال الأعوام العشرة المقبلة. إنه مقياس لمدى سمية الأشياء لدرجة أن العلماء الأمريكيين يشعرون بالحنين إلى أيام التلاعب الاعتيادية. الحدود الانتخابية غير العادلة شيء. ونهاية أمريكا كما نعرفها، أو أردنا أن تكون، هي نهاية أخرى تماما.
إذا كانت الطبيعة رحيمة، ستؤجل، أو تلغي، ما أطلق عليه علماء الأوبئة كوفيد - 2.0. تتجه أمريكا إلى الخريف بمعدل إصابات أساسي يزيد على 35 ألف إصابة وأكثر من 800 حالة وفاة يوميا. وهذا ليس قريبا أبدا من المنحنى المسطح الذي أراده العلماء مع بدء موسم الإنفلونزا، والأمريكيون يتراجعون داخل منازلهم.
يقول أنتوني فوتشي، عالم الأوبئة الرائد في أمريكا، وهو جزء من الأغلبية المنهكة، إن الناس سيتعين عليهم "الاحتماء" هذا الشتاء لتجنب حظر تام ثان. أحد أفضل المتنبئين في البلاد، معهد القياسات الصحية والتقييم في جامعة واشنطن، يتوقع 60 ألف حالة وفاة أخرى في أمريكا قبل يوم الاقتراع، بافتراض عدم وجود مزيد من التخفيف. هذا من بين التقديرات الأقل.
المشهد معد لمفاجأة في أكتوبر. قد تكون كشف ترمب عن لقاح لكوفيد 19، أو حربا مع إيران، أو حتى صداما مع الصين. المنعطف الخاص هو تخمين أي شخص. لكنه سيكون شيئا ما. انتخابات كهذه لا تنتهي بأنين.
في عام 2016، رفض ترمب أيضا الالتزام بقبول نتائج الانتخابات في منافسته ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والتي وصفتها بأنها هجوم على الديمقراطية.
وتم إعلانه في النهاية فائزاً، على الرغم من خسارته في التصويت الشعبي بمقدار ثلاثة ملايين صوت، وهي النتيجة التي لا يزال النقاش دائرا حولها.
 
 
تداعيات خطيرة
 
نهاية شهر أغسطس 2020 حذر السياسي الألماني، زيجمار غابرييل، من المخاطر العالمية للانتخابات الرئاسية الأمريكية.. وأشار وزير الخارجية الألماني السابق، إلى احتمالات قائمة بتداعيات خطيرة للانتخابات الأمريكية في حال هزيمة الرئيس دونالد ترمب، وفي حال فوزه، وهو احتمال ضعيف، فأن المخاطر العالمية قائمة. 
وذكر وزير الخارجية الألماني السابق، في مقال نشرته وسائل الإعلام الألمانية: “على عكس رحلة جول فيرن حول العالم في 80 يوما، ستكون رحلة العالم الحديث خلال الثمانين يوما القادمة شاقة أكثر من كونها مغامرة. لكنها ستتوج بحدث له تداعيات عالمية وتاريخية”.
وفي أقل من عدة اسابيع، ستجري الولايات المتحدة الانتخابات الرئاسية التاسعة والخمسين التي تجري كل 4 سنوات. نظرا إلى أن أمريكا لا تزال البلد الأقوى على الصعيدين الاقتصادي والعسكري من منافسيها الرئيسيين روسيا والصين مجتمعين، فإن انتخاباتها تشكل أهمية كبيرة على مستوى العالم. ولكن لم يسبق للانتخابات السابقة أن شكلت مثل هذا التهديد الحاد لبقية العالم.
ويضبف: “ليس هناك شك في أن إعادة انتخاب الرئيس ترمب سيعرض كلا من الولايات المتحدة والعالم لخطر كبير، علاوة على ذلك، هناك سبب وجيه للخوف من أن الانتخابات الوشيكة يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى أزمة دستورية عميقة وطويلة الأمد، وربما إلى عنف مدني”.
ومن ناحية أخرى، إذا تمكن ترمب من الفوز بتصويت الهيئة الانتخابية فقط مع خسارته التصويت الشعبي – كما حدث في عام 2016 – فمن غير المرجح أن يقبل منافسه جو بايدن أو غالبية البلاد التي تعارضه هذه النتائج كما فعلت هيلاري كلينتون في عام 2016، وكما فعل آل جور في عام 2000. وإذا تدخلت المحكمة العليا مرة أخرى لاختيار الفائز، كما فعلت عندما اختارت جورج دبليو بوش بدلا من جور، فإن الاحتجاجات الجماهيرية على مستوى البلاد ستكون شبه مؤكدة. ردا على ذلك، من شبه المؤكد أن يطلق ترمب العنان لقوات إنفاذ القانون الفيدرالية الأمريكية، كما فعل بالفعل في بورتلاند ومدن أخرى.
 
ترمب يتشبث بالبيت الأبيض
 
وتابع وزير الخارجية الألماني السابق: “نظرا إلى أن بايدن يتصدر ترمب باستمرار في استطلاعات الرأي، فقد يحاول ترمب بدلا من ذلك استخدام أزمة وباء كوفيد 19 كذريعة لتأجيل الانتخابات أو إفسادها، لقد أمضى الصيف بالفعل في محاولة تشويه صحة بطاقات الاقتراع عبر البريد من أجل نزع شرعية التصويت المقرر إجراؤه في 3 نوفمبر. على الرغم من أن هذه الإجراءات قوبلت بمقاومة قوية، إلا أن ترمب يمهد الطريق لحشد أنصاره والتشبث بالبيت الأبيض بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
ومن شأن أعمال الشغب والنهب من النوع الذي شهدناه مؤخرا في مدينتي بورتلاند وشيكاغو أن تساعد ترمب على المستوى السياسي في انتهاج هذه الإستراتيجية. لقد كان بالفعل على استعداد لنشر قوات وزارة الأمن الداخلي في وسط مدينة بورتلاند لترهيب مجموعات صغيرة نسبيا من المتظاهرين السلميين في الغالب. كانت النتيجة المتوقعة وربما المقصودة توسع الاحتجاجات وتصاعد العنف. لقد كانت رسالة ترمب إلى سكان الضواحي البيض من الطبقة الوسطى واضحة: هنا رئيس يحافظ على القانون والنظام.
وأضاف الوزير الالماني: “كما أن استخدام الموارد الفيدرالية لترهيب السكان يغذي أيضا رواية ترمب القائلة بأنه لا يمكن إجراء الانتخابات بنزاهة وهدوء دون التلاعب بها من خلال تزوير الانتخابات من قبل خصومه. إن صور الميليشيات اليمينية المُسلحة التي تظهر في الاحتجاجات السلمية هي نذير لما ينتظر البلاد هذا الخريف”.
لعل هذه النسخة من الولايات المتحدة، التي امتدت انقساماتها الداخلية بشكل متزايد إلى سياستها الخارجية، تشكل أكبر تهديد أمني يواجه بقية العالم اليوم. في وقت تتزايد فيه المخاطر العالمية – بدءا من الأوبئة وتغير المناخ إلى الانتشار النووي وتصرفات الصين وروسيا العدوانية – سيكون الانهيار السياسي للولايات المتحدة هو التهديد النهائي المضاعف. تعد أمريكا ببساطة أكثر أهمية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري من أن تأخذ استراحة أو، الأسوأ من ذلك، أن تصبح مفسدا لا يمكن التنبؤ به في الصراعات العالمية، بسبب حاجة حكومتها للعب مع الدائرة الانتخابية المحلية الضيقة.
ويمكن للمرء أن يأمل فقط أن تسفر الانتخابات عن فائز حاسم في كل من الهيئة الانتخابية وفي التصويت الشعبي. ومع ذلك، حتى في ذلك الوقت، قد يستغرق فرز النتائج النهائية بعض الوقت، وذلك نظرا للزيادة الهائلة المتوقعة في التصويت بالبريد. كل بطاقة اقتراع تحتوي على ختم بريدي بتاريخ 2 أو 3 نوفمبر "حسب الولاية" ستعتبر صالحة، مما يعني أن النتيجة النهائية لن تكون معروفة إلا بعد يوم الانتخابات. خلال فترة عدم اليقين هذه، قد تحاول أي من الجهتين أو كلتيهما إعلان النصر بناء على عدد الأصوات الحالي.
 
أزمة دستورية
 
و ذكر السياسي الألماني، زيجمار غابرييل: “في جميع الأحوال، لن يكون على ترمب الانتظار في المكتب البيضاوي لأيام أو أسابيع لتلقي الحصيلة النهائية. في المقابلات التي أجراها مؤخرا، أصدر بالفعل بيانات غامضة تشير إلى أنه لن يغادر البيت الأبيض إذا خسر في الانتخابات الرئاسية، في الواقع، يبدو أنه يستعد بنشاط لمثل هذا السيناريو. إذا كان الأمر كذلك، ستواجه القوة العظمى الرائدة في العالم أزمة دستورية طويلة الأمد – وقد تكون مستعصية”.
وتابع: “لقد ارتكب التحالف الغربي القديم للدول الصناعية والديمقراطية العديد من الأخطاء في السنوات الأخيرة، وقد أدت إلى تقويض سمعته الدولية. لكن لا توجد مؤسسة أكثر أهمية لجاذبية الغرب الأوسع من انتخابات حرة ونزيهة. إذا لم يعد الزعيم الفعلي السابق للغرب قادرا على التمسك بهذا المبدأ، فقد يختار باقي العالم أنظمة سياسية أخرى”.
عمر نجيب
[email protected]