أمننا القانوني في خطر! / محمد المختار الفقيه الفقيه

أربعاء, 2020-08-05 00:28

غالبا ما ننسى، أو نتناسى، أن الأمن الوطني هو من المفاهيم ذات الأبعاد المتعددة؛ فإلى جانب المفهوم التقليدي للأمن المتمثل في درأ الخطر الداخلي و الخارجي... هناك أبعاد أخرى للأمن لا بد من تضافرها لكي تتحقق الأهداف الكبرى للأمة: أمن غذائي، أمن صحي، أمن بيئي، أمن ثقافي، أمن قانوني....

وقد أصبح مفهوم الأمن القانوني، في الوقت الراهن، من أكثر المفاهيم تداولا عند تقييم أي نظام قانوني أو قضائي.

و الأمن القانوني، شأنه شأن أي بعد آخر من أبعاد الأمن الوطني، تتهدده المخاطر إذا لم تُوفَّر الأدوات و الوسائل الكفيلة باستتبابه. 

و من مظاهر استتباب الامن القانوني:
1- احترام مبدأ المشروعية الذي يعني أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني سابق على ارتكابها،
2- الانسجام والتناغم بين النصوص القانونية،
3- استقرار العلاقات التعاقدية استقرارا نسبيا يحمي مراكز الأطراف و يشجع الاستثمار و يوطد الثقة في المنظومة القانونية الوطنية،
4- احترام الحقوق المكتسبة الذي يعني هو الآخر استقرار المراكز القانونية 
5- عدم رجعية القوانين
6- جودة القرارات والأحكام القضائية الذي يعني حسن تحريرها ووضوح مقتضياتها، و من ثم قابليتها للتنفيذ 
7- احترام آجال الطعون
  
و لا يتأتى الامن القانوني دون تكامله و تَعْضِيدهِ بمفهوم آخر لا يقل أهمية عنه ألا وهو الأمن القضائي الذي يعرفه جانب من الفقه بأنه يعكس الثقة في السلطة القضائية و في القضاة أنفسهم، بالاطمئنان إلى ما يصدر عنهم من أحكام و قرارات قضائية.

دارت بخلدي هذه الأفكار و نحن على مفترق طرق حاسم يطبعه انتظار عام لمآل التحقيقات التي أنجزتها اللجنة البرلمانية حول ميراث التسيب الإداري و الفساد المالي، ذلك المآل الذي  لن نستبين خيطه الأبيض من خيطه الأسود إلا بترك الكلمة الفصل للسلطة القضائية التي عانت من التهميش و الاستغلال  السياسي، و التبعية العمياء للسلطة التنفيذية.

و مما حفَّزني للتذكير بمفهوم الأمن القانوني المُغيب أيضا ما تعرضت له منظومتنا القانونية من تعديلات عبثية بدأ من الوثيقة الدستورية التي تقطعت أوصالها و تمزقت شرايينها بفعل فاعل حتى فقدت،  أو كادت أن تفقد، جوهرها المقدس و سموها المنشود! ناهيك عن سيل القوانين و المدونات العادية التي تصاغ لحظيا بتقنية النسخ و اللصق و بلغة ركيكة و اقتباسات مفضوحة و تضمينات مغشوشة، و إحالات لمجهول!

 أنا هنا لا أنكر تضخم الترسانة القانونية، لكن الأسئلة الجوهرية التي تطرح نفسها هي: هل كان هذا التضخم عامل جودة و إغناء؟ أم مجرد "حشو" و تلفيق؟ وهل واكبه حسن تدبير وجودة تطبيق؟ و ما السر، يا ترى، خلف تعديل نصوص دخلت بالكاد حيز النفاذ؟ هل أفرزته تجربة لم تحصل أصلا؟ أم هو مجرد شغل فراغ لكيلا أقول مجرد استجابة لحاجات خارجة عن نطاق إحقاق الحق وخدمة العدالة؟

أنا لا أجادل في أن مراجعة النصوص القانونية هي عملية مستمرة تتوخى غربلتها و تخليصها من الشوائب الشكلية والموضوعية التي تسفر عنها الممارسة الفعلية، بل قد تقتضيها المصادقة على معاهدات دولية، لكن الأمر أصبح مثيرا للريبة!
و لا يغيب عن ذهني هنا مسلسل التعديل و التحوير المتواصل لمدونة التجارة التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2000 و التي أصبحت -فيما يبدو- ملهاة يتسلى بها وزراء العدل!

و الخلاصة أن أمننا القانوني ليس على ما يرام، و أن حمايته مسؤوليتنا جميعا: سلطات عليا، و مجتمعا، و فاعلين في حقل القضاء.