ليس سرَّا أني على الأرجح أكثر مشرقي يُحبُّ موريتانيا، فاذا كنتُ من المؤمنين بلقاء الارواح، واذا كان للمدنِ روحٌ أيضا، فلا شك أن روحّينا تآختا منذ لقائنا الأول. لا أعرف سرَّ ذلك، ولا أريد أن اعرفه، يكفيني ما أشعر به كلما زرت بلاد الشناقطة، وكلما مرّ طيف صحرائها وواحاتها والابتسامات الهانئة لأهل الصوفية والاعتدال فيها، في بالي.
في المرة الأخيرة التي زرت موريتانيا، واستقبلني أهلها-أهلي كالمعتاد بكل الحب الأصيل وتواضع العارفين والكرم الحاتمي الذي نَدُر نظيرُه في أي دولة أخرى في العالم، للمشاركة مع اصدقاء كثيرين بينهم السيدة آسية قاسم رئيس المنتدى الثقافي العربي في التسلّم والتسليم بين الرئيسين ولد عبد العزيز والغزواني، حيث الديمقراطية تنتعش هناك بقدر ما تضمحل في مشرقنا، أخذني اشقاء موريتانيون الى حيث كانت السفارة الإسرائيلية، قالوا لي بفخرِ أصحاب القلوب النابضة على قلب كل قضية عربية وفي مقدمها فلسطين: " أنظر يا اخي سامي، نحن جرفنا السفارة عن بكرة أبيها" جرى ذلك حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضم القدس كاملة الى إسرائيل. لم يكتف الموريتانيون بذلك، بل أقاموا مجسّم الأقصى أمام السفارة الأميركية وأسموا الشارع : شارع القدس. لم يجرؤ أي عربي آخر على القيام بربع هذا الأمر الجلل، حين قرر سيد البيت الأبيض اعتبار القدس عاصمة ابدية لإسرائيل وتشريع السيادة الإسرائيلية على الجولان العربي السوري والمضي قدما في صفقة التطبيع.
قد تسأل صديقي القارئ، لماذا طبّعت موريتانيا أصلا مع إسرائيل وهي من دول الأطراف وليس لها أي حدود معها؟ الجواب بسيط، لأنه آنذاك قيل للرئيس معاوية ولد الطايع: ان العلاقة مع إسرائيل ستمنع عنه انتقادات الغرب بشأن حقوق الانسان والعبودية وستفتح لبلاده خزائن المساعدات وتحمي سلطته. لكن انقلابا سريعا أطاح به أثناء زيارته الى السعودية للمشاركة في مأتم الملك فهد. وفعلا آنذاك سكتت أصوات كثيرة وراحت أميركا تغازل الخرطوم وتدفع بعض العرب لمساعدته.
كان يُمكن لموريتانا الحالية ان تجامل أميركا وتفتح ذراعيها لإسرائيل وكان يمكن لرئيسيها السابق محمد ولد عبد العزيز والحالي محمد ولد الغزواني، ان يقولا ان العلاقات بُنيت قبلهما وانهما فقط مستمران بها. لكن ثمة شعوبا وقادة وجيوشا ودولا ما تزال الكرامة عندها والقضايا المركزية أهم من المصالح والتسوّل الاقتصادي مهما ارتفعت مستوى الحاجة.
ليس سرّا كذلك، اني منذ زرت السودان في المرة الأولى، وكنتُ موفدا من قبل إذاعة فرنسا الدولية لمقابلة الرئيس عمر حسن البشير ( وحصلت معنا قصصا كثيرة صعبة وممتعة آنذاك رويتها في كتابي الرحّالة)، أخجلتني محبة ذاك الشعب الافريقي العربي الأصيل، وتعلقه بالقضايا العربية، وأذهلني مستوى النقاش الديمقراطي في البرلمان، ووجدت شعبا طيب الأعراق، صادقا حتى الشفافية
موقع 5njoum.com
صفحة سامي كليب