١- ليس مستبعداً أن تصل أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة في الأسابيع القليلة القادمة أكثر من مليون شخص. في ظل اتساع دائرة الفحوصات خارج منطقة نيويورك، و"امتيازات" البطالة الناتجة عن كورونا. والأرقام الحالية المفاجئة للكثيرين ليست كذلك بالنسبة للعديد من الفاعلين الصحيين المحليين.
٢- للتذكير، وحسب تقديرات مراكز مراقبة الأمراض CDC الأمريكية، أدّى فيروس H1N1-2009 ما بين إبريل 2009 وفبراير 2010 إلى إصابة حوالي 59 مليون شخص، احتاجت منها 265000 للعناية في المستشفى، وتوفي منها حوالي 12000 مصاب. وهو لا يزال موجودًا يصيب كل عام مجموعة من الناس. طبعًا هناك فرق بين خطورة المرضين وسرعة انتشارهما (والقوة في ذلك لصالح Covid-19، ويزيد هذا أيضا بارتباطه بمخاطر اقتصادية هائلة).
٣- ليس هناك أي مبرر علمي ولا عملي للقول بأن هذه الجائحة ستنتهي قبل موسم الإنفلونزا القادم (الخريف في الولايات المتحدة). ولكن الأمل الآن هو احتواء هذه الموجة الأولى من انتشار المرض حتى يكون العالم أكثر معرفة لطبيعته وعلاجه و/أو اللقاح ضده للتقليل من خطره في المستقبل القريب.
٤-الدول الغربية الرأسمالية عندها مشاكل هيكلية في القطاع الصحي العمومي بشكل خاص ستفضحها هذه الأزمة. والولايات المتحدة دون غيرها قطاعها الصحي العمومي سيّء جداً مقارنة بنظيراتها، رغم توفرها على الإمكانات الصناعية والتقدم العلمي والاقتصادي. ومع أن نتائج ذلك الوضع ستكون كارثية على حياة الكثير من المرضى، إلا أن جائحة كورونا سيكون لها أثر إيجابي باعتقادي على تحسين هذا القطاع الحساس على المدى البعيد، بإعادة النظر في السياسات الصحية في هذه البلدان.
٥- على المستوى الاقتصادي سيكون لفيروس كورونا أثر سلبي كبير؛ من حيث تفشي البطالة، وعجز الموازنات الحكومية المحلية والفدرالية بسبب الضغط على الخدمات العمومية والحاجة إلى المساعدات الاجتماعية.. ناهيك عن تأثيره الكارثي على قطاع الخدمات (مثل الفنادق والطيران والسياحة وغيرها). ولكن هذا "الكساد العظيم" يبالغ البعض في تأثيره، باعتقادي، حين يجعله سببا محتملا ل "قلب موازين القوة العالمية". فمراكز القوة كما هو معلوم لها محددات على رأسها التقدم العلمي، وتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والقوة العسكرية والمخابراتية، بالإضافة طبعًا إلى القوة الاقتصادية. وأغلب هذه العوامل لن تغير جائحة كورونا فيها الشيء الكثير.
٦- بالنسبة لموريتانيا وغيرها من بلدان العالم الثالث، الأمل في استخلاص العبر كبير، وأن تؤدّي هذه الأزمة إلى التركيز على البناء الداخلي؛ ترسيخًا لروح التلاحم والمواطنة، وأخذًا بأسباب الاكتفاء الذاتي (غذائيا وصحيا على الأقل)، هذا فضلا عن العناية بالطبقات الهشة الأكثر عرضة للمخاطر الصّحية والاقتصادية والأمنية، وخاصة أثناء الأزمات.
٧- أخيراً، أفضل عادة في المجال الصحي أن أقول إن الوقاية أرخص من العلاج. وأننا في موريتانيا يجب أن تكون الوقاية خيارنا الوحيد، ليس لأنها خير من العلاج وأرخص منه فحسب، ولكن لأن خيار العلاج شبه غائب أو متعذر. أعتقد بأن الإجراءات الوقائية في البلد جيدة في مجملها (ربما ساعد في ذلك خبرة وزير الصحة الحالي في مجال مكافحة الأوبئة)، مع اختلالات وارتباك من أهم أسبابه نقص الإمكانات المادية والبشرية، وضعف الوعي عند المواطن، وطبيعة الجائحة، وسعة الحوزة الترابية..
وأختم بتحية متجددة لطواقمنا الصّحية على الخطوط الأمامية، والتي تتلقى المخاطر بصدور شبه عارية من أجل حفظ الوطن وسلامة المواطن.. سنعبر هذه الأزمة بحول الله أكثر تلاحما من ذي قبل، وأكثر إيمانا بذاتنا الوطنيّة، واستشرافاً للمستقبل.