لقد تابعت طرفا من تعليق معالي وزير الخارجية المكلف بالموريتانيين في الخارج على نتائج اجتماع مجلس الوزراء الأخير الذي أشار فيه لاهتمام وزارته بقضايا ازدواج الجنسية.
و نظرا لإلمامي الشخصي بملف الجنسية إذ توليت خلال سنوات ثلاث أعباء إدارة الشؤون المدنية و الختم المكلفة من بين أمور أخرى بهذا الملف الحساس؛ فإنني أستطيع أن أقول، دون مبالغة، إن هذا الملف لم يلق العناية التي يستحق من طرف السلطات العليا ممثلة في مصالح رئاسة الجمهورية و وزارة العدل التي يطلع الوزير المكلف بها بتحضير مشاريع المراسيم المانحة للجنسية أو المرخصة للاحتفاظ بها بالنسبة للمواطنين الذين تحصلوا على جنسيات أجنبية نتيجة عوامل مختلفة: ميلاد، زواج، إقامة....
و باديء ذي بدء أقول ان المئات، إن لم أقل الآلاف، من الموريتانيين قد حصلوا على جنسيات تكاد تغطي خارطة العالم: من الولايات المتحدة الأمريكية غربا و انتهاء بالصين الشعبية في أقصى الشرق، مرورا بأوروبا، و هو أمر لا يدركه إلا المعنيون أنفسهم أو من ألقت به المقادير في طريق هؤلاء.
و للتذكير فقد صدر أول قانون للجنسية في الجمهورية الإسلامية الموريتانية فجر الإستقلال الوطني و هو القانون رقم 61-112 بتاريخ 12 يونيو 1961 الذي شهد تعديلات طفيفة لم تمس جوهر القيد الذي فرضه على عدم السماح بازدواج الجنسية.
و تحت إلحاح الضغط المتصاعد من طرف الأجيال الثانية من أبناء الجاليات الموريتانية المستقرة في بلدان عديدة و المهاجرين الجدد الذين اكتسبوا جنسيات بلدان الإقامة تم إصدار القانون رقم 023-2010 بتاريخ 11 فبراير 2010 الذي سمح للمواطنين الذين تحصلوا على جنسية أجنبية بالاحتفاظ بجنسيتهم الموريتانية بمقتضى مرسوم موقع من طرف رئيس الجمهورية.
و لئنن كان هذا التعديل قد صادف قبولا منقطع النظير بوصفه استجابة لتطلعات كثيرين فإن التطبيق العملي ظل دون مستوى تطلعات المواطنين.
و ما من أحد يستطيع أن يقدر حجم المعاناة التي يتكبدها المعنيون غير الضحايا أنفسهم أو من ألقت به المقادير في طريقهم!
تصوروا مثلا حجم معاناة أسرة من ستة أشخاص حاصلين على جنسية أجنبية قدموا لقضاء إجازة في و طنهم و قد ولدوا كلهم، أو ولد آباؤهم، في موريتانيا، ألزموا باستصدروا تأشيرات الدخول و عوملوا كأجانب في وطنهم، ثم لم تتوقف معاناتهم عند هذا الحد؛ بل إنهم مجبرون على دفع غرامات مجحفة عن فترة الإقامة الزائدة على التأشيرة، و حين يتقدمون بطلباتهم للحصول على مرسوم بالاحتفاظ بالجنسية يواجههم روتين منهك لا ينتهي بإدارة لا تملك الموارد البشرية و لا الخبرة اللازمة، و حين يستكملون الإجراءات الاولية على مستوى هذه الإدارة يواجهون بسقف الاستجابة من لدن جهة الترخيص و عدم التقيد بالأولوية في ورود الطلبات.
و تتضاغف المعاناة و يطول الانتظار كلما حصل تغيير وزاري فتعود الأمور إلى مستوى الصفر، و تُعاد صياغة مشروع المرسوم، و يُعاد تأشيره لدى المديرية العامة للتشريع، ثم الوزارة، ثم الرئاسة!
و لكم أن تتصوروا معي الآن حجم معاناة هؤلاء المواطنين الذين لم توقع مراسيم احتفاظهم بالجنسية و قد حصل تغيير شامل طال رئيس الجمهورية و الحكومة برمتها! كان الله في عونهم!
و لقد حرصت طيلة تكليفي بهذا الملف الحساس مع الوزراء المتعاقبين على اقتراح حل ينهي هذه المعاناة إما بتعديل القانون رقم 023-2010 بما يتيح للموريتانيين الحاصلين على جنسيات أجنبية الاحتفاظ تلقائيا بجنسيتهم الموريتانية أو إصدار مرسوم مطبق لهذا القانون يتم بموجبه تفويض توقيع مراسيم الاحتفاظ بالجنسيةللوزير الأول، او لوزير العدل، ليبقى اختصاص منح الجنسية الموريتانية للأجانب اختصاصا حصريا لرئيس الجمهورية.
ما أريد ان أخلص إليه من هذا التدخل في موضوع لم أعد مكلفا به -و لله الحمد- هو أن وضع هؤلاء المواطنين يكاد يكون كارثيا نظرا لحجم المعاناة الذي نبهت إليه آنفا، و على الوزارتين المعنيتين مباشرة بهذا الملف( وزارة العدل و زارة الخارجية) أن تباشرا العمل بأقصى درجات السرعة و المسؤولية لتخفف من معاناة مئات إن لم أقل آلاف المواطنين ضحايا الروتين و القيود الإدارية.
ألا هل بلغت! اللهم فاشهد!