إن القبيلة قد كانت ككيان اجتماعي تمليه ظروف المجتمع الرعوي بسبب عدم وجود الدولة الحديثة ، وقد كانت القبيلة توفر لأفرادها قدرا من الحماية و التضامن في تلك الظروف الصعبة .
ولكن مع تقدم الشعوب و نزول الديانات السماوية ، ثم بعد ذلك قيام الدولة الحديثة ، كل ذلك قلص من دور القبيلة الاجتماعي حتي كاد ينعدم في الدول المتحضرة و شبه المتحضرة .
إلا أنها أي القبيلة بقت على عكس ذلك عندنا ككيان صامد عصي على التغير رغم قيام الدولة الموريتانية الحديثة و محاولة رئسها المرحوم المختار ولد داداه التخفيف من سلبيات المجتمع القبلي عن طريق دمجه في الحزب الحاكم وكذا النقابات و الحركات السياسية الاخري .
ولكن القبيلة سرعان ما أعاد لها الجيش الوطني ألقها بالإنقلاب العسكري الذي قاده في صيف 1978 وذلك بمحاولة إشراك القبيلة في اتخاذ القرار السياسي و اعتبارهامصدرا للتوظيف و التعينات وكذا الصفقات العمومية ، ثم وضع أسماء بعض القبائل على اسم الوليلايات و المناطق الجهوية معتقدا أن ذلك سوف يقرب القبائل منه على حساب الرئيس المنقلب عليه ويعود سبب ذلك التوجه بالنسبة للجنود الى ضعف تكوينهم الثقافي و الفكري مما جعلهم يلجؤن الى مافي مخيلتهم من مخزون تاريخي منفوخ بحكايات شعبية أقرب ماتكون إلي الأساطير منها إلي التاريخ ، و بذلك قضوا هؤلاء على الخطى المتسارعة التي كان يخطوها المختار ولد داداه في اتجاه الحرية و العدالة الاجتماعية و المساواة و تذويب الفوارق الاجتماعية و تكافؤ الفرص بين مكونات شعبنا.
و من هنا أيضا دعونا نعود لنعط لمحة ولو وجيزة عن ( ماهية ) القبيلة و هل هي كيان يقوم على أسس سليمة يحكمها نسيج اجتماعي يتأقلم مع كل وافد جديد سواء كان ذلك الوافد النظام الإسلامي في ثوبه القديم أو الدولة الحديثة في محيطها الدولي المعاصر .
و الذي ينظر بترو و إمعان سيجد القبيلة ( البيظانية) أنها كيان هش يقوم على التفاوت الاجتماعي و الدونية الشئ الذي يجعل الولاء للقبيلة يختلف من فئة الى أخري . بل إن بعض الفئات تري عدم تكافئ البعض لها مما يولد الحقد المتبادل بين هذه الفئات ، فمثلا شريحة لمعلمين يزدريها بعض الفئات الاخري رغم أنها أفضل منهم و أكثر ما قدمت للمجتمع من خير و منافع ، أما شريحة لحراطين رغم بذلهم و عطائهم و تفانيهم في خدمة المجتمع فهم يعاملون بنوع من الدونية يقربهم من قاعدة السلم الاجتماعي في آخر نقطة داخل القاع ، و رغم ذلك فهؤلاء و أولائك جزء من القبيلة .
و هناك من الفئات من لا نرى من يقبل الأنساب لها إذا ماتحسنت وضعيته الاقتصادية أوالثقافية مثل ( آزناكة) .
فمجتمع هذه وضعيته يعد غير منسجم ولا يمكن ان يخلص بعضه لبعض و ان يضحي من اجله ، علما ان هذه الفئات التي تقع في أسفل الهرم الأكثر تحمسا لشؤون القبيلة من نبلائها ظنا من هؤلاء المساكين أن ذلك يرفع من شأنهم لدى أفراد القبيلة ، ولكن بمجرد ما يشرئب عنق أحدهم و يطمح إلي المصاهرة فإنه سوف يرد عليه بقول الشاعر العربي ( غض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كلابا ) .
و حينئذ لا يبقي أمامه إلا ابتلاع رغبته و لوم أجداده
أما إذا قارنا ولاء المواطن القبلي للدين الإسلامي والقبيلة فإذا به يغضب و يرضي بكل ماله علاقة بالقبيلة ، في حين لا نري لديه شئا من ذلك إذا ما نقص أحدهم من الإسلام أوتراثه .
و من هنا جاء نبذ الرسول صلى الله عليه وسلم و شجبه للقبيلة ووصفها بالنتنة مما يسبب ذلك الوصف نوعا من الاشمئزاز لذوي الذوق السليم ، و الخطير في الأمرأن السلم الاجتماعي يتوارث فإذا كان الواحد أبوه من شريحة أجتماعية منحطة و لو كان هو عالما تقيا أوطبيبا ماهرا فإن ذلك لا يقدمه خطوة واحدة تجاه السلم الاجتماعي الذي يعلوه خصوصا قبائل قمة الهرم المتنازعة مابين القبائل الحسانية و الزوايا .
إن النظام القبلي المشار الى بعض ثقافته لا يؤمن ( حقا) بقوله تعالي :( إن أكرمكم عند اللّه أتقــٰكم )( و ما ألتنــٰهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين ) بل إن إيمانهم يكاد ينحسر في تلك التراتبية الاجتماعية القبلية البالية .
و أخيرا فإن القبيلة ككيان اجتماعي فهي أداةفي يد الرجعية الوطنية تستخدمها في سوق النخاسة السياسي و تشتري أصوات أفرادها من طرف الأنظمة الدكتاتورية العسكرية المغطاة بلبوس الاستبداد الديمقراطي وذلك بأبخس الأثمان خصوصا إذا ما كان الثمن هو تعين وزير أو مدير أو ماشابه ذلك .
ذ/ اسلم ولد محمد المختار ولد مانا