بعد مرور 48 على النكسة، سمحت الرقابة العسكريّة الإسرائيليّة بنشر وثائق الحرب العدوانيّة التي شنّتها الدولة العبريّة على مصر وسوريّة والأردن، ومن اللافت الوثيقة التي تمّ الكشف عنها ويعود تاريخها إلى الثاني من حزيران (يونيو) من العام 1967.
في تلك الجلسة، التي عُقدت بمشاركة قادة الجيش الإسرائيليّ، الذي كان يتسحاق رابين القائد العام له، بمشاركة جميع الوزراء في الحكومة آنذاك، قال الجنرال رابين: من المُتوقّع أنْ نصل إلى وضعٍ عسكريٍّ نفقد فيه الكثير من الأفضليات والميّزات العسكريّة، لا بلْ أكثر من ذلك، أضاف رابين: لا أُريد استخدام مُفردات صعبة، ولكن أكتفي بالقول إنّ هناك خطرًا مُحدّقًا حول وجود إسرائيل، على حدّ تعبيره.
وبحسب موقع (WALLA) الإخباريّ – الإسرائيليّ، فإنّ الاطلاع على الوثيقة المذكورة، يكشف عمق الضغوطات التي مارسها قادة الجيش الإسرائيليّ على رئيس الوزراء آنذاك، ليفي إشكول، للبدء بالحرب ضدّ الدول العربيّة، كما لفت الموقع إلى أنّ الوثيقة تؤكّد بما لا يدعو مجالاً للشك حجم المحنة والقلق والخوف الذي كان يعتري المؤسسة الأمنيّة والسياسيّة على حدً سواء من نتائج الحرب، حيث أوضح رابين للمُشاركين بأنّه يتحتّم البدء فورًا بالحرب، وألّا يجب الانتظار أكثر، ذلك، أنّه بحسبه، إذا فقدت إسرائيل الأفضليّة التي تتمتّع بها فإنّ الحرب ستكون طويلة، صعبة وكثير من الجنود والضباط سيُقتلون خلالها، وشدّدّ رابين على أنّ كلّ يوم يمر، دون البدء بالحرب، يُفقد إسرائيل إمكانية حسم المعركة في زمنٍ قصيرٍ للغاية، على حدّ تعبيره. وفي الاجتماع عينه، أيْ قبل يومين من الحرب، بدا جنرالات الجيش، على رأسهم رابين، كما لو أنّ الواقعة قد وقعت وأنّ قرار الحرب لا بد أن يتخذ.
وقال رئيس الأركان مخاطبًا الوزراء: نظراً لانتشار الجيش المصري في سيناء، فإنّ كل يوم يمر من دون شن هجوم عسكري سيؤدي إلى زيادة تحصيناته في المنطقة، وتابع: في حال اضطررنا إلى ضربهم، سيكون الأمر أكثر صعوبة، لافتًا إلى أنّه في هذه الحالة لن يجلس السوريون بهدوء.
ومضى رابين يشرح وجهة نظره حول الوضع قائلاً: أنا على الأقل أشعر، وهو أكثر من شعور، بأن هناك طوقًا عسكريًا وسياسيًا حولنا آخذ في الانغلاق، ولا أعتقد أن أحدًا آخر سوف يفتحه. ليس لدينا الرخصة بأنْ ننتظر حتى يتشكل وضع ينطوي على المزيد من الصعوبة والتعقيد، إنْ لم يكن أكثر من ذلك، ولا أريد أن أعبر عن ذلك بشكل واضح إذا لم نتحرك فورًا. وأوضح أيضًا أنّ الهدف الرئيسي من الهجوم سيكون إنزال ضربة قاضية بعبد الناصر، من شأنها أنْ تُحدث تغييرًا في الشرق الأوسط كله، مُضيفًا: أعتقد أننا اليوم ندخل في وضع لن يكون لنا مفر منه. الوقت لا يعمل لمصلحتنا، وبعد أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة سيكون الوضع أكثر سوءاً. وانضمّ رئيس الاستخبارات العسكرية، أهارون ياريف، إلى رأي رابين، شارحًا سبل العمل المصرية المحتملة: إما الاستفزاز من خلال المبادرة إلى عمليات فدائية تقف إسرائيل قبالتها عديمة الحيلة أو إنزال ضربة عسكرية تدمر ديمونا وربما المطارات. أمّا قائد سلاح الجو، مردخاي هود، فقد شدد على جهوزية سلاحه للعمل فوراً ولا حاجة للانتظار 24 ساعة، فيما كان الجنرال أرييل شارون الأشد قسوة في نقد سلوك الحكومة، معتبرًا أنّ التردد والمماطلة أديا إلى أنْ نفقد عنصر الردع الأساسي الذي نمتلكه وهو خوف الدول العربية منا.
وأضاف: إنّ تراكض الحكومة بين الدول العظمى وطلب النجدة منها غير وارد عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على حقوقنا. كما عبّر الجنرال ماتي بيلد عن رأي شبيه برأي شارون، قائلاً إنّ هيئة الأركان العامة لم تحصل على شرح يبرر انتظارنا. إذا كنا ننتظر شيئاً فاكشفوا عن السر ولنعلم ماذا ننتظر. واتهم بيلد الحكومة بالتسبب بالأزمة لأنّ مصدر التحرش المصري الذي أدى إلى الأزمة هو أنّ عبد الناصر استند إلى تردد الحكومة الإسرائيلية، وهو فعل ذلك واثقًا بأننا لن نجرؤ على الرد.
من جهته، ردّ أشكول على ضغوط الجيش بما يعكس تخوفه من تداعيات قرار الحرب على الجبهة السياسية وحرصه على استحصال الضوء الأخضر الأمريكيّ قبل اتخاذه، وقال: ينبغي عدم التعامل مع أنفسنا كما لو أننا طواليت (جمع طالوت). في دولة عدد سكانها مليونان، يجب علينا أنْ نسأل أنفسنا: لنفترض أني قبلت بالقول لماذا علينا أن ندع الوقت يمر من دون الشروع بالهجوم. لنفترض أ
ننا كسرنا اليوم قوة العدو، إلا أنه سيبدأ من الغد ببنائها من جديد، لأننا نحن أيضًا سنكون قد خسرنا من قوتنا. إذّاك، إذا كنّا كل عشر سنوات سنضطر إلى القتال، فسيكون علينا أن نفكر في ما إذا كان يوجد حليف يساعدنا، أم أننا اليوم سنتحدث مع حليفنا ونقول له غداً: نحن نهزأ بك. وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيليّ، قائلاً في الجلسة نفسها: يجب القول للرئيس الأمريكيّ جونسون والرئيس الفرنسي شارل ديغول ورئيس الوزراء البريطاني هارولد ويلسون إنّ الوضع هو كالآتي: مسألة شرم الشيخ مهمة جدًا، إلا أنّ ما يحصل يشكل تهديدًا شديدًا علينا، بحسب تعبيره.
الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس: