مرّتْ على بلادنا ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى يُخلد عبر العالم بقرار من الأمم المتحدة فى العاشر من دجمبر من كل سنة دون "دَبِيبٍ"جمعوي و لا إعلامي يذكر رغم الحاجة إلى "رفع العقيرة"من طرف جميع الموريتانيين على اختلاف ألوانهم و ألسنتهم و "أوهام مكاناتهم الاجتماعية"رفعا و إعلاء من شأن فئة لا زال بعضُ منتسبيها ناقصى الحقوق الإنسانية الأساسية.
و يعانى مصطلح حقوق الإنسان ببلادنا من آَفَتَيْ "نقصِ الفهم" و "تحريف المصطلح عن موضعه" و يتجسد نقص الفهم فى عدم استيعاب العديد من الموريتانيين للمقصودِ الوطني الأساسي من حقوق الإنسان و هو "تصحيح المظالم الاجتماعية المتوارثة و رأبُ الصدع الشرائحي واعتماد التمييز الإيجابي لفائدة الشرائح و الفئات الأقل حظا إلى غاية تحقيق التكافئ ماديا و معنويا فى قابلية النفاذ و الولوج إلى كافة الفرص".
أما "تحريف المصطلح عن موضعه"فيتمثل أولا فى "التهويل"الذى يعانى منه ملفُ حقوق الإنسان من طرف بعض السياسيين المنتمين فى غالبهم إلى قطب المعارضة و الذين إن تسمع منهم أو تقرأ لهم حسبتَ الأرضَ بُدِلَتْ غير الأرض و الوطن غير الوطن و المجتمع غير المجتمع و هم بهذا يسيئون إلى القضية و الموضوع من حيثُ يحسبون أنهم يحسنون صنعا.!!
كما يتمثل تحريف مصطلح حقوق الإنسان عن موضعه فى "ردة فعل من التهوين"كثيرا ما تَرْكَنُ إليها بعض دوائر الأنظمة السياسية الحاكمة و بعض "النخب الوطنية الحَوْلَاءِ"تتجسد فى إنكار الحاجة إلى" استنفار وطني راشد جامع" من أجل "الرفع من مستوى"بعض الشرائح الاجتماعية و أوكدها و أسبقها و أحقها -بفارق كبير و كبير جدا-الشريحة"ذات الماضى الاسترقاقي القريب أو البعيد".
و قد أدى "تحريف مصطلح حقوق الإنسان عن موضعه" بفعل التهويل من طرف قوى وطنية و التهوينِ من قِبَلِ قوى وطنية أخرى معاكِسَةٍ إلى شيطنة مفهوم حقوق الإنسان و ضياع مقاصده النبيلة حتى أصبح فى مخيال بعض الرأي العام صِنْوَ"التخابر و التمالئ مع الخارج"وفى ذهن جزء آخر من الرأي العام أنه "تمييع ٌ و توأمة مع الرجعية و "معاداة التقدمية و المساواة".!!
و تقديرا منى بأن" المستقبل المنظور"لبلدنا وثيق الصِّلة بالمعالجة الراشدة و الإجماعية لإشكالية"خفايا و رواسب الرّق"(المقصود بالخفايا بعض الممارسات الاسترقاقية التى قد تكون موجودة لكنها مستترة مستخفية غير معلومة)باعتبارها أم انتهاكات حقوق الإنسان فإنى أعتقد أن "شبه الإجماع الوطني"ناضج أيامنا هذه للاتفاق على الإجراءات التالية التى قد تؤسس لِغَد حقوقي قريب مشرق:-
أولا: سن ُ قانون الفصل بين العمل السياسي و النضال الحقوقي: يعتقد على نطاق غير ضيق أنه ما من سبيل إلى تطهير الحقل الحقوقي من دَرَنَيْ التهويل و التهوين إلا من خلال سن قانون يحرم الجمع بين ممارسة العمل السياسي و النضال الحقوقي -و لو لفترة محدودة -عَشْرَ حِجَجٍ مثلا-حتى تَنْتَفِيّ شبهة الاستغلال السياسي تهويلا أو تهوينا عن ممتهنى النضال الحقوقي و حتى يُغْرَسَ فى أدمغة أهل موريتانيا أن موريتانيا تكون بمعالجة راشدة متأنية مُوّطّأَة إجماعية لإشكاليات حقوق الإنسان أو لا تكون.!!
ثانيا:تبني النضال القوي ضد خفايا و رواسب الاسترقاق من طرف النخب كلها: قليلا ما ينعقد الإجماع السياسي و النخبوي فى موريتانيا على أمر ما لكنى أعتقد أنه الْيَوْم منعقد على أولوية و أسبقية و استعجالية محاربة خفايا و رواسب الاسترقاق.
و رغم هذا "الإجماع الكَلَالِيِ" حول خفايا و رواسب الرّق فإن النضال الحقوقي ببلادنا لا زال رموزُهُ ينتمون حصريا إلى الشرائح ذات الماضى الاسترقاقي و قد كان الأولى أن يكون رموز النضال الحقوقي موزعين على جميع الفئات و الشرائح و خشيتى كبيرة من تفويت المزيد من الوقت و الفرص قبل تنويع و توزيع فضيلة النضال الحقوقي عموما و النضال الحقوقي ضد خفايا الاسترقاق و رواسبه و هو ما يدفعنى إلى اقتراح تبنى النضال الحقوقي من طرف نخب وطنية عالية المستوى غير منتمية إلى ضحايا الماضى الاسترقاقي؛
ثالثا:تخصيصُ تمويل عمومي للجمعيات الحقوقية: إذا ما تم سنُ الفصل بين العمل السياسي و النضال الحقوقي فإنه تتعين مراجعة القوانين و النظم الخاصة بالجمعيات الحقوقية بغية تطهيرها من شبهات التمييع و الزبونية سبيلا إلى استكشاف منظمات حقوقية وطنية جادة يجدر أن توجه لها تمويلات عمومية من أجل المساهمة إلى جانب العمل الحكومي فى تعجيل القضاء على خوارم حقوق الإنسان بالبلد.
المختارولد داهى،سفير سابق.