تشهد ساحتنا الوطنية هذه الأيام حراكا كبيرا وتمور بنقاشات وحوارات ساخنة بين أصحاب الرأي من المثقفين والسياسيين تتعلق بطبيعة المرشح الأمثل والأصلح لقيادة المرحلة القادمة، ورغبة في إثراء النقاش والإسهام فيه لا بد أن أنبه وأشير إلى أهمية التعامل مع خصوصيتنا وواقعنا أثناء التحليل والمعالجة قبل إصدار موقف ما.
فلا ينبغي القفز على الواقع بل لا بد من أخذه بعين الاعتبار، ومن خصائص واقعنا أن مجتمعنا منذُ نشأته ظل مجتمعا قبليا، يحكمه مفهوم الجهة والشرائحية، وتنخر جسمه العصبية والعرقية، وتغيب فيه الحياة السياسية الحزبية، فأحزابه السياسية حديثة النشأة – إذا ما استثنينا أحزابا معروفة بمشاريعها وبرامجها – مازالت مع الأسف عاجزة عن تقديم نفسها كأحزاب رؤى وبرامج تجعل منها أطرا ومؤسسات مؤهلة للاستقطاب ولقيادة المجتمع، ولم تتمكن حتى الساعة من تسليح المواطن بثقافة وطنية جامعة، ترسخ مفهوم المواطنة وتقوي النسيج الاجتماعي، وتصون وحدة الكيان الوطني، ففقدت بذلك القدرة على الفرز المطلوب للقيادات المجتمعية القادرة على التنافس فى الاستحقاقات المصيرية، التي لا ينبغي -موضوعياً- أن يتقدم إليها إلا من أفرزته تجربة ميدانية ورشحته مؤهلات ذاتية، وتوفر على سمات قيادية وامتلك رؤية جامعة تسمو فوق اعتبار الجهة واللون والعرق، وفى ظل وضعية كهذه وأمام واقع مر هذه سِماته فقد جاء الإعلان عن ترشيح الأخ محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني مطمئناً، وفي وقت مناسب واستقبله الرأي العام بالترحيب والقبول وبالارتياح بوصفه مرشحاً مميزاً من العيار الثقيل، يستطيع دون غيره سد الفراغ الكبير الذي سينجم عن ترك الأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز كرسي الرئاسة، بعد انتهاء مأموريته الثانية، فهو الأمين المؤتمن على المشروع المجتمعي، القادر على تثبيت وصيانة المنجزات الكبيرة التي تحققت خلال العشرية الماضية في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، خاصة مبدأ التناوب السلمي علي السلطة.
إن الإعلان عن ترشيح محمد ولد الشخ محمد أحمد الغزواني حمل أكثر من دلالة، ونم عن عبقرية الأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وعن حكمته وحنكته، فهو مرشح حباه الله بمؤهلات وصفات نادرة قلما اجتمعت في شخص واحد، من أبرزها الشخصية المحببة والرزانة والتواضع والتجربة، وحسن الطوية والمكانة الاجتماعية والروحية، والوطنية الصادقة، كما ينفرد في صفاته بأنه ابن مؤسسته عسكرية وأمنية تدين له بالولاء قدر ما ندين نحن لها بالولاء، ونكن لها احتراما خاصاً فهي صمام أمان لنا ولبلدنا.
فالمؤسسة العسكرية والأمنية يعظم دورها في البلدان التي لم تترسخ فيها فكرة الدولة مثلما عاشته الصين والهند وإندونيسيا فى فترات سابقة، وحتى في البلدان الديموقراطية المتقدمة والسر في ذلك عائد إلى وظيفتها ودورها المحوري الذي يدخل في صميم الأمن القومي لأي بلد، وهو ما يفسر ظاهرة حكم القادة العسكريين الكبار لبلدانهم، وذلك لقدرتهم على لعب أدوار مميزة قد لا يستطيع غيرهم القيام بها، وهي ظاهرة ينبغي التذكير بها ليدرك الذين يتوجسون من أصحاب الخلفية العسكرية، أن ما ندعو إليه ليس نشازاً ولا خروجا على ما هو مألوف في عالم السياسة، ألم يكن جورج واشنطن أبرز القادة الأمريكيين الذين حكموا الولايات المتحدة الأمريكية، وماذا نقول عن استدعاء الشعب الأمريكي سنة 1953 للجنرال أيزنهاور لقيادة بلاده، وما دلالة قيادة الجنرال ديكول لفرنسا الحرة سنة 1945 وعودته سنة 1958 ليؤسس الجمهورية الخامسة، ألا يدل ذلك على الاعتراف الصريح والتسليم الواضح من الشعب الفرنسي بالقدرات الخاصة لديكول، باعتباره صاحب دور مميز لا يستطيع غيره القيام به، وإذا نظرنا إلى إنكلترا التي هي أم البلدان الديموقراطية وراجعنا سجلاتها، فماذا نقول عن استقالة رئيس وزرائها المنتخب هارولد ويلسون لصالح نائبه في ذلك الوقت جيمس كالهان سنة 1975، وذلك بإيعاز من مؤسستها العسكرية والأمنية لاعتبارات تتعلق بأمن بريطانيا القومي.
فلماذا إذا نأخذ من تقاليد الغرب ما يدعم ويلبي رغباتنا وينسجم مع آرائنا السياسية، ولا نقيم اعتباراً لمعطيات وحقائق أخرى أكثر دلالة وارتباطاً بالواقع.
أما على مستوى محيطنا العربي، فهل شهدت أمتنا العربية حقبة أهم وأعظم من الحقبة التي قادها أصحاب الخلفية العسكرية مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين وهواري بومدين ومعمر القذافي وحافظ الأسد وسوار الذهب، أما سادت في حقبهم مشاريع العدل الاجتماعي كشرط ضروري ولازم للحرية السياسية، وانطلقت فيها شعارات مثل « ارفع رأسك يا أخي »، وخاضت فيها الأمة أشرف معارك العزة والكرامة، وأصبح لنا فيها وزن وشأن ودور قيادي تغيرت بمقتضاه قواعد الصراع في منطقتينا العربية والأفريقية، حيث تشابكت سواعد قادتها وشعوبها لإبراز ملامح عالم جديد، شكلنا مع دول عدم الانحياز طرفا أساسياً فيه، وهو ما يفسر سر تحسر أحرار الأمة وأبناء القارة مع أحرار العالم على ضياع وغياب ذلك الماضي المجيد.
أما هنا في بلدنا، فإن قناعتي كاملة أن الأيام ستثبت، حين يُكتب تاريخنا السياسي بأقلام أمينة ومحايدة، أن أهم وأعظم مرحلة من مراحل الحكم في هذا البلد، هي المرحلة التي نعيشها اليوم في ظل قيادة الأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وأن خلفيته العسكرية والتقدمية هي التي وجهته لاعتماد منهجه التغييري، وهي نفس القناعة التي تدفعني اليوم إلى توجيه نداء للنخبة الوطنية لضرورة الوعي بحساسية المرحلة القادمة التي تستدعي وتحتم وجود قائد جديد من رحم النظام، لا من خارجه، بمكانة وبحجم الأخ محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، الذي يستطيع فرض الأمن والاستقرار كركيزتين أساسيتين لكل تنمية ولكل نهضة. فهو يعي ما للإرهاب من خطر وخطورة، ويمتلك التجربة التي تمكنه من مواجهته بما يجنبنا سيناريوهات الفوضى.
من هنا فإن كل الغيورين على حاضر ومستقبل موريتانيا لا شك سيلتفون حول مرشحهم الأنسب والأمثل والأصلح والأجدر لقيادة سفينة البلد بكل كفاءة واقتدار، مرشح الإجماع والأمل.
كما أدعوا إخوتي قادة المعارضة إلى مراجعة جريئة تستجيب لمقتضيات المرحلة، وتتوج بقرار تاريخي باعتماد مرشح الإجماع، الأخ محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، فالواجب الوطني يقتضي ذلك والمصلحة الوطنية تستدعيه.